Saturday, September 11, 2021

معادلات الإنسحاب الأمريكي من العراق - م. ميشيل كلاغاصي


تحت عناوين جاءت في حملة المرشح جو بايدن الإنتخابية , تحركت الإدارة الأمريكية نحو تغيير مسارها أو تصحيحه بحسب توجهاتها وأهدافها في مرحلة الرئيس بايدن , تحت عنوان إعلامي بحت ألا وهو نسف مرحلة ترامب ومساره , على الرغم من سيرها على نهجه في الكثير من الملفات الداخلية والخارجية ... ولوحظ في الاّونة الأخيرة بأنها بدأت بتكثيف نشاطها بإعادة توزيع قوتها المالية والعسكرية بدءاً من الشرق الأوسط وصولاً  إلى آسيا والمحيط الهادي، وتحركت بإتجاه إعادة تركيز قوتها وقواها ضد الصين , التي ترى فيها العدو والمنافس الرئيسي في الصراع المستقبلي على قيادة العالم , بالتزامن مع تصاعد عمليات المقاومة والإحتجاجات المتزايدة لوجودها العسكري في الشرق الأوسط وتحديداً في العراق وسورية , ونتيجة لمجمل تلك الأمور , اضطرت واشنطن إلى الانسحاب بالكامل من أفغانستان في نهاية اّب .. وسط توقعات وتحليلات ومؤشرات تؤكد أن محطتها التالية للإنسحاب هي من العراق تليها محطة الإنسحاب من سورية.

إذ سبق وأعلنت واشنطن عن انسحاب القوات الأمريكية من العراق , بعد لقاء الرئيس جو بايدن برئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في 26 تموز2021 , كما وعدت بتاريخ 31 كانون الأول ، بإنهاء جميع عملياتها العسكرية في العراق , بعد عقود من غزوها وتدخلها العسكري هناك ، وهو الأمر ذاته الذي حصل في أفغانستان , مع فارق حديثها عن استمرار "تعاونها" العسكري في العراق , الأمر الذي يرفضه العراقيون ومقاومتهم الباسلة , التي لا تنفك وبطريقتها لتأكيد عدم حاجتها لأي وجود أجنبي على أراضيها.

لا يمكن الحديث عن إنسحابٍ أمريكي نهائي حتى لو تم , وستبقى الأراضي العراقية تحت أنظارها عبر قواعدها العسكرية في دول الخليج العربي , ناهيك عن محاولاتها الإبقاء على بعض قواتها تحت عناوين تقديم المشورة والتدريب وتبادل المعلومات الاستخبارية , ولا تزال تحاول تكرار عناوين أخرى كمحاربة الإرهاب , ليصار إلى قبول تواجدها وممثليها, لكن ذرائعها وإبتكاراتها لن يكون مقبولاً بها عراقياً من جهات رسمية عديدة في البلاد وعلى رأسها قيادة المقاومة في الحشد الشعبي التي يقف ورائها ملايين العراقيين والمقاومين في المنطقة , والتي لن تمهلها يوماً لإضافياً لبقائها على الأراضي العراقية.

وللمرة الثانية , كرر الرئيس بايدن كلامه عن قرار سحب قواته العسكرية من العراق , في اللقاء الذي جمعه مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في واشنطن بتاريخ 23 آب.

وأثناء زيارة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى موسكو أواخر آب ، كرر تأكيد بلاده واستعدادها للإنسحاب الأمريكي , وأن العراق يملك حالياً كل القوى والوسائل والمعلومات والمهارات اللازمة لمكافحة الإرهاب على أراضيه وبشكل فعال ... لا شك بأن تلك المواقف الوطنية ستحرم واشنطن الإستفادة من تجربة أو مخطط إنسحابها من أفغانستان في العراق.

بالتوازي مع البدء الفعلي لإنسحاب القوات الأجنبية من العراق , يجري الحديث عن احتمالية استبدال القوات الأمريكية وحلفائها بقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة , بهدف دعم الأمن على الأراضي العراقية , بعدما لوحظ نشاط إرهابي - تخريبي لبعض خلايا تنظيم "داعش" النائمة , ترافقت مع مرحلة المفاوضات الخاصة بالإنسحاب الأمريكي من البلاد , واستهدفت القوافل العسكرية والإنسانية والبنى التحتية والإقتصادية والحيوية العراقية , وتفجير أبراج الكهرباء ونظام الطاقة بشكل عام , الأمر الذي تسبب بموجة غضبٍ شعبي , وبإستقالة وزير الكهرباء مجيد مهدي حنتوش.

لم تكن تلك الهجمات الإرهابية لتمر من دون حساب وعقاب , فقد وقفت وحدات الجيش العراقي والقوى الأمنية وأبطال الحشد الشعبي لهم بالمرصاد , وانبرت هذه الأخيرة لمطاردة فلول التنظيم الإرهابي في عدة مناطق , ولقنتها درساً قاسياً في الأنبار, وتقدمت بعملية "ثأر الأبطال" وفاءاً وإنتقاماً لشهداء الحدود , كما تحركت القوى الأمنية في نينوى وغير مكان لتقتص من تلك الخلايا وتضعها في السجون وحيث يجب أن تكون.

لقد أصبح الحديث عن انسحاب القوات الأمريكية من العراق يحتل المرتبة الثانية في وسائل الإعلام العالمية , وبدأ بعضها يرفع منسوب الحديث – بشكل تدريجي - عن الإنسحاب التالي من سورية.

يستحق العراق العظيم وشعبه ومقاومته أن يحقق الإنتصار الكبير وإجبار الأمريكيين على الإنسحاب بدون ذرائع مع نهاية العام الحالي , بما يمنح المزيد من الأمل والتفاؤل والثقة للدولة السورية وشعبها بأن الإنسحاب التالي هو من سورية... وإذا كان الإنسحاب الأمريكي حتميٌ في العراق , فلا بد من التذكير بأن القصة الغربية - الأمريكية لم تبدأ عام 2003 , وبأنها ارتبطت أساساً بالنفط والثروات العراقية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى والإحتلال البريطاني واستمرت حتى يومنا هذا , واستحوذت على صفحات لا تعد ولا تحصى من العدوان على العراق وشعبه وثرواته , وما تخللته من أكاذيب حيال الجمرة الخبيثة , وأسلحة الدمار الشامل , وغيرها من الصفحات الغربية السوداء , التي دفع الشعب العراقي ثمنها غالياً من دماء أبنائه ودموع أمهاته , ومن نهبٍ رهيب لثرواته التي كانت كفيلة بتربعه على عرش الإقتصاد في المنطقة والإقليم , بما يضاف إلى تربعه على سلم الحضارات التاريخية.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

10/9/2021 

No comments:

Post a Comment