Tuesday, August 30, 2022

الأوروبيون يلهثون لأجل غرفةٍ في بيت الطاعة الأمريكي - م. ميشيل كلاغاصي


لم يعد في إمكان الاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية تجاهل السخط والاستياء الشعبيَّين، اللذين ترصدهما وسائل الإعلام، بصورة يومية.

يبدو أن الفأس وقعت في الرأس، وما زالت أزمة الطاقة الحالية في أوروبا تُلقي ظلالها المخيفة على دول الاتحاد الأوروبي، وسط توقعات تفيد بازدياد حجم المشاكل التي تواجه أوروبا والأوروبيين، الذين باتوا يخشون البرد والصقيع والتجمد في الشتاء الأوروبي، الذي يكاد يحلّ مسرعاً ومكلفاً للغاية هذا العام، بالتوازي مع التغيرات المناخية، وتسجيل نِسَب الجفاف المرعبة، الأمر الذي يبشّر بغموض، حاليّاً ومستقبلاً، ما دامت الرؤوس الحامية مستمرة في حربها على موسكو من دون رؤى وبلا أفق، مع استمرار تدفق أموال الأوروبيين وأسلحتهم نحو أوكرانيا.

تأخر الأوروبيون في إعلان الغضب والتمرد على حكوماتهم، التي أقحمت نفسها في حل لغز "الغزو والإرهاب الروسيَّين" بهمسٍ أميركي صريح، فأهملت شعوبها ومصالحها، وزجّت بها في أتون الأزمات المالية والاقتصادية والغذائية والصحية.

لم يعد في إمكان الاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية تجاهل السخط والاستياء الشعبيَّين، اللذين ترصدهما وسائل الإعلام، بصورة يومية، ووصفهما الإعلام الألماني بأنهما "رعبٌ حقيقي"، بعد أن أثبتت خطط المستشار شولتز فشلها. وبحسب الاستطلاع، الذي أجراه معهد "إنسا" في 19 آب/أغسطس، تبيّن أن نحو 60٪ من المواطنين الألمان أبدوا استياءهم من سياسة شولتز والائتلاف الحاكم، وعبّروا عن رغبتهم واستعدادهم لتغيير الحكومة، على نحو يؤكد تراجع شعبية شولتز بسبب سياسته تجاه أوكرانيا، وعدم التزامه المصالحَ الألمانية الوطنية، في قضايا الغاز والعلاقات بروسيا، كما يعتقدون أن سياساته أدت إلى خراب ألمانيا، وسط تعرّضه لعشرات الانتقادات، وبصورة مباشرة في أثناء خطابه في براندنبورغ، ولصيحات الاستهجان والهتافات المخزية، مثل: "خائن الشعب"، "كاذب"، "هيا ارحلْ".

في هذا السياق، أشارت عدة وسائل إعلام ألمانية إلى أن شولتز قد يُجْبَر على الاستقالة، على الرّغم من تمسكه بالسلطة، بدليل تأكيده للصحافيين، في 22 آب/أغسطس، أنه "لا يرى حاجة إلى تغيير إلزامي للمستشار في ألمانيا، ولا يوجد سبب لتقييد خلال فترة عمله"، الأمر الذي يؤكد قلقه الواضح بشأن المحافظة على وضعه الحالي.

في هذا الوقت، يواصل القادة الأوروبيون، في ظل تفاقم أزمة الطاقة، تنفيذ تعليمات واشنطن ورغباتها بشأن استمرار سياسة العداء لروسيا، والضغط وتقييد دخول الغاز الروسي للأسواق الأوروبية، في حين يحاولون عبثاً إيجاد البدائل من غير دول، الأمر الذي فرض منافساتٍ غير مسبوقة في أسواق الغاز العالمية، وارتفاعاً في اسعار الطاقة، أثّر في جميع الدول حول العالم، وحرم الدول النامية والفقيرة من الحصول على احتياجاتها من الطاقة.  

إن التحركات والزيارات التي قام بها القادة الأوروبيون في اتجاه عدد من الدول المنتجة للطاقة والغاز، بهدف تأمين المصادر البديلة عن الغاز الروسي، لم تأتِ بنتائج مهمة حتى الآن، بينما أطلق بعضهم العنان لأفكارٍ خيالية، أو من دون جدوىً وفائدة، فاتَّجهت الأفكار نحو حثّ بعض الدول، كالنرويج، على بيع الغاز بأقل من أسعار السوق، بينما فشلت محاولات زيادة الإنتاج في عدد من الدول المنتجة. كذلك أعاد بعض الأوروبيين طرح الأفكار بشأن استئناف بناء خط أنابيب "ميديكا"، الذي يربط أوروبا الوسطى بشبه الجزيرة الأيبيرية، وسط تشكيك فرنسي في إمكان نجاح هذه الفكرة.

في هذا السياق، انفردت الحكومة الألمانية، منذ شهر آذار/مارس المنصرم، بتعليق آمالها وتفاؤلها على إبرامها صفقةٍ طويلة الأمد مع قطر لتوريد الغاز المسال، لكن زيارة وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، لقطر في آب/أغسطس الحالي، بدّدت أحلامه، بعد أن قررت قطر إمداد إيطاليا بالغاز بدلاً من ألمانيا، الأمر الذي دفع شولتز إلى طَرق أبواب كندا. لكنّ ما أعلنه رئيس وزرائها، جاستن ترودو، ومفاده أنه "لا توجد طريقة لمساعدة أوروبا بشأن إمدادات الطاقة"، كان صادماً للمستشار الألماني، على الرغم من إدراكه صعوبة تصدير الغاز المسال من كندا عبر ساحلها الشرقي بسبب وعورته، وبسبب عدم امتلاك كندا بنى تحتية لتصديره، ويتطلب إنشاؤها بين 3 و4 أعوام. والأمر ذاته ينسحب على الجانب الألماني، ويجعلها في حاجة إلى الاعتماد على بلجيكا وفرنسا وهولندا.

هذه الصعوبات تطرح السؤال: لماذا ذهب شولتز إلى كندا، إذن، وهو الذي ترك خلفه قيوداً حكومية تفرض على المواطنين الألمان التقشف، والتوصيات بتدفئة غرفة واحدة في المنزل، وكل ما من شأنه توفير الطاقة، بما في ذلك الاستغناء عن الاستحمام، والاكتفاء بالمناشف، بحسب اقتراحات صديقه وينفرد كريتشمان، رئيس وزراء ولاية بادن فورتمبرغ الألمانية!

من الواضح أن التعنت والعناد والتبعية لإملاءات الولايات المتحدة الأميركية تدفع قادة الاتحاد الأوروبي إلى تكثيف البحث عن الطاقة، وتعزيز الحوار مع بلدان الجوار فيما يتعلق بأمن الطاقة وإصلاح سوقها والنهوض بالطاقة المستدامة ومصادر الطاقة المتجدّدة، عبر التخطيط الجيد للتخلي النهائي عن النفط والغاز والفحم الروسي بحلول عام 2027. وبحسب المفوضية الأوروبية، فإنّ كمّيات الغاز، التي تحصل عليها أوروبا من روسيا، سيتم استبدالها، من خلال انخفاض الكربون والطاقة المتجددة وتوفير الطاقة، وإن الاتحاد الأوروبي سيلجأ إلى الاعتماد على خططٍ طارئة لتقليص الصناعات غير الأساسية في أوروبا، ناهيك بوضع الخطط لتمويل البنى التحتية لاستيراد النفط بعيداً عن المصادر الروسية.

وبحسب وكالتي "أسوشييتد برس" و"رويترز"، فلقد ملأت فرنسا 90 في المئة من مخزونها من الغاز لمواجهة الشتاء، وهي في طريقها نحو تخزينٍ كامل بحلول تشرين الثاني/نوفمبر، الأمر الذي يعني ضمان 25٪ من استهلاكها السنوي، بينما ملأت ألمانيا 81.07 ٪ من مخزونها الاستراتيجي، والبرتغال 100 ٪، وبولندا 99.56 ٪، والسويد 90.8 ٪، والدنمارك 93.76 ٪، في حين بقي أكثر من 21 دولة أوروبية عند نسبة ملء لا تتجاوز الـ 50 ٪ حتى اليوم. 

إن إعلان نِسَب التخزين الحالية للدول الأوروبية لا يعني تحقيقها النسب المكافئة لحاجاتها السنوية، وهذا بدوره يؤكد وقوعها في الفخ الأميركي تحت عنوان معاقبة الاقتصاد الروسي وقتاله وحصاره وتدميره، ليس من أجل حكومة كييف المتطرفة، وكرمى لعينَي زيلنسنكي، بل من أجل الاحتفاظ بغرفةٍ أوروبية في بيت الطاعة الأميركي، من دون استحمام، والاكتفاء بمنشفة.

م. ميشيل كلاغاصي

30/8/2022

 

Saturday, August 27, 2022

ليبيا .. الصراع الداخلي على السلطة أجندة خارجية بإمتياز - م. ميشيل كلاغاصي


بالتأكيد ما يجري في ليبيا اليوم هو صراع خطير على السلطة , تدعمه قوى خارجية , تمثل فيه القوى والأطراف الليبية المتصارعة مصالح عديد الدول الأوروبية برعايةٍ خاصة للولايات المتحدة الأمريكية , وتتقدم الأزمة وتتصاعد ما بين حكومتي شرق وغرب ليبيا , إذ يتزعم الأولى فتحي باشاغا , بتفويض مجلس النواب الليبي في طبرق في اّذار الماضي , أما الثانية والتي تسمى حكومة الوحدة الوطنية الليبية ، المنبثقة من اتفاقات سياسية رعتها الأمم المتحدة ، قبل أكثر من عام ، ويترأسها عبد الحميد الدبيبة ، الذي يرفض تسليم السلطة إلّا عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية , ولا يجد مبرراً لإستمرار السلطة الحالية المنتهية ولايتها.

ومؤخراً ، ومع تبادل الإتهامات وتحميل مسؤولية عدم التوافق السياسي لإجراء انتخاباتٍ في نهاية العام الحالي , ووسط تردي أوضاع البلاد , واحتدام وتأزم الأوضاع الدولية , وما بين الدول المتصارعة على الأراضي الليبية , وخلال وقتٍ قصير, تحول الصراع السياسي إلى صراعٍ عسكري مسلح , وأعادت قوات موالية لرئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية ، عبد الحميد الدبيبة ، تمركزها في محيط مطار طرابلس ، لصدّ أي "هجوم محتمل" من القوات التابعة لرئيس الوزراء فتحي باشاغا , في وقتٍ أكدت مصادر عسكرية ليبية ، اليوم السبت 27/8/2022 ، أنّ قوات اللواء سالم جحا ، الموالية للحكومة الليبية المكلّفة من البرلمان ، برئاسة فتحي باشاغا ، تقترب من المدخل الشرقي للعاصمة الليبية طرابلس ، استعداداً لدخولها , وكان باشاغا قد جدد تأكيد رغبته في "دخول العاصمة ، بصورة سلمية، من أجل عدم إراقة الدماء" ، قائلاً إنّ "7 ملايين ليبي ينتظرون دخول حكومته طرابلس من أجل استلام مقارّها، ومن بينهم أهالي العاصمة".

لكن , سرعان ما اندلعت اشتباكات عنيفة بين مجموعتين مسلحتين ، ليل الجمعة والسبت ، في العاصمة الليبية طرابلس، وجرى القتال بأسلحة متوسطة وثقيلة وخفيفة في عدد من أحياء المدينة على خلفية أجندة الفوضى السياسية العابرة للحدود , وسط سقوط عدد الضحايا من المدنيين.  

وقالت المصادر لـ"سبوتنيك"، إنّ "القوة تحركت بكل قوامها العسكري بالأسلحة والعربات منذ ساعات الصباح من مصراتة متجهةً للعاصمة الليبية طرابلس، ولن تتوقف حتى الوصول إلى طرابلس" , في حين أكد مصدر عسكري ليبي في مصراتة ، أنّ قوات "حماية الدستور" الموالية لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة ، تستعد للانتشار في عدة محاور باتجاه طرابلس وإغلاق الطريق الساحلي , وسط أنباء عن اشتباكات وقصف متبادل , واستخدام قوات الحكومة الوحدة الوطنية للمسيرات , وبإعتقالات لأفراد من قوات أسامة جويلي غربي العاصمة طرابلس.. للأسف تبدو الأمور وقد خرجت عن السيطرة وتدفع البلاد للسير نحو السيناريو الأسوأ.

لم تكتفِ الولايات المتحدة الأميركية بتدمير ليبيا وتقسيمها وسرقة ثرواتها، فما زالت تصرّ على عدم منحها فرصة الاستقرار والتقدّم وإنجاح التسوية السياسية للوصول إلى الانتخابات ، وتعمد إلى استغلال تدهور الأوضاع المعيشية لدفع الحراك الشعبي مجدداً، لتتحول الاحتجاجات إلى فوضى وأعمال تخريب وحرق ونهب متعمد، واليوم إلى صدام مسلح .

إن فشل الأمم المتحدة في تنظيم انتخاباتٍ شاملة تعمل على توحيد البلاد , ساهم في زيادة عمق الأزمة السياسية ، وبتفاقم الصراع المرير على السلطة بين حكومتي شرق وغرب البلاد , ويبدو من الواضح أن واشنطن عازمة على إثارة ثورة جديدة وزعزعة استقرار الوضع السياسي الحالي الهش في ليبيا ، بهدف إيصال موالين لها إلى سدة السلطة ، للحفاظ على استمرار تدفق المكاسب وعائدات النفط الليبية نحو الجيوب الأميركية.

لم تخفِ واشنطن تورطها في الإضطرابات في ليبيا ووقوفها وراءها , وقد بدا ذلك جلياً من خلال حديث السفير الأميركي ريتشارد نورلاند عن "الانتخابات المحتملة ما بين حكومتين" ، وما أكدته ستيفاني ويليامز ، المستشارة الأميركية للأمين العام للأمم المتحدة ، في وقتٍ سابق حول "عجز المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس ، وعدم قدرتها على إدارة عائدات بيع المنتجات النفطية" ، واقتراحها إنشاء آلية "مؤقتة" تسمح للهيئة الدولية بالسيطرة الكاملة على قطاع الطاقة في البلاد، الأمر الذي يؤكّد نيات المستشارة وأهدافها في الاستمرار بسرقة عائدات النفط الليبية بصورة رسمية.

بات قبح السياسة الأميركية جلياً ، وصارت أهدافها واضحة ، بعدما ساهمت بشكل كبير في تدمير ليبيا وتأجيج الصراع فيها ومحاولة تقسيمها ، إضافة إلى استغلال ملفها لتأجيج الصراع الدولي حولها بما يشي بصراع قد يطول أمده , نخشى أن يمتد خارج العاصمة , ويدفع المدنيون الليبيون فواتيره الباهظة .

المهندس: ميشيل كلاغاصي

28/8/2022

Friday, August 26, 2022

بوتين والعلم .. روسيا الرقم الصعب - م. ميشيل كلاغاصي


مؤخراً , بمناسبة يوم العلم الوطني , وفي خطابٍ رصين , أعلن الرئيس فلاديمير بوتين رسمياً أن روسيا استعادت مكانتها كقوة عالمية , وواحدة من أكثر القوى تأثيراً في العلاقات الدولية , وبأنها أظهرت توافقاً كاملاً مع دورها التاريخي الذي لعبته على مر القرون , بما يتماشى مع متطلبات الإنتقال إلى النظام العالمي متعدد القطبية الجديد.

وأكد الرئيس بوتين , من خلال كلماته المؤثرة وروحه العالية أن :"العلم الوطني يرمز إلى إيماننا بقيمنا التي لن نتخلى عنها , في الحقيقة والعدالة والتضامن والرحمة واحترام تاريخ روسيا المستمر منذ قرون ، وإنجازات وانتصارات أسلافنا التي تلهمنا للدفاع عن وطننا الأم , ولا تسمح بأي هيمنةٍ أو إملاءاتٍ أجنبية , وأصبحت الرغبة في العيش وفقاً لإرادتنا واختيار طريقنا ، جزءاً من الشيفرة الوراثية لشعبنا .. روسيا قوة عالمية قوية ومستقلة , وسنلتزم بالسياسات التي تلبي المصالح الحيوية لوطننا".

لطالما كانت روسيا من بين أكثر الدول تجذراً وتأثيراً في المجتمع الدولي على مدى أكثر من ألف عام في التاريخ , على الرغم من بعض الإستثناءات القليلة , والمحن التي واجهتها نتيجة المحاولات الخارجية للتدخل في شؤونها الداخلية , والتي فشلت في إحباط البلاد وإسقاطها عبر أزمنة الإضطرابات والغزوات الغربية واليابانية خلال الحرب الأهلية التي تمت صناعتها في الخارج ، بالإضافة إلى تفكك الإتحاد السوفيتي ، وكل ما حيك لإستهداف مكانة روسيا الدولية ، ومع ذلك ، لم تعرف سوى النهوض مجدداً والعودة للعب دورها التاريخي.

ومنذ عام 2000 , كان للرئيس بوتين والمؤسسات العسكرية والأمنية والدبلوماسية , دورٌ كبير في إعادة إحيائها كدولة وقوة عظمى وساهم بإنطلاقتها الجديدة .. على الرغم من عدم إنكفاء المتربصين والأعدء ذاتهم , وجاء قرار الرئيس بوتين ببدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا , ليكون عاملاً حاسماً لتغيير قواعد اللعبة الدولية المعادية , وأظهر استعدادها المسبق للرد والدفاع عن خطوط أمنها القومي الحمراء , في مواجهة عملاء ووكلاء الناتو الذين إمتدوا وتغلغوا في أوكرانيا , وقد أفشل القرار الروسي سيناريوهات الإبتزاز الصاروخي والنووي , الذي حاولت قوى الهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة ممارسته لحماية وإطالة أمد صمود النظام أحادي القطب الساقط لا محالة ، الأمر الذي ساعد في الحفاظ على توازن القوى في أوراسيا , وأثبت قوة وثبات وقدرة موسكو على مواجهة العقوبات الغربية , وبإنعكاس نتائجها وتداعياتها على واضعيها ومطبيقها وجميع المشاركين في المشروع المعادي لروسيا , وبمنحها فرصة الإمساك بزمام الأمور من خلال فرض حصولها على ثمن الغاز الروسي بالروبل , وبتعزيز مواجهة الدولار وهيمنته 

إن المواجهة مع الدولار , تعتبر أساسية للنيل من الهيمنة المالية الأمريكية , والتي تعرضت لضررٍ كبير بات من الصعوبة بمكان ترميمه وإصلاحه بسهولة , لا بل سيساهم بتسريع انتقال النظامي العالمي إلى التعددية القطبية , خصوصاً وأنه شجع عديد الدول لحذو حذو روسيا على إمتداد القارتين الاّسيوية والأفريقية , وبعض الدول اللاتينية.

لقد لخص الرئيس بوتين الرؤية الإستراتيجية الكبرى للقوة العظمى متعددة الأقطاب , عندما كشف النقاب في نهاية تموز الماضي عن بيانه الثوري العالمي ، والذي من شأنه أن يلهم بقية العالم لمواصلة العمل معاً لتفكيك الهيمنة الأمريكية ونظامها أحادي القطب.

كانت وستبقى روسيا الرقم الدولي الصعب , القادر على لجم قوى الهيمنة والإستعمار والإستبداد , وأصبحت روسيا – بوتين عنواناً لردع النازيين والفاشيين والمتطرفين حول العالم , ولأصحاب خرائط الحروب وتقسيم الدول وإضعافها وسحق شعوبها وسرقة ثرواتها.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

26/8/2022

 

الإتفاق النووي والقرار الصعب لتغيير السلوك الأمريكي .. هل يفعلها بايدن ؟ - م. ميشيل كلاغاصي


لأنها ترفض إنهيار "مجدها" وهيمنتها وسيطرتها على عالمها الأحادي , وترفض الواقع والعصر الجديد والتعددية القطبية , ودفعت بـ نانسي بيلوسي نحو تايوان في زيارةٍ هيستيرية غير محسوبة النتائج , همّها إقلاق راحة الصين , ودفعت بتايوان نحو مصيرٍ مشابه لأوكرانيا , بعدما جيشت الناتو والإتحاد الأوروبي والعصابات والمتطرفين , وجميع الرؤوس الحامية لقتال روسيا وحصارها وتدمير إقتصادها ومعاقبتها , ووضعت مصير ومستقبل أوروبا بيد المتطرفين والإرهابيين الأوكران وغيرهم , ودفعت بكافة الأزمات لتنهش كافة دول العالم , من أزمة الطاقة والغاز إلى الأزمة الغذائية , وأزمات الصحة والمواد الطبية وغيرها , وحرضت ربيبتها "إسرائيل" على إرتكاب المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين في غزة ، وإلى استمرار إعتداءاتها الإستفزازية المتكررة على الأراضي السورية , , ولعرقلة المفاوضات النووية مع إيران , ومضاعفة التوتر والتصعيد في المنطقة , وحشدت بعض العرب لحشرهم في خنادق القتال والمواجهة مع إيران ...

ومع ذلك ، وبفضل الصبر والحكمة الإيرانية , لا تزال فرصة العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة , والتوصل إلى إتفاقٍ جديد قائمة , لكنها قد تكون الفرصة الأخيرة للإتفاق وللسلام في المنطقة والعالم.

وفي ظل التصريحات الإيجابية من كافة الأطراف المعنية بالتفاوض , تبدو الفرصة متاحة للتوصل للإتفاق , خصوصاً بعدما تقدم مسؤول السياسة الخارجية في الإتحاد الاوروبي جوزيب بوريل بمقترحات جديدة , على أن تتم دراستها من قبل طهران وواشنطن , وتقديم ردودهما عليها , وبالفعل تقدم الجانب الإيراني برده , الذي رأى فيه كلاً من ليانوف وبوريل أنه رد "معقول", في حين تأخر الرد الأمريكي , ما دفع طهران لإتهام واشنطن "بالمماطلة".

ووفقاً لما صدر عن كافة الأطراف المعنية بالإتفاق , وما تناولته وسائل الإعلام من تسريبات , يتأكد أن الإتفاق – الصفقة , بات واضح المعالم , لجهة خطوطه العريضة ومدده الزمنية , التي تسمح بإمكانية التحقق من تنفيذ الإلتزامات , ويمنح فترة 60 يوماً لإقرار الإتفاق , تليها 60 يوماً أخرى لرفع العقوبات عن 17 مصرفاً و150 مؤسسة إقتصادية إيرانية , بالتوازي مع الإفراج عن 7 مليار دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية , ومنح إيران فرصة تصدير 50 مليون برميل من النفط خلال الـ 120 يوماً الأولى.

كذلك , وافقت الولايات المتحدة على بقاء أجهزة الطرد المركزي في إيران , في مستودعاتٍ تحت الأرض , بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية , دون أن تقدم طهران للوكالة أية أجوبة عن نشاطاتها , على أن يتم تسليم كميات اليورانيوم عالي التخصيب إلى روسيا , بإعتبارها إحدى الدول الضامنة للإتفاق النووي.

وقد لوحظ تضارب للأنباء التي تحدثت عن رفض واشنطن رفع الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب الأمريكية , أو عن تأجيله إلى مفاوضات لاحقة , لكنها طالبت بضمانات تتعلق بنشاطات الحرس الثوري (الإرهابية) , والإمتناع عن "الإنتقام" لجريمة إغتيال الشهيد قاسم سليماني , وسط تأكيد المتحدث بإسم الوفد الإيراني المفاوض محمد مرندي لقناة الميادين أن "حذف حرس الثورة من لوائح الإرهاب الأميركية لم يكن شرطاً في مباحثات فيينا"... في وقتٍ تتجاهل فيه واشنطن مكانة أنشطة الحرس الثوري الإقتصادية والعلمية , ناهيك عن دوره الدستوري في الدفاع عن تراب وسيادة ومصالح جمهورية إيران الإسلامية , بالإضافة إلى الإصرار والدعم الحاسم الذي يبديه الرئيس إبراهيم رئيسي لموقف الوفد الإيراني , في ظل حكمة ودعم المرشد الإيراني الأعلى , صاحب الوعد بالإنتقام لدماء الشهيد والبطل القومي قاسم سليماني , ومكانته القومية والروحية في قلوب ملايين الشعب الإيراني.

ويبقى من المهم أن تبحث إيران عن الضمانات الحقيقية لعدم تراجع أوإنسحاب أي رئيسٍ أمريكي قادم من الإتفاق , وهذا ما لن تستطيع إدارة بايدن تقديمه , بإعتبار أن الإتفاق سياسي , وليس وثيقةً قانونية يمكن أن تخضع للقانون الدولي , ويبقى السؤال هل تكفي الغرامات والتعويضات والعقوبات في حالة حصول ذلك مجدداً؟ .

تبدو الكرة الاّ ن في الملعب الأمريكي , التي تبحث إدارتها الديمقراطية الحالية والرئيس جو بايدن , عن إنتصار من أي نوع , مع اقتراب الإنتخابات النصفية , وسط الهزائم الأمريكية المتتالية , وفشل حملة "شيطنة إيران" وأقله في منطقة الخليج , مع انطلاقة جديدة للعلاقات الطبيعية والجيدة مع السعودية والإمارات , فضلاً عن علاقاتها الجيدة أصلاً مع باقي الدول , الأمر الذي يعري ويعزل حكومة الكيان الإسرائيلي المؤقت بإعتراف وزير دفاعها بأننا: " بقينا وحدنا في المعركة ضد إيران" , وقد عبرت الحكومة الإسرائيلية عن إستيائها من الإتفاق , ووصفته بالـ "سيئ" , ورفضه رئيس الوزراء الإسرائيلي  يائير لابيد وأعلن "معارضته وعدم التقيد به" , وسط زيارة مرتقبة لمسؤول الأمن القومي الإسرائيلي إيال حولاتا إلى واشنطن , ووسط الإشاعات والتصريحات الطائشة والتهديدات الإسرائيلية , قبيل تقديم واشنطن لردها على مسودة الوثيقة النووية.

على الرئيس بايدن إدراك أن عدم حماسة بلاده لتوقيع الإتفاق , وتأخير ردها على مقترحات بوريل أو رفضه , سيجعله يدفع الثمن في انتخابات الكونغرس القادمة في نوفمبر/ تشرين الثاني , وسيتحمل مسؤولية حصول إيران على كافة مطالبها في الإتفاق حتى إن لم يوقعه , وسيمنح خصمه اللدود المتربص للعودة دونالد ترامب فرصة ذهبية , وهو الذي مزق الإتفاق وانسحب منه.

وسط إعلان المفوضية الأوروبية عن احتمالية عقد اللقاء الإسبوع القادم في فيينا , هل يفعلها الرئيس بايدن , ويتخذ القرار الصعب لتغيير السلوك الأمريكي , ويوقع الإتفاق النووي الجديد , ويضع نقطة البداية لعلاقاتٍ أمريكية – إيرانية يكون عنوانها السلام والتعاون على حل القضايا الشائكة في المنطقة والعالم , والإتكاء على دور إيران وحلفائها في القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي , ومنح الرئيس بايدن الفرصة التي حلم بها سلفه ترامب بإعلان الإنتصار على التنظيم الإرهابي , وبدفع الحلول السياسية في سوريا والعراق , ومعالجة الملف الروسي – الأوكراني – الأوروبي وتداعياته في عهده , وينهي حياته السياسية الطويلة كرجل سلام , على أمل أن يتجاوز العالم الشرور التي شارك بالتخطيط لها وبتنفيذها على مدى عقود.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

24/8/2022