Friday, September 24, 2021

إردوغان وموعد مع الهزيمة بمواجهة القوات السورية والروسية - م. ميشيل كلاغاصي


على مدى التاريخ الطويل بينهما سجلت العلاقات التركية - الروسية خطوطاً بيانية صاخبة لم تعرف ديمومة الإستقرار أو الثبات , وتنوعت ما بين العداء والصدام والحروب والنزاعات والتوترات , إلى الهدوء وحسن الجوار والتعاون السياسي والعسكري والإقتصادي , لكن الثابت الوحيد لجوهر تلك العلاقات هو الصراع على النفوذ ، المبني أساساً على صراعاتٍ جيو– سياسية , تاريخية , ثقافية , دينية ... وضعت كل منهما على طرفي نقيض , من حلف الناتو إلى حلف وارسو , وتعددت القضايا الخلافية بينهما من القضايا الثنائية إلى الإقليمية والدولية... لكن ذلك لم يحرم العلاقات بينهما من بعض الهدوء والإستقرار المؤقتين تحت عناوين التقاء وتقاطع المصالح , الذي ساهم بتأسيس علاقاتٍ استراتيجية قادتهما نحو تقارب سياسي أسس بدوره لعلاقات إقتصادية وشراكة تجارية مميزة , احتل فيها قطاع الطاقة وأنابيب نقلها مركز الصدارة لكليهما , إن كان على مستوى التقارب أو الخلاف حولها والتباعد.

وإذا كان البعض يرى أن علاقات الجانبين اليوم , تمر بمرحلة صعبة ودقيقة , نتيجة إحتدام الصراع الدولي , وصعوبة التنبؤ بملامحه القادمة , في وقت تخشى فيه موسكو وأنقرة كغالبية دول العالم , من فواتير الحسابات الخاطئة , الأمر الذي يكسب تحركات وتصرفات الجميع بالحدة والحذر الممزوج بالرغبة بتفادي الهزيمة , في مناخٍ دولي يتجه نحو الصدام والتصعيد أكثر مما يتجه نحو إنتاج الحلول والسلام .

ومن خلال تشعب وتعقد الملفات ما بين موسكو وأنقرة وسط الصراع الدولي الملتهب , بات السعي لتسجيل النقاط وتجميعها لا يخضع لحدود ساحات الإشتباك فقط , وبدا كل منهما مهتماً بتوزيع إنتصاراته بحسب ترتيب قضاياه وأولوياته , واستعمال باقي الملفات للضغط والمناورة والمقايضة.

وعليه .. تستمر العلاقات الروسية – التركية بصخبها وتأرجحها على حبال التوتر والإحتكاك الخشن والمنافسة , ويواصل الرئيس التركي التصرف بحدة وتحدي تجاه روسيا والمصالح الروسية , وبالأمس من خلال كلمة تركيا في الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة ، اعتبر إردوغان أنه من الضروري تكرار الإشارة إلى أن تركيا لا تعترف بـ "الضم غير القانوني لشبه جزيرة القرم" , في الوقت الذي يدرك فيه أن روسيا لا تعترف بسيادة تركيا على شمال قبرص.

مما لا شك فيه أن الإنتصارات التي حققتها الدولة السورية وحلفائها الروس والإيرانيون وحزب الله واّخرون , أجبر أنقرة على التخلي عن أولوية حلم الفوز بتقسيم سوريا والفوز بسرقة وقضم مساحات واسعة من أراضيها , في الوقت الذي أظهرت فيه موسكو ثباتاً في أولوية دعم الدولة السورية بمحاربة الإرهاب وبالحفاظ على وحدة أراضيها , وبإنهاء الحرب وبإعادة إعمارها , واستعادة استقرارها وأمنها ودورها في المنطقة. 

لكن المواجهات الروسية – التركية الأهم تبدو في سورية , مع إصرار دمشق لتحرير كامل أراضيها وطرد قوات الإحتلال التركي وتنظيماته الإرهابية من إدلب وكافة مناطق الشمال السوري , بالإضافة إلى إصرار موسكو على تنفيذ بنود الإتفاقات الموقعة مع الجانب التركي والتي لم يلتزم بها منذ العام 2018 ... وبحسب وسائل الإعلام فإن تركيا تنقل أربعة آلاف جندي تركي وثلاثمائة وحدة من المعدات العسكرية إلى محافظة إدلب السورية , في تحدٍ مباشر لدمشق وموسكو , وبما يؤكد تمسكه بإحتلاله وإرهابييه وبإستمرار زعزعة الإستقرار في سورية. 

من المؤكد أن الرئيس التركي يراهن على الدعم الأمريكي والأطلسي والإعتماد على المرتزقة والإرهابيين , في الوقت الذي تملك فيه دمشق من الإصرار والعزيمة والقوة والمقدرة ما يكفي لإلحاق هزيمةٍ تاريخية بقوات الإحتلال التركي ومرتزقته على الأراضي السورية , وبأن محافظة إدلب ستعود عاجلاً أم اّجلاً إلى كنف الدولة , كذلك موسكو التي ضاقت ذرعاً بأكاذيب إردوغان ومرواغته في سوريا , وسط استعداد الجيش العربي السوري وبدعم ومشاركة القوات الجوية الروسية للدخول إلى إدلب , وبإستعادة السيطرة على الطريق الدولي المعروف بـ M4.

لا يمكن لإردوغان تحمّل المواجهة العسكرية المباشرة مع دمشق وموسكو , ولا تعدو تعزيزاته العسكرية سوى مناورات للتهويل ولرفع فرص الحوار مع موسكو والحصول على فرص ومكاسب إضافية , إذ لا يمكن لإردوغان تجاهل الهزائم التركية التاريخية أمام القوات الروسية , في حين لا تزال دمشق ترفض الحوار مع دولة الإحتلال التركي رغم كل ما يسوقه الإعلام المضلل , وتصر على خروجه من الأراضي السورية , في الوقت الذي تبدو مراهناته على الحلف الأطلسي مثيرة للشفقة , وسط اللحظات الصعبة التي يعيشها التحالف وإحتمالية تحول شروخه الداخلية إلى صدمات حقيقية تطيح بعقده , ناهيك عن المادة الخامسة من ميثاقه والتي تنص على صد العدوان عن دول التحالف , وليس بدعم الجيش التركي المعتدي على الأراضي السورية.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

24/9/2021  

Wednesday, September 22, 2021

فرنسا تكون أو لا تكون .. اختبارُ الحكمةِ والقوة - م. ميشيل كلاغاصي

"طعنة في الظهر" .. يالها من صرخة أطلقتها الدولة الفرنسية في عصر إيمانويل ماكرون , هل تاهت فرنسا وفقدت أنيابها وأصبح من السهولة بمكان القفز على "سياجها" , أم هو ضعف الرئيس ماكرون داخل وخارج الحدود , أين أصدقائها وجيرانها , هل تحول حلفائها إلى أعدائها , ماذا عن سيد الأطلسي ولماذا أراد لها أن "تغوص" وتكون أول ضحايا التحالف الأمريكي الجديد.

فبشكل مفاجئ قررت استراليا إنهاء العقد الفرنسي للغواصات والمبرم منذ عام 2016 ,  والتحقت وبريطانيا والولايات المتحدة بما سمي "التحالف الأمني بين الهند والمحيط الهادئ - أوكوس" , الذي أعلن إنشائه الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد محادثات ثلاثية الأطراف... كذلك تبعتها سويسرا بقرار شراء طائرات F35 الأمريكية بدلاً عن طائرات الرفال الفرنسية.

ومن المفترض أن يسمح هذا التحالف العسكري للدول المشاركة بتوسيع إمكاناتها العسكرية المشتركة ، وبتبنّي ظهور ما لا يقل عن ثماني غواصات نووية في المياه الاسترالية...وسط اّمال أمريكية بربط الهند واليابان بالتحالف الجديد إلى جانب كوريا الجنوبية , من خلال هدفٍ معلن هو "الدفاع عن المصالح المشتركة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ"... لكنه أخفى هدف التحالف في منع الصين من تحقيق مصالحها خصوصاً التجارية في المنطقة , وإمتلاك قدرة قطع الطرق البحرية التي تربط الصين ببقية العالم , بعد رفض الصين تقييد نموها والخضوع للهيمنة الأمريكية , فكانت فرنسا أولى ضحايا التحالف الجديد.

بات من الواضح أن احتدام العلاقات بين بكين وواشنطن وصل إلى مستوى جديد , شكلت لأجله الولايات المتحدة تحالفاً عسكرياً لمحاربة وخنق المنافس الصيني , بمساعدة حلفائها الأنجلو ساكسونيين لدرجة أنهم اضطروا إلى الخلاف مع فرنسا من أجل ذلك , ولتوجيه رسالة تحذير وتهديد إلى موسكو أيضاً وهي الحليف الإستراتيجي الأكبر للصين.

وكالعادة أعلن الأمريكيون رواية حربهم الجديدة على لسان بايدن , وتحت عنوان "ضمان السلام والاستقرار على المدى الطويل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ" وتحويلها إلى منطقة حرة ومفتوحة , في إشارة واضحة إلى القواعد الصينية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ، وخصوصاً في تلك الجزر "المتنازع عليها" في بحر الصين الجنوبي ، في ميانمار وباكستان وبعض الدول الأخرى ...

وعليه , أطلق بايدن البروباغاندا الأمريكية الجديدة , لتبرير نشوء التحالف وشراء استراليا لغواصاتٍ مزودة بمفاعلات نووية ومجهزة بأسلحة تقليدية لا نووية , "إلتزاماً بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية" – بحسب بايدن-.  

في حين اعترف رئيس الوزراء البريطاني بأن المشروع الرئيسي لإنشاء أسطول الغواصات النووية الأسترالي في إطار تحالف أوكوس "سيصبح واحداً من أكثر التقنيات تعقيداً في العالم وسيتطلب استخدام أحدث التقنيات... الأمر الذي يؤكد تطلعات بريطانيا لتقديم "خدماتها" التكنولوجية للتحالف وبرامجها المتطورة للغواصات النووية.

أما رئيس الوزراء الأسترالي , فلم يخفِ أن هذه الإجراءات تستهدف الصين , لكنها ستنعكس إيجاباً على أمن منطقة المحيطين الهندي والهادئ , وستجعلها بفضل التحالف "أكثر أمانًا واستقرارًا" .. وكشف أن  بناء الغواصات الثمانية في أحواض استراليا سيمنحها قدرات عسكرية غير مسبوقة , وحصولها على صواريخ أمريكية الصنع ، بما في ذلك صواريخ توماهوك كروز ، لتجهيز المدمرات الأسترالية... وأن هذا سيساعد في الحديث المستقبلي مع الصين من موقع القوة. 

على المقلب الصيني ... أثار ظهور الكتلة المناهضة للصين رد فعل عنيف من السلطات الصينية , ودعت كانبيرا ولندن وواشنطن إلى الابتعاد عن "التفكير في زمن الحرب والتحيز الأيديولوجي" وإنشاء "تكتلات استثنائية تستهدف مصالح أطراف ثالثة أو إلحاق الضرر بها".

في الوقت نفسه ، شنت الصين حملة قوية لإدانة السلوك الأمريكي في العالم , على لسان المتحدث باسم الخارجية الصينية , الذي أكد استخدام الولايات المتحدة لمعلومات استخبارية مزيفة  بهدف إثارة الحروب ، وإبادة المدنيين بلا حسيب ولا رقيب بإسم محاربة الإرهاب ، وباستخدام الفوضى والعقوبات الأحادية وبالجرائم التي تنتهك حقوق الإنسان , وأكد أن الأمريكيين يقومون بالعدوان العسكري ويلوحون بهراوة العقوبات , تحت راية "الدفاع عن حقوق الإنسان" ، وتسائل عن ماهية حقوق الإنسان التي يدافعون عنها ؟

أما فرنسا , وبالرغم من تحالفها ومسيرتها الطويلة خلف السياسات الخارجية للولايات المتحدة , إلاّ أنها لا تزال تعتقد بأنها "دولة عظمى" , وتحاول الخروج عن دورها وحجمها وطاعتها للسيد الأمريكي , ومن المثير للشفقة أن تعتقد أنها الرقم الصعب الذي يحتاجه الأمريكيون , في الوقت الذي يشعر فيه الأمريكيون بالإمتعاض وبعدم الثقة بالسياسة الفرنسية وبتعزيز شكوكها حيال حرص فرنسا على خوض المعركة إلى جانبها ضد الصين , الأمر الذي يفسر إقصاء فرنسا عن التحالف الجديد وإبعاد غواصاتها عن المعركة.

بالتأكيد شكل القرار الاسترالي صدمة عنيفة لفرنسا , وتحدث وزير خارجيتها عن نية فرنسا اللجوء إلى "الحزم الكبير", والذي تُرجم بإستدعاء السفراء , وبإلغاء مشاركتها في إحتفالية عسكرية , وببعض العبارات الفارغة سياسياً على قناة فرنسا الثانية تجاه أمريكا واستراليا , وبوصف بريطانيا بأنها "العجلة الخامسة في العربة" ... هل يمكن لماكرون أن يثأر لنفسه وبلاده , وينجح في اختبار الحكمة والقوة , ويتجه نحو الإنسحاب من الناتو , بعدما أثبت أنه أشد منتقديه , وبأن مهمته الرئيسية هي الدفاع عن أوروبا وليس بحل مشاكل الولايات المتحدة , وبالتحالف معها ضد الصين وروسيا.

أخيراً.... إن السعي الأمريكي لتكثيف منافستها الحادة لبعض القوى الكبرى ، سيؤدي إلى المزيد من التوترات الإقليمية والدولية , وسيفتح باب امتلاك الغواصات النووية على مصراعيه , ولن تكون فرنسا الضحية الوحيدة لولادة هذا التحالف الجديد , وسيلتحق بمصيرها اّخرون ممن ستجبرهم واشنطن على الإنضمام إلى التحالف المناهض للصين التي يقف على حدود مجالها القومي والحيوي والإقتصادي البركان الأفغاني , الذي لم يبح بكل "حممه" حتى الاّن ... وبإعتقاد الكثيرين أنه كان على الحكومة الاسترالية التي لا تنافس الصين ولا تصدم معها جيو سياسياً , أن تفكر في عواقب تحولها إلى غواصة نووية لخدمة المصالح الأمريكية , كذلك بعواقب استهدافها للصين ومواجهتها مباشرة , فقد تجد نفسها في ليلةٍ وضحاها تتحدث عن الطعنة الأمريكية في الظهر على غرار فرنسا وتركيا والسعودية واّخرون , إن التحايل الأمريكي على "معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية" يشكل تهديداً للبشرية جمعاء , خصوصاً إذا ما استعملت واشنطن سلاح "الغواصات النووية" في عصرٍ جديد للهجمات الإرهابية النووية.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

22/9/2021

 

Friday, September 17, 2021

واشنطن ما بين تقارب موسكو والرياض - م. ميشيل كلاغاصي


مع رحيل دونالد ترامب ووصول جو بايدن إلى البيت الأبيض ، تغير مناخ العلاقات السعودية الأمريكية , على خلفية العناوين التي أعلنتها الإدارة الجديدة , وبدا السعوديون غير راضين عن إعلان الرئيس بايدن نيته العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة الدولية مع إيران ، وبتكرار الحديث عن الإنتهاكات السعودية لحقوق الإنسان , بالإضافة إلى الصعوبات التي تواجهها المملكة لإقناع العالم بحربها على اليمن , وبإستمرار إبرام الصفقات لشراء السلاح الأمريكي لمواصلة الحرب الظالمة على اليمن إلى ما لا نهاية.

ومع إعلان الولايات المتحدة - الحليف الإستراتيجي للمملكة في مواجهة إيران - , عن سحب أنظمة الـ "باتريوت" و"ثاد" للدفاع الجوي والدفاع الصاروخي من منطقة الشرق الأوسط ، بما في ذلك سحبها من الأراضي السعودية ، باتت المملكة في وضع لا تحسد عليه , خصوصاً مع معاناتها وحلفائها الميدانية , بمواجهة القدرات الصاروخية للمقاومة والقوات المسلحة اليمنية.

لم يقتنع السعوديون بمبررات البنتاغون لسحب أنظمة مضادات الطائرات , وبأن "عددها المحدود" , والحاجة لإستخدامها في مناطق أخرى ضد الصين وكوريا الشمالية استدعى سحبها ...  ومع ذلك ، لا يستبعد الخبراء السعوديون أن يكون أحد الأسباب الحقيقية لهذه الخطوة هو عدم قدرة أنظمة الـ "باتريوت" الواضحة على مواجهة الطائرات المسيرة بدون طيار, وهذا بدوره يصيب سمعة الصناعات الحربية الأمريكية بشكل عام , وأنظمة الدفاع الصاروخي بشكل خاص , لكن السعوديون ينظرون للأمر من زاوية أخرى , عبر عنها الأمير تركي الفيصل, بأنه على واشنطن التوقف عن سحب أنظمة الباتريوت من المملكة "لإثبات صداقتها" مع المملكة.

في ظل هذه الظروف ، وبوجود صعوبات أخرى بين واشنطن والرياض , من بينها الحديث عن رَفعِ السرية عن ملف اتهام ولي العهد السعودي بقتل الـ خاشقجي , وهزائمها في اليمن ولبنان , تجد المملكة نفسها بحاجة ماسة للتفكير في تنويع علاقاتها , ومصادر مشترياتها العسكرية , ولن يكون مستغرباً أن تتحول أنظارها نحو روسيا ، بأسلحتها المتفوقة والتي أثبتت فعاليتها في عديد الجبهات الساخنة .

بات معروفاً أنه منذ بداية عام 2020 , بدأت المملكة بالتفكير الجدي بكسر إعتمادها الكلي على أنظمة الأسلحة الأمريكية ، واتجهت للتفاوض مع موسكو للحصول على أنظمة الدفاع الجوي الروسية S-400 , خصوصاً بعد تعرضها لهجمات طالت أهدافاً حيوية في الداخل السعودي , بالإضافة إلى انكشاف حقيقة أن الولايات المتحدة ليست مستعدة للدفاع عمن يعتقدون بصداقتها وبالتحالف معها , وبأن الذاكرة السعودية التي لم تنس ما قاله الرئيس ترامب للملك السعودي "ادفعوا لنحميكم" . 

لكن ماذا عن المصدر الروسي "البديل" ؟ .. إذ لم تكن تحظى العلاقات الروسية - السعودية يوماً بالدفء والثقة المتبادلة , لكنها أيضاً لم تكن لتتسم بالعداء , واستطاع الطرفان النجاح بالإقتراب خطوة  نحو بعضهما البعض , وبإعادة تقييم المصالح المشتركة...

إذ لا يخفي السعوديون امتعاضهم من العلاقات الإستراتيجية بين موسكو وطهران , التي لطالما تعتبر هذه الأخيرة تشكل مصدراً لتهديد المملكة ومصالحها وجيرانها في المنطقة , ناهيك عن علاقاتها بقطر, والبون الساشع بمواقف موسكو والرياض من عديد القضايا حول العالم , وأقله في الشرق الأوسط  , ومع ذلك اتجهت المملكة للتعاون مع روسيا.. وأوضح وزير الثقافة والإعلام في المملكة  تسعى من خلال التقارب مع موسكو إلى "تنويع سياستها الخارجية وعلاقاتها الاقتصادية الخارجية ، بما يقتضيه تنفيذ برنامج التنمية الاستراتيجية رؤية المملكة العربية السعودية 2030"..  كما ساهمت الزيارات المتبادلة الأخيرة التي قام بها الرئيس بوتين إلى الرياض , وأمراء وملك السعودية إلى موسكو ، بتعزيز الإتصالات التجارية والتعاون العسكري بين البلدين.

وإذا كانت هناك عديد المسائل الخلافية بين موسكو والرياض , إلاّ أنه وبالمقابل , تتطابق وجهات نظر البلدين في العديد من القضايا , كقيام دولة فلسطين داخل حدود عام 1967 ,  كذلك بمناهضة واعتبار ضد تنظيم الإخوان المسلمين على انه "إرهابي" , بالإضافة إلى العلاقات النفطية , واهتمام الطرفين برفع أسعار النفط العالمي .

لكن ماذا عن الموقف الأمريكي لهذا التقارب ؟ ... ففي ظل تعقيد العلاقات السعودية – الأمريكية وتجذرها لعقود طويلة , أظهرت واشنطن استياءاً تمثل بدعوة الرياض وحلفائها إلى تجنب الصفقات الدفاعية المهمة مع روسيا ، كما قام وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بتأجيل زيارته المقررة في اّب المنصرم إلى المملكة تحت مزاعم "مشاكل الجدول الزمني".

وعلى الرغم من القلق الأمريكي من التقارب السعودي مع روسيا والصين , إلاّ أن الولايات المتحدة لا تزال تتمسك بمصالحها الإستراتيجية في المنطقة من خلال علاقاتها مع الرياض , كذلك على المقلب السعودي , لا يمكن للرياض أن تدير ظهرها للولايات المتحدة , ويبقى من الهام البحث في جوهر قرار واشنطن بسحب أنظمتها الصاروخية الدفاعية من المملكة , والذي يبدو لا يتعلق بالعلاقات المباشرة والطبيعية بينهما , وقد تكون واشنطن تبحث عن سبل تعزيز توجيه المملكة نحو التطبيع والعلاقات مع تل أبيب , لإيجاد المبرر تحت عنوان الأمن القومي للمملكة , في ظل استمرار الحرب على اليمن , ولحين تبلور ملامح جديدة في المنطقة العربية وإنضمام دول خليجية أخرى إلى توقيع معاهدات السلام , بما يمنح الكيان الإسرائيلي الطمأنينة حيال وجوده وبقائه , وبما يخدم مصلحة الولايات المتحدة بالإنسحاب من العراق وسورية بعد إنسحابها من أفغانستان .

المهندس: ميشيل كلاغاصي

17/9/2021 

Saturday, September 11, 2021

معادلات الإنسحاب الأمريكي من العراق - م. ميشيل كلاغاصي


تحت عناوين جاءت في حملة المرشح جو بايدن الإنتخابية , تحركت الإدارة الأمريكية نحو تغيير مسارها أو تصحيحه بحسب توجهاتها وأهدافها في مرحلة الرئيس بايدن , تحت عنوان إعلامي بحت ألا وهو نسف مرحلة ترامب ومساره , على الرغم من سيرها على نهجه في الكثير من الملفات الداخلية والخارجية ... ولوحظ في الاّونة الأخيرة بأنها بدأت بتكثيف نشاطها بإعادة توزيع قوتها المالية والعسكرية بدءاً من الشرق الأوسط وصولاً  إلى آسيا والمحيط الهادي، وتحركت بإتجاه إعادة تركيز قوتها وقواها ضد الصين , التي ترى فيها العدو والمنافس الرئيسي في الصراع المستقبلي على قيادة العالم , بالتزامن مع تصاعد عمليات المقاومة والإحتجاجات المتزايدة لوجودها العسكري في الشرق الأوسط وتحديداً في العراق وسورية , ونتيجة لمجمل تلك الأمور , اضطرت واشنطن إلى الانسحاب بالكامل من أفغانستان في نهاية اّب .. وسط توقعات وتحليلات ومؤشرات تؤكد أن محطتها التالية للإنسحاب هي من العراق تليها محطة الإنسحاب من سورية.

إذ سبق وأعلنت واشنطن عن انسحاب القوات الأمريكية من العراق , بعد لقاء الرئيس جو بايدن برئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في 26 تموز2021 , كما وعدت بتاريخ 31 كانون الأول ، بإنهاء جميع عملياتها العسكرية في العراق , بعد عقود من غزوها وتدخلها العسكري هناك ، وهو الأمر ذاته الذي حصل في أفغانستان , مع فارق حديثها عن استمرار "تعاونها" العسكري في العراق , الأمر الذي يرفضه العراقيون ومقاومتهم الباسلة , التي لا تنفك وبطريقتها لتأكيد عدم حاجتها لأي وجود أجنبي على أراضيها.

لا يمكن الحديث عن إنسحابٍ أمريكي نهائي حتى لو تم , وستبقى الأراضي العراقية تحت أنظارها عبر قواعدها العسكرية في دول الخليج العربي , ناهيك عن محاولاتها الإبقاء على بعض قواتها تحت عناوين تقديم المشورة والتدريب وتبادل المعلومات الاستخبارية , ولا تزال تحاول تكرار عناوين أخرى كمحاربة الإرهاب , ليصار إلى قبول تواجدها وممثليها, لكن ذرائعها وإبتكاراتها لن يكون مقبولاً بها عراقياً من جهات رسمية عديدة في البلاد وعلى رأسها قيادة المقاومة في الحشد الشعبي التي يقف ورائها ملايين العراقيين والمقاومين في المنطقة , والتي لن تمهلها يوماً لإضافياً لبقائها على الأراضي العراقية.

وللمرة الثانية , كرر الرئيس بايدن كلامه عن قرار سحب قواته العسكرية من العراق , في اللقاء الذي جمعه مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في واشنطن بتاريخ 23 آب.

وأثناء زيارة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى موسكو أواخر آب ، كرر تأكيد بلاده واستعدادها للإنسحاب الأمريكي , وأن العراق يملك حالياً كل القوى والوسائل والمعلومات والمهارات اللازمة لمكافحة الإرهاب على أراضيه وبشكل فعال ... لا شك بأن تلك المواقف الوطنية ستحرم واشنطن الإستفادة من تجربة أو مخطط إنسحابها من أفغانستان في العراق.

بالتوازي مع البدء الفعلي لإنسحاب القوات الأجنبية من العراق , يجري الحديث عن احتمالية استبدال القوات الأمريكية وحلفائها بقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة , بهدف دعم الأمن على الأراضي العراقية , بعدما لوحظ نشاط إرهابي - تخريبي لبعض خلايا تنظيم "داعش" النائمة , ترافقت مع مرحلة المفاوضات الخاصة بالإنسحاب الأمريكي من البلاد , واستهدفت القوافل العسكرية والإنسانية والبنى التحتية والإقتصادية والحيوية العراقية , وتفجير أبراج الكهرباء ونظام الطاقة بشكل عام , الأمر الذي تسبب بموجة غضبٍ شعبي , وبإستقالة وزير الكهرباء مجيد مهدي حنتوش.

لم تكن تلك الهجمات الإرهابية لتمر من دون حساب وعقاب , فقد وقفت وحدات الجيش العراقي والقوى الأمنية وأبطال الحشد الشعبي لهم بالمرصاد , وانبرت هذه الأخيرة لمطاردة فلول التنظيم الإرهابي في عدة مناطق , ولقنتها درساً قاسياً في الأنبار, وتقدمت بعملية "ثأر الأبطال" وفاءاً وإنتقاماً لشهداء الحدود , كما تحركت القوى الأمنية في نينوى وغير مكان لتقتص من تلك الخلايا وتضعها في السجون وحيث يجب أن تكون.

لقد أصبح الحديث عن انسحاب القوات الأمريكية من العراق يحتل المرتبة الثانية في وسائل الإعلام العالمية , وبدأ بعضها يرفع منسوب الحديث – بشكل تدريجي - عن الإنسحاب التالي من سورية.

يستحق العراق العظيم وشعبه ومقاومته أن يحقق الإنتصار الكبير وإجبار الأمريكيين على الإنسحاب بدون ذرائع مع نهاية العام الحالي , بما يمنح المزيد من الأمل والتفاؤل والثقة للدولة السورية وشعبها بأن الإنسحاب التالي هو من سورية... وإذا كان الإنسحاب الأمريكي حتميٌ في العراق , فلا بد من التذكير بأن القصة الغربية - الأمريكية لم تبدأ عام 2003 , وبأنها ارتبطت أساساً بالنفط والثروات العراقية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى والإحتلال البريطاني واستمرت حتى يومنا هذا , واستحوذت على صفحات لا تعد ولا تحصى من العدوان على العراق وشعبه وثرواته , وما تخللته من أكاذيب حيال الجمرة الخبيثة , وأسلحة الدمار الشامل , وغيرها من الصفحات الغربية السوداء , التي دفع الشعب العراقي ثمنها غالياً من دماء أبنائه ودموع أمهاته , ومن نهبٍ رهيب لثرواته التي كانت كفيلة بتربعه على عرش الإقتصاد في المنطقة والإقليم , بما يضاف إلى تربعه على سلم الحضارات التاريخية.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

10/9/2021 

فروا من أفغانستان .. متى يفرون من سورية ؟ - م.ميشيل كلاغاصي


على الرغم من التكاليف والأثمان السياسية والعسكرية والمالية الباهظة التي تكبَّدتها الولايات المتحدة الأميركية في فيتنام ولبنان والعراق وأفغانستان وسوريا، شهد العالم الأسبوع الماضي انسحاباً أميركياً وأطلسياً فوضوياً غير مسؤول، كانت إحدى نتائجه مقتل 13 جندياً أميركياً وبعض البريطانيين وعشرات المدنيين الأفغان، الأمر الَّذي يؤكّد أنَّ الغرب لم يتعلّم من دروس الماضي الأليمة.

ومن المثير للسّخرية أن يوجّه كلّ من الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الناتو ينس ستولتنبرغ أصابع الاتهام إلى القادة الأفغان الَّذين فروا منذ اللحظات الأولى، لتقدم "طالبان" نحو السيطرة على غالبية عواصم الأقاليم قبل وصولهم إلى كابول، فالناتو والولايات المتحدة لا يشعرون بالحرج وهم يطلقون الأكاذيب ويروجون إلى أنهم منقذو العالم، وجالبو الديمقراطية والازدهار والسلام، والمدافعون عن حقوق الأطفال والمرأة والإنسان في تلك البلاد التي احتلوها ودمروها ونهبوا خيراتها. يا لها من سياسة خارجية قامت ولعقود على استراتيجيةٍ تنضوي على أيدولوجيا غربية متوحشة ومريضة، تبدأ بتدمير الدول، ثم بإعادة إعمارها، سبيلاً لتحقيق المكاسب وتكريس الهيمنة!

كانت غالبية دول العالم تعتبر "طالبان" إرهابية، ولا يعني تمددها اليوم وسيطرتها على البلاد أنها شرعية، ولم يسبق لأيِّ دولة أن اعترفت بها، بدليل تصنيفها الإرهابي في لوائح عدد من الدول. واليوم، وبعد الانسحاب الأميركي والأطلسي، بات معيار الكثيرين للاعتراف بـ"طالبان"، ومنهم الولايات المتحدة ودول الناتو، مرهونٌ "بسلوكها وأفعالها" الحالية والمستقبلية، وليس تاريخها والجرائم التي ارتكبتها، وبحقيقة مشروعها والأيديولوجيا التكفيرية المتطرفة التي تتحكم في عقول قادتها وبعض داعميهم، في الوقت الذي يذهب الوزير أنتوني بلينكن إلى أبعد من ذلك، ويختزل كل ما تريده واشنطن من "طالبان" بـ"محاربة الإرهاب"، فيما يرى الكثيرون اليوم أن الاعتراف بالحركة بات بحكم الأمر الواقع، وهذا يؤكد نجاح واشنطن بتحويل "طالبان" من حركة إرهابية إلى طرف شرعي ومعترف به في المعادلة الأفغانية، وسيكون حتماً في مواجهة أطراف متوقعة وأخرى قد تتضح معالمها قريباً.

هذا الأمر يقودنا إلى السؤال: هل تحاول واشنطن وعواصم الناتو تطبيق الأمر ذاته في سوريا، من خلال تمسكها بوجودها كقوة احتلال سافر في الأراضي السورية، وبمحاولاتها لتلميع صورة المدعو أبو محمد الجولاني، زعيم تنظيم جبهة "النصرة – القاعدة"، في محافظة إدلب ومحيطها، بما يملكه من إمرةٍ على عدد كبير من الإرهابيين المحليين والغرباء، تحت عنوان أنه بات لا يشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي، وأنه زعيم سياسي لمعارضة مسلحة لحماية المدنيين السوريين من دولتهم وحكومتهم وجيشهم الوطني؟ هل تسعى واشنطن وأدواتها في دول الشر لتحويل "النصرة" إلى أمر واقع على غرار "طالبان" في أفغانستان وفق المعايير ذاتها، وعلى أساس منحه شهادة حسن سلوك أميركية - أطلسية، وعلى أساس أفعاله وتنظيمه الإرهابي المستقبلية، وليس بحسب تاريخهم الإرهابي والإجرامي في سوريا، من دون الاكتراث إلى تصنيفهم الإرهابي الأميركي والأممي والدولي؟

ماذا ستكون التداعيات على سوريا بعد حربٍ تجاوزت 10 سنوات؟ ومتى ستتوقف؟ هل سيحاول "منقذو العالم" الاستمرار بتعطيل الحل السياسي في سوريا، واستمرار محاولات تقسيمها ونهب ثرواتها وحصارها وشعبها وحرمانه من خيرات بلاده، ومن أدنى متطلبات الحياة من نفط وغاز ومحاصيل زراعية وغذاء ودواء في زمن جائحة كورونا، ودفع أبنائه نحو الهجرة؟

وبما أن "دوام الحال من المحال"، فلن يطول زمن حصاد جهود الدولة السورية الرسمية والشعبية، فقرار تحرير "كل شبر" متخذٌ، وبشكل رسمي ومعلن، منذ اللحظات الأولى للغزو الأميركي والتركي والانفصالي والإرهابي، كذلك قرار الشعب السوري ومقاومته الاحتلال هو من صلب جيناته اليوم وعبر التاريخ، وسيتم من دون أدنى شك اختراق المخطط الخبيث في ما تبقى من بؤر احتلال وتواجد إرهابي في الأراضي السورية، وستجد الولايات المتحدة الأميركية نفسها في وضع لا تحسد عليه، ولن يكون أمامها سوى الفرار السريع والهزيمة الكبرى ووصمة العار الإضافية لـ"جيش" احتلال "الدولة العظمى" وعصابة حلف الناتو.

يدرك العالم أن واشنطن لن تستفيد من المشهد الأفغاني في سوريا، فالحالتان مختلفتان تماماً، لكنهما قد تشتركان في مشهد فرار الولايات المتحدة والناتو. وعليه، يبقى السؤال: متى يفرون من سوريا؟ ومتى ستقودهم الحكمة إلى قرار تقليص خسائرهم في الشرق الأوسط، ويمدون يدهم إلى سوريا المنتصرة؟ ومتى سيعودون والأوروبيين والأتراك والعرب إلى التطبيع مع سوريا، وإنهاء العقوبات، وسحب القوات الأميركية وغيرها من الأراضي السورية، واحترام سيادتها الوطنية ووحدة أراضيها، والكفّ عن التدخل في شؤونها الداخلية؟

آن الأوان لتعميم بعض الأصوات الداخلية في مراكز صنع القرار الأميركي، والاتحاد خلف صوت عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فرجينيا المتقاعد ريتشارد بلاك في مقابلته مع صحيفة "سوريا تايمز" الإلكترونية، والذي تساءل: "ألم تساعدنا سوريا على محاربة أكبر جيشٍ من إرهابيي القاعدة على وجه الأرض في إدلب؟ وبما أنّ "عدو عدوي هو صديقي"، فقد حان الوقت لنسأل أنفسنا: من هو صديقنا؟ سوريا أم "القاعدة"؟".

لا بد لعقلاء الولايات المتحدة والقارة العجوز من قراءة المرحلة بدقّة وواقعيّة، وأنّها ماضيةٌ نحو أفول "الإمبراطورية الأميركية" التي لا بدّ لها من أن تُسقط أوروبا معها، لأنها جزء منها، فالعالم الجديد متعدّد الأقطاب، ويتقاسم النفوذ الذي يحمي المصالح الاقتصادية بالدرجة الأولى، ولا يتحكّم في حياة البشر، وفي تغيير الأنظمة السياسية بالقوة، وفرض العقوبات، وتعميم النسخ الخاصة والمزيفة للديمقراطية.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

6/9/2021 

تداعيات الإنسحاب "الكارثة" على مستقبل العلاقات الأمريكية - الدولية - م.ميشيل كلاغاصي

بتاريخ 14 آب/أغسطس 2021 , تلا الرئيس الأمريكي جو بايدن بيانه حول الإنسحاب من أفغانستان , وتحدث بفخر وإعتزاز عن إنجازات بلاده :"لقد أرسلت أمريكا أفضل شبابها وشاباتها ، واستثمرت ما يقرب من تريليون دولار ، ودربت أكثر من 300 ألف جندي وشرطي أفغاني ، وزودتهم بأحدث المعدات العسكرية ، وحافظت على قوتهم الجوية كجزء من أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة".

في حين كان المشهد على الأرض يرصد الفوضى والإندفاعة الأمريكية لإجلاء موظفيها ودبلوماسييها واّخرون اهتمت بإجلائهم , بالتوازي مع سرعة سيطرة طالبان على السلطة , - على عكس التوقعات الأمريكية -  الأمر الذي أكد فشلها الإستراتيجي , الذي انعكس بدوره على اّلية التخطيط والتنفيذ والإشراف , وأكد عدم إستفادتها من دروس فيتنام , وهذا بحد ذاته شكل أحد أسباب فشلها في أفغانستان ...

كذلك تحدث الرئيس بايدن في 31 آب/ أغسطس 2021, وأكد أن "القرار بشأن أفغانستان لا يتعلق فقط بأفغانستان" , و"يتعلق بإنهاء حقبة من العمليات العسكرية الكبرى" , "ستكون حقوق الإنسان في صميم سياستنا الخارجية" , "لن يتم ذلك من خلال الإنتشار العسكري اللانهائي" , "يجب أن تتغير استراتيجيتنا"... هل يمكن أن ينسحب كلامه على ساحات الشرق الأوسط  , وأهمها العراق وسورية ؟

وعلى الرغم من إدعاءات الرئيس بايدن المتكررة حيال نسف سياسة سلفه ترامب , ها هو مرة أخرى يسير على نهجه , ويحاول الخروج من عباءة أن تكون أمريكا " شرطي العالم" الدور الذي لعبته الولايات المتحدة منذ خمسينيات القرن الماضي , من خلال الشراكة المتوحشة مع بعض الدول الأوروبية .

لكن , في السنوات الأخيرة بدأت ملامح القلق والتوتر تصيب بعض دول الناتو , ووصلت حد المجاهرة , ففرنسا وألمانيا , سبق لهما إعلان الرغبة برسم سياساتهما بعيداً عن السياسة الخارجية  لواشنطن , فيما كشفت جولته الأوروبية الأخيرة إلى كورنوال ولقاءات مجموعة السبع وبروكسل ، وزعماء الناتو والاتحاد الأوروبي في يونيو الماضي , افلاسه واهتمامه بلقاء بوتين كرئيس للولايات المتحدة وليس كزعيم لتحالف أمريكي – أطلسي – أوروبي , مما دفعهم للتسائل عن مستقبل التحاقهم بالركب الأمريكي , كذلك الأمر بالنسبة لبعض الأنظمة الخليجية التي بدأت الإقتراب أكثر فأكثر من الروس والصينيون , وأتى الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان بدون التنسيق مع الحلفاء ليشكل عاملاً إضافياً لتعميق الهوة بين واشنطن وأقرب حلفائها .

إن استيلاء طالبان على السلطة هو "فشل استخباراتي على أعلى مستوى" - بحسب مسؤول عسكري أمريكي سابق - ، في وقت تبذل فيه واشنطن قصارى جهدها لإعادة تحديد علاقاتها عبر جنوب شرق آسيا كحصن أمني وعسكري لمواجهة الصين , الأمر الذي يساهم بدفع بعض الدول الأوروبية - على وجه الخصوص ، ألمانيا وفرنسا - للتفكير بشكل أعمق في تطوير بنية تحتية أمنية وسياسة خارجية مستقلة تماماً عن الولايات المتحدة... وبالتالي ، ستترك - "الكارثة" - بحسب وصف الرئيس الروسي للإنسحاب  - أثراً كبيراً على مستقبل مكانة الولايات المتحدة في العالم.

إن فشل الولايات المتحدة في أفغانستان سيجعل منها حليفًاً لا يمكن الاعتماد عليه أوروبياً , الأمر ذاته بالنسبة لدول جنوب شرق اّسيا التي لا تؤيد فكرة التحالف ضد الصين , إذ لن تستطيع واشنطن إقناع أحد بالقتال إلى جانبها في حروب غير واضحة المعالم , وقد تنتهي بالفشل والإنسحاب مجدداً , إذ لا تحلم دول الاّسيان بمصير مشابه لدول الناتو.

المهندس: ميشيل كلاغاصي *** 4/9/2021

 

أفغانستان .. أهمية الدور الروسي والإيراني لإبعاد خطر "اللعبة الأمريكية الكبرى" - م.ميشيل كلاغاصي


من السذاجة بمكان التعامل مع الملف الأفغاني على أنه إنسحاب أمريكي وأطلسي , نتيجة حسابات ضيقة وأن الرئيس بايدن أراد إنهاء صفحة "حروب اللا نهاية وعودة الجنود إلى البلاد" , بالتوازي مع نشاطٍ مكثف لحركة طالبان المؤلفة من مجموعة من الإرهابيين سيئي السمعة , جهلة , متخلفين , متشددين – متطرفين ، أرادوا اليوم أن يكونوا جزءاً من "اللعبة الأمريكية الكبرى" التي تتكشف خيوطها في منطقة المحيطين الهندي والهادي.

إن هيمنة طالبان على الوضع في أفغانستان ، لا يتعلق فقط بوجود أو إنسحاب القوات الأمريكية والأطلسية , بل يرتبط بشكل وثيق بكافة دول المنطقة , ويعتبر بمثابة بشرى غير سارة للعديد منهم كالصين وباكستان والهند وطاجكستان , بالإضافة إلى روسيا وإيران , ويرتبط بشكل رئيسي بأمنهم الوطني والإقليمي وبموقعهم العالمي على الخرائط الجيوسياسية والعسكرية والإقتصادية الكبرى.

وتبدو طالبان بحاجة لترتيب جدول أولوياتها , وبحسب ما صدر عن غالبية الدول وبما يتوقعونه منها خصوصاً على الصعيد الخارجي , من قمع لجميع أنواع التجاوزات المسلحة والتي قد تتسبب بسرعة إندلاع الحرب الأهلية – المتوقعة- ، والقيام ببسط السيطرة على المناطق الحدودية  وتطبيق النظام والقانون , وتكثيف الإتصالات مع حرس الحدود للدول المجاورة , لمحاصرة أية فوضى , وأي تحركات ونشاطات إرهابية عبر الحدود , وقمع تجارة المخدرات ...

إذ يمكن للدول المجاورة أن تلعب دوراً في التعاون المثمر والمفيد لجميع الأطراف , لصياغة أهدافٍ مشتركة واضحة تمنع إمكانية إنتقال الصراع  من داخل أفغانستان إلى داخل دول الجوار , على خلفية الصراعات الموجودة أصلاً بين دول المنطقة , خصوصاً ما يتعلق بالممر الإقتصادي بين الصين وباكستان , وكافة فروع مشروع الحزام والطريق , والتعقيد الكبير في العلاقات بين الهند والصين وباكستان وبلوشستان ...إلخ , ومكونات المجتمع الأفغاني , ( البلوش , الهزارة , التركمان , الطاجيك ...إلخ ), بالإضافة إلى البشتون الذين يشكلون العمود الفقري لطالبان.

ويبقى التعويل على قوة وحكمة كلٍ من الصين وروسيا وإيران , لمنع إنزلاق الأمور وخروجها عن السيطرة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بأكملها , حيث وصف الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان بـ"الفرصة لتحقيق الأمن و السلام الدائم في هذا البلد" ، ودعا للتوصل إلى "التوافق" وللقيام "بمصالحة وطنية" ، و"مشاركة كل الأطراف".

لا يمكن المراهنة سلفاً عما سيحدث في أفغانستان ومحيطها وكامل منطقة المحيطين الهندي والهادي , وسط حسابات ومعادلات قد تتغير بالتأثير الأمريكي , وزيادة عدد المنضمين التحالف المناهض للصين , الأمر الذي سيلقي على عاتق روسيا وإيران جهوداً إضافية لتسوية التناقضات بين الجهات الخارجية الرئيسية , وبذل المزيد من الجهود السياسة والدبلوماسية والتجارية – الاقتصادية , بعيداً عن لغة السلاح والعنف والإرهاب والفوضى المحببة للإدارة الأمريكية.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

21/8/2021 

Friday, September 3, 2021

طالبان .. المهمة المستحيلة - م. ميشيل كلاغاصي


سيبقى مشهد تهافت الشعب الأفغاني نحو مطار كابول , ومحاولاتهم للتشبث بعربات وسلالم الطائرات أو بعجلاتها , من المشاهد المأسوية في ذاكرة العالم , بعدما دفع الكثيرين للدهشة والإستغراب , لطريقة تلقي عدداَ كبيراً من الأفغان نبأ الإنسحاب الأمريكي والأطلسي , بعد عشرين عاماً للغزو والإحتلال والعبث والفوضى في البلاد . 

لا يمكن التأكيد على أن جميع الراغبين بمغادرة البلاد هم من الأفغان العملاء أو الخونة , والمتعاملين مع قوات الإحتلال الأمريكي بطريقة أو بأخرى , كذلك لا يمكن الجزم بأن كل من هللوا ولم يغادروا هم طالبانيون أو من مؤيديهم في بيئة داخلية غير متجانسة سياسياً وإيديولوجياً , فالبلاد تعج بالقوميات والإثنيات والعرقيات والمذاهب ... ويبقى من الثابت أن طالبان تحاول بسط سيطرتها على الجميع دون استثناء , في وقتٍ تتحدث فيه عن الإستقرار والسلام ومعالجة كافة المشاكل , وسط بيئة جيوسياسية معقدة تربطها مع دول الجوار , الأمر الذي يبدو أشبه بالمهمة المستحيلة , بما يشي بوقوف أفغانستان على مفترق طرق خطير للغاية , لا تُستبعد فيه الحرب الأهلية.

تبدو المخاوف من سيطرة طالبان ترتبط إرتباطاً وثيقاً بإنعدام ثقة جميع الأفغان بحكمها , بالإضافة إلى وجود المعارضين القبليين والسياسيين التاريخيين لشكل وطريقة حكمها , قد شكل دافعاً لإتجاه الكثيرين نحو مطار كابول والحدود البرية لمغادرة البلاد.

من الواضح أن محاولات طالبان منذ منتصف شهر اّب الماضي , لتهدئة مخاوف الأفغان قد فشلت , أمام ذاكرتهم بسطوتها وطغيانها إبان فترة حكمها 1996 – 2001 , على الرغم من إسراعها بالإعلان عن فرض الشريعة , وتغيير العلم الأفغاني , والقيود المفروضة على حقوق المرأة ...إلخ.

كذلك تعاني طالبان من عجزٍ خطير في نيل الثقة الدولية , بفضل تاريخها المرتبط بالعنف والجهل والتخلف بالنسبة لبعض الدول , وبالإرهاب بالنسبة لغير دول , وبالتأكيد ستحتاج إلى دعم وتعاون دوليين , للبقاء وللعمل كحكومة مقبولة من دول العالم , وهذا سيضعها تحت رحمة المبتزين والطامعين وأصحاب الغايات والاهداف السياسية , وأصحاب المصلحة الحقيقية لحماية حدودهم وأمن دولهم الداخلي .

إن الهجوم على مطار حامد كرزاي الدولي , وسقوط القتلى والجرحى , يدفع طالبان لإثبات عدم ارتباطها بمرتكبي الهجوم الإرهابي , وبإدانتهم وملاحقتهم ومحاربتهم ,  وهذا سيفرض عليها حتماً موقفاً ضد تنظيم القاعدة وداعش والجماعات الأخرى... الخرى الأخرى والقصاص كذلك سيفرض عليها مواجهة التحديات الجيوسياسية الداخلية والخارجية , بما في ذلك إقناع طاجكستان وباكستان والهند والصين وروسيا وإيران ... , بأنها لن تكون مصدراً للقلق والفوضى .

أخيراً ... إذا كان الإنسحاب الأمريكي والأطلسي من أفغانستان يعني غياباً للوجود العسكري الخارجي في الداخل , لكنه لا يعني عدم عودة واشنطن وحلفائها التدخل من خارج الحدود , بالإضافة إلى تعقيد الجغرافيا السياسية المتمركزة حول أفغانستان وارتباط عديد الفصائل المحلية إلى ببعض الجهات الخارجية , سيجعل مهمة طالبان بالإجابة على سؤال - أفغانستان إلى أين ؟ - أشبه بالمستحيلة , وسيبقى رهن اللعبة الدولية.  

المهندس: ميشيل كلاغاصي

3/9/2021