Saturday, August 20, 2022

بكين وتايبيه ما بين الحل السياسي والعسكري - م. ميشيل كلاغاصي


لطالما اتبعت الصين سياسةً بعيدة الأمد ومتوازنة فيما يتعلق بقضية تايوان , لكن إنتخابات عام 2016 وإنتصار المعارضة كان مفاجئاً للقيادة الصينية , ووضع خط النهاية لسياسة التكامل الإقتصادي للجزيرة التايوانية في حسابات الإقتصاد الصيني , وخلق نوعاً من التهديد بدأ يحسب الحساب لتحول تايوان إلى أمة منفصلة تماماً حتى بلغتها الخاصة , وتحت أعين القيادة الصينية تمت مراقبة تصاعد ما يسمى "القومية التايوانية" , بما يحمل ذلك من مخاطر ذات تأثير إيديولوجي كبير على العديد من المجموعات العرقية في جنوب الصين ، مع وجود ما يقارب الـ 500 مليون مواطن , تختلف وتتنوع لهجاتهم الخاصة ( الكانتونية , الهاكاو , ... ) , لكن العامل الإقتصادي كان يوحدهم دائماً , على الرغم من توزع الشركات الكبيرة في المناطق المرتبطة بتلك اللهجات , وهذا بدوره تكفل بإستمرار رفض الحزب الشيوعي الصيني والسلطات الصينية لوجود مثل هذه المناطق , والتي تؤثر بطبيعة الحال على سيطرة الإقتصاد الصيني في مناطق جنوب وشرق اّسيا والمحيط الهادئ , بما يحصر مناطق الإقتصاد الصيني بالمناطق الداخلية , ومناطق التنوع التايواني بالمناطق "الساحلية" , وعليه تبدو عملية دعم "ديمقراطية" تايوان , وإنفصالها واستقلالها , "حرباً مقنّعة" على الدولة الصينية.  

لفترة طويلة , كانت السياسة السابقة لجمهورية الصين الشعبية تستند إلى الإعتقاد بخضوع تايوان اّجلاً أم عاجلاً للسيطرة الصينية على أساس النجاح الاقتصادي وارتفاع المؤشرات المالية ، الأمر الذي كان يضع عملياً الخلافات السياسية جانباً , لكن هذا لم يكن ليرضي الإنفصاليين , بالإضافة لمراقبتهم  تراجع دور هونغ كونغ كمركز مالي , أمام منافسة المؤسسات المالية الصينية الرسمية .. أمورٌ وضعتها تايوان ومن خلفها الولايات المتحدة بحسبانها ما قبل موعد الإنتخابات عام 2016 . 

من ناحية أخرى ، لعبت ما تسمى "قومية الأقاليم" دوراً سلبياً في التأثير على التطلعات الخفية للخروج عن المركزية السياسية ، وسعت لتعزيز اللهجات المحلية والثقافات المحلية ، والعلاقات المالية المعقدة بين المناطق وقلب النظام الصيني في بكين.

منذ نجاح المعارضة التايوانية في انتخابات 2016 , اتجهت مشاعر الكثيرين نحو توقع تفاقم الخلافات ما بين الدولة الصينية وتايوان وهونغ كونغ وجنوب الصين , وتحولها إلى أزمة واحدة أو عدة أزمات , في الوقت الذي ركزت استراتيجية الرئيس شي جين بينغ وقيادة الحزب الشيوعي على موضوع الجنسية , والتركيز على التطبيق الكامل لسياسة الحزب الوطنية الجامعة لكافة مكونات المجتمعات والشعوب الصينية وتعزيزها.

على الرغم من تمتع تايوان بحكم ٍ ذاتي , إلاّ أن الدعم الأمريكي على مدى السنوات الماضية , ساهم بتنامي مؤيدي إنفصال تايوان على أنها أمة مستقلة كباقي الأمم , وليست إحدى المقاطعات الصينية , وسط إدراكهم أهمية المراهنة على الدعم الأمريكي , أمام خطورة غضب بكين , واحتمالية لجوئها إلى عملية عسكرية لإخضاع الإنفصاليين واستئصالهم , وبات من المهم لمتابعي الحراك الدولي والأزمة الدولية - الصينية – التايوانية , مراعاة المخطط الأمريكي على اللسان التايواني الرسمي , على غرار ما يتفوه به الرئيس الأوكراني وحكومته.

يبدو أن تحقيق أي اختراق سياسي أو دبلوماسي في قضية تايوان بات أمراَ ضرورياً بالنسبة للرئيس شي جين بينغ ، حيث تمتلك بكين قدرة الحسم العسكري , لكنها ستقع فريسة الراي العام الدولي , والإعلام الأمريكي ومن يدور في فلكه , لإتهامها بـ "الغزو الصيني" , وبأنها معادية للديمقراطية وحرية الشعوب , وبأنها تعالج أخطائها السياسية وفشلها في احتواء الملف التايواني بالقوة العسكرية , وستقع من دون شك تحت سيف العقوبات الأمريكية والغربية , وسيف الشيطنة وإنتهاك القوانين الدولية. 

من المهم للصين أن تبحث عن إعادة توحيد الجزيرة التايوانية مع الجسد الصيني الكبير , بعيداً عن القوة العسكرية , والتركيز على التعاون الإقتصادي , والتبادل الثقافي , وتنشيط حملات التوعية على الجانبين الصيني والتايواني , لمخاطر التقسيم , وعدم الحاجة لإراقة الدماء وتدمير المرافئ والمصانع والبنى التحتية , من أجل التأكيد على ضرورة وأهمية مبدأ الصين الواحدة.

وتبقى تقديرات القيادة الصينية , ومعلوماتها الإستخبارية , وما استكشفته من خفايا المخطط الأمريكي , هي الأساس لبناء القرار الصيني سلماً أو حرباً , وعليها الإستفادة من تشابه الحرب الأمريكية على روسيا من البوابة الأوكرانية , لشن الحرب على الصين من البوابة التايوانية.   

المهندس: ميشيل كلاغاصي

15/8/2022

 

No comments:

Post a Comment