بتاريخ 14 آب/أغسطس 2021 , تلا الرئيس الأمريكي جو بايدن بيانه حول الإنسحاب
من أفغانستان , وتحدث بفخر وإعتزاز عن إنجازات بلاده :"لقد أرسلت أمريكا أفضل
شبابها وشاباتها ، واستثمرت ما يقرب من تريليون دولار ، ودربت أكثر من 300 ألف جندي
وشرطي أفغاني ، وزودتهم بأحدث المعدات العسكرية ، وحافظت على قوتهم الجوية كجزء من
أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة".
في
حين كان المشهد على الأرض يرصد الفوضى والإندفاعة الأمريكية لإجلاء موظفيها ودبلوماسييها
واّخرون اهتمت بإجلائهم , بالتوازي مع سرعة سيطرة طالبان على السلطة , - على عكس
التوقعات الأمريكية - الأمر الذي أكد فشلها
الإستراتيجي , الذي انعكس بدوره على اّلية التخطيط والتنفيذ والإشراف , وأكد عدم
إستفادتها من دروس فيتنام , وهذا بحد ذاته شكل أحد أسباب فشلها في أفغانستان ...
كذلك
تحدث الرئيس بايدن في 31 آب/ أغسطس 2021, وأكد أن "القرار بشأن أفغانستان لا يتعلق
فقط بأفغانستان" , و"يتعلق بإنهاء حقبة من العمليات العسكرية الكبرى"
, "ستكون حقوق الإنسان في صميم سياستنا الخارجية" , "لن يتم ذلك من
خلال الإنتشار العسكري اللانهائي" , "يجب أن تتغير استراتيجيتنا"... هل يمكن أن ينسحب كلامه على ساحات الشرق الأوسط , وأهمها العراق وسورية ؟
وعلى
الرغم من إدعاءات الرئيس بايدن المتكررة حيال نسف سياسة سلفه ترامب , ها هو مرة أخرى
يسير على نهجه , ويحاول الخروج من عباءة أن تكون أمريكا " شرطي العالم" الدور
الذي لعبته الولايات المتحدة منذ خمسينيات القرن الماضي , من خلال الشراكة
المتوحشة مع بعض الدول الأوروبية .
لكن
, في السنوات الأخيرة بدأت ملامح القلق والتوتر تصيب بعض دول الناتو , ووصلت حد المجاهرة
, ففرنسا وألمانيا , سبق لهما إعلان الرغبة برسم سياساتهما بعيداً عن السياسة
الخارجية لواشنطن , فيما كشفت جولته الأوروبية
الأخيرة إلى كورنوال ولقاءات مجموعة السبع وبروكسل ، وزعماء الناتو والاتحاد الأوروبي
في يونيو الماضي , افلاسه واهتمامه بلقاء بوتين كرئيس للولايات المتحدة وليس كزعيم
لتحالف أمريكي – أطلسي – أوروبي , مما دفعهم للتسائل عن مستقبل التحاقهم بالركب الأمريكي
, كذلك الأمر بالنسبة لبعض الأنظمة الخليجية التي بدأت الإقتراب أكثر فأكثر من الروس
والصينيون , وأتى الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان بدون التنسيق مع الحلفاء ليشكل عاملاً
إضافياً لتعميق الهوة بين واشنطن وأقرب حلفائها .
إن استيلاء
طالبان على السلطة هو "فشل استخباراتي على أعلى مستوى" - بحسب مسؤول
عسكري أمريكي سابق - ، في وقت تبذل فيه واشنطن قصارى جهدها لإعادة تحديد علاقاتها عبر
جنوب شرق آسيا كحصن أمني وعسكري لمواجهة الصين , الأمر الذي يساهم بدفع بعض الدول الأوروبية
- على وجه الخصوص ، ألمانيا وفرنسا - للتفكير بشكل أعمق في تطوير بنية تحتية أمنية
وسياسة خارجية مستقلة تماماً عن الولايات المتحدة... وبالتالي
، ستترك - "الكارثة" - بحسب وصف الرئيس الروسي للإنسحاب - أثراً كبيراً على مستقبل مكانة الولايات المتحدة
في العالم.
إن فشل
الولايات المتحدة في أفغانستان سيجعل منها حليفًاً لا يمكن الاعتماد عليه أوروبياً
, الأمر ذاته بالنسبة لدول جنوب شرق اّسيا التي لا تؤيد فكرة التحالف ضد الصين , إذ
لن تستطيع واشنطن إقناع أحد بالقتال إلى جانبها في حروب غير واضحة المعالم , وقد
تنتهي بالفشل والإنسحاب مجدداً , إذ لا تحلم دول الاّسيان بمصير مشابه لدول
الناتو.
المهندس:
ميشيل كلاغاصي *** 4/9/2021
No comments:
Post a Comment