Friday, June 9, 2023

بكين لن تخطئ في الحساب وعليها حسم المعارك لمصلحتها - ميشال كلاغاصي

 

دائماً هي الصين النموذج للحضارة وعراقة الماضي , ودولة الحداثة والتطور في العصر الحديث ، وهي التي برعت بمزاوجة تطورها واندماجها مع العالم الخارجي , وحافظت على أصالة نظامها السياسي والإجتماعي , ومع ذلك تراها تواجه بعض الأزمات الداخلية والخارجية , بما يهددها كيانها كدولة , وحكومتها كقيادة ونهج وإنجازات , ولم يعد نهجها السلمي كافياً لتجنبيها خوض الصراعات والحروب العسكرية والإقتصادية المحلية والدولية , التي تحاول الولايات المتحدة فرضها عليها , كما فرضتها على روسيا وأوروبا عموماً , وعشرات الدول حول العالم.

وبالنظر إلى مراقبتها الحثيثة لما يحدث حول العالم منذ عقود , ولطبيعة النهج الغربي العدواني , تبدو الصين حاضرة لمواجهة ما يحاك لها وللعالم من حولها , وخفايا الأجندات والمخططات الغربية لزجها في الصراع الدولي , سواء كان عبر بوابة الإستفزاز وتهديد سيادتها الوطنية عبر الملف التايواني , أو عبر الإتهامات بمساعدة روسيا عسكرياً عبر ملف الحرب في أوكرانيا , وعديد الملفات والمخططات الغربية التي لا تقل خطورة وسوءاً , بما يسهم بتشويه سمعة الصين , وبتخريب علاقاتها مع الدول الغربية , وتبرير ونسف الإتفاقات السياسية الأمريكية التي تعترف بمبدأ الصين الواحدة , والتزويد الأمريكي لتايوان بالأسلحة.

لطالما كانت نظرة الصين إلى الولايات المتحدة لا تختلف كثيراً عن نظرتها للدول الأوروبية الغربية , لكنها خلال السنوات القليلة الماضية , بدأت تراهن على تمايز وتباين جزئي , وعلى اتجاه الأوروبيين أكثر فأكثر نحو سياسةٍ أكثر استقلالاً عن السياسة والقبضة الأمريكية , وبأن زيادة حجم التبادل التجاري معهم سياعدهم على الخروج الجزئي عن الصورة النمطية للعيش تحت العباءة الأمريكية.

في حين أنها لا تملك أية أوهام بحتمية صراعها مع الولايات المتحدة , التي لم تنوان عن وضع القيود والعراقيل أمام سرعة تطورها وصعودها السياسي والعسكري والإقتصادي والتكنولوجي ، وتحاول هزّ استقرار النظام السياسي , عبر الضغط العسكري المباشر عبر تايوان , وتبشريها علانية "بمعارك جوية وبحرية , وبنتائج غير متوقعة" , في حال قررت الصين استعادة السيطرة على الجزيرة التايوانية.

وعلى غرار الإستفزازات الأمريكية السابقة للصين والتي حرصت منذ نحو عامٍ تقريباً على تكثيفها بشكلٍ علني عبر البوابة التايوانية , دعت الولايات المتحدة رئيسة الإدارة الذاتية تساي إنغ وين , لزيارة واشنطن , التقت من خلالها رئيس مجلس النواب الأمريكي كيفن مكارثي في ​​خطوة تهدف إلى تقويض سيادة الصين عمداً , وتشكل إعترافاً سياسياً بالإنفصاليين الصينيين.. في حين أطلقت بكين مناورات عسكرية ضخمة رداً على الإجتماع , وتعهدت بـ "رد حاسم" , وأحاطت بسفنها البحرية الجزيرة التايوانية بكاملها.

يبدو أن تساي إنغ وين اهتمت بتنفيذ أمر الزيارة الأمريكي , ولم تقرأ توقيتها وسبب المغريات التي وعدت بها سلفاً , ولم تدرك أنها وقعت في سوق التنافس والسباق الديمقراطي – الجمهوري الأمريكي لإظهار العداء للصين , من خلال تعاملٍ أمريكي مزدوج المعايير, لا ينسجم مع اعتراف وزارة الخارجية الأمريكية وإلتزامها "بسياسة الصين الواحدة" , وبأن تايوان هي جزءٌ منها , توافقاً مع البيانات الأمريكية – الصينية المشتركة التي صدرت قبيل الانسحاب الأمريكي من تايوان عام 1979, والإتصالات الرسمية بينهما , وإتفاقيات الإعتراف الأمريكي بسيادة جمهورية الصين الشعبية على كل الصين بما في ذلك تايوان.

وفي ظل النهج الأمريكي المخادع والخبيث , والتزامه لعقود بمبدأ الصين الواحدة لفترة طويلة , لكنه لم يمنع واشنطن اليوم من دفع الصين وتايوان نحو الصراع والصدام العسكري , بعدما ساهمت بدعم وبتعزيز القدرات الدفاعية التايوانية بأطنان الأسلحة , من خلال ما يسمى "قانون العلاقات مع تايوان" الأحادي والذي أقره الكونغرس بعيداً عن موافقة بكين , وبأنه سمح للولايات المتحدة بدعم إدارة تايبيه سياسياً وعسكرياً ، وبتقويض السيادة الصينية , يبدو أن تساي إنغ وين لا تعرف أن واشنطن ستراهن على قتال الصين حتى اّخر تايواني , ولو أدى ذلك إلى تدمير تايوان بكاملها , كما تفعل اليوم مع أوكرانيا ونازييها وإنفصالييها , وتقود الصراع وحرب الوكالة العسكرية الاقتصادية الأوروبية على روسيا , وبأن سيناريوهات الحرب الأمريكية على الصين لن تكون مختلفة عن المشهد الأوكراني.

تدرك القيادة الصينية الحكيمة الماّرب والأهداف الأمريكية , وترى خطورة الجنون الأمريكي الذي لم يعد يحتمل المزيد من الهزائم , وميله الدائم نحو العنف والحروب البعيدة اّلاف الأميال عن حدوده , ولا تستبعد أن يجر العالم نحو الحروب النووية , لذلك أبدى الرئيس شي جين بينغ حرصه على رفع القدرات القتالية للجيش الصيني , للدفاع عن ما دعاه بـ "السيادة الإقليمية والمصالح البحرية لبكين" , وحماية "الإستقرار الشامل" في المنطقة.

وأصدر في مطلع نيسان/أبريل الحالي توجيهاته بالإستعداد "لقتالٍ حقيقي" , نفذت من خلالها القوات الصينية تدريبات عسكرية مكثفة حول تايوان , حرصت التدريبات فيها على محاكات ضرباتٍ موجهة , وحصار للجزيرة التايوانية التي تعتبرها جزءاً منها.

إن التحليلات السياسية أو التوقعات التي تسوقها وسائل الإعلام الأمريكية , عن سعى الصين "لغزو تايوان" بحلول عام 2025 , يفضح المخاوف الأمريكية من اتساع الفجوة بين الولايات المتحدة والصين عسكرياً واقتصادياً , في وقتٍ سيمنح فيه تأخير اندلاع الصراع في تايوان , الدولة الصينية فرصة حسم التفوق الصيني على أمريكا لسنوات وربما لعقود طويلة.  

في الوقت الذي تظهر فيه الصين والرئيس شي جين بينغ المزيد من الهدوء والصبر الإستراتيجي , حيال العداء الأمريكي , والإستفزازات المختلفة , والإتهامات الكاذبة حيال تزويد روسيا بالأسلحة الصينية , لكنهم بكين امتلكت الشجاعة والواقعية للرد عليها , ولخصها مؤخراً تصريحٌ ساخن للمتحدث بإسم وزارة الخارجية الصينية ، وانغ وينبين , بقوله: "لن نتسامح أبداً مع توجيه الولايات المتحدة أصابع الاتهام ، أو حتى الإكراه والضغط على علاقتنا مع روسيا".

لا يمكن تخيل حجم الكارثة , إن أخطأت الصين الحسابات , ولم تحسن مواجهة التحديات وحسم المعارك الداخلية والخارجية لصالحها , خصوصاً وأنها تعج بالقوميات والإثنيات والإيديولوجيات المختلفة , ناهيك عن أعداد من سيتمسكون بالسيادة الوطنية , ومن سيسقطون أمام مختلف أنواع الخدع والأضاليل والإغراءات الأمريكية , بالإضافة إلى السيناريوهات المتوقعة من الغرب وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية , وهي التي تنتظر فرصة الإنقضاض على من أطلقت عليه "العدو الصيني".  

المهندس: ميشال كلاغاصي

15/4/2023

No comments:

Post a Comment