Wednesday, May 30, 2018

ميشيل كلاغاصي


إيران ما بين السلام الأمريكي والمواجهة الكبرى


بسياسته الرعناء وبإسلوبه الفظ وبعنجهية التاجر الفاجر , أخاف دونالد ترامب عقلاء بلاده والعالم منذ أن رفع شعار "أمريكا أولا ً", بعدما أرهقتها إخفاقاتها وهزائمها وتفاهماتها وإتفاقاتها التي كبلت اّلية تحركها السياسي والعسكري , أراد تحريرها وإعادة إطلاق يدها من جديد كمنقذٍ أو مريكا الجديدكحزامٍ ناسف , فألقي وعيده قبل وعوده , وأدخل العالم في دوامة الحسابات المعقدة مع إعلانه إستراتيجيته الجديدة "بمواجه الطموحات الرجعية لروسيا والصين والدولتان المارقتان إيران وكوريا الشمالية", وإطلاق وزير حربه إستراتيجية البنتاغون بإعتمادها على "منافسة القوى العظمى وليس الإرهاب".
فيما ينتظر العالم اللقاء المرتقب للرئيس ترامب بالزعيم الكوري الشمالي على قاعدة إحلال السلام في شبه الجزيرة الكورية وجعلها خالية من الأسلحة النووية , أعلن وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو عن إستراتيجية خاصة بإيران والتي ترتقى إلى مستوى إعلان الحرب عليها من بوابة إلغاء الإتفاق النووي وبفرض "العقوبات الإقتصادية غير المسبوقة" ... لقد دحرجت واشنطن كرة الثلج بين أرجل الدول الأوروبية خصوصا ً تلك المستفيدة من الإتفاق , بعدما منحهم ترامب ما لا يزيد عن 180 يوما ً لتجميد نشاطاتهم في إيران.
لقاءاتٌ وإتصالاتٌ مكثفة أرقت مضاجع الدول الأوروبية , ودفعتهم إلى التحرك  والتخبط ما بين محاولة إقناع ترامب بالتراجع عن موقفه , وما بين الإنزياح بعكس مصالح شركاتهم المتضررة وضد الدولة الإيرانية , فقد أظهرت بعض الدول الأوروبية مواقف فردية بدت مختلفة تماما ً عن موقف الإتحاد الأوروبي الذي كان واضحا ً لجهة دعم الإتفاق واستمرار العمل بموجبه , فيما أتت مواقف فرنسا وبريطانيا وألمانيا بما يزرع الشك حول تبادل أدوارٍ محسوب يهدف لإجبار إيران على تقديم التنازلات على طاولة ترامب , مقابل استمرار العمل بالإتفاق واستمرار مصالحهم ..  
وبحسب ما طرحه بومبيو , بدا واضحا ً أن المطلوب من إيران استسلاما ً صريحا ً لا تغييرا ً في السلوك أو تعديلا ً في الإتفاق , فالتخصيب ممنوع , والدفاع عن النفس واستمرار البرنامج الصاروخي الدفاعي ممنوع , والدور والنفوذ الإقليمي ممنوع , ودعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية ممنوع , والمساهمة في الحرب على الإرهاب ودعم صمود الدولة السورية ممنوع , وخلاصة المطلوب منع أي تهديد للكيان الإسرائيلي الغاصب بهدف وقف تمدده وتعميمه عصرا ً صهيونيا ً يُفرض على دول المنطقة.
 كلامٌ أمريكي مباشر صدر وأُفهم علنا ً, فالدولة الإيرانية وُضعت تحت مرمى الإستهداف الأمريكي , الذي يعتقد فيه رجل الصفقات أن إستبداله المنافسة بالتهديد والمواجهة العسكرية , سيمنحه رهانا ً جديدا ً يحصد من خلاله مالا ً أوروبيا ً واستسلاما ً إيرانيا ً عبر تفادي العقلاء والشركاء حروباً عالمية جديدة  محتملة على شرف إيران أو كوريا الشمالية أو حتى روسيا ...  
لم تقف إيران مكتوفة الأيدي , وبدأت حملة الدفاع عن نفسها وإتفاقها وحقوقها وكرامتها , ولم يتأخر الرد الإيراني الأول عبر الرئيس حسن روحاني , تبعه إحراق ٌ لنص الإتفاق من قبل برلمانيون إيرانيون وتظاهرات غاضبة في عدة مدن إيرانية , فيما أكد علي لاريجاني أن:" ترامب لا يفهم سوى لغة القوة" , واعتبر المرشد الإيراني كلام ترامب :"سخيف ومتدني المستوى" , وتتالت المواقف من الداخلية والخارجية الإيرانية والحرس الثوري والمجلس الأعلى للأمن القومي , ومنظمة الطاقة الذرية الإيرانية , فيما أكد الرئيس روحاني في 22\5\2018 أن :" إيران لا تخشى التهديد وهي أكبر من ترامب وبومبيو وبولتون" , بالتوازي مع تأكيد اللواء محمد باقري أن :"قواتنا في ذروة إقتدارها وجهوزيتها"... فيما طرح المرشد السيد علي خامنئي على الدول الأوروبية سبعة شروط لإلتزام إيران بالإتفاق , تضمن حقوق إيران وتحدّ من مراوغة وخداع  الأوروبيين ولإثبات أنهم لن ينكثوا العهد كالسابق.. هذه المواقف الشعبية والرسمية وعلى كافة المستويات السياسية والعسكرية والهيئات العلمية والدينية العليا , تؤكد صلابة الجبهة الداخلية والخارجية واستعداد القوات المسلحة للدفاع عن الحقوق والقرار السيادي الإيراني.
لقد قدم ترامب بإنسحابه من الإتفاق رسالةً خاطئة حتى بالتوقيت تلقفها الزعيم كيم , وهو يرى ترامب - وعلى خطى رؤساء أمريكيين قبله – كيف وأنه لا يحترم الإتفاق مع ايران , في الوقت الذي يسعى فيه لإبرام إتفاق إذعان يجرد ويحرم كوريا من حقوقها ومكامن وقوتها وأسلحتها الصاروخية البالستية وطموحاتها , مقابل رفع العقوبات الأمريكية ومساعداتٍ مالية لا تتجاوز بضعة دولارات... وعليه أتى عقاب الزعيم كيم لعنجهية وغطرسة ترامب وإداراته في طريقة التعاطي مع القضية الكورية كشعب وحكومة لها من الكرامة الوطنية ما يكفيها للدفاع عن نفسها... فقد أوقف كيم إندفاعة وغطرسة ترامب وقلل من شأنه ودفعه إلى اتخاذ قرار إلغاء اللقاء الذي كان يحلم به وعينه على جائزة نوبل للسلام , ما اضطره لإبتلاع لسانه وإعلانه استمرار إمكانية عقد اللقاء إذا ما رغب كيم بذلك !.
وعليه ... لم يُفاجئ العالم بقرار ترامب بإنسحاب  بلاده  من الإتفاق النووي مع طهران, فقد أتى تتويجا ً لسلسلة مواقف أمريكية سبقت مجيئه إلى السلطة , اجتهدت لتحضير بيئة الصراع والمواجهة الجديدة في الشرق الأوسط , ليحل صراع التحالف العربي–الإسرائيلي ضد إيران محل الصراع العربي الفلسطيني-الإسرائيلي, كمقدمة للنيل من القضية الفلسطينية ولتصفيتها عبر ما يسمى بصفقة القرن , في وقتٍ بدأ فيه محور المقاومة يقف سدا ُ منيعا ً في وجه هذا المخطط , وبدأ يرسم الملامح الجديدة لوجه المنطقة بعد سلسلة إنتصاراتٍ استراتيجية في معارك الوكيل الإرهابي والأصيل الأمريكي- الإسرائيلي , ما أعاد الخطر الوجودي للكيان الغاصب إلى الواجهة , ومن بوابة الإنتصارات في سوريا والعراق والصمود في اليمن , وبإعتبار أن إيران – الثورة -  قدمت ومنذ أربعون عاما ً نموذجا ً جديدا ً للدعم الحقيقي للشعب الفلسطيني ولمقاومته ولكافة الشعوب المظلومة في المنطقة... لهذا اعتُمِدت استراتيجية شيطنة الدور الإيراني في كامل المنطقة العربية وحتى في دول أمريكا اللاتينة وربما في كواكب أخرى !, واعتَبرت الولايات المتحدة الأمريكية أن إيران هي الدولة الأولى الداعمة للإرهاب وللجماعات الإرهابية في العالم , وفرضت عليها حزمات من العقوبات المتنوعة على شكل جرعات وموجاتٍ تصاعدية , ومع الإنسحاب الأمريكي من الإتفاق النووي بدأت الحكومة الأميركية بحثها الجدي عن سياساتٍ واّلياتٍ جديدة لمواجهة دور ونفوذ الدولة الإيرانية بتشجيعٍ كبير من قادة العدو الإسرائيلي والأنظمة الخليجية.
يبدو أن شروط المرشد السبعة وأيامها الستة , دفعت الأوروبيين لتوخي الحذر ولجدية الحياد والتخلي عن جزء من المرواغة , فكان لقاء ال 4+1 في فيينا إيجابيا ً وعزز فرص استمرار الإتفاق , لكنه أجبرهم على البحث صراحة ً عن التنازلات الإيرانية في اللقاء مع بوتين , ولم تبتعد مطالبهم عن تنازلات إيرانية في الملف السوري بشكل حصري , ما يؤكد عدم استقلالية القرار الأوروبي واستسلامه للإرادة الصهيو– أمريكية.
لقد بات واضحا ً أن الضغوط والعقوبات والتهديدات تتزايد على الدولة الإيرانية داخليا ً وإقليميا ً وعالميا ً وتبدو الأمور مرشحة نحو المزيد من التصعيد الإقتصادي والسياسي وربما العسكري ... فالأحلام والأوهام والأطماع تبدو مشرّعة على مصراعيها في كامل المنطقة ومن الصفقة الكبرى إلى المواجهة الكبرى , في وقتٍ أصبح فيه تعقّل العالم خياليا ً مع قادةٍ وأعداء أمريكيون وأوروبيون وإقليميون وعرب وإرهابيون يبحثون عن الفوضى والدماء والخراب , في زمنٍ تغيب فيه القيم الأخلاقية والعدالة ويبتعد السلام.
المهندس : ميشيل كلاغاصي
26\5\2018

الصهيونية وصفقة القرن في عهد دونالد ترامب


يكثر الحديث عن "صفقة القرن" إن كان عبر المعلومات والتسريبات الصحفية أو عبر التوقعات والتحليلات , ناهيك عن الربط المنطقي للأحداث والزيارات ولقاءات بعض الساسة الأمريكيين والإسرائيليين والعرب والتي نالت صفة "المشبوهة" لدى غالبية الشارع الفلسطيني والعربي , خصوصا ً بعدما نفذت الحركة الصهيونية وعيدها ومخططها في عصر الرئيس دونالد ترامب وعلى يده نقلت السفارة الأمريكية إلى القدس لتكريسها عاصمة ً أبدية لليهود...ولم يعد مفاجئا ً أن يُعلن عن الصفقة ترامب أو نتنياهو أو محمود عباس أو من سيخلفه , فالأجواء والمناخات تبدو سوداوية وبعض العرب يتشوقون لإعلانها أكثر من الإسرائيليون والإنجيليون الأمريكيون أنفسهم , وما كان في السرّ انتقل إلى العلن , ووسطاء الصفقة جلّهم من العرب , ولا يلوح في الأفق غبار خيول الجيوش الدول والعروش العربية وورائهم زحف  ملايين العرب والمسلمين من الغاضبين والرافضين .. فالصفقة تسير برعاية الطقوس اليهودية اليمينية الأكثر تطرفا ً سواء في تل أبيب أو في واشنطن لتصفية القضية الفلسطينية , وعليه تتضاعف مسؤولية الشرفاء من أحرار العالم والعرب والمقاومة الفلسطينية الشريفة , والشعب الفلسطيني الذي أثبت أن كباره لا يموتون وصغاره لا ينسون.
وعلى الرغم من القرارات الأممية وإجماع غالبية الخطاب الدولي على حل الدولتين , إلاّ أنه لا يمكن الوثوق بكافة الأطراف بما فيها الأمم المتحدة التي تحولت إلى دكان صرافة لرشاوى السعوديين والفرنسيين وهيمنة الأمريكيين ,  ولطالما اختبر الفلسطينيون ظلم العالم و ذوي القربى وأبناء الرحم , بالتوازي مع وقاحة "الراعي" الأمريكي , فقد ينقُض ترامب على كل ما سبق وتحذوا حذوه وبشكل دراماتيكي كل ببغاوات الحكومات والدول , ومن سيجرؤ من نعاج العالم على مخالفة الذئب الطامع بفريسته ؟.
وما يزيد الطين بلة , موافقة عديد الحكومات العربية والعروش الخليجية  على صفقة القرن وعلى تصفية القضية الفلسطينية برمتها , بالإضافة إلى تشرذم الصف العربي وحالة الضعف والتفكك والخلافات والصراعات والحروب العربية - العربية الدامية من خلال أدوارها في خدمة "ربيع" الصهيونية وحروب السيطرة على العالم , حتى أن الوضع الفلسطيني الداخلي لا يبشر بما يأمل القلب وينشرح له الفؤاد , فالمصالحات متعثرة والخلافات أكثر تعقيدا ً مما يعتقده البعض لإختلاف كافة الأطراف وربما تنافرها إيديولوجيا ً ما ينسف – وبكل صراحة - إمكانية العمل على أجندة وطنية واحدة .
للأسف وعلى ما يبدو اكتفت السلطة وبعض الفصائل بالفرجة والتصفيق وإطلاق عنان الخطب الرنانة على وقع دماء شهداء وجرحى مسيرات العودة الغاضبة , وكل ما رأيناه أن الرئيس عباس غضب وتحدث عن سلوك الإسرائيليين تُهم بمعاداة السامية وبإنكار المحرقة فإعتذر !, على الرغم من إطلاع السلطة الفلسطينية رسميا ً على تسريبات الصفقة , وفحوى اللقاء بين محمود عباس و ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي نقل إليه تفاصيل الصفقة التي وصلته عن طريق ترامب وصهره كوشنر , ليقوم بإبلاغها إلى الجانب الفلسطيني على أنها صفقة التحالف العربي– الإسرائيلي من أجل محاربة إيران , فيما رصد الإعلام الأمريكي قيام الرئيس ترامب مع مستشاريه  بوضع خطةٍ جديدة لإنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني , وفي كلا الحالتين يبقى الهدف تصفية القضية الفلسطينية.
بعض تفاصيل صفقة القرن بحسب وسائل الإعلام ....
1- المحافظة على وحدة ويهودية مدينة القدس ورفض إعادة تقسيمها.
2- إخراج القدس من دائرة التفاوض , بتأكيد ترامب أن "القدس لم تعد على طاولة المفاوضات".
3- الإعلان عن عاصمة الدولة الفلسطينية في أبو ديس , لإنهاء الحديث عن القدس الشرقية كعاصمة للفلسطينيين.
4- تجريد أي طرف عربي حق الوصاية على مدينة القدس بتأكيد كوشنر في إحتفالية نقل السفارة.
5- الإختفاء والغياب الكامل للحديث عن حق العودة للاجئين وتوطينهم حيث يتواجدون.
6- إبقاء مستوطنات الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية.
7- الإبقاء على المستوطنات اليهودية على أراضي الدولة الفلسطينية تابعة للسيادة الإسرائيلية.
8- ضبابية الوضع في قطاع غزة وشح المعلومات المنشورة عنه بحسب الصفقة , وكثرة الإعتماد على أحاديث لا يمكن الجزم بصحتها حول إقامة مطار وميناء في العريش في سيناء  تمهيدا ً لضمهم ووضعهم تحت سيادة القطاع.
أخيرا ً .. ومهما يكن من التفاصيل المنشورة حيال خطورة "صفقة القرن" والتي قد تكون صحيحة  وربما دقيقة يبقى الهدف الواضح والمعلن للصفقة هو إنهاء الصراع الإسرائيلي– الفلسطيني وتصفية القضية الفلسطينية والتي سيترتب عليها ما يفوق كل النكبات السابقة , فلن يبقى الشرق الأوسط على حاله وسيدور العالم كله في الفلك الصهيوني.
لم ولن يكون مسموحا ً للحركة الصهيونية وللإدارة الأمريكية ولقادة العدو الإسرائيلي ولخونة الأمة في عروش وأنظمة العار الخليجي أن يمرروا ما دعوها بصفقة القرن , فالحقوق الفلسطينية والعربية محفوظةٌ في أيادٍ أمينة وفي وجدان القيادة السورية وجيشها الباسل وشعبها المقاوم الأبي , وفي إيمان وشدة باس رجال الله في المقاومة اللبنانية في حزب الله وفي بعض فصائل المقاومة الفلسطينية التي وهبت روحها ونضالها فداءا ً للقضية المقدسة , وفي جمهورية إيران الإسلامية الداعم الكبير للقضية الفلسطينية وأحد أسرار صمود شعبها ومقاومتها , وفي ملايين المقاومين والشرفاء حول العالم , نعول دائما ً على محور المقاومة الذي يؤكد يوما ً بعد يوم أن فلسطين ليست وحدها ولن تترك وحدها , ومن وقف إلى جانبها سبعون عاما ً لابد و أنه سيكمل الطريق حتى النصر و إستعادة الحقوق , نثق بالشباب الفلسطيني وبروح المقاومة الكامنة في صدور كل العرب من المسلمين والمسيحيين , وفي صدر الإنسانية جمعاء وشرفاء العالم , ونتمنى صحوة  حكام وملوك العرب من النائمين والتائهين والضالين , وستبقى فلسطين وقدسها عاصمة النور والسلام الإلهي القادم بمشيئته عزّ وجلّ.
المهندس : ميشيل كلاغاصي
21\5\2018

Tuesday, May 15, 2018

نقل السفارة يومٌ تُنحر فيه فلسطين برضى "العرب" والعالم



لأجلكِ يسقطون شهداء , لأجلكِ يُهراق الدم الزكي , لأجلكِ يا مدينة الصلاة نُصلي ..
نقل السفارة يومٌ تُنحر فيه فلسطين برضى "العرب" والعالم , وما يقارب الخمسون شهيدا ً وألفي جريح حصيلة مسيراتِ حق العودة في بضعة ساعات لمواجهةٍ رهيبة في يومٍ يكاد لا ينتهي , لا أحد يعرف ما ستكون عليه حصيلة الاّلام في هذا اليوم الدامي , مواجهةٌ تحت أنظار العالم الصامت المتخاذل , الذي جاء ليحتفل وليرقص بين ذراعي إيفانكا ترامب شاهدة الزور على قرار أبيها الذي وهب القدس لليهود عاصمة ً أبدية , وعلى وقع كلام السفير الأمريكي هناك : "اليوم نفي بوعدنا".
فقد نزع دونالد ترامب قناعه الأمريكي ليظهر وجهه الصهيوني القبيح، فالقدس بنظره هي عاصمة "إسرائيل" ونقل السفارة الأمريكية إليها أصبح واقعا ًوتنفيذا ً لأمرٍ رئاسي أمريكي ، لا يعدو أكثر من جريمة لا أخلاقية سياسية متهورة تشكل مخالفة سافرة لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والتي منها ما يمنع "إسرائيل" بالمطالبة بفرض سيادتها على كامل المدينة، ويبقى الأهم هو التلاعب بمصير الفلسطينيين بعدما ضحوا ودافعوا عن حقوقهم ووجودهم وأسوار مدينتهم المقدسة سبعين عاما ً.
فقد اعتبر ترامب أنّه ل "إسرائيل" الحق في"تحديد عاصمتها كغيرها من الدول"، وأن القدس هي "العاصمة التي أسسها الشعب اليهودي منذ قديم الزمان" ، وجعلوها بلدًا عاش فيها اليهود والمسيحيون والمسلمون بحرية ويمارسون عباداتهم وفق معتقداتهم، متجاهلًا حقيقتها العدوانية العنصرية التي قامت على أساس إغتصاب الأراضي الفلسطينية وتهويدها، كما تجاهل أهدافها بإقامةٍ دولة يهودية وأفعالها التي لم تحترم يومًا مقدسات الغير ولم تتورع عن تدنيس مساجدهم وكنائسهم, والأهم فقد تجاهل عروبتها وأصالة شعبها وتاريخية وجودهم وجذورهم فيها، وأنها عاصمتهم منذ الأزل والتي خاضوا من أجلها عشرات الحروب وتمسكوا بالقدس كعاصمة لهم عبر التاريخ.
لقد توّج وترجم دونالد ترامب جملة العوامل المتعلقة بولائه الشخصي وكرئيس أمريكي للصهيونية وعلى خطى من سبقوه  من الرؤساء الأمريكيين, بالإضافة إلى حالة الشرذمة والضعف والتفكك العربي والتي وصلت حد العمالة والخيانة لمعظم الحكام والحكومات العربية، الذين نقلوا عروشهم وإمكاناتهم من كتف العروبة إلى كتف الصهيونية ، وبلغوا من الوقاحة حد الإعلان والكشف عن علاقاتهم السرية والعلنية وتحوّلهم عن العداء الصهيوني واستبداله بالعداء لأعداء واشنطن و"إسرائيل"، فأصبحت إيران وسورية وحركات وأحزاب وفصائل المقاومة وكل من حمل راية الدفاع عن الإنتماء والهوية والحقوق العربية عدوهم الأول ، وباتت "إسرائيل" الحليف والصديق وربما الشقيق.. وخاضوا بالنيابة عنها حروب "الربيع العربي" المزور، وتصدروا معركة تصفية القضية الفلسطينية وتدمير عواصم المقاومة ، وسعوا إلى تسويق مفهوم المقاومة تحت مسمى الإرهاب كمقدمة لتقديم الوطن الفلسطيني هدية ً للكيان الصهيوني على طبقٍ من خذلانٍ وتآمرٍ عربي - صهيو- أميركي.
وياللأسف .. فقد سار العرب بركب تحويل الصراع القومي إلى صراعٍ ديني ، ولم يعرفوا أن دفاعهم الأساسي هو عن دولة فلسطين وهويتها وانتماءها العربي بما يشمل الأرض والشعب والمقدسات، وما يشكل من واجبٍ وطني وقومي وإنساني مقدس يُلزم جميع الفلسطينيين وجميع العرب والأحرار في العالم بالدفاع والوقوف معهم، ولو فعلها العرب لما وقعوا فريسة الفتن الطائفية والمذهبية التي استغلها أعداء الأمة في تحقيق كامل أهدافهم لولا صمود الدولة السورية وحلفائها وشرفاء العالم الحر.. ولكانت نصف الدول العربية الآن تحت حكم الإخوان المسلمين بالقيادة التركية ونصفهم الآخر تحت القيادة التلمودية الوهابية بالقيادة الإسرائيلية المباشرة، ولكان عدد الدول والدويلات العربية يسجل رقمًا قياسيًا بين الأمم.
ويبقى من اللافت إختيار دونالد ترامب توقيت نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وبالتوازي مع ما يسمى إسرائيليا ً ب"عيد الإستقلال" ، كهدفٍ سيكولوجي يعالج فيها خيباته وأزمات فريقه الإرهابي الدولي- الإسرائيلي- الخليجي، ولإخراجهم من أزمة حصاد هزائمهم في سورية والعراق واليمن ولبنان، والهزائم الكبرى إقليميا ً في مواجهة إيران ، ودوليا ً بمواجهة روسيا وحلفائها بمواجهة خصومها ومنافسيها في أوروبا والشرق الأقصى والأدنى.
نقف بخشوع وإجلال أمام تضحيات شعبنا الفلسطيني الأعزل الذي أثبت أنه شعب لا يقهر وأن كباره لا يموتون وأن صغاره لا ينسون , وكم يليق بقادة الدولة الفلسطينية وقادة حركات المقاومة وفصائلها المسلحة أن تضع خلافاتها جانبا ً، وأن يحذو حذوهم جميع من تخاذلوا من قادة وحكام النظام الرسمي العربي، فالشعوب العربية بلغت من الوعي والرشد ما سبق قادتها بأضعاف وربما يكون الوقت مناسبا ً للمّ الشمل والوقوف وقفة رجل واحد ، ففلسطين تحتاج لجهود ومقدرات كل الأمة ، ولا بأس أن تتقدم الشعوب حكامها، وأن تصل متأخرا ً خيرا ً من ألّا تصل.
المهندس : ميشيل كلاغاصي
14\5\2018

ترامب رئيسٌ من ورق .. سورية ومعادلة الصاروخ بالصاروخ



في عالمٍ عجيب مزيف تسيّدته الوحوش , فقد فيه الإنسان قيمته وقيمه بعدما أغواه المال والشهوة , فيحصد الشرّ كل محاصيل الزرع , ولايترك وراءه حتى حبة الزيوان ..هكذا قرر العالم فرز أخياره عن أشراره وما بين الحرية والديمقراطية جاء من يقرر عن الشعوب ويقودهم نحو الهاوية.
لكم أن تفرحوا وتبتهجوا , فأوروبا قادت العالم إلى أن حبلت وأنجبت مولودا ً ودعته أمريكا, ومن منكم لا يعرف أمريكا, وكيف أصبحت "أمريكا"... تعالوا إلى لاس فيجاس لنلعب بالعالم , وبمصير العالم , وندحرج رؤوس البشر ... فسأدعوك هتلر وأنت نابليون وهذا ترامب وذاك ابن سلمان , كن صهيونيا ً أو داعشيا ً لا فرق فالمهم أن نلعب بالبشر ونتحدى إلههم, ونجعلهم خدما ً في المشروع الشيطاني.... لنعد إلى البداية ولتبدأ الحكاية ...
مع اكتشاف كريستوف كولومبس القارة الجديدة , أخذ الشر يتبلور ويتصاعد بشكلٍ مخيف, مع تبلور الشخصية والكيان الأمريكي وبدأت الحروب القذرة ولم تنته حتى مع إعلان استقلال أمريكا لا بل استمرت ومن دون تتوقف حتى يومنا هذا, واستمر البحث عن الهيمنة والسيطرة على مقدرات الغير, وأرسلت جيوشها إلى ما وراء البحار وحول العالم , همّها المال بعيدا ً عن أي قيم حضارية وأخلاقية وإنسانية , فيما دأب رؤساؤها على التغني بتاريخها وبرجالاتها وبتميزهم كشعب وأمة أمريكية رائدة, حتى أن الرئيس باراك أوباما خاطب الأمريكيون بقوله : "أنتم استثنائيون" !.
من قاد كل هذه الحروب ومن أنتج أفكارها ؟ كيف للشرور والجرائم أن تغدو صفة جماعية لمخططين ومنفذين عبر كل العصور, يهلل لها دائما ًجماعة المستفيدين والقادة والرؤساء والبطانة المحيطة بهم , دون أن يروا شلالات الدماء أو أحزان اليتامى وتدمير الإنسان والأوطان؟ لقد تحولوا لأرتال قطعان وجيوش متوحشة , يفاخر ويتباهى بها الأمريكيون , مجرمون قتلة وغزاة محتلون سارقون , ولا يحتاج الأمر سوى للتذكير بأفعالهم على مدى التاريخ , وإعتمادهم استراتيجية  الحروب والقتل والإغتيالات , في ظل قادةٍ لا يترددون بالقيام بأي شيء, فلا يغرنكم مظهرهم ولا إدعائاتهم المزيفة في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان , ويبقى من المثير للدهشة , استمرار إنتاجها العلني لسلالات الشر والإجرام , فاللعب أصبح على المكشوف وباتت وجوه من يحكمون ويتحكمون معروفة ومتوقعة , وبات العالم يتأكد يوما ً بعد يوم أن الحثالة يحكمون الولايات المتحدة الأمريكية وغالبية الدول الأوروبية التابعة , ولكم أن تستعرضوا بعض الشخصيات الأمريكية الحالية لتعرفوا من يهاجم أوطاننا العربية ومن يحارب حياتنا وطموحاتنا وأحلامنا ويسرق حتى ابتسامة أطفالنا , ممن لا زالوا أحياء وحاليين وممن يشغلون أو سيشغلون المناصب , فمن منكم لا يعرف الرئيس ترامب , جون بولتون , كوندي رايس وجيمس كومي , وكولن باول , ونيكي هيلي...إلخ, ولنبدأ ببعض الأسماء والتي قد نكون مجهولة لدى البعض في عالمنا العربي , لكنهم فاعلين في الإدارة الحالية , كي نساهم في تعرية هوية أعدائنا:
1- راشيل كروكس - التي سبق لها واتهمت ترامب بالتحرش بها جنسيا ً في العام 2005، فازت بالأمس في الإنتخابات التمهيدية في ولاية اوهايو , وقد نراها أمينة خزينة الولاية , وربما وزيرة للخارجية الأمريكية !..
2- جينا هاسبل - التي تقترب من إعلانها رئيسة لوكالة الإستخبارات الأمريكية , وتنتظر ترشيح الكونغرس , في وقتٍ يعرف فيه الأمريكيون أنها صديقة الرئيس ترامب وأنه هو من رشحها لهذا المنصب , على الرغم من بعض التظاهرات ضدها لضلوعها ودورها فيما بات يعرف بلجنة تعذيب السجناء , هذه جينا هاسبل التي رفضت إن تجيب قبل 48 ساعة وفي استجواب على السؤال: هل "التعذيب" أمرٌ لا أخلاقي !.
3-  محامي ترامب السابق مايكل كوهين – لايزال حرٌ طليق دون حساب , والذي تصفه الصحافة ب" كلب ترامب الشرس" , والذي حكم بإسم سيده وقبض له وعوضا ً عنه , دفع مؤخرا ً 130 ألف دولار لممثلة إباحية  ادعت علاقة ً جنسية مع ترامب من أجل إسكاتها , بعدما تلقى مبلغ 500 ألف دولار دفعها له ترامب تحت ما سمي "مصروفات عارضات" !.. بالإضافة لتلقيه رشاوى من شركتي إتصالات  مقابل حصولهما على عقد مع البنتاغون.
4- تعيين "اوليڤر نورث" – رئيسا ً ل "الجمعية الوطنية للبنادق" والتي تعتبر من أقوى لوبيات السلاح في أمريكا , وهو أحد من أُدينو بما عُرف بفضيحة "ايران– كونترا" خلال رئاسة رونالد ريغان.
5- ميلانيا ترامب – تلك العارضة السلوفينية , التي أعلنت يوم فوزها بلقب السيدة الأولى عن رفضها العيش مع زوجها في البيت الأبيض , والتي لا تجالسه على طعام , وتحلم ببناء جدار في البيت الأبيض يفصلها عن فخامة الزوج , اعلنت اليوم عن حملتها "كن أفضل" لحماية الأطفال من أخطار النت , المنسوخ من حملة "كن الأفضل" للسيدة ميشيل أوباما ؟.
6- الإقالات والإستقالات التي بدأت ولم تنه حتى اليوم في إدارة ترامب , بعد حوالي عام ونصف من ولايته الأولى , وما يخفيه أمر عزلهم أو إقالتهم من أسرار كإقالة مايكل فلين , والأموال التي تُدفع من أجل تعين بدلائهم.
7- دونالد ترامب نفسه – تاجر الصفقات والإتفاقات التي قد يتراجع عنها في أية لحظة , والذي قدم نفسه خلال عام حكمه الأول رجلا ً نرجسيا ً مخيفا ً أخرقا ً، كسب بسرعةٍ فائقة عديد الخصومات والعداوات وشتم خصومه والصحفيين , وألقي وعوده وكلامه الفارغ يمنة ًويسرة ً, وأدخل العالم في دوامة الخطر والحسابات المعقدة.
أمثلة كثيرة ولن تنتهي , في عالم الهيمنة والإرهاب والفساد الأمريكي والفضائح الأخلاقية والعلاقات المشبوهة !, أي حثالةٍ تحكم أمريكا, وبأي حروبٍ يُبشرون , وأي تحالفاتٍ أطلسية وستينية  مشينة يعقدون , فأن تكون حليفا ً لأمريكا ما يعني أن تكون خادما ً وضيعا ً لها ولغرائزها ومصالحها وأطماعها, وأي أمةٍ عربيةٍ وأي عروشٍ تدفع لها لإسقاط سوريا العروبة , الإسلام والمسيحية , الحضارة والكرامة , سوريا التي صمدت لسبع سنوات , وبالأمس أمطرت دفاعاتها الجوية سماء الجولان المحتل بالصواريخ , وأجبرت مستوطني الكيان الغاصب على النزول إلى الملاجىء , سوريا التي ردت على الرعب بالرعب , وكرست معادلة الصاروخ بالصاروخ , سوريا التي أربكت قادة الكيان الغاصب وهم يتكتمون ويخفون خسائرهم العسكرية المؤلمة ولا يتحدثون عن مواقعهم الحساسة  التي دُكت وعن قتلاهم اللذين تبعثرت أشلاؤهم ؟.. ومن نصّب ترامب إلها ً ليقول :"يحق لإسرائيل الدفاع عن نفسها" !. وأي إتفاقٍ نووي دولي يلغيه هذا الأحمق, واي حروبٍ يريدها وأي خساراتٍ إقتصادية سيلحقها بدول العالم , وعينه على حلابة القارات الخمس , في حين أنه وضع مصالحه ومصالح "شركائه" الأوروبيون في مهب الريح لأجل حماية عصابات الكيان الغاصب!.
يقول الرئيس بشار الأسد في الرئيس ترامب لصحيفة كاثيمرني اليونانية : " أي عباراتٍ فضحت أخلاق ترامب , وهل تمثل هذه اللغة الثقافة الأمريكية ؟ لا أعتقد أن ثمة مجتمعا ً في العالم يتحدث مثل هذه اللغة"!....
يبدو أن ترامب يتربع على عرش الحثالة التي تحكم أمريكا كرئيسٍ من ورق والذي يبدو عاجزا ً عن حكم العالم كما كان يحلم.
المهندس : ميشيل كلاغاصي
11\5\2018