Saturday, January 21, 2023

هل تضرب القارة السمراء موعداً مع "الربيع الأمريكي" ؟ - م. ميشال كلاغاصي


على مدى ثلاثة أيام , في الفترة من 13 إلى 15 كانون الأول/ديسمبر, عُقدت في واشنطن أول قمة لقادة الولايات المتحدة وأفريقيا منذ عام 2014 , وانتهت بـ "بيان رؤية" قدمه وفدا الولايات المتحدة والإتحاد الأفريقي , يحدد معالم الشراكة الأمريكية – الأفريقية , وتوسيع نطاقها مع المؤسسات الرسمية والشعبية الأفريقية وتعميقها , "لمواجهة تحديات العصر الملحة وتحقيق الأولويات المشتركة".

وفي هذه الأجواء , أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن دعمه لحصول الإتحاد الأفريقي على مقعدٍ دائم في مجموعة العشرين ، وفي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة , وعن عزمه لزيارة القارة الأفريقية خلال عام 2023 ...

قد يبدو للبعض دعماً متأخراً , ويأتي بعد الدعم الصيني والروسي , إلاّ أنه يبدو مهماً للولايات المتحدة , التي وجدت نفسها مجبرة على التحرك وتعزيز مواقفها السياسية والإقتصادية , وإثبات حضورها في القارة السمراء على غرار الحضور الصيني والروسي والإتحاد الأوروبي.

وقد أظهر اهتمام إدارة بايدن المفاجئ بأفريقيا بعد التجاهل التام لإدارة ترامب , بأنها تلتحق بركب الدول المنافسة ولا تقودهم , وبأنها أدركت خطأ إدارة ظهرها لهذه القارة , خصوصاً بعدما وصل حجم التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا إلى حوالي 200 مليار دولار ، وسط تعاطف عديد الدول والشعوب الأفريقية مع روسيا , التي تتعرض إلى مؤامرة غربية كبرى , من خلال الصراع في أوكرانيا.

وكانت المفاجئة بإنتقالها من أوج التجاهل إلى أوج الكرم , وبإعلانها حجم المساعدات والإستثمارات التي خصصتها لدعم دول القارة السمراء , بقيمة 55 مليار دولار, لتطوير التعاون الأمريكي الأفريقي في عدة مجالات , تشمل قطاع الخدمات الإلكترونية , وإقامة المصارف لتطوير خدمات قطاعي الرعاية الصحية والأمن السيبراني , وحددت دول (ساحل العاج , بوركينا فاسو, الكونغو , بنين , الكاميرون , النيجر) لتصدر لائحة المستفيدين , ناهيك عن تخصيصها لدعمٍ إقليمي خاص للنيجر وبنين , بقيمة 500 مليون دولار , وبتخصيص 100 مليون دولار لتمويل قطاعي التنمية والطاقة النظيفة , و350 مليون دولار للتحول الرقمي , بالإضافة إلى تخصيص 4 مليار دولار لمكافحة الأمراض , والوقاية , وتدريب الكوادر الطبية الأفريقية.

يبدو السخاء الأمريكي في القطاع الطبي مثيراً للشبهات , وسط حديث الرئيس جو بايدن عن 231 مليون جرعة من اللقاحات قدمتها الولايات المتحدة إلى 49 دولة إفريقية , لمواجهة فيروس كورونا ، وإعلان توقعاته المستقبلية بأن :"العالم سيواجه جائحة جديدة في وقت ما ، وضرورة الاستعداد لها" !.

يبدو أن الولايات المتحدة تبحث عن طريقة سريعة لإستعادة مكانتها وهيمنتها ، وإبعاد منافسيها , في القارة السمراء , كما تبحث عن إدانة الصين وروسيا وشيطنة وجودهما العسكري في القارة , وفي الوقت ذاته تسعى للحصول على موطئ عسكري لأقدامها هناك ، بما يتيح لها إمكانية السيطرة الإستخبارية والعسكرية والسياسية والإقتصادية.

يبدو أن واشنطن تراهن على من يصدق وعودها من القادة الأفارقة , ومسؤولي المجتمعات المدنية , دون العودة إلى تاريخها بسبي ملايين الأفارقة وتصديرهم إلى الولايات المتحدة كعبيد , وبأنها المسؤولة عن إغتيال الرئيس معمر القذافي , الذي كان يحلم بإفريقيا الموحدة صاحبة السيادة والإستقلال بعيداً عن هيمنة الدولار.

من المهم للقادة والشعوب الأفريقية , أن تستخلص العبر من الوعود الأمريكية وطريقة تقديمها كوجبات أطباقٍ مزركشة جميلة , بطعوم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان , لكنها تحمل السم لكل من صدق تلك الوعود ومن كان معنياً بها كحقل تجارب , ويمكن توقع النتيجة سلفاً , بأن السلام لم ولن يتحقق في الشرق الأوسط , ولن يكون هناك حلٌ أمريكي عادل للقضية الفلسطينية , وعلى العكس فقد حملت الأطباق سماً زعافاً , أسهم بالمزيد من تضعضع الصف العربي والفلسطيني , وانقسام الدول العربية ما بين دول مطبّعة مع أعدائها , وأخرى تتعرض للتدمير والحصار, ولا أحد يعرف متى تتوقف عجلة الوحشية الأمريكية عن الدوران فيها , مع إزدياد اعتمادها على الإرهاب والعملاء والخونة , والمغفلين الذين ارتدوا أثواب "الحرية والديمقراطية الأمريكية" , وبات المجهول يحكم مصيرهم , إن لم يعودوا إلى رحم أوطانهم وهويتهم والأرض التي انجبتهم.

وإذا كانت هذه هي وعودهم للعرب والشرق الأوسط , ماذا عن أوروبا الحليفة للولايات المتحدة , فروسيا التي انتصرت معها في الحربين العالميتين أصبحت الاّن عدوتها الأولى , وتحاول اليوم حشد العالم كله لتدميرها وتقسيمها , كذلك الدول الأوروبية الغربية التي حاصرتها تحت راية التحالف الأطلسي وعلاقات الشراكة والصداقة , التي لن تكون أبداً "الحديقة المزهرة" كما وصفها جوزيب بوريل , طالما أن الوايات المتحدة هي المسؤولة عن أذيتها وتدمير إقتصاداتها وأنظمتها السياسية وعملتها الموحدة , من خلال إقحامها وإركاعها لأجل الحرب على روسيا عبر البوابة الأوكرانية؟.

بات من الواضح للأوروبيين أن واشنطن خططت وتعمدت إستنزاف موارد دولهم وإضعافها , وحرمانها من الغاز الروسي رخيص الثمن ، الذي استبدلته بالغاز والتدفئة "الديمقراطية" للولايات المتحدة ، وضاعفت أسعار الكهرباء والسلع الغذائية بمعدل ستة أو سبعة أضعاف ، وأصابت صناعاتهم الكيميائية والمعدنية وغيرها بمقتل , ونقلت رؤوس الأموال الأوروبية إلى الولايات المتحدة... كذلك تحاول الشيء ذاته مع الصين والكوريتين واليابان وتايوان من بعد أفغانستان وإيران وسورية واليمن غيرها من دول القارة الاّسيوية.

لا بد للأفارقة التمييز بين حاجة الولايات المتحدة إلى دمرقطتهم , وحاجتها إلى النفط والكوبالت والماس والذهب والليثيوم وغير ثروات أفريقية , ومدى اهتمامها بإزدهار دولهم وشعوبهم , وعليهم الحذر من "وعودها" و"ربيعها" و"ديمقراطيتها" .

م. ميشال كلاغاصي

28/12/2022 

No comments:

Post a Comment