Saturday, January 21, 2023

التحولات الجذرية وكسر هيمنة الدولار كسلاحٍ أمريكي - م. ميشيل كلاغاصي


لطالما اعتبر الكثيرون حول العالم بأن "الدولار" الأمريكي , شكّلَ على مدى العقود الطويلة سلاحاً مالياً واقتصادياً , لم يقل أهمية عن كافة الأسلحة العسكرية التقليدية التي استخدمتها الولايات المتحدة في حروبها ومعاركها الباردة والساخنة على حدٍ سواء , واستطاعت بفضله حكم العالم بأسره , على الرغم من صغر حجم تكاليف إنتاجه , والتي لا تساوي ثمن الورق أو الحبر الذي يُطبع به.

ورغم كافة المعارك التي خاضها الدولار مقابل منافسيه وخصومه وأعدائه من العملات , بالإضافة إلى عديد النسكات والإضطرابات التي أصابته , وأحدثت في جدران قوته خدوشاً وندوباً عميقة , إلاّ أنه ظل محافظاً على وجوده ومكانته الدولية التي تفوق قيمته الحقيقية , أمام تصاعد مكانة وقوة غير عملات , مع فارق أنه لم يستطع محو فكرة "إنهياره" من عقول الإقتصاديين والماليين وحتى الناس العاديين.

ففي السنوات الأخيرة ، ضاعف المراقبون توقعاتهم وتحذيراتهم من الانهيار الحتمي للدولار , وعادت وسائل الإعلام للحديث عن فترات الركود التي شهدتها الولايات المتحدة منذ بداية السبعينيات ، خصوصاً تلك التي سجل فيها الدولار إنخفاضاً في قيمته الحقيقية , بالتوازي مع تواتر الحديث عن ترجيج إحتمالية مواجهة الولايات المتحدة خلال عام 2023 , حالة ركودٍ جديدة ومعدلات تضخمٍ عالية للغاية , وهذا بدوره أخذ ينعكس بشكلٍ سلبي على حالة الثقة بالدولار في العديد من الدول , وسط استمرار الولايات المتحدة بإستخدام عملتها كسلاح ضد أعدائها وأصدقائها بدون تمييز.

تبدو إحتمالية الركود الجديدة , قد تترافق وبتوقعات عديد الإقتصاديين , بحدوث إنخفاضٍ في قيمة الدولار ، وقد يتسبب ذلك في حدوث اضطرابات مالية في جميع أنحاء العالم , وهذا بدوره سيشجع على الإستثمار في العملات المنافسة و"المعادية" للدولار ، وسيؤدي إلى زيادة قيمتها , الأمر الذي لم ولن ترحب به الولايات المتحدة , ومع ذلك يبدو أن الإضرابات والحروب التي يشهدها العالم اليوم , وخصوصاً تلك المتعلقة بالنفط والغاز , كشفت تراجع هيمنة الدولار على أسواق الطاقة الدولية.

ومع تنامي المكانة الإقتصادية للصين , والتي تعد حالياً ثاني أكبر اقتصاد في العالم ، وإعتمادها على شراء النفط والغاز من روسيا وإيران وفنزويلا وعدد من البلدان الأفريقية ، ودفع ثمنها باليوان , ومع إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ مؤخراً عن استعداده لدفع ثمن النفط والغاز المستورد من الدول العربية الخليجية باليوان الصيني , بات من الصعب على واشنطن التفرد في الملعب الخليجي , وفرض عليها تقبّل فكرة التعايش مع بكين و"البترو – يوان" , وداخل منظمة أوبك بفضل امتلاك حلفائها القدامى روسيا وإيران وفنزويلا حوالي 40٪ من احتياطيات النفط فيها ، وامتلاك حلفائها الجدد في دول مجلس التعاون الخليجي 40٪ أخرى من احتياطيات أوبك ، بينما تمثل دول مناطق النفوذ الصيني الروسي المشترك الـ 20٪ المتبقية.

وعليه ، يبدو إقدام الصين على دفع أثمان مشترياتها النفطية باليوان قد تسبب بصداعٍ كبير للولايات المتحدة ، وبدأت تتحسس ضعف وتراجع هيمنة الدولار والولايات المتحدة عموماً على المستوى العالمي ، وبحدوث تغييراتٍ جذرية في سوق الطاقة الدولي , وفي أماكن تفردها بالسيطرة منذ عقود طويلة.

وبهدف تعزيز الثقة ومكانة اليوان الصيني , دفعت بكين بإمكانية التحويل ما بين اليوان والذهب في بورصاتها التجارية , الأمر الذي سيوفر فوائد اقتصادية ومالية للسياسيين والمستثمرين على حد سواء , بالتوازي مع تراجع إهتمام المستثمرين حول العالم بسندات الخزانة الأمريكية ، الأمر الذي يسرع عملية "إزالة الدولرة" في جميع أنحاء العالم , وسط تزايد عدد من المصارف المركزية لبعض الدول , بتقليص إعتمادها على الدولار , ناهيك عن الاتفاق المبدئي الروسي – الهندي على الدفع بعملاتها الوطنية في عمليات التبادل التجاري البيني وقف استخدام الدولار في التسويات التجارية المتبادلة ، والدفع بعملاتهما الوطنية.

بالإضافة إلى استياء عدد من الدول كروسيا والعراق وإيران وفنزويلا وأفغانستان , من السلوك الأمريكي , واستغلاله الحرب في أوكرانيا , وفرض العقوبات اللا قانونية وتشديد سياسة الدفع بالدولار ، الأمر الذي هدد مستقبل النظام المالي العالمي , وفرض نظامٍ أمريكي اقتصادي جديد , بالإضافة إلى ما أثبته الواقع الدولي , نتيجة سياسة واشنطن وحلفائها في أوكرانيا , المعادية للإقتصاد الروسي وقطاع النفط والغاز , وبأنها أضرت بالدولار , واستفاد منها الروبل الروسي , وأصبح أحد أقوى العملات في العالم.

من الواضح أن التغيرات الجذرية التي بدأت تواجه النظام العالمي الحالي , ومع تكرار ضرباتها واستهدافاتها لنظام الهيمنة الأحادي , والتي أخذت تتضح شيئاً فشيئاً , لتشكل إنطلاقة اللحظة الأولى التي تشعر فيها الولايات المتحدة بوجود الصين كمنافس حقيقي , وربما متفوق أيضاً , ويحظى بدعمٍ كاملٍ من روسيا وعديد الدول حول العالم , وكل من يجتمعون على إعادة تصحيح التاريخ والنظام الدولي والمنظمة الأممية , وعلى عودة الدولار إلى حدوده الحقيقية , بما يؤكد نهاية مرحلة – الذروة -  للقوة الأمريكية , وبات عليها التخلي عن استمرار تحويل الدولار إلى سلاح.

م. ميشيل كلاغاصي

21/1/2023 

السياسة الخارجية التركية وعلاقتها بخطوط النفط والغاز - م. ميشيل كلاغاصي


من خلال نظرة عامة على عشرات الصراعات والحروب السابقة والحالية حول العالم , تظهر أهمية مصادر الطاقة النفطية والغازية بكافة أشكالها , وخرائط خطوط نقلها وأسواقها , بما لا يدع مجالاً للشك بأنها تلعب الدور الرئيسي في تلك الحروب والصراعات, بما لها من قدرة على تحديد مدى قرب أو بعد الدول عن مركز الصراع , وحاجة الدول للدفاع عن ثرواتها , وضمان أمنها , وتوثيق علاقاتها الإستراتيجية . 

وبسهولة أيضاً يمكن ملاحظة انخراط  تركيا في غالبية الصراعات النفطية والطاقة على الساحة الإقليمية والدولية , على الرغم من عدم إمتلاكها حقولاً واّبار نفطية أو غازية , وتقنيات الطاقة النووية ، لكنها  تملك موقعاً جغرافياً مميزاً وهاماً , جعل منها بوابةً برية أو جسراً ما بين أوروبا واّسيا , ومنحها مرونةً بحرية كبيرة للإنتقال والوصول إلى أحواض البحر الأبيض المتوسط وبحر مرمرة وبحر إيجة والبحر الأسود ، بالإضافة إلى كونها تشكل بوابة العبور البري الرئيسية ما بين الغرب والشرق والشمال والجنوب.

هذا الموقع الجغرافي , تحول إلى موقعٍ جيوسياسي للطاقة العابرة من روسيا إلى تركيا إلى دول الإتحاد الأوروبي , نتيجة قرار الرئيس فلاديمير بوتين مؤخراً , بتحويل تركيا إلى مركزٍ دولي للغاز الروسي , نتيجة الوضع الشائك والمعقد الذي فرضته الحزم المتتالية للعقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا , والمواجهة العسكرية المباشرة بالوكالة للناتو والإتحاد الأوروبي مع روسيا في أوكرانيا , بالإضافة إلى لعلاقات روسيا وتركيا البراغماتية , وعلاقات تبادل المنفعة المشتركة.

بالتأكيد كان لوقع قرار الرئيس بوتين على تركيا مفاجئاً ومفرحاً , وهي التي لم تتلق من حلفائها الغربيين أي عرضٍ مشابه إن كان على مستوى المشاريع النفطية – الغازية , أو مساعدة تركيا على بناء محطات للطاقة النووية , طيلة سنوات وجودها في الناتو وفي المحور الغربي عموماً , في حين كانت روسيا الدولة الوحيدة التي تقدمت نحو تركيا لبناء أول محطة طاقة نووية تركية.

إن أطماع تركيا في المكاسب القادمة , جعلها تعلن عن تغيير سياساتها الخارجية التي كانت تعتمد على تحركات الجيش التركي ودعمه للوصول إلى غاياتها النفطية والغازية , وهذا ما دفعها نحو عديد المشاكل والإستفزازات والصراعات والحروب , مع غالبية دول الجوار وبعض دول البحر الأبيض المتوسط كـ ليبيا واليونان ومصر , ناهيك عن دخولها كقوات إحتلال إلى الأراضي السورية , ومحاولاتها المكشوفة لبناء جدر اسمنتية , وتحويل عمق 30 كم من الأراضي السورية إلى مناطق معزولة , والعرض الذي قدمته إلى ما تسمى "قوات سوريا الديمقراطية" بحمايتها , والحفاظ على إدارتها الذاتية , في حال موافقة هذه الأخيرة على سيطرة تركيا على مناطق شرق الفرات , عند خروج وانسحاب القوات الأمريكية الذي قرره الرئيس ترامب في أواخر عهده , وما تلا ذلك من عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية , تحت عناوين "ضمان الأمن القومي التركي" , ومحاربة الإرهاب الكردي , في حين أنها كانت تخفي أهدافها في السيطرة على منابع النفط السوري , وكذلك بالتوغل داخل الأراضي العراقية , للوصول إلى الموصل وتكريت كمناطق نفطية بإمتياز.

إن تغيير السياسة الخارجية التركية افترض بها , العودة بطريقةٍ أو أخرى , إلى سياسة "صفر مشاكل" مع دول الجوار , وعليه تحاول اليوم مد يدها نحو سورية وهي الدولة النفطية والغازية الهامة , خصوصاً مع اكتشاف الغاز في السواحل السورية , حيث تشكل سورية جغرافياً , صلة الوصل ما بين تركيا والعالم العربي والخليجي تحديداً , وإمكانية ربط خطوط إنتاج خط الغاز العربي ووصوله إلى تركيا مركز الغاز الدولي كما أراده الرئيس بوتين , والذي دفع أنقرة لإستجرار صادرات بعض الدول في حوض بحر قزوين كـ أذربيجان , ودول جنوب شرق أوروبا كـ اليونان وبلغاريا وصربيا والمجر والنمسا , لتضاف إلى الواردات الروسية من دول البلقان عبر أوكرانيا , كـ مولدوفا ورومانيا وبلغاريا , لتصل في نهاية المطاف إلى تركيا – المركز الدولي للغاز الدولي - , وسط محاولات تركية لإقناع واشنطن بأنها ستعمل على تخفيض إعتمادها على واردات الإتحاد الروسي أكثر فأكثر.

لم تكتف تركيا بتنويع وارداتها من الغاز , واتجهت نحو البحث والتنقيب في مياهها الوطنية في البحر الأسود وبحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط , وأعلن الرئيس أردوغان في اّب/ أغسطس عام 2020 - وسط تشكيك البعض - , عن إكتشاف حقل غاز ساكاريا الكبير بحجم يزيد عن 400 مليار متر مكعب في الجزء الغربي من جرف البحر الأسود , واتبعتها السلطات التركية في كانون الأول/ ديسمبر 2022 ، بإعلانها اكتشاف حقل غاز بحجم 58 مليار متر مكعب في الجزء الشرقي من الجرف البحر الأسود.

لم تستطع تركيا بفضل أطماعها  وأحلامها , الصمود داخل إطار "تغيير السياسة الخارجية" , والإلتزام بعلاقات حسن الجوار , حيث تسبب بحثها وتنقيبها عن الغاز في المناطق المتنازع عليها في غربي قبرص في صيف عام 2020 , بتفاقم العلاقات اليونانية التركية , وبتوتر العلاقات مع فرنسا , كذلك نجدها قد وضعت إصبعاً لها في عمليات التنقيب في جرف شرق البحر الأبيض المتوسط  مع بعض الدول كـ مصر وقبرص , والكيان الصهيوني الذي يصرعلى استمرار الإحتلال ونهب الغاز الفلسطيني . 

يبدو أن الغاز أصبح هاجس الدولة التركية , ومحدداً لمدى تعاونها ومرونتها أو شراستها , في التعامل مع الدول المحيطة , وبالدول الأوروبية والاّسيوية على حدٍ سواء , وسط محاولات الرئيس أردوغان لفرض تركيا كسوق تركي – دولي مستقل للغاز والنفط , وضمان زيادة أهميتها الجيوسياسية , ليس كدولة عبور فقط , إنما كدولة مشاركة بقوة في بيع الغاز الطبيعي للأسواق العالمية , بما فيها السوق الأوروبية.

بالتأكيد كان للإعمال التخريبية - الإرهابية التي تعرضت لها خطوط أنابيب نورد ستريم 1 و2 الروسية , التأثير الكبير على قرار الرئيس بوتين بتحويل تركيا إلى مركز دولي للغاز الروسي , ليس فقط نتيجة الغدر الأوروبي , بل لأجل ما تحاول تركيا تقديم نفسها لروسيا وإقناعها بأنها دولة شراكةٍ موثوقة ، بغض النظر عن الأزمة الأوكرانية شديدة التعقيد.

تبدو روسيا مضطرة لقبول مخاطر نقل الغاز إلى أوروبا عبر تركيا , لتستطيع تعويض تخفيض إعتمادها على نقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا , وأقله لحين إنتهاء المواجهة الأوروبية – الأطلسية بالوكالة مع روسيا التي فرضتها واشنطن , كذلك يبدو مهماً لدول الجوار التركي أن تتغير السياسة الخارجية التركية , وبأن تحل علاقات حسن الجوار والتعاون محل الخلافات التصعيد والتوتر , وهذا يفترض بتركيا أن تقدم لهم المزيد من الخطوات التي تدعم إتجاهها نحو التفاهم والحوار , ودعم أقوالها بالأفعال , وهذا ما عبر الرئيس بشار الأسد عنه أمس الأول أثناء استقباله ألكسندر لافرنتييف , المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين , بحديثه عن اشتداد المعارك السياسية والإعلامية , والتي تتطلب اليوم "ثباتاً ووضوحاً أكثر في المواقف السياسية" ، واعتبر الرئيس الأسد أن هذه اللقاءات وكي "تكون مثمرة" ، لا بد لها من أجل الوصول إلى الأهداف والنتائج الملموسة التي تريدها سورية , و"أن تنطلق من الثوابت والمبادئ الوطنية للدولة والشعب المبنية على إنهاء الإحتلال ووقف دعم الإرهاب".

المهندس: ميشيل كلاغاصي

14/1/2023 

متى سيعترف الغرب بأن أوكرانيا ودول وأحلاف الحرب بالوكالة قد هزموا ؟ - م. ميشيل كلاغاصي


مالذي يدفع واشنطن وحلف الناتو والإتحاد الأوروبي للإستمرار والمضي قدماً في مواجهةٍ صعبة مع روسيا , أكدت نتائجها المسجلة منذ إنطلاقتها الأولى قبل نحو عامٍ تقريباً , أن روسيا حققت من مجمل أهداف العملية الشيء الكثير , في وقتٍ تكبد فيه أعدائها خسائر باهظة , إن كان على المستوى الجيوسياسي والعسكري والإقتصادي والمالي والإعلامي , ودب الإنقسام الداخلي في صفوف الحشد الأوروبي بالوكالة , ولحق بإقتصادياتهم وصناعاتهم الضرر الكبير , وبدأت خزائن وزارات دفاعهم ومخازن أسلحتهم تعاني من ندرة الأسلحة , وصعوبة تعويضها بالسرعة اللازمة لضمان استمرار وجودهم في الميدان , ناهيك عما أصاب مجتمعاتهم ومواطنيهم من أزمات , دفعتهم في عدد من الدول الأوروبية للتظاهر والإعلان عن الغضب ورفض الحرب على روسيا .

تلك الحرب التي حولتها الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة, عاشت بفضلها عشرات الدول حول العالم وتحديداً في أوروبا عاماً قاسياً, حمل من التداعيات والنتائج الأولية, كمّاً هائلاً من الخطورة والإنقسام, ظهرت فيه نوايا دول الخندق الأول كفرنسا وبريطانيا وبولندا وألمانيا , والأحلاف السياسية والعسكرية على حقيقتها, بما لم يسبق لها أن مرت بأزمنة ولحظات مشابهة منذ عقود, وأظهرت بشكلٍ فاضح, ما أعلنته صراحةً الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والإتحاد الأوروبي وكذلك حلف الناتو, وكشفت حقيقة مخططها واستخدامها أوكرانيا كميدان وساحة للمواجهة مع روسيا, والتفرد بها بعد عزلها أو إبعادها عن حلفائها الإستراتيجيين, بهدف "تدمير إقتصادها" و"تقسيمها" والإطاحة بزعامة الرئيس فلاديمير بوتين, لكن قساوة وضراوة المواجهة والمعارك , ونتائجها الكارثية خصوصاً في صفوف الفريق الغربي والأوكراني, خلال أشهر المواجهة الـ /11/ الماضية , جعلها تبدو وكأنها عشر سنوات, وبات الكثيرين حول العالم يفكرون في كيفية وإمكانية وقف الحرب, والإتجاه نحو التفاوض المباشر, والمراهنة على تقاربٍ ما وإيجابيةٍ ما, في العلاقات الروسية الأمريكية, على أمل حصول التفاهم والإتفاق على حلولٍ منصفة ومناسبة.

على الرغم من استمرار المواجهة حتى نهاية العام وبداية العام الجديد, إلاّ أن البعض راهن على بعض التفاؤل بشأن العلاقات الروسية الأمريكية , في وقتٍ يُعتقد فيه أن بعض التحولات قد بدأت بالحدوث فعلياً بين موسكو وواشنطن.

حيث التقى مؤخراً , رئيس جهاز المخابرات الخارجية الروسي ، سيرغي ناريشكين ، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) وليام بيرنز، في العاصمة التركية, وناقشا خطر استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا وعدد من القضايا الهامة, وتم على إثرها إطلاق سراح بعض الأسرى من خلال عملية تبادل للأسرى , الأمر الذي أوحى وبشر بقراءةٍ مختلفة للمشهد على المدى المنظور, بالتوازي مع تصريحاتٍ أمريكية تؤكد عدم حاجتها للصدام مع روسيا في أوكرانيا , وبأنها "غير مستعدة لبدء الحرب العالمية الثالثة لتحقيق رغبات حكومة كييف".

يمكن قراءة بعض الإيجابية والرغبة المشتركة بين الروس والأمريكيين , للحفاظ على الحد الأدنى من الاتصالات والعلاقات , وبأنهما لا يسعيان إلى تصعيد المواجهة العسكرية إلى مستوياتٍ الخطورة التدميرية القصوى , ومع ذلك ، يبدو أن عملية تسوية التناقضات والخلافات الثنائية ، وإيجاد حلٍ للصراع , لا تزال بعيدة المنال.

وبالتالي، يرى الروس أن الحل الدبلوماسي الوحيد الممكن الذي يضمن عدم حدوث حرب نووية , لا بد وأن يكون بمثابة حل وسط يضمن حصول موسكو على قائمة المقترحات والضمانات الأمنية التي قدمها الرئيس بوتين إلى الولايات المتحدة العام الماضي, وسبق لواشنطن أن رفضتها تحت ذرائع عدة منها, أن المقترحات تتعلق بمعايير نظام الأمن الأوروبي, وبأنها لا تستطيع بمفردها وبشكلٍ أحادي تحديد صلاحية تلك المقترحات, وبات من الواضح أن واشنطن لا تتمسك بحرية تقدم وتوسع الناتو شرقاً فقط , بل تسعى إلى رمي "شباكها" حتى في الفضاء الروسي.

كانت ولا زالت مهمة موسكو صعبة ومعقدة, لتغيير "القواعد" ما بعد نهاية الحرب الباردة وحتى اليوم، بفضل تعنت نظام الأمن الأوروبي, واستمرار إعتماده على توسيع هيمنة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي, في وقتٍ كانت المقترحات الروسية محقة وضرورية بالنسبة لروسيا, وقادرة في الوقت نفسه على أن تضمن تحويل أوروبا نحو فضاء جيد للأمن والتعاون المشترك في إطار النظام الأمني ​​الجديد ، والتي ستستفيد حتماً من خفض مستوى الهواجس والمخاوف من الصدام مع دول منظمة الأمن الجماعي, من خلال الإبتعاد السلمي والهادئ عن فضاء ما بعد الإتحاد السوفيتي, بضمانة الدولة الروسية, الأمر الذي سيخفف من عدائية الناتو تجاه روسيا, والكف عن محاولات تشويه صورتها, وإظهارها كتهديد جدي وحقيقي لأوروبا بأسرها.  

تبدو المقترحات الروسية , بما فيها الضمانات الأمنية المقدمة للأمريكيين, تشكل الفرصة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق, كي يكون الحوار والتفاوض بعيداً عن احتمالية استخدام الأسلحة النووية, وبقائه مقيداً ببنود وشروط الإستراتيجية الدفاعية لروسيا.  

تبدو واشنطن وحلفائها في بروكسل والناتو, عاجزين عن تحديد استراتيجيتهم , لإستمرار المواجهة بلا أفق, أو لإتخاذ القرار حول قبول التفاوض, وتحديد أوكرانيا والإعتراف بأنها تشكل الطرف المهزوم بشكل واقعي وفعلي, وبناء الحل والحوار والتفاوض على هذا الأساس, إذ يبدو من السخيف, تعليق الأمل الأمريكي – الغربي, على أي تقدمٍ أو إخفاقٍ أو إنسحابٍ عسكري روسي, من بعض المناطق في أوكرانيا, وهذا بدوره يدفعهم نحو استمرار التمويل ونقل السلاح إلى حكومة كييف, والإهتمام بزيادة كفائته النوعية, وبتفجير أنابيب نورد ستريم 1 و2, وتحديد سقف الأسعار, وغيرها من الخطوات التائهة.

وحتى اللحظة , لم تتوصل حكومة كييف , ودول الإتحاد الأوروبي , إلى إكتشاف حقيقة "السعادة" الأمريكية , بالأوضاع الحالية , وبإستمرار إنتقال المال الأوروبي إلى الخزائن الأمريكية , وأن الحل الوحيد يكمن في إجبار سيدهم الأمريكي الجلوس على طاولة الحوار والتفاوض مع روسيا, ومنحها ما تريد, ورمي الصبي والمهرج الأوكراني وحكومته النازية, وعزلهم وإعلان هزيمتهم ووقف دعمهم, وإلاّ فالمواجهة والحرب العالمية بالوكالة بين روسيا والغرب ستستمر, وأن الرهان على تحسن العلاقات الروسية الأمريكية, لن يجبر واشنطن على منح الأوروبيين جزءاً من "الكعكة". 

م. ميشيل كلاغاصي

13/1/2023 

وقف المواجهة في أوكرانيا .. من يجب عليه أن يُهزم ؟ المهندس - م. ميشيل كلاغاصي


مع اقتراب الذكرى الأولى لإنطلاقة العملية العسكرية الروسية الخاصة – المحدودة بأهدافها المعلنة , لحماية الأمن القومي الروسي , وحماية المواطنين الروس الذين يتعرضون للمجازر والقصف المدفعي والتعذيب منذ عام 2014 على الأراضي الأوكرانية , والتي حولتها الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع روسيا , وعاشت بفضلها عشرات الدول حول العالم وتحديداً في أوروبا , عاماً قاسياً , حمل من التداعيات والنتائج الأولية , كمّاً هائلاً من الخطورة والإنقسام , ظهرت فيه نوايا دول الخندق الأول كفرنسا وبريطانيا وبولندا وألمانيا , والأحلاف السياسية والعسكرية على حقيقتها , بما لم يسبق لها أن مرت بأزمنة ولحظات مشابهة منذ عقود , وأظهرت بشكلٍ فاضح , ما أعلنته صراحةً الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والإتحاد الأوروبي وكذلك حلف الناتو, وكشفت حقيقة مخططها واستخدامها أوكرانيا كميدان وساحة للمواجهة مع روسيا , والتفرد بها بعد عزلها أو إبعادها عن حلفائها الإستراتيجيين , بهدف "تدمير إقتصادها" و"تقسيمها" والإطاحة بزعامة الرئيس فلاديمير بوتين , لكن قساوة وضراوة المواجهة والمعارك , العسكرية والإعلامية والإقتصادية والإستخبارية و....إلخ , والنتائج العسكرية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية , الكارثية خصوصاً في صفوف الفريق الغربي والأوكراني , خلال أشهر المواجهة الـ /11/ الماضية , جعلها تبدو وكأنها عشر سنوات , وبات الكثيرين حول العالم يفكرون في كيفية وإمكانية وقف الحرب , والإتجاه نحو التفاوض المباشر , والمراهنة على تقاربٍ ما , وإيجابيةٍ ما , في العلاقات الروسية الأمريكية , على أمل حصول التفاهم والإتفاق على حلولٍ منصفة ومناسبة.

على الرغم من استمرار المواجهة حتى نهاية العام وبداية العام الجديد , إلاّ أنه ومن خلال طبيعة البشر التفاؤلية دائماً , خصوصاً في فترة أعياد الميلاد ورأس السنة , راهن البعض على بعض التفاؤل بشأن العلاقات الروسية الأمريكية , في وقتٍ يُعتقد فيه أن بعض التحولات قد بدأت بالحدوث فعلياً بين موسكو وواشنطن.

حيث التقى مؤخراً , رئيس جهاز المخابرات الخارجية الروسي ، سيرغي ناريشكين ، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) وليام بيرنز، في العاصمة التركية , وناقشا خطر استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا وعدد من القضايا الهامة , وعلى إثر هذا اللقاء ، تمت عملية تبادل للأسرى , شملت لاعبة كرة السلة الأمريكية بريتني غرينر, ورجل الأعمال الروسي فيكتور بوت ، الذي سبق ووصفته الولايات المتحدة بأنه من أكبر تجار الأسلحة في العالم , ورفضت إطلاق سراحه طيلة 14عاماً , وسط أجواء تفاؤلية بعملية تبادلٍ أخرى , يطلق فيها سراح الجاسوس الأمريكي بول ويلان , مقابل إطلاق أحد المواطنين الروس الموجودين في السجون الأمريكية أو الألمانية.

تبدو الأجواء مشجعة على قراءةِ مشهدٍ مختلف للقادم من الأيام , بالتوازي مع تصريحاتٍ أمريكية تؤكد عدم حاجتها للصدام مع روسيا في أوكرانيا , وبأنها "غير مستعدة لبدء الحرب العالمية الثالثة لتحقيق رغبات حكومة كييف".

يمكن قراءة بعض الإيجابية والرغبة المشتركة بين الروس والأمريكيين , للحفاظ على الحد الأدنى من الاتصالات والعلاقات , وبأنهما لا يسعيان إلى تصعيد المواجهة العسكرية إلى مستوياتٍ الخطورة التدميرية القصوى , ومع ذلك ، يبدو أن عملية تسوية التناقضات والخلافات الثنائية ، وإيجاد حلٍ للصراع , لا تزال بعيدة المنال.

وبالتالي ، يرى الروس أن الحل الدبلوماسي الوحيد الممكن الذي يضمن عدم حدوث حرب نووية , لا بد وأن يكون بمثابة حل وسط يضمن حصول موسكو على قائمة المقترحات والضمانات الأمنية التي قدمها الرئيس بوتين إلى الولايات المتحدة العام الماضي , ورفضتها واشنطن , تحت ذرائع عدة منها , أن المقترحات تتعلق بمعايير نظام الأمن الأوروبي , وبأنها لا تستطيع بمفردها وبشكلٍ أحادي تحديد صلاحية تلك المقترحات , من الواضح أن واشنطن تتمسك بحرية تقدم وتوسع الناتو شرقاً , ورمي "شباكها" حتى في الفضاء الروسي.

كانت ولا زالت مهمة موسكو صعبة ومعقدة , لتغيير "القواعد" ما بعد نهاية الحرب الباردة وحتى اليوم ، بفضل تعنت نظام الأمن الأوروبي , واستمرار إعتماده على توسيع هيمنة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي , في وقتٍ كانت المقترحات الروسية محقة وضرورية بالنسبة لروسيا , ومفيدة للغرب , طالما أنها ستضمن تحويل أوروبا إلى فضاء للأمن والتعاون المشترك في إطار النظام الأمني الجديد ، والتي ستستفيد حتماً من خفض مستوى الهواجس والمخاوف من الصدام مع دول منظمة الأمن الجماعي , من خلال الإبتعاد السلمي والهادئ عن فضاء ما بعد الإتحاد السوفيتي , بضمانة روسيا الإتحادية , الأمر الذي سيخفف من عدائية الناتو لروسيا .

ومع ذلك ، رفضت الولايات المتحدة المقترحات الروسية , بما يؤكد أن تصويبها أهدافها ليس على منظمة الأمن الجماعي , بل على روسيا تحديداً , لإزاحتها والتفرد بالسيطرة على الفضاء الأوروبي , وتحديداً فضاء الإتحاد الأوروبي , الذي يخلو تماماً من منافسين حقيقيين للولايات المتحدة , وعليه لم تجد واشنطن بداً من تضخيم صورة موسكو وإظهارها كتهديد جدي وحقيقي لأوروبا بأسرها.

تبدو المقترحات الروسية , بما فيها الضمانات الأمنية المقدمة للأمريكيين , تشكل الفرصة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق , كي يكون الحوار والتفاوض بعيداً عن احتمالية استخدام الأسلحة النووية , وبقائه مقيداً ببنود وشروط الإستراتيجية الدفاعية لروسيا. 

تبدو واشنطن وحلفائها في بروكسل والناتو , عاجزين عن تحديد استراتيجيتهم , لإستمرار المواجهة بلا أفق , أو لإتخاذ القرار حول قبول التفاوض , وتحديد "من يجب عليه أن يُهزم" , هل هي أوكرانيا , وهذا سيتيح لهم تقديم التنازلات على حسابها , أم الإبقاء عليها في وضعٍ محايد ورفض انضمامها إلى الناتو , أم الإصرار على "سحق موسكو وإقتصادها", وإلحاق بها "الهزيمة الإستراتيجية".

يبدو من السخيف , تعليق الأمل الأمريكي – الغربي , على أي تقدمٍ أو إخفاقٍ أو إنسحابٍ عسكري روسي , من بعض المناطق في أوكرانيا , وهذا بدوره يدفعهم نحو استمرار التمويل ونقل السلاح إلى حكومة كييف , والإهتمام بزيادة كفائته النوعية , وبتفجير أنابيب نورد ستريم 1 و2 , وتحديد سقف الأسعار, وغيرها من الخطوات التائهة.

وحتى اللحظة , لم تتوصل حكومة كييف , ودول الإتحاد الأوروبي , إلى إكتشاف حقيقة "السعادة" الأمريكية , بالأوضاع الحالية , وبإستمرار إنتقال المال الأوروبي إلى الخزائن الأمريكية , وأن الحل الوحيد يكمن في إجبار سيدهم الأمريكي الجلوس على طاولة الحوار والتفاوض مع روسيا , ومنحها ما تريد , ورمي الصبي والمهرج الأوكراني وحكومته النازية , وعزلهم وإعلان هزيمتهم ووقف دعمهم , وإلاّ فالمواجهة و الحرب العالمية بالوكالة بين روسيا والغرب ستستمر , وأن الرهان على تحسن العلاقات الروسية الأمريكية , لن يجبر واشنطن على منح الأوروبيين جزءاً من "الكعكة".

م. ميشيل كلاغاصي

7/1/2023 

هل تضرب القارة السمراء موعداً مع "الربيع الأمريكي" ؟ - م. ميشال كلاغاصي


على مدى ثلاثة أيام , في الفترة من 13 إلى 15 كانون الأول/ديسمبر, عُقدت في واشنطن أول قمة لقادة الولايات المتحدة وأفريقيا منذ عام 2014 , وانتهت بـ "بيان رؤية" قدمه وفدا الولايات المتحدة والإتحاد الأفريقي , يحدد معالم الشراكة الأمريكية – الأفريقية , وتوسيع نطاقها مع المؤسسات الرسمية والشعبية الأفريقية وتعميقها , "لمواجهة تحديات العصر الملحة وتحقيق الأولويات المشتركة".

وفي هذه الأجواء , أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن دعمه لحصول الإتحاد الأفريقي على مقعدٍ دائم في مجموعة العشرين ، وفي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة , وعن عزمه لزيارة القارة الأفريقية خلال عام 2023 ...

قد يبدو للبعض دعماً متأخراً , ويأتي بعد الدعم الصيني والروسي , إلاّ أنه يبدو مهماً للولايات المتحدة , التي وجدت نفسها مجبرة على التحرك وتعزيز مواقفها السياسية والإقتصادية , وإثبات حضورها في القارة السمراء على غرار الحضور الصيني والروسي والإتحاد الأوروبي.

وقد أظهر اهتمام إدارة بايدن المفاجئ بأفريقيا بعد التجاهل التام لإدارة ترامب , بأنها تلتحق بركب الدول المنافسة ولا تقودهم , وبأنها أدركت خطأ إدارة ظهرها لهذه القارة , خصوصاً بعدما وصل حجم التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا إلى حوالي 200 مليار دولار ، وسط تعاطف عديد الدول والشعوب الأفريقية مع روسيا , التي تتعرض إلى مؤامرة غربية كبرى , من خلال الصراع في أوكرانيا.

وكانت المفاجئة بإنتقالها من أوج التجاهل إلى أوج الكرم , وبإعلانها حجم المساعدات والإستثمارات التي خصصتها لدعم دول القارة السمراء , بقيمة 55 مليار دولار, لتطوير التعاون الأمريكي الأفريقي في عدة مجالات , تشمل قطاع الخدمات الإلكترونية , وإقامة المصارف لتطوير خدمات قطاعي الرعاية الصحية والأمن السيبراني , وحددت دول (ساحل العاج , بوركينا فاسو, الكونغو , بنين , الكاميرون , النيجر) لتصدر لائحة المستفيدين , ناهيك عن تخصيصها لدعمٍ إقليمي خاص للنيجر وبنين , بقيمة 500 مليون دولار , وبتخصيص 100 مليون دولار لتمويل قطاعي التنمية والطاقة النظيفة , و350 مليون دولار للتحول الرقمي , بالإضافة إلى تخصيص 4 مليار دولار لمكافحة الأمراض , والوقاية , وتدريب الكوادر الطبية الأفريقية.

يبدو السخاء الأمريكي في القطاع الطبي مثيراً للشبهات , وسط حديث الرئيس جو بايدن عن 231 مليون جرعة من اللقاحات قدمتها الولايات المتحدة إلى 49 دولة إفريقية , لمواجهة فيروس كورونا ، وإعلان توقعاته المستقبلية بأن :"العالم سيواجه جائحة جديدة في وقت ما ، وضرورة الاستعداد لها" !.

يبدو أن الولايات المتحدة تبحث عن طريقة سريعة لإستعادة مكانتها وهيمنتها ، وإبعاد منافسيها , في القارة السمراء , كما تبحث عن إدانة الصين وروسيا وشيطنة وجودهما العسكري في القارة , وفي الوقت ذاته تسعى للحصول على موطئ عسكري لأقدامها هناك ، بما يتيح لها إمكانية السيطرة الإستخبارية والعسكرية والسياسية والإقتصادية.

يبدو أن واشنطن تراهن على من يصدق وعودها من القادة الأفارقة , ومسؤولي المجتمعات المدنية , دون العودة إلى تاريخها بسبي ملايين الأفارقة وتصديرهم إلى الولايات المتحدة كعبيد , وبأنها المسؤولة عن إغتيال الرئيس معمر القذافي , الذي كان يحلم بإفريقيا الموحدة صاحبة السيادة والإستقلال بعيداً عن هيمنة الدولار.

من المهم للقادة والشعوب الأفريقية , أن تستخلص العبر من الوعود الأمريكية وطريقة تقديمها كوجبات أطباقٍ مزركشة جميلة , بطعوم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان , لكنها تحمل السم لكل من صدق تلك الوعود ومن كان معنياً بها كحقل تجارب , ويمكن توقع النتيجة سلفاً , بأن السلام لم ولن يتحقق في الشرق الأوسط , ولن يكون هناك حلٌ أمريكي عادل للقضية الفلسطينية , وعلى العكس فقد حملت الأطباق سماً زعافاً , أسهم بالمزيد من تضعضع الصف العربي والفلسطيني , وانقسام الدول العربية ما بين دول مطبّعة مع أعدائها , وأخرى تتعرض للتدمير والحصار, ولا أحد يعرف متى تتوقف عجلة الوحشية الأمريكية عن الدوران فيها , مع إزدياد اعتمادها على الإرهاب والعملاء والخونة , والمغفلين الذين ارتدوا أثواب "الحرية والديمقراطية الأمريكية" , وبات المجهول يحكم مصيرهم , إن لم يعودوا إلى رحم أوطانهم وهويتهم والأرض التي انجبتهم.

وإذا كانت هذه هي وعودهم للعرب والشرق الأوسط , ماذا عن أوروبا الحليفة للولايات المتحدة , فروسيا التي انتصرت معها في الحربين العالميتين أصبحت الاّن عدوتها الأولى , وتحاول اليوم حشد العالم كله لتدميرها وتقسيمها , كذلك الدول الأوروبية الغربية التي حاصرتها تحت راية التحالف الأطلسي وعلاقات الشراكة والصداقة , التي لن تكون أبداً "الحديقة المزهرة" كما وصفها جوزيب بوريل , طالما أن الوايات المتحدة هي المسؤولة عن أذيتها وتدمير إقتصاداتها وأنظمتها السياسية وعملتها الموحدة , من خلال إقحامها وإركاعها لأجل الحرب على روسيا عبر البوابة الأوكرانية؟.

بات من الواضح للأوروبيين أن واشنطن خططت وتعمدت إستنزاف موارد دولهم وإضعافها , وحرمانها من الغاز الروسي رخيص الثمن ، الذي استبدلته بالغاز والتدفئة "الديمقراطية" للولايات المتحدة ، وضاعفت أسعار الكهرباء والسلع الغذائية بمعدل ستة أو سبعة أضعاف ، وأصابت صناعاتهم الكيميائية والمعدنية وغيرها بمقتل , ونقلت رؤوس الأموال الأوروبية إلى الولايات المتحدة... كذلك تحاول الشيء ذاته مع الصين والكوريتين واليابان وتايوان من بعد أفغانستان وإيران وسورية واليمن غيرها من دول القارة الاّسيوية.

لا بد للأفارقة التمييز بين حاجة الولايات المتحدة إلى دمرقطتهم , وحاجتها إلى النفط والكوبالت والماس والذهب والليثيوم وغير ثروات أفريقية , ومدى اهتمامها بإزدهار دولهم وشعوبهم , وعليهم الحذر من "وعودها" و"ربيعها" و"ديمقراطيتها" .

م. ميشال كلاغاصي

28/12/2022 

زيارة المهرج الأوكراني وسط البروباغاندا الأمريكية لفك التحالفات الإستراتيجية الروسية - م. ميشيل كلاغاصي


في زيارة هوليودية  قام بها المهرج  النازي فولوديمير زيلينسكي , وحل من خلالها ضيفاً "كبيراً" على العجوز بايدن الراعي الأول للنازية , حيث مَثَلَ زيلينسكي بين يدي أسياده في الولايات المتحدة , بثيابه غير اللائقة بمن حضروا عرضه المسرحي الأول خارج بلاده منذ بداية الأزمة الأوكرانية , والتقى بالرئيس الأمريكي , وألقى كلمةً في الكونغرس , وسط تهليل نانسي بيلوسي وعشرات الأشرار وتصفيقهم , وهداياهم "الميلادية" على شكل دعمٍ مالي ومالي – عسكري , في مشهد واضح الغاية والهدف من إستقبال زيلينسكي كرجل حرب , بهدف ودعم إستمرارها وإطالة أمدها , وفق أجندة المراحل التصعيدية القادمة.

وبالفعل فقد حصل زيلينسكي على وعود بمساعدات مالية وعسكرية , وأمنية إضافية بقيمة 1.8 مليار دولار، بعدما وافق مجلس النواب الأمريكي على تقديم 45 مليار دولار من الميزانية الإتحادية , وعلى 800 مليون دولار من الميزانية الدفاعية , لعام 2023 .

وحول صدى الزيارة داخل الولايات المتحدة ... لم يرق العرض للكثيرين خارج الولايات المتحدة وداخلها , وبدا هذا جلياً في سرعة انتقاد عديد الساسة الأمريكيين عبر مواقعهم على تويتر وفي بعض وسائل الإعلام , حيث سخرت الصحفية الأمريكية الشهيرة كانديس أوينز , من مشهد ظهوره في البيت الأبيض , كذلك شعر عضو الكونغرس الجمهوري ديفيد ستوكمان , بأنه يكاد يتقيأ من الأكاذيب التي أطلقت على منبر الكونغرس , في محاولة لإقناع دافعي الضرائب الأمريكيين إلى مواصلة رعايتهم لنظام كييف ,  فيما اعتبر المرشح لمنصب حاكم ولاية كنتاكي ، جيفري يونغ ، إن كل من صوّت في الكونغرس لصالح تقديم مساعدةٍ جديدة لأوكرانيا هو راعٍ للنازية , وعبر عن اشمئزازه من تصويت الديمقراطيين لصالح تزويد حكومة النازيين الأوكران بأسلحة جديدة وبأموال إضافية , كذلك انتقد الجمهوري مات جويتز مهزلة "التصفيق" لزيلينسكي , وأكد أن الولايات المتحدة تدفع نحو تفاقم الأزمة وتسهم في إراقة المزيد من الدماء.

كما سخر اّخرون من وقاحة زيلينسكي , الذي لم يز واشنطن لشكرها على كل ما قدمته له , بل ليطالب بالمزيد من الدعم المالي والعسكري , فيما أكدت صحيفة وول ستريت جورنال أن :"خطاب زيلينسكي يثبت رغبته في مواصلة الصراع" , وتحدث اّخرون عن زلة اللسان الجديدة للرئيس بايدن , الذي اختلط عليه الأمر ما بين زيلينسكي وبوتين بقوله :"إن بوتين وروسيا منفتحان على مفاوضاتٍ سلمية لحل الأزمة الأوكرانية" , في حين أنه كان يقصد "زيلينسكي وأوكرانيا" , وفوجئ بما نطقه لسانه , وسارع لتصحيح كلامه على الفور وبالقول أن:"الولايات المتحدة ستواصل دعم زيلينسكي".

وفي المؤتمر الصحفي للرئيسين , أكد زيلينسكي أن أوكرانيا "لن تستسلم أبدًا" , وتعهد بأنه لن يكون هناك "تنازلات" في أية محاولة لإنهاء الحرب , وأن المساعدة لأوكرانيا "ليست صدقة" بل هي "استثمار في الأمن العالمي" , كذلك ذكر بايدن أن بلاده ستستمر بدعم أوكرانيا , وأن "الشعب الأمريكي مستعد للوقوف في وجه المتنمرين وسيدافع عن الحرية" , وسنبقي معاً شعلة الحرية مشتعلة" .

بات واضحاً أن ما كل ما يتحدث عنه الجانب الأمريكي على المستويين السياسي والإعلامي, حول عملية التفاوض مع روسيا , لإنهاء الحرب , لا تعدو أكثر من أكاذيب وأضاليل , تبحث من خلالها عن تحضير الأرضية للإنتقال إلى مراحل الجديدة من الصراع , وبات مؤكداً أنها لا تبحث عن السلام , بل على العكس تبدو بأنها تمتلك الكثير من الجدية والإصرار على تحطيم الإقتصاد الروسي بالكامل , وإذلال الرئيس فلاديمير بوتين , والمضي قدماً في مخطط تقسيم الفضاء الجغرافي الروسي والأوراسي , دون أن تحاول تقييم ما تتعرض له أوكرانيا من تدمير , ومدى قدرتها على الإستمرار بالقتال , في وقتٍ لا تهتم فيه الإدارة الأمريكية سوى بإستمرار الحرب والسير على طريق إضعاف روسيا وإنهاكها عسكرياً وإقتصادياً , بالتوازي مع عملية التفتيت الأمريكي التي تفرضها واشنطن على حلفائها الأوروبيين , وتحديداً دول الإتحاد الأوروبي , فهزيمة اليورو تعني لواشنطن أكثر من مما تعنيه هزيمة وسقوط أنظمة "القطيع الأوروبي".

منذ ما قبل العام 2014 , كان الهدف الأمريكي جر روسيا إلى ميدان الصراع العسكري في أوكرانيا , وإلحاق بها الهزيمة , لكنها فوجئت بقوتها العسكرية خصوصاً في مجالي السلاح الجوي والصاروخي بشكلٍ رئيسي , ناهيك عن قوتها الاقتصادية ودقة حساباتها المالية والسياسية والإعلامية والدبلوماسية , وتحالفاتها الإستراتيجية مع الصين وكوريا الشمالية وإيران , ما جعل مهمة واشنطن تبدو مستحيلة , فعمدت إلى محاولات إبعاد موسكو عن حلفائها , وإشغالهم بملفاتٍ أخرى , تكون على درجة من الخطورة لجعلهم يهتمون بأمن واستقرار دولهم , عبر زعزعة الداخل والمحيط الحيوي لكل منهم , بما يمس سيادتهم ووحدة بلادهم وأنظمتهم السياسية حتى.

فقد كانت على وشك الاتفاق والتوقيع مع إيران حول ملفها النووي , لكنها مارست جميع أشكال الخداع والمرواغة والإستفزاز , لتأجيل توقيع الاتفاق , حتى خرج الرئيس بايدن ليقول أمس الأول , أن الاتفاق النووي مع إيران "قد مات" , وبذلك استهلكت حوالي 10 أشهر منذ بدء العملية العسكرية الروسية في شباط /فبراير 2022 , مقابل أن تجعل من إيران دولةً محايدة في الصراع الروسي – الدولي في أوكرانيا , وتحرم موسكو من مؤازرة حليفها الإيراني , بالإضافة لإنشغال إيران في المشهد الداخلي , وزعزعة الاستقرار والتخريب المنظم في مشهد مشابه لمشروع "الربيع العربي" , والذي تم دعمه وتصديره وقيادته من خارج البلاد , بالإعتماد على قوى المعارضة الخارجية ومؤيديها وعملائها في الداخل.

كذلك الحال بالنسبة إلى الصين , التي حاولت إشغالها وتهديد أمنها القومي وسيادتها ووحدتها , عبر نسف "مبدأ الصين الواحدة" عبر حكومة تايوان – الإنفصالية وقواتها المسلحة بعد أن قدمت لها كافة أشكال الدعم السياسي والمالي والعسكري , هذا من جهة , ومن جهةٍ أخرى حاولت إشغالها أيضاً بعدة أزمات سياسية مع دول المنطقة وبالتصعيد مع اليابان وغيرها , وبفتح باب جهنم في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي , بالإضافة إلى الفخ والإغراء الإقتصادي لإلهاء الصين بالعلاقات والإتفاقات التجارية والإستثمارات مع عدد من الدول الحليفة لواشنطن في المنطقة العربية والخليجية , وكل هذا بهدف إبعاد الصين وهي الحليف الإستراتيجي لروسيا , لكن المناورات الصينية – الروسية الأخيرة كانت بمثابة الرد الصيني الواضح على تمسكها بعلاقاتها وتحالفها الإستراتيجي مع موسكو.

كذلك كثفت ضغوطها وحصارها على سورية , وتركيا , وبيلاروسيا , وكوريا الشمالية , وكافة حلفاء موسكو , بهدف عزلها وحرمانها من مساندتهم , ونسجت من أضاليلها وأكاذيبها بروباغندا إعلامية – سياسية للضغط على كافة حلفاء موسكو , واتهمت إيران بتوريد المسيرات والصواريخ ومختلف أنواع الأسلحة , لدعم قوات الدولة الروسية , التي بدأت مخازنها تعاني من شح ونفاذ الأسلحة والذخائر , وبأنها على طريق الهزيمة .

واتبعت مع كوريا الشمالية الأمر ذاته , واتهمها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بتزويد مجموعة فاغنر الروسية بإمدادات عسكرية , كذلك زعم منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي ، جون كيربي ، بأن كوريا الشمالية "زودت روسيا بالصواريخ ودعم مجموعة فاغنر بها" , لكن المخضرمة ماريا زاخاروفا علقت بالطريقة الصينية على مزاعم بلينكن بقولها: "غريب الأطوار ويفسر الأحلام" , كذلك نفت كوريا الشمالية المزاعم الأمريكية , وفعل مؤسس شركة فاغنر ، يفغيني بريغوزين ، الشيء نفسه , وأكد أن أتهامات جون كيربي ليست سوى "تكهنات" .

تبدو الإتهامات والمزاعم الأمريكية حول تلقي روسيا مساعدات عسكرية من حلفائها , ومحاولاتها الحثيثة لمنعها , يشكلان الأمل الوحيد لترويج  بروباغاندا نفاذ الأسلحة الروسية , الأمر الذي سيفتح باب الأمل والتفكير أمام حلفاء واشنطن المغفلين الحالمين بالإنتصار على روسيا وحلفائها.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

24/12/2022