Monday, August 19, 2019

سوريا ليست أرضا ًمشاع لعربدة الإنفصاليين والأتراك والأمريكان - ميشيل كلاغاصي


(هواجسها ومخاوفها من تداعيات تحرير إدلب, دفعتها لإستعجال تأزيم الأوضاع ولقبولها بما كانت ترفضه, ولإستعجال استنساخ الكيان الإسرائيلي شمالا ًوشرقا ًبالنكهة التركية والإنفصالية ... ودَعَتها منطقة اّمنة رغم التكريد والتتريك على غرار التهويد ... ورأت في إنفصالييها وأردوغانها عكاز بقائها اللاشرعي على الأراضي السورية, والذي رأى نفسه ضامنا ً للحلم العصملي, وراّه السوريون عدوا ًوقحا ًضامنا ً للإرهاب والإحتلال البائد لا محالة .. واعتبروها فرصة لإستلاب السيادة ولإبراز العضلات بالوكالة, لكنهم بَدوا تائهين وربما سيتحولون إلى نادمين وللعفو طالبين... وَيحَكم ... فهذه سوريا ربة الحكمة ومنجبة النور والأبطال والحرية والكرامة وليست أرضا ًمشاعا ًلعربدتكم وأوهامكم).
مع غيابٍ كلي للأمم المتحدة والقانون الدولي, يُكشّر الوحش الأمريكي عن أنيابه, ويزحفُ بمشروعه الصهيو-أمريكي إلى سوريا والمنطقة, وهو يحلم بشرق أوسط جديد ومزيف بغير دول وغير شعوب, لكنه وبعد سلسلة الهزائم العسكرية والسياسية التي مُني بها, اختزل مشروعه وأصبح همّه الخروج من سوريا بأقل الخسائر وأكبر المكاسب داخلها وعلى حساب دورها التاريخي والإقليمي والدولي, ولم يغب عن باله, كيفية إحكام قبضته على الحدود بين سوريا والعراق ومنع خط التواصل البري السياسي والإقتصادي والعسكري والإستراتيجي لمحور المقاومة ما بين طهران ودمشق عبر بغداد وصولا ًإلى بيروت والقدس وكافة الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة, ومنع مرور خط النفط الإيراني بإتجاه خطوط النفط السوري وموانىء تصديره عبر المتوسط إلى العالم, في وقتٍ لم ولن يغيب عن باله الحفاظ على أمن ووجود الكيان الإسرائيلي الغاصب, الذي بدت  فيه عوامل بقائه ووجوده رهانٌ خاسر على محك محور المقاومة... وعليه احتفظ القطب المتهاوي ببعض اّماله عبر إطالة أمد الحرب من خلال ممارسته أعلى الضغوط على الدولة والسيادة السورية, والتطاول على وحدة أراضيها, ليقود مشروع تقسيمها في شرقي الفرات وغربه.
على المقلب التركي ... ثماني سنوات ولا تزال تركيا هي الأخطر على الدولة السورية, تبعا ًلحدودها الطويلة معها ولحجم إنغماسها في خدمة المهمة القذرة والذي يعادل حجم أطماعها وإجرامها في سوريا.. فمنذ اللحظات الأولى للعدوان التركي-الإرهابي والمباشر على السيادة ووحدة الأراضي السورية, أعلن أردوغان نيته بإقامة منطقة عازلة أو اّمنة مدعومة بقرارٍ أممي أو أمريكي يضمن فيها حظرا ًللطيران السوري وحدودا ًاستعمارية تمنع تقدم الجيش العربي السوري نحوها... فسعى لتهجير أهلها وادعى حيازته على صكوك ملكيتها, وأراد أن يجعل منها منطقة خاضعة لنفوذه, واعتمد على عمالة بعض السوريين ممن باعوا أنفسهم للشيطان... يبدو أن أردوغان مستمرٌ بتصدير أزماته وهزائمه الداخلية, ويحلم بإعادة توحيد الشارع التركي خلف قيادته عبر إثارة مشاعره القومية بمعارك تخوضها الدولة والشعب التركي لأجل إعادة تعويم "السلطان".
وعلى المقلب الإنفصالي ... فقد بدأت فصول القصة الفعلية في 17\2\2016 عندما أُطلق في مدينة رميلان وبزعامة حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي ما يسمى "وثيقة النظام الإتحادي الديمقراطي الفيدرالي في روج آفا - شمال سوريا", لإقامة "إدارة حكمٍ ذاتي" في الرقة وعين العرب وعفرين والجزيرة, وكافة الأراضي التي سيطرت عليها ميليشيات "قسد" بدعمٍ مطلق من قوات الإحتلال الأمريكي والفرنسي, وبالتنسيق  الكامل مع كافة التنظيمات والمجاميع الإرهابية المتواجدة هناك وعلى رأسها تنظيم "داعش" الإرهابي. 
ففي البداية لم يكن السوريون يعرفون الكثيرعن مّا سُمى "قوات سورية الديمقراطية" ولاعن أهدافها, لكن الأيام كشفت نوايا مطلقي هذا المشروع المشبوه وأنه لا يعدو أكثر من إدارة توحشٍ جديدة بإدارةٍ مختلفة... يقوم على الطاعة العمياء للسيد الأمريكي, وبإدعاءات محاربة الإرهاب, فقد رأى العالم كله مرور وعبور الإرهابيين وإمداداتهم عبر مناطق سيطرة ميليشيات "قسد", وكان لهم "شرف" حضور حفلات نقل الدواعش عبر الحوامات الأمريكية إلى غير جبهات, وكانت اّخر المسرحيات معارك الهول والباغوز ونهاية التنظيم في سوريا ... لكن الرئيس ترامب تراجع عن إعلان القضاء عليه في اللحظات الأخيرة, ليعود ويعلن عن إمكانية عودة التنظيم, ومؤخرا ً ليعلن رسميا ًعن عودته, لكن الأهم أنه حافظ على ذريعة وجود وتسليح ميليشيات "قسد", والتي احتفظت بدورها عبر مخاوفها من العدو التركي, وحقها بالدفاع عن نفسها ومناطق "إحتلالها".
الموقف السوري الرسمي ... وعلى الرغم من إعلان الدولة السورية عن موقفها الرافض لأي مشروع تقسيمي, وتحذيرها لكل من "تسول له نفسه النيل من وحدة أرض وشعب الجمهورية العربية السورية تحت أي عنوان", وتأكيدها مرارا ً أن "طرح موضوع الإتحاد أو الفيدرالية يشكل مساسا ًبوحدة الأراضي السورية, وأنه "يتناقض مع الدستور والمفاهيم الوطنية والقرارات الدولية" وأنه "لا قيمة ولا أثر قانوني له".. واعتبرته عملا ًداعما ً للإرهاب وأنه يصب في خانة إضعاف سوريا, وأنها ترى في أي تواجد لا شرعي على أراضيها هو مجرد إحتلال.
لكن هذا لم يُثن قادة الميليشيات الإنفصالية, واستمرت في العمل على تكريس الإنفصال, وأقاموا هياكل الجسم الفيدرالي–التقسيمي, واستولوا على كافة مصادر الثروات المتنوعة على امتداد الشرق السوري, وبنوا بأيدهم القواعد الأمريكية, وحفروا الخنادق حول القواعد الفرنسية, وقاموا بتنفيذ كل ما من شأنه خدمة المشروع الأمريكي-الصهيوني, مستغلين إنشغال الدولة والجيش السوري وحلفائه في دحر الإرهاب جنوب ووسط البلاد.
لقد بالغوا في تقدير قدراتهم وحجمهم في الميدان والمنطقة, واعتقدوا أنهم قادرين على تنفيذ المهمة الأمريكية في الحصار الإقتصادي للدولة والشعب السوري في محاولةٍ لكسر إرادة السوريين, وبقدرتهم على تغيير أوراق اللعبة الدولية, وغاب عن ذهنهم سرعة تخلي أسيادهم عنهم كما فعلوا بغير ميليشيات وغير أدوات ... ومن الواضح أنهم أضاعوا جميع الفرص التي منحتهم إياها الدولة السورية, وتجاهلوا الغضب الشعبي وقدرة الدولة والجيش السوري على فرض السيادة السورية, ووضعوا أنفسهم في وجه العاصفة وعليهم تحمل النتائج.
وعلى المقلب الأمريكي ... لم يتوقف تأرجح ولعب الإدارة الأمريكية على الحبلين التركي والإنفصالي, ومضت في استغلالهما إلى أبعد مدى, فقد رفضت المنطقة الاّمنة على مدى ثمان سنوات, ورفضت سحب السلاح الأمريكي من أيدي الإنفصاليين, وحافظت على النقيضين وصاعقي التفجير, فالأتراك يتمسكون بأمنهم القومي وبمنع قيام أي شكل سياسي لكيان كردي لطالما دعاه الرئيس أردوغان بالإرهابي, فيما يمضي الإنفصاليون تحت العباءة الأمريكية بتكرار مخاوفهم من عدوان تركي يجتاح مناطقهم .. من خلال علاقة تكافلية لم يعد بالإمكان إخفائها, ما يدفع للسؤال, هل هم حقا ًعلى خلاف وعداء, وهل ما قبل أسر واحتجاز عبدالله أوجلان يختلف عمّا بعده ؟.
من الواضح أن مطالبة كلا الطرفين التركي والإنفصالي بإنشاء المنطقة الاّمنة, ومن خلال مقارنة ما يتحدثا عنه يتضح أنهما يتفقان على إغتصاب الأرض السورية لكنهما يختلفان حول السيطرة, فأردوغان يريدها مناطق نفوذ تركي ولا يمانع بالإبقاء على مناطق الإدارة الذاتية وبهيمنة المكون الكردي من باب الرشوة, فيما يريدها الإنفصاليين منطقة اّمنة بقرار دولي أو أمريكي تمنحهم أحقية السيطرة عليها وإدارتها.
حقيقة الإتفاق الأمريكي – التركي لإقامة المنطقة الاّمنة ... فبعد لقاءاتٍ مكثفة تم الإعلان عن الإتفاق التركي-الأمريكي لإقامة المنطقة الاّمنة, وعلى إقامة مركز عمليات مشترك بينهما في "شانلي أورفا" أو "غازي عنتاب", وقد يتوهم البعض بأن مبررات الرفض الأمريكي قد زالت, وزالت معها هواجس ومخاوف الأتراك والإنفصاليين, مع تحوّل الإعلام للحديث عن طول وعمق المنطقة وعن ترتيبات المجال الجوي, ومناطق إنتشار القوات, وتركيبة الدوريات, واّليات إنسحاب القوى الإرهابية بحسب تصنيف كلٍ منهما, وعن قوى الأمن والسيطرة الفعلية على الأرض.
في حين أن الأمريكيين لم يفصحوا عن أيا ًمن تلك النقاط, وفضلوا الحفاظ على منسوب الغموض, وتركوا المجال مفتوحا ً للتوقعات والتكهنات, وربما لإنتظار ردود الأفعال وقبض الثمن من كافة الأطراف بدءأ ًمن الدولة السورية وحلفائها ولكافة الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة والمؤثرة في المواجهة... في حين تبقى عينها على قطع طريق التقارب التركي–الروسي, وعلى جهود الوساطة والدور الروسي لتقريب وجهات النظر وتقدم الحوار بين الأكراد والدولة السورية.
رؤى عديدة وحقيقة سورية واحدة ... وسط مشاهد الغموض والضباب, هناك من هلل لمنع التحرك التركي العسكري بإتجاه شرق الفرات, وهناك من ادعى وقوع أردوغان في الفخ الأمريكي, ووقوع الإنفصاليين في شباك التجميد الأمريكي تمهيدا ً لبيعهم كالأسماك المجمدة في السوق المحلية والإقليم ...
في وقتٍ تراقب فيه واشنطن الإندفاعة السورية–الروسية نحو تطبيق بنود إتفاق سوتشي بالقوة العسكرية, وربما إلى أبعد من ذلك فتحرير إدلب بات متاحا ًومتوقعا ًفي أية لحظة, فترى أردوغان يقف غبيا ًمكتوف الأيدي تحت عباءة الدور الضامن لدولة الإحتلال التركي ومشروعها ...
ويحق للبعض الاّخر أن يتحدثوا عن رد فعلٍ أمريكي استباقي لتحرير إدلب عبر التهويل بمشروع التقسيم الخيالي وغير القابل للتحقيق, ويحق للسوريين أن يرونه إتفاقا ًميتا ً قبل أن يولد, فما من قوة في العالم تستطيع منع السوريين من فرض سيطرتهم وسيادتهم على أراضيهم, ولو كلف ذلك خوض المزيد من المعارك, بعدما أثبتوا قوتهم ورباطة جاشهم واستعدادهم لقتال وطرد كل من تجرأ على وطنهم وسيادتهم ووحدة أراضيهم.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
19 / 8 / 2019

Tuesday, August 13, 2019

أفول الإمبراطورية المتوحشة..هل يتخلى الأمريكيون عن رخصة القتل - ميشيل كلاغاصي


عصور وعقود وسنوات تعاقبت, تكررت معها ذات القصة وذات الفصول, أممٌ تصعد وتلتقي ظروفها وحظوظها, ربما هي الحيوية والطموح, وربما القوة والأطماع, وفي المحصلة تجد نفسها "المملكة" أو "الإمبراطورية" أو "الدولة العظمى", فتقول كلمتها, وترسمُ أقدار من هم أضعف منها ومن يدورون في فلكها أو من وقعوا في شباكها, لكن الأيام لا تسمح لها بالدوام والإستمرار إلى ما لا نهاية, وعندما يحين الوقت تتحول إلى قوةٍ سابقة وربما تالفة ومتاّكلة, وتعود القصة لتبدأ من جديد.

قد لا يؤمن البعض, بأن الإمبراطورية الغربية الحديثة, ستنهار فوق رؤوس أصحابها, ويرون أن مجمل الإخفاقات والضعف والخلافات والأزمات السياسية داخلها, ستُطلق نوعا ًمن ردود الفعل تؤدي بالنتيجة إلى إحتواء الصدع, لكن الحقيقة تشي بأكثر مما يجري أمام أعيننا ...

ولا بد من قراءة بعض التغييرات التي طرأت على النظام الدولي, فمن كان يصدق أن تتحول أوروبا إلى مستعمرة أمريكية غير قادرة على الدفاع عن مصالحها الجيوسياسية, ومن يصدق أن تتحول الولايات المتحدة إلى مستعمرة إسرائيلية مسخرة لخدمة بقائها وأوهامها الدينية المزورة وأهدافها العنصرية, ومن كان يصدق حجم الخلاف بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وارتفاع احتمالية إنهيار شراكتهما المتوحشة تحت وطأة أخطائهما, بالتوازي مع صعود الصين وروسيا الإتحادية وتقدمهما العسكري وتحالفهما وشراكتهما الإستراتيجية الشاملة, وبعلاقاتهما المميزة مع إيران وغير دول, بما يتوافق مع روح العصر الجديد.

فلم تعد تركيا جزءا ًواضحا ًمن حلف شمال الأطلسي, ولم تعد علاقاتها وشراكاتها مع الأوروبيين موضع ثقة, ولم تعد الولايات المتحدة تستطيع الحديث عن تغيير النظام في فنزويلا وسوريا, وفشلت في تقسيم العراق, وفقدت هيبتها بالواسطة في اليمن, وفقدت تحالفها العسكري مع باكستان, ولم يعد بمقدورها الإعتماد على أذربيجان وتركمانستان, مع تفكك دول مجلس التعاون الخليجي, وفشل الناتو العربي, والتحالف العربي الإسرائيلي ضد إيران, بالإضافة إلى إنكفاء الذراع الإسرائيلية نحو إقامة الجدران والدفاع عن وجود كيانها السرطاني, بالتوازي مع سقوط وإنكشاف ما تدعيه من قوتها الرادعة, أمام المد الكبير وتعاظم قوة محور المقاومة.
فالفوضى والتخبط يقودان السياسة الخارجية للولايات المتحدة, ومع خسارتها لعديد الحلفاء وفشل غالبية التحالفات, فكيف لها أن تستخدم القوة العسكرية والتي تعتبر أهم دعائم امبراطوريتها ؟.. وكيف لها أن ترفع منسوب تصعيدها العسكري مع إيران, والصين وروسيا.

ويبقى من أهم مؤشرات ضعفها وتراجع أدواتها, إصرارها على نقل مقر قيادتها المركزية في الشرق الأوسط إلى أراضي أعدائها لحماية مصالحها بنفسها, لكنها تبقى عاجزة عن حماية جنودها وأهدافها وسياساتها...بالتأكيد هي تعيش أسوأ كوابيس تحالفها الأنجلو- صهيوني, وتقدم أهم علامات انهيار الإمبراطورية الغربية التي نخرها السوس وأوصلها إلى النهاية.

فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية, لعبت الذهنية الأمريكية دورا ًسلبيا ًمن خلال الفهم والإستغلال الخاطىء لنتائج الحرب, وبنت سلم صعودها وامبراطوريتها معتمدة على ضعف وإنهاك غالبية الدول المنتصرة أو المهزومة, فقد اتجهت لمنافسة حليفها وشريكها الروسي في الإنتصار, وتخطت المنافسة إلى حد العداء والعدوان بالوساطة, وكانت قادرة وحلفائها الأوربيين على المساعدة في إعادة بناء ألمانيا لكنها لم تفعل, وامتلكتها السعادة لوضع اليابان تحت وصايتها, وأحكمت قبضتها على كوريا الجنوبية, ولم تبال بقسوة أفعالها في فيتنام ولاوس وكمبوديا... وتحت الذرائع المختلفة, اشعلت حروب الخليج الأولى والثانية, وانتهت إلى غزو العراق, بعدما نجحت بقتل عددٍ لا يحصى من المدنيين وتدمير كل ما استطاعت تدميره هناك...وحققت نتائج مماثلة في أفغانستان, والصومال وليبيا, ومؤخرا ًفي سوريا واليمن, وفي العراق ثانية ً, لقد دمرت العالم لأجل إعادة بنائه على "صورتها ومثالها", تحت شعار الدمار لأجل الدمار, معتقدة ًأنها تسير على طريق المجد وبناء الإمبراطورية الأبدية.

وأنفقت الأموال الطائلة لبناء ترساناتها العسكرية وقواعدها المنتشرة عبر العالم, وحولت جيشها إلى جيش مترف مهووس ببذخه وغطرسته وقساوة قلبه, وبدأت تفقد شيئا ًفشيئا ًروحها وعرق مبدعيها الذين بنوا قوتها الصناعية والتكنولوجية التي تفوقت بها خلال الحرب العالمية الثانية, وسيطرت عليها ذهنية الحروب والقتل والهيمنة العسكرية, وأصبح الإنفاق العسكري هاجسها ومصدر "إلهامها" للتفوق على بقية الدول, دون أي مراجعةٍ وإهتمام لما تجنيه من نجاح أو فشل.

 ومع ذلك لم تحقق أسلحتها السمعة ولم تجلب لها التفوق أمام غير جيوش, لكن الأميركيين يحبون أسلحتهم, ويعشقون بيعها أو حتى تسليمها وإعاراتها لأي كان كدليلٍ على الدعم وربما على "الصداقة", ويعشقون التصريحات السياسية حول تتبع أسلحتهم وحرصهم على عدم وصولها إلى الأيدي الخاطئة, لكنك تستطيع غالبا ًرؤيتها في أيدي أعدائهم أو أصدقائهم لا فرق, ولا تسأل عن أسلحة السعودية و"داعش" و"النصرة" و"قسد" و"بوكوحرام" ...

ومع فشل إستراتيجية التدميرالشامل, ومع عديد الهزائم العسكرية التي منيت بها, تستمر بطموحها الأعمى وشبقها للإنتشار العسكري حول العالم, الأمر الذي أصبح جزءا ًمن ثقافة سياسييها وسياستها الخارجية وجوهرها القتل, ولجأت أيضا ًإلى سياسة الإغتيالات سواء لرؤساء وقادة دول, أو لبعض أدواتها الإرهابية, أو لقادة حركاتٍ وطنية مقاومة, ويبقى العامل المشترك هو الإغتيال بهدف القتل.... في وقتٍ لم تمانع فيه حصد أرواح المدنيين والأبرياء, وحرصت على أن ينالوا حصتهم من القتل أيضا ً, فقد قصفت العديد من الجنازات وحفلات الزفاف عبر الطائرات المسيرة بدون طيار؟ فهل يعرف الشعب الأمريكي هذا ؟ أم يكتفون بالحزن على أقربائهم وأبنائهم اللذين يقتلون على بعد اّلاف الأميال !...

وعلى الرغم من قوتها العسكرية وأدواتها حول العالم, لكنها تبدو عاجزة عن مواجهة كوريا وإيران وإسقاط سوريا وإختراق فنزويلا والجزائر, وباتت مقاومة الغزو الأمريكي متاحة ًلأي دولةٍ تستطيع الصمود وإجبارها على دفع التكاليف الباهظة في المال والأرواح, الأمر الذي يحصر قوتها الصاروخية في تدمير المباني والجسور وقتل الأبرياء فقط, ما يجعل قواتها العسكرية عديمة الفائدة, ويقلص قدرتها على المساعدة في تحقيق أيٍّ من أهدافها السياسية.

بات من المؤكد أن هذا السلوك والتكتيك الأمريكي لن يساعد على خلق سلام دائم في الداخل الأمريكي وحول العالم, لكنه يبدو مناسبا ًلإستمرار الفوضى وتصعيد واحتدام الصراعات, ويخلق القاعدة والمبرر لزيادة الإنفاق العسكري ولتبرير السياسات العدائية ... يبدو أن الأمريكيين منحوا أنفسهم رخصة القتل والتحريض تحت عنوان سياسة الدولة العظمى, ويبقى السؤال مالذي سيحتفظون به بعد أفول إمبراطوريتهم سوى وحشيتهم ورخص القتل خاصتهم ؟... فالفوضى التي يبحثون عنها ويقومون بتصديرها إلى أنحاء العالم, تعيش في صدورهم وعقولهم وقلوبهم, ولن يكون مستغربا ًأن يتساءل الأمريكيون عمن يقتلهم, ومن هو عدوهم الحقيقي؟...
لكن اليوم ومع إنقلاب المشهد, نجد أن بعض الدول قد أسست تحالفاتها على أساس القوة العسكرية والإقتصادية والتحالفات الإستراتيجية, وبات من الممكن ومع إنهيار الإمبراطورية الغربية أن تحل محلها غير قوى وعلى رأسها الصين وروسيا, الذان يستطيعان أن يحلا محلها في قيادة العالم وفق معايير نظرية فقط, وذلك لعدم إمتلاكهما لقواعد عسكرية حول العالم, توازي ما تمتلكه الولايات المتحدة, ناهيك عن طبيعة علاقاتهما مع حلفائهما والتي تختلف تماما ًعن علاقة "الدمى العسكرية" التي تربط الولايات المتحدة مع حلفائها, التي تساعدها على نشر مختلف أشكال القوات العسكرية, والعمل وفق أجدنتها السياسية.

بالإضافة لكون الصين وروسيا, لا يملكان الرغبة بالعودة إلى زمن الإمبراطوريات مرة أخرى, ويسعون لحرية وقوة وسيادة بلادهم, ولا يطمحون لقيادة و"حراسة" الكوكب, أو بتغيير أنظمة الدول الأخرى, ولا يؤمنون بعلاقاتٍ تهدف إلى توسيع رقعة الإحتلال وذبح البشر وتدمير الدول والمدن.

أخيرا ً... إذا كان المحافظون الجدد ونازيو العصر, يعاندون إنهيار امبراطوريتهم, ويسعون إلى تفجير الكوكب بحروبٍ شاملة وربما نووية, فلا بد لهم من معرفة أن الولايات المتحدة ستبقى, وكذلك أوروبا وبقية دول وشعوب الأرض, لكن تحت عناوين جديدة, لا مكان فيها للتفرد والغطرسة وجنون العظمة, في عالمٍ متعدد الأقطاب, كان له شرف مواجهة اّخر الإمبراطوريات الغربية.

المهندس: ميشيل كلاغاصي
13 / 8 / 2019