Sunday, June 11, 2023

ماكرون في منطقة النفوذ المشترك لموسكو وبكين - م. ميشيل كلاغاصي

مع اختتام أعمال قمة مجموعة السبع في هيروشيما , توجه على الفور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نحو منغوليا في قلب القارة الاّسيوية والواقعة ما بين الصين وروسيا , وهذا بطبيعة الحال كان ولا يزال يشكل الدافع وراء الإهتمام الغربي بها , وسبق لوزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري وصفها بـ "واحة الديمقراطية بين جيرانها المستبدين".

وعلى الرغم من النمو الإقتصادي الملحوظ في منغوليا خلال السنوات الأخيرة , إلاّ أنها تعاني ولا يزال حوالي ثلث سكانها يقبعون تحت خط الفقر, وتبدو بحاجة ماسة للاستثمارات الأجنبية والفرص الإقتصادية الجديدة , ومع بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا , ظهر إنقسام في الشارع المنغولي بين من اعتبروه "غزواً روسياً", وبين داعمي روسيا .

ومن خلال سعيها لمواجهة العقوبات الغربية ، وبعد خمسة أيام من بدء العملية العسكرية في أوكرانيا , وقعت شركة غازبروم الروسية عقداً لوضع التصميم وكافة أعمال والمسح لمشروع خط أنابيب الغاز "سويوز فوستوك" ، الممتد من روسيا إلى الصين عبر منغوليا ، وباتت أقرب لكلا الدولتين , وامتنعت عن إدانة العملية الروسية في أوكرانيا , وخرجت فيها المسيرات والشعارات والتصريحات المعادية للغرب وأوكرانيا والنازية , بالتوازي مع قمع رجال الشرطة الهجوم على السفارة الروسية في العاصمة المنغولية , وبعض المظاهرات المناهضة لروسيا , الأمر الذي وضعها أكثر فأكثر تحت المجهر الغربي.

يدرك الرئيس الفرنسي أهمية منغوليا بانسبة لروسيا والصين , وتُعتبر أكثر من دولة جارة لهما , في وقتٍ تعاني فيه فرنسا من إضطراب علاقاتها مع دول القارات القديمة , وبأنها تُطرد من بعض مستعمراتها السابقة , وتبدو غير مرحبٍ بها في معظم بلدان القارة الاّسيوية , وحيث يتجلى النفوذان الصيني والروسي بأعلى تجلياتهما , وهذا بدوره يدفع للسؤال حول أسباب الزيارة , وأهدافها , ومالذي يبحث عنه إيمانويل ماكرون في منغوليا ما بين الصين وروسيا ! , ويجده عبر إستفزازهما معاً , أم تراه يغتنمها فرصة للإقتراب والتقارب معهما , بدخوله زائراً "مسالماً" إلى منغوليا وهي المنطقة الإستراتيجية لنفوذهما.

على الرغم من نظرة دول الإتحاد الأوروبي والناتو السلبية إلى حلفاء روسيا والصين , وفي ظل إنقسام الشارع المنغولي بين مناهض وموالي للغرب , تبدي القيادة والحكومة المنغولية قلقها وترفع هواجس مخاوفها على أمنها وهويتها , من "عطورات" فرنسا و"مساحيق تجميل" الثورات الملونة الغربية , رغم حاجتها للإستثمارات الخارجية , ولتوسيع نطاق علاقاتها الاقتصادية وشراكاتها بما يتعدى المنطقة الاّسيوية أيضاً.

وقد أعلنت باريس رغبتها في "تخفيف القيود المفروضة على جيران روسيا ومنحهم خياراً من الخيارات" , لكن الرئيس ماكرون لم يُخفِ الجانب التجاري والإقتصادي لزيارته , وتحدث عن أهمية شراكة منغوليا مع شركة التكنولوجيا النووية الفرنسية أورانو، بما يشمل قطاع التعدين وإنتاج اليورانيوم.

علماً أن شركة أورانو تعمل في منغوليا منذ عام 1997, مع الشركات الرسمية المنغولية في مشاريع استغلال الرواسب في صحراء غوبي ومشاريع تعدين اليورانيوم الطبيعي , الذي يُصدّر إلى فرنسا على الرغم من ضعف كميات إنتاجه في منغوليا , الأمر الذي دفع ماكرون لمطالبة نظيره المنغولي بتسريع تطوير اثنين من رواسب اليورانيوم لإنتاج ما يفي بحاجة فرنسا من اليورانيوم السنوية والتي تقدر بحوالي 7000 /طن , وهذا يحتاج إلى جهود إضافية كبيرة , وإلى زيادة أعداد العاملين المحليين.

على الرغم من إعتراض المجتمع الأهلي المنغولي على هذا المشروع ، خصوصاً مع تسجيل عديد الحوادث صحية الخطيرة التي سبق وتعرض لها السكان المحليين الذين يعيشون حول مواقع تشغيل المناجم , وتقديم مجموعة منهم شكوى في عام 2018 ضد شركة بدراخ للطاقة التابعة لشركة أورانو في منغوليا , بدعوى أن أعمال التعدين تسببت بتشوهات للماشية ، وبأمراض سرطانية وحالات إجهاض , وبتلويث آبار المياه , ناهيك عن فساد شركة أورانو وتقديمها الرشاوى لأعضاء البرلمان والمديرين التنفيذيين للشركات الحكومية , والتي لعبت دوراً حاسماً في الحصول على تراخيص استخراج اليورانيوم في صحراء غوبي , مما استدعى خروج اّلاف المنغوليين للتظاهر أيضاً مع نهاية عام 2022.

وأثناء الزيارة وخلال المحادثات ، أشار ماكرون إلى أهمية شراكة منغوليا مع شركة التكنولوجيا النووية الفرنسية أورانو ، بما في ذلك في قضية تعدين المعادن , وتوسيع التعاون في مجالات الطاقة الخضراء والنقل بالسيارات والرعاية الصحية والزراعة , على الرغم من فشل فرنسا في الإستفادة من تلك المشاريع فعلياً , وأن إثارتها داخل فرنسا بدت سياسية أكثر منها إقتصادية وتجارية.

ومع سوء العلاقات الحالية مع موسكو , تبدو فرنسا مهتمة بالبدائل الممكنة , وعلى ما يبدو بأنها حددت منغوليا هدفاً وسوقاً جديداً لمواردها من اليورانيوم , وهذا بدوره يفرض على موسكو إعادة تقييم علاقاتها مع منغوليا وزيادة استثمارتها فيها , قبل إنجرارها نحو الغرب عبر البوابة الفرنسية , والتركيز على سرعة تنفيذ مشروع إنشاء خط أنابيب الغاز "سويوز فوستوك" , خصوصاً مع اقتراب الإنتهاء من أعمال التصميم والمسح للمشروع , فالمشروع يحظى بأهمية خاصة بالنسبة لمنغوليا , ليس لجهة حصولها على الغاز فقط , بل لحصولها أيضاً على مبالغ طائلة مقابل عبور خط الأنابيب الجديد , بالإضافة إلى تعزيز دورها ومكانتها في علاقتها المميزة مع روسيا , ومع الصين أيضاً.

تبدو زيارة ماكرون سياسية أكثر منها تجارية وإقتصادية , وتبدو كرسالة قوية لجهة استمرارها بالسيرعلى طريق إنهاء العلاقات مع روسيا , وبمنافسة الصين في عقر دارها كدولة مسيطرة على صناعات التعدين والمعادن الأرضية النادرة , تحت ذريعة اهتمامها بتنمية تلك الصناعات على المستوى الفرنسي , بما يبرر تقاربها مع منغوليا ووجود إيمانويل ماكرون فيها ضيفاً على قيادتها وحكومتها وأرضها وزائراً لمتحفها , وذهب إلى أبعد من ذلك بحديثه عن منغوليا كبلد "محاط " بجيرانه الروس والصينيين , وأشار إلى أنه "يمثل نموذجاً لحكم ليبرالي , يمارس الإنتخابات وتداول السلطة , ويسعى إلى تنويع شراكاته" , وبدا بقوله هذا كمن يقتبس ويغزل على كلام وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري حيال منغوليا .

كذلك , يمكن ملاحظة التقييم الكبير للرئاسة الفرنسية للزيارة وأهميتها "الإستراتيجية", وبحسبها فقد كانت الزيارة "لأجل ضمان سيادة فرنسا في مجال الطاقة", ومن أجل "تشجيع الإستثمارات الأجنبية الضرورية لمكافحة ظاهرة الإحتباس الحراري في منغوليا" , ومساعدتها على إنهاء إعتمادها على الفحم (الكربون) لتوليد الكهرباء , في وقتٍ تنظر فيه الرئاسة الفرنسية للزيارة على الصعيد "الجيو- استراتيجي" , وتندرج – بحسب قولها - في إطار رغبة باريس في "تخفيف القيود المفروضة على جيران روسيا وفتح المجال أمامهم ليقوموا بخياراتهم".

ميشيل كلاغاصي

11/6/2023

 

العدو الإسرائيلي من استرتيجية العدوان إلى استراتيجية منشورات الهروب السريع - م. ميشيل كلاغاصي

بدأ الكيان الإسرائيلي يشعر بتقييد حركته نتيجة جملة معادلات وقواعد الإشتباك التي راكمتها المعارك وجولات المواجهة مع فصائل وأحزاب ودول محور المقاومة , إن كان على مستوى على الحدود الشمالية , أوفي الداخل الفلسطيني وقطاع غزة , ناهيك عن معاناته الداخلية وأزماته السياسية , التي تعكس الخلافات والإختلافات السياسية والإيديولوجية العنصرية – الداخلية , داخل مجتمعه العنصري أساساً , وتمييزاً ما بين متطرفيه , ومستوطنيه الغربيين والمشرقيين والأفارقة , أمورٌ لم يعد قادراً على إحتوائها , على الرغم من محاولاته الدؤوبة لتصدير أزماته الداخلية , وخوض الحروب أو المعارك , واللعب على وتر "أمن الكيان" لرص الصفوف ما أمكن , ومع ذلك كاد الداخل الإسرائيلي مؤخراً أن ينفجر بحربٍ أهلية , تزيد من همومه وهواجس وجوده وبقائه.

وبات ينتقل من إستراتيجيةٍ إلى أخرى خائفاً مرتبكاً , رغم صراخه وتهديداته المستمرة , التي "لم تعد تخيفنا" بحسب كلام سماحة السيد حسن نصر الله , وبات أكثر فأكثر بحاجةً إلى استراتيجية "الجدر الإسمنتية" , واستراتيجية النزول إلى "الملاجئ وتكديس المؤن" , واستراتيجية رسائل "المنشورات" , فلم تعد منشوراته تسعى للوصول إلى أيدي أعدائه فقط , بل بات يرسلها إلى مستوطنيه أيضاً.

وقد أثار المنشور الإسرائيلي الذي ُوزع مؤخراً على رؤساء المستوطنات والمدن الشمالية , هلع المستوطنين ، خصوصاً وأنه ركز على دعوتهم في حال نشوب الحرب , إلى "إخلاء البيوت ومغادرتها بأسرع ما يمكن" , خشية إغلاق الطرقات "جراء السقوط المرتقب لصواريخ المقاومة , بما لا يتيح فرصة الحركة والتنقل".

إن التدريبات أو المناورات الحالية التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي في المناطق الشمالية المحاذية للحدود , تحت مسمى "القبضة الساحقة", تأتي بعد أيام من المناورة الرمزية التي قام بها مقاومو حزب الله , والتي شكلت محاكاة لعملياتٍ نوعية تحت عنوان "سنعبر" , ورسائلها حول الإنتقال من حالة الردع والتصدي للعدوان الإسرائيلي , إلى حالة الهجوم , وسط معادلة "وحدة الساحات" و"وحدة الجبهات" على مستوى محور المقاومة مجتمعاً.

في الوقت الذي يستبعد فيه بعض الإسرائيليين نشوب الحرب , نشرت القناة "14" الإسرائيلية تقريراً أكدت فيه أنه وبحسب تقديرات الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن "ستكون الحرب في الجبهة الشمالية قاسية وطويلة" , وأقوى بكثير من الحرب في لبنان عام 2006 , ولا شيء يشبهها , "فالحرب مع حزب الله ستكون قاسية ومدمرة وغير مسبوقة "لإسرائيل" وعلى الشعب اليهودي التماسك والصبر, وبأن الحزب "سيطلق 15 ألف صاروخ في أول 3 أيام من الحرب وعلى الجبهة الداخلية الإستعداد".

تدرك سلطات الكيان الغاصب بأنها باتت اليوم تواجه الكثير من التهديدات سواء من إيران أو حزب الله أو من محور المقاومة مجتمعاً , في وقتٍ عبّر قادتها خلال المواجهة الأخيرة مع فصائل المقاومة في غزة , بأنهم "لا يسعون إلى حربٍ كبرى" , في وقت يراقبون فيه عديد التغيرات على خارطة الجغرافية السياسية , والإنخفاض الكبير في مستوى التوترات بين الدول العربية , ومثلها تلك التوترات بين إيران ودول الجوار , وهذا يصب في خانة تعزيز النفوذ الإيراني , وزيادة صلابة الجمهورية الإسلامية في مقاومة المشروع الصهيو –أمريكي  في فلسطين المحتلة ولبنان وسوريا والعراق واليمن وعموم المنطقة , أمورٌ تزيد هواجس وقلق الكيان , خصوصاً مع إنشغال وتركيز الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين على الحرب ضد روسيا في أوكرانيا واستعدادها لمواجهة الصين.

ونتيجة لذلك ، قد تكون إحتمالية إقدام سلطات الكيان المؤقت على عملٍ طائش , وخوض مواجهة جديدة على إحدى الجبهات أمراً معقداً , وقد يؤدي إلى مخاطر إقليمية كبيرة , في حين عبّرت المقاومة عن جهوزيتها واستعدادها , وسط إطلاق رئيس الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية تحذيراته للمقاومة اللبنانية من "ارتكاب خطأ يؤدي إلى حرب في الشرق الأوسط".

لا تحتاج سلطات الكيان الغاصب إلى ذرائع لشن العدوان , بالتماهي مع طبيعتها العدوانية التوسعية , وبتقديمها الدائم لأوراق إعتمادها على مذبح خدمة من زرعها كياناً إحتلالياً في فلسطين , وفي قلب الشرق الأوسط , ومع ذلك تستمر الرواية الإسرائيلية مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو , وإتهام إيران بإنتاج الأسلحة النووية , وبخطورة ومخالفات برنامجها النووي , على الرغم من إصرار وكالة الطاقة الدولية على دحض ورفض مثل هذه المزاعم , وبأنه لا أساس لها من الصحة , الأمر الذي يضعف من قيمة الإتهامات الإسرائيلية , ويجردها من ذريعة إشعال الحرب والعدوان على إيران , ويُبقي على منسوب القلق الإسرائيلي من حقيقة انكشاف ضعف ما تسمى القبة الحديدية , وامتلاك المقاومة عدداً كبيراً من الصواريخ الدقيقة , والطائرات المسيرة المتطورة , ناهيك عن قدرات وجهوزية عناصر المقاومة لإختراق وعبور الشريط الحدودي , وبتنفيذ عمليات الأسر , وتفجير الجدر الإسمنتية , وإقتحام المستوطنات.

بالإضافة إلى ذلك ، بات على قادة الكيان توقع أن تدور المواجهة القادمة على أرض فلسطين المحتلة , وما بين المستوطنات والمدن الإسرائيلية , فقد استطاعت قوة المقاومة اللبنانية أن تشكل "مصدر إلهام" لقادة الكيان العسكريين بتجنب التحرك ضد حزب الله في لبنان , وبرفض اتهامه ببعض الهجمات الصاروخية , لأنها لا تبحث عن مواجهته وهي تعاني من الضعف والخوف والقلق , وعدم القدرة على توقع نتيجة المواجهة سلفاً , وسط غياب قدرتها على تغيير قواعد الإشتباك , وخشيتها من المواجهة دون معرفة مداها الزمني , ومتى ستنتهي , فقد باتت المقاومة هي من تستحوذ على هذه القرارات.

بات واضحاً أن قرار المواجهة الإسرائيلية مع حزب الله أو إيران أو سورية , لن يكون في تل أبيب , وأنها غير قادرة على ذلك بدون دعمٍ أمريكي مباشر, وهذا بدوره يستدعي قلقاً أمريكياً أيضاً على قواعدها وجنودها في سورية والعراق , وكامل منطقة الشرق الأوسط , وسط إدراكها قدرة إيران على استهداف أي قاعدةٍ أمريكية في المنطقة , خصوصاً وأنها تمتلك صواريخ بالستية , وصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت , ويصل مداها إلى أكثر من 2000 كم .

في الوقت الذي يعتبر الكثيرون أن العودة إلى الإتفاق النووي لعام 2015, بما يحمله من تعديلات وإضافات تم التوافق عليها في الجولات السابقة , تتجه الأنظار اليوم نحو الزيارة الهامة التي قام بها سلطان عُمان إلى إيران , وسط تقارير إعلامية غربية تتحدث عن إمكانية مناقشة "اتفاق مرحلي" مع طهران ، يضمن وقف التخصيب بما يفوق نسبة الـ60% ، مقابل تحرير جزء من الأموال الإيرانية المجمّدة ، وإعطاء الضوء الأخضر لتوسيع العلاقات الإقتصادية بين طهران والدول العربية , وقد سبق للجمهورية الإسلامية رفضها لهذه "المقايضة" المؤقتة , ولا بد اليوم من إنتظار الرد الإيراني عليها , ويبقى من المهم قراءة "العرض" الغربي , تحت عناوين استبدال لهجة الوعيد والتهديد الأمريكي , وخفض منسوب التوتر في المنطقة والعالم , وهذا بطبيعة الحال لن يكون خبراً سعيداً للحكومة الإسرائيلية , ويدعم فكرة إنشغال الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بملف الحرب على روسيا في أوكرانيا , وبأنهم لا ينوون التصعيد الكبير مع طهران وأقله في هذه الاّونة , وتشجيع سلطة الكيان الغاصب على خوض الحرب الكبرى ضد فصائل وأحزاب ودول محور المقاومة.   

يبدو أنه على قادة الكيان الغاصب التوقف عن توجيه التهديدات , والتظاهر بإمتلاك القوة الفاعلة والمؤثرة , خصوصاً وأن محاولاتها لتغيير معادلات الإشتباك لم تعد مجدية , ولم يعد بإمكانها شن الحروب الخاطفة وإنهائها بتوقيتها , وكذلك استخدام ذريعة الملف النووي الإيراني للعدوان على إيران , وقريباً ستفقد قدرتها على العربدة واستمرار إعتداءاتها الجوية والصاروخية المتكررة على سورية , وأهم ما تستطيع فعله اليوم سطرته في منشورها الأخير, حول اهتمامها بالملاجئ وبالمؤن , وبإخلاء المستوطنين بسرعة فائقة , وبحالة التفكك السياسي والإجتماعي الداخلي , وعليها تجنب الحرب الكبرى فقد تكون الأخيرة على مستوى بقاء ووجود الكيان المؤقت برمته.

وفي سياق المناورة العسكرية الذي قام بها حزب الله مؤخراً , وقبيل الذكرى 23 لتحرير الجنوب اللبناني في 24 /5/2000 , حذر رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين , من أنه "إذا ارتكب العدو حماقة وتجاوز قواعد اللعبة سوف نمطر هذا الكيان بصواريخنا الدقيقة وبكافة أسلحتنا التي نملكها، والعدو سيرى فعل الصواريخ الدقيقة في قلب كيانه".

م. ميشيل كلاغاصي

7/6/2023

 

Friday, June 9, 2023

الجولة الثانية للإنتخابات التركية في ميزان الصراعات الداخلية والدولية - م. ميشيل كلاغاصي

على الرغم من الأزمات والصراعات والحروب التي تعصف حول العالم , استطاعت وسائل الإعلام سرقة كافة الأضواء وتسخيرها لخدمة الإنتخابات الرئاسية التركية , وما رافقها من إنتخاباتٍ برلمانية , ستكون تركيا وعشرات الدول معنيةً بنتائجها لعقود قادمة , فالحديث عن تركيا لا يشبه الحديث عن غير دول , وهي التي تنفرد بموقعها الجغرافي المميز الذي ضمن لها دائماً مقعداً أمامياً في المشهد التاريخي والسياسي والعسكري والتجاري والإقتصادي , ووضعها في قلب كافة الأحداث الإقليمية والدولية , ومنحها مكانةً جيوسياسية , ضمنت لها الأرباح في لعبة أرجحة التوازن ما بين الشرق والغرب , بما يتجاوز خسائرها ومشاعر الكراهية الغربية تجاهها , وأصبحت على مدى 20 عاماً , رقماً صعباً في علاقات السلم والحرب , والصراعات الإقليمية والدولية , خصوصاً في ظل حكم الرئيس رجب طيب إردوغان.

فقد استطاع من خلال قدرته على المناورة والخداع والتنصل من الوعود الداخلية والإتفاقيات الدولية , وبراعته بكسب اللحظة , تحصين الموقع والدور الجيوسياسي لبلاده , ورفع سقف المقامرة السياسية والعسكرية لبلاده , وبتفاديه الوقوف مطولاً على الألغام الدولية شديدة الخطورة قبيل انفجارها , وبات الحمل ثقيلٌ على من سيخلفه في حال خسارته الإنتخابات الحالية.

ومع ذلك , لم يستطع إنقاذ نفسه من تبعات سياساته الداخلية والإستبداد والهيمنة والقبضة الأمنية الحديدية , ومصادرة الحريات , وخطورة زج ضباط الجيش ومعارضيه السياسيين والصحفيين والإعلاميين والنشطاء الحقوقيين والمدونين على مواقع التواصل الإجتماعي , في السجون, ناهيك عن الأخطاء الفادحة لسياساته المالية والإقتصادية , وسط تفشي الفساد , وإعتماده على طبقة الفاسدين في العائلة الحاكمة , والمقربين داخل حزب العدالة والتنمية , أمورٌ تسببت بمجملها بإدخال البلاد بحالة التضخم , وبتراجع القيمة الشرائية لليرة التركية ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة , لامست في كثير من الأوقات اقتراب إقتصاد الدولة التركية من الإنهيار, وعليه تضاعفت أعداد من يبحثون عن الخلاص من حكمه , ويجدون في الإنتخابات الحالية الفرصة الملائمة للخلاص.

وعلى المقلب المعارض , وجد المرشح الرئاسي كمال كليجدارأوغلو الفرصة لعقد التحالف المعارض من ستة أحزاب وقيادتها تحت زعامته , وقدم برامج إنتخابية غير واضحة , بدت عناوينها تصب في خانة الردود على حملة إردوغان ومجمل سياساته , والتصويب على نقاط وأماكن ضعفها , وقدم من الوعود "الوردية" ما يكفي لإظهار تركيا في حال فوزه , دولةً ديمقراطية , مسالمة , قادرة على العيش يودٍ ووئام في محيطها الإقليمي والدولي , متجاهلاً طبيعة تركيا كإمبراطورية استعمارٍ قديم – حديث , وكدولة أطلسية وحليفة لروسيا في اّنٍ واحد , وكدولة دينية مسلمة عثمانية القلب والهوى , إخوانية السلوك , والحائرة ما بين التدين والعلمانية , وما بين القومية الواحدة وتعدد القوميات , ما بين الإختلافات الإيديولوجية في مجتمعاتها.

هكذا اتجه ما يقارب الـ 64 مليون ناخبٍ تركي في صباح يوم الأحد 14/مايو , نحو صناديق الإقتراع داخل وخارج تركيا , في يومٍ انتخابي طويل , ترقبت فيه عيون العالم بحذر فوز أو سقوط الرئيس رجب طيب إردوغان , وسط الصراع الداخلي والخارجي , في عالمٍ مضطرب لم يحسم معاركه بعد في جميع الساحات الإقليمية والدولية المجاورة لتركيا , والحرب الغربية - الأطلسية – الأوكرانية على روسيا , وعلى ضفاف عالمٍ عربي تتغير ملامحه ويتجه نحو الاستقرار والتوازن والمصالحة مع ذاته ودوله وشعوبه , ومع جيرانه ومن كانوا ألد أعدائه في الأمس القريب , وعلى وقع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة والشعب الفلسطيني , وهو الكيان والحليف الإستراتيجي لتركيا سواء كان إردوغان الذي قدم نفسه "قائداً سنياً" , أم كليجدار أوغلو "كقائد علوي" على رأس السلطة فيها.

ساعات طويلة , وانتهى اليوم الإنتخابي وعملية فرز الأصوات , وبحسب وكالة الأناضول , فقد حصد فيها الرئيس إردوغان 49.50% من مجمل الأصوات , فيما حقق منافسه كليجدار أوغلو على 44.89% منها , واكتفى المرشح سنان أوغان بنسبة 5.17 % , والذي فاجىء الجميع بتلك النسبة , وحصل المرشح المنسحب محرم إينجه على نسبة 0.44% , ووفق هذه النتائج , تأجل الحسم إلى الجولة الثانية المقررة يوم 28 مايو/أيار , وانحصر السباق الرئاسي بالمرشحين إردوغان وأوغلو.

ومن اللافت أن تمتدح كافة الأطراف المتنافسة نتائج الجولة الأولى للإنتخابات الرئاسية والبرلمانية , وسط التهليل والمفاخرة بالديمقراطية التركية , وهي التي لا تملك تاريخاً يؤيد وصفها بالديمقراطية الخالصة , وبخلوها من عمليات التلاعب والتزوير, ومع ذلك دعت  المخضرمة ميرال إكشنار كلا الطرفين إلى إحترام نتائج الانتخابات , وسط تأكيد إردوغان وكليجدار أوغلو , على قبولهما برأي الشعب وما ستسفرعنه النتائج النهائية للإنتخابات.

وفي أجواء غابت فيها الإنتقادات الداخلية والخارجية , أثارت "ديمقراطية" العملية الانتخابية التركية , إعجاب بعض البرلمانيين الأردنيين , ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين , التي اعتبرتها "مكسباً جيداً" , فيما وصفها الرئيس التركي بـ "العرس الديمقراطي الجديد" , في مشهدٍ يستحضر المثل القائل "إن حضرت الملائكة انصرفت الشياطين" , ويدعو للتساؤل أين ذهب استبداد السلطة , قمعها للحريات , وملاحقة طلاب الجامعات , وإكتظاظ السجون بالضباط وبأصحاب الأقلام والصحفيين وكل من يخالف "السلطان" , أي حدثٍ هذا وأي يومٍ "مبارك" , حلت فيه الديمقراطية وغسلت عار السنوات الماضية , وغابت فيه أجهزة الإستخبارات التركية , وحلت فيه الملائكة محل الشياطين؟.

في وقتٍ تحدث فيه المسؤولون الأتراك عن إتمام العملية الانتخابية بعيداً عن التدخلات الخارجية , يمكن ملاحظة تكثيف وسائل الإعلام الأمريكية تركيزها للترويج على هزيمة الرئيس إردوغان , وتأكيد المتحدث بإسم الكرملين ديمتري بيسكوف بأن تركيا "دولة ديمقراطية ناضجة قادرة على إجراء انتخابات شفافة ومنع حدوث مخالفات قانونية" , كذلك تأكيده على"أمل موسكو في استمرار العلاقات الوثيقة مع تركيا بعض النظر عن الفائز بالإنتخابات".

في الحقيقة , لا يمكن التعويل على فكرة عدم التدخل الخارجي في الإنتخابات التركية , وإن بدت الأجواء هادئة , فمن المعروف أن جميع مفاصل الدولة التركية الحديثة أمريكية وغربية الصنع , ومع ذلك فهي تبدي تداخلاً معقداً وقوياً في العلاقات مع روسيا والصين وإيران ودول الإتحاد الأوراسي , والدول الاّسيوية , ما يجعل القرار التركي خارجي أكثر منه داخلي , وقد يفسر الهدوء الحالي , بتوافقٍ أمريكي – روسي , على عدم حسم المعركة , والإبقاء على الرئيس إردوغان , بنسب نجاحٍ تقيد نظام حكمه الرئاسي , وبنزع أظافره في البرلمان التركي بتقاسم المقاعد الـ 600 بالمناصفة مع التحالف المعارض , وهنا يبرز دور المنسحب سنان أوغان الحائز على بنسبة 5.17 % , بما يقارب الـ 3 ملايين صوت , وعليه قد يكون لتلك الأصوات أهميتها الكبيرة , وقدرتها على ترجيح كفة الرئيس إردوغان أو أوغلو في الجولة الانتخابية الثانية , فهل يفعلها سنان أوغان وعلى طريقة ميلونشون الفرنسي , الذي قامر بأصواته ما بين لوبان وماكرون في فرنسا ؟ , وهل سيمر التدخل الخارجي في الانتخابات الرئاسية عبر "ملعبه" ؟.

لكن , وعلى ما يبدو تعمّد تحالف الأجداد على إظهار الإختلافات الحقيقية والجدية داخل التحالف , لتبريرعدم وقوفه في الجولة الانتخابية الثانية وقفة رجلٍ واحد , وانقسامه التكتيكي على قاعدةٍ مصالحية إلى فريقين , ما بين سنان أوغان وأوميت أوزاغ رئيس حزب النصر, فمن جهةٍ أعلن الأول دعمه وتصويت مؤيديه لصالح الرئيس إردوغان , فيما ذهب الثاني نحو دعم مرشح المعارضة كليجدار أوغلو , وعلق كل منهما مواقفه على شماعة الشعارات والمواقف التاريخية الثابتة لحزبيهما , وعلى قاعدة عدم التوافق ما بين أصوات الأكراد والقوميين اليمينيين. 

ومن خلال مؤتمرٍ صحفي عقده سنان أوغان يوم الاثنين الماضي , دعمه الصريح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية التي ستجري في 28 من الشهر الجاري , أكد فيه بأن المعارضة التركية "لم تستطع إقناعنا ولم تتمكن من الحصول على أغلبية البرلمان"، مشددا على أن الرئيس الجديد يجب أن يكون في حالة توافق مع البرلمان , ونفى مطالبته بأي مناصب , وأن ما يهمه هو المصالح التركية , في وقت كثر فيه الحديث الداخلي عن إتخاذ سنان اوغان موقفه الداعم لإردوغان بعدما استقبله هذا الأخير في قصر "دولمة بهجة" في إسطنبول , ويبقى السؤال عن الطريقة التي أقنع فيها الرئيس إردوغان ضيفه بالتصويت له , في ظل نفيه المطالبة بمنصب نائب الرئيس ؟.

على الرغم من إستياء كل من موسكو وواشنطن , والتنافس الحاد بينهما للإستحواذ على مواقف الرئيس إردوغان لصالح كل منهما , إلا أنهما تبدوان بحاجةٍ إلى بقائه في السلطة , وبحاجة إلى استمرار أدوره اللا أطلسية , في عديد الملفات كإستعداده لتحدي النظام العالمي الحالي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة , كذلك دوره في إتفاقية الحبوب , وبتحويل تركيا إلى مركزٍ دولي للغاز الروسي , وبإطلاقها كدولة نووية , ناهيك عن الصراع في أوكرانيا , وبالرغم من التواجد العسكري الإحتلالي في سورية والعراق , ودعمه الإرهاب , وانخراطه في الوقت ذاته في مفاوضات السلام والتسوية مع سورية تحت الرعاية الروسية والإيرانية , بالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية ورفع مستوى التبادل التجاري مع روسيا , وهي بمجملها أمورٌ تعبر عن المستوى الرفيع للتعاون التركي الروسي , والتي لا تملك واشنطن سوى إظهار إمتعاضها منها.

ومع ذلك تحتفظ المعادلات التركية الداخلية بأهميتها , وبقدرة تأثيرها على الناخبين , في لحظة حاسمة من تاريخ تركيا , والتي يحتل فيها الإقتصاد مكانته على سلم إهتمامات المواطن التركي , في ظل الظروف الحالية التي تعيشها تركيا وغالبية دول العالم , كذلك تحافظ المعادلات الداخلية على حضورها في الانتخابات , على أنها جزء من مواجهةٍ ما بين الحركة الإسلامية التي يمثلها أردوغان والحركة العلمانية التي يمثلها كيليجدار أوغلو , وسط رهان البعض على إعتبار الانتخابات فرصةً لتغيير نظام الحكم في تركيا من نظام رئاسي إلى نظام برلماني , قادر على توزيع وتفاسم السلطة بشكل أكثر إنصافاً.

أخيراً .. يبدو الرهان على فوز كليجدار أوغلو , فرصة لإقتراب السياسة الخارجية التركية نحو الولايات المتحدة والغرب , في حين يبدو فوز الرئيس إردوغان فرصةً للحفاظ على التوازن ما بين الغرب وروسيا وحلفائها.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

24/5/2023