Friday, June 21, 2019

صاروخٌ إيراني .. يضع ترامب وخصومه وحلفائه في الزاوية - ميشيل كلاغاصي

قصة ٌبدأت فصولها الجديدة, مع الإنسحاب الأمريكي من الإتفاق النووي مع طهران, وتدحرجت ما بين موجات الخلافات والصراعت الأمريكية الداخلية وما بين التحريض الإسرائيلي – الخليجي, واتخذت طابعا ًإقتصاديا ً تجاريا ًوتهويلا ًعسكريا ً, وبفرض عقوباتٍ قاسية غير مسبوقة ضد الدولة الإيرانية, وصلت حد منعها من تصدير نفطها إلى العالم ...
هجومٌ وحصارٌ وتدخلٌ سافر في الشؤون الإيرانية, واجهته قيادتها ورأس هرمها السياسي وحرسها الثوري وشعبها المقاوم, بكل شجاعة وحكمة وذكاء... أشهرٌ سبقت التصعيد الأخير, لم تنفع فيه الضغوط الأمريكية والمراوغة والضعف الأوروبي, ولم تتوقف فيه إيران عن إعلان ثبات مواقفها المبدئية, الرافضة للحوار مع الإدارة الأمريكية, وبتمسكها بحقوقها في الإتفاق وبسيادتها وحرية قرارها السياسي, واستعدادها للدفاع عن أرضها وشعبها وثرواتها وطموحاتها.
بدا المشهد جامدا ً لفترة, ولم يكن من السهل على جميع الأطراف تحريكه سلبا ًأم إيجابا ً, استغلته إيران في البحث عن بدائل لإستمرار تصدير نفطها, فيما استغلته الإدارة الأمريكية عبر تحركات المستشار بولتون ووزير الخارجية بومبيو في البحث عن سبل إضافية لإخضاع إيران للشروط الأمريكية, وبترجمة التحريض والرغبات الإسرائيلية – الخليجية, وإجبار الرئيس ترامب على ركوب الأمواج العاتية من بوابة وإجبار الدولة الإيرانية على التفاوض من جديد وهي تحت الضغط الأمريكي.
وترافق البحث الأمريكي بهزائم ميدانية جديدة لقوات العدوان والتحالف الخليجي في اليمن وسورية وغير ساحات, ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد, إذ فوجىء الجميع بحوادث وتفجيراتٍ إرهابية تعرضت لها بعض السفن وناقلات النفط في مياه الخليج , سارعت الولايات المتحدة الأمريكية ومن لف لفها لإتهام الدولة الإيرانية, وبأنها نفذت وعيدها بمنع تصدير النفط عبر مضيق هرمز فيما إذا مُنعت من تصدير نفطها, وعلى الرغم من النفي الإيراني, والتصاريح اليابانية التي أكدت استهداف ناقلتها جوا ً, إلاّ أن الإعلام المستفيد وماكيناته الإسرائيلية – السعودية – الإماراتية, سعوا لتأكيد إرتكاب إيران هذه الإعتداءات, وأقله تم الإرتهان لرواية الطرف الثالث دون التدقيق في هوية من هو هذا الطرف ومن هوالمستفيد, وجاءت الصواريخ اليمنية لتُخرج مطاري أبها وجيزان في السعودية عن الخدمة في معرض ردها على العدوان الهمجي المستمر إلى ما لا نهاية, ولتقوم أطراف التحريض الأمريكية - الإسرائيلية – الخليجية بإستغلال الحدث في تشجيع إندلاع الحرب الأمريكية على إيران بمساعٍ خاصة لبولتون وبومبيو ومن يمثلهم في مراكز صنع القرار الأمريكي.
ابتلع الرئيس ترامب الطعم مرغما ًوفق حساباته وصراعاته الداخلية, وإعلانه حملته الإنتخابية الجديدة لولاية ثانية, ووجد نفسه يركب الموجة, خصوصا ًبعدما قامت الدفاعات الإيرانية بإسقاط طائرة التجسس الأمريكية المسيرة RQ4, داخل الأجواء الإقليمية الإيرانية.
وبين ليلة وضحاها تدحرج التصعيد السياسي والإقتصادي والعسكري والإعلامي والتكنولوجي, ليتصدر الموقف, مع تراشق وتبادل التهم حول إنتهاك الطائرة الأجواء الإيرانية من عدمه, بحسب الروايتين الإيرانية والأمريكية... قدمت فيه إيران عديد الأدلة والإثباتات وعلى رأسها حطام الطائرة, ومشاهد إسقاط الطائرة وسيل المعلومات حول المكان الذي انطلقت منه طائرة التحسس المسيرة ومسار تحليقها, ولحظة إسقاطها, وكشفت عن أربعة تحذيرات وجهتها للطائرة, وإنتظارها لأكثر من 20 دقيقة لحين إبتعاد طائرة أمريكية ثانية تواجد فيها 35 شخصا ً, ومن ثم تم إسقاط طائرة ال RQ4, في حين لم يصدر عن الإدارة الأمريكية ما يُثبت إدعاءاتها.
وسط الذهول والإرتباك الأمريكي, سارع ترامب كعادته للتصعيد الكلامي, عبر التصاريح العاجلة والمتضاربة وعبر موقعه على التويتر, واعتبر أن إيران ارتكبت خطأ جسيم, وأن العالم سيرى قريبا ًما هو فاعل, وفي غضون دقائق تراجع عن مواقفه وذهب ليقول: "لدى إحساس بأنه عمل غير مقصود وغير متعمد", ويعلن موقفا ً إنسانيا ًمضحكا ً يدعي فيه أنه تراجع عن قرارٍ أصدره بتوجيه ضربةٍ تشمل ثلاثة أهدافٍ إيرانية, لإعتقاده بأنه قد يتسبب بمقتل 150 إيرانيا ً كحدٍ أدنى, في محاولةٍ منه للرد بالمثل على تجنب الإيرانيون قصف الطائرة العسكرية الأمريكية وال35 راكبا ً على متنها, يبدو أن ترامب يريد العالم تصديق أن الولايات المتحدة تتجنب القتل, في وقتٍ يرى العالم كله الجرائم التي ارتكبتها في العراق والرقة السورية وفي عشرات ومئات الأماكن حول العالم ولم تكن لتكثرت يوما ًبحياة البشر.
ولا بد من تسليط الضوء على مسببات تراجع الرئيس ترامب, وربطها بالذهول والمفاجئة والهزيمة التكنولوجية والإستخبارية والعسكرية والإعلامية, أمام الدولة الإيرانية, بفضل ما تتمتع به من قوة عسكرية وبفضل ترسانتها الصاروخية المتطورة, بالإضافة للشفافية الإيرانية وتقديمها كافة المعلومات لوسائل الإعلام الإيرانية والعالمية, ولا بد هنا من الإشادة بما قدمته قناة الميادين من نقل وتحليل ورصد مباشر لكل مستجد وخبر وتصريح ومعلومة, معتمدة ًعلى حرفيتها وحضورها وجمهورها الواسع في العالم العربي والعالم عموما ً.
ولا بد أيضا ً,من مراقبة الموقف الضعيف للمملكة السعودية وعبر ولي عهدها ووزيرها عادل الجبير الذي أكد عدم رغبة بلاده بإندلاع الحرب, وبالصمت الإسرائيلي الشامل بحسب أوامر بنيامين نتنياهو, والذي احتفظ لنفسه بحق إطلاق بعض العبارات غير المؤئرة من جهة, والتي تعكس مخاوفه من أن تجد سلطته نفسها وسط ميدان هكذا معركة ... في وقتٍ رأت الصحافة الإسرائيلية أن تراجع ترامب هو هزيمة وإهانة للولايات المتحدة الأمريكية, بما يعكس خيبة أمل الداخل الإسرائيلي بكافة أطيافه, حيث كانت اّمالهم وأحلامهم تصب في خانة توجيه ضربة أمريكية محدودة أو جزئية أو حتى شاملة للدولة الإيرانية .
إن التحذير الروسي والأوروبي والدولي, ومن إندلاع هذه الحرب والمخاوف من نتائجها الكارئية, تحولت إلى الترحيب بالهدوء النسبي أو لعدم تهور الرئيس ترامب, ومع ذلك لا يزال التوتر على أشده, ولا يزال الغموض يلف مستقبل القادم من الأيام, ولا يمكن التعويل أو الرهان على حكمةٍ أو تعقّلٍ أمريكي, خصوصا ً بعدما تلقى الرئيس الأمريكي وإدارته بحمائمها وصقورها الصفعة الإيرانية القاسية, ويبقى التعويل الحقيقي على قوة وثبات الموقف الإيراني وصلابة قواتها المسلحة, واستعداد محور المقاومة مجتمعا ً لمواجهة أية تطورات سلبية, وإحتمالية إندلاع معركة شاملة.
من الواضح أن المواجهة الأمريكية الإيرانية الحالية, تؤكد الوقفوف على أعتاب مرحلة جديدة لصراع محور المقاومة بكافة أطرافه, أمام المحور الذي تقوده الولايات المتحدة بنفسها, بما يؤكد أن هذه المستجدات والمتغيرات ليست عابرة, وسيكون لها تداعياتها على مستوى العالم... وقد تكون أول تجلياتها تصريح ترامب حول "استعداده للتفاوض مع إيران دون شروطٍ مسبقة", وبإنتظار الرد الإيراني, وربما بتجديد الرفض الإيراني... وعلى دول وعروش الإنبطاح والتخاذل العربي والأوربي, تحديد حجومها والإستفادة من الدرس الإيراني, وتبقى العبرة لمن يعتبر.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
21 / 6 / 2019

Friday, June 14, 2019

إفلاس ترامب واستراتيجية "لن أسقط وحدي" - م.ميشيل كلاغاصي


لم يعد بالإمكان النظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية, على أنها السيد المهيمن والمسيطر على خارطة النفوذ العالمي, وهي التي هُزمت في عديد الصراعت والمواجهات السياسية والعسكرية التي خاضتها بالأصالة أو الوكالة, والتي تحاول استبدلاها بالحروب التجارية, وبالعقوبات الإقتصادية, وبالإنسحاب من الإتفاقات الدولية, وتحولت مناوراتها إلى سياسة اللعب على حافة الهاوية, وأصبح من الممكن ملاحظة إرتباكها وترددها وتخبط سياساتها الخارجية, وكشف نقاط ضعفها, وغياب استراتيجيتها وإفلاسها.
ولم يعد بالإمكان إخفاء جروحها وندوبها, مع إقتصادٍ نازف وبعجزٍ تجاري يُقارب ال 900 مليار دولار, وبتحالفاتٍ منهكة هزيلة, وبات من المهم ملاحظة أن لجوئها إلى تهديد للأمن والسلم الدوليين, يأتي من باب التراجع وليس من باب التفوق, ويعتمد على رفض غالبية دول العالم العودة إلى الحروب والمواجهات الكبرى.
ولا يمكن لعاقل أن أن يفهم تهديدها وهجومها على الدولة الصينية وعشرات الدول من بوابة القوة, وما يقوم به ترامب يبدو أقرب إلى سياسة "لن أسقط وحدي", بدليل نوعية العقوبات وقواعد الإشتباك التجاري الذي أوقع نفسه وبلاه فيه, وفرضه أسسا ًجديدةً للصراع والمواجهة, في وقتٍ قد تكون بلاده أحد أهم المتضررين والخاسرين.
على سبيل المثال, يبدو حصارها وعقوباتها للدولة الإيرانية بما يتعلق بتصدير النفط الإيراني, بات يفضح حلفائها في الخليج ويكشف عجزهم عن تعويض النقص الحاصل في السوق الدولية على المدى المتوسط والبعيد, وهذا بدوره سيؤدي إلى إرتفاع أسعاره الدولية, الأمر الذي سيتسبب بخسائر طائلة وغير متوقعة للولايات المتحدة الأمريكية أيضا ً, ولا تقل عن أضرار أعدائها والمعنيين بعقوباتها.
كذلك عقوباته ورفع الرسوم على ما يقارب ال 900 من السلع الأمريكية التي تصدرها إلى الصين, والتي اكتفت في المرحلة الأولى بالرد وبالإسلوب ذاته, وبرفع رسوم الصادرات الصينية لما يقارب ال 625 سلعة فقط ... ومع استمراره بالتصعيد, واستهدافه للشركات العملاقة كشركة هواوي, لم يتوقع الرئيس ترامب أنه بإمكان الصين أن تلحق الأذى الكبير وتصيب قلب الصناعات العسكرية الأمريكية, وبما يمكنه أن يتسبب لها من تراجعٍ كبير لقدراتها العسكرية, وسيدفع بتراجع مكانتها ونفوذها في العالم, وبإضعاف قدراتها على إنتاج بعض الأسلحة النوعية المتقدمة.
فغالبية الأسلحة الأمريكية المتقدمة تعتمد بشكلٍ شبه كلي على مواد "الأرض النادرة" التي لا تنتجها دولةٌ في العالم سوى الصين ... وقد يكون تعنت الرئيس الأمريكي وإدارته سببا ًرئيسيا ً لتحويل الولايات المتحدة  إلى أحد ضحايا الحرب التجارية التي يضرمونها ... إذ تعتمد الولايات المتحدة على الصين في الحصول على مواد الأتربة النادرة, والتي تستخدم 17 عنصرا ً منها على نطاقٍ واسع في صناعة البطاريات والهواتف الذكية والسيارات الكهربائية وعديد الخدمات والسلع الأساسية.
ويبقى من اللافت الإشارة إلى دخول تلك المواد والعناصر الأرضية النادرة, في الصناعات العسكرية الهامة, خصوصا ً تلك الأسلحة النوعية والمتقدمة والحرجة, والتي تشمل لوائح كبيرة من تلك الصناعات, فمن صواريخ التوماهوك إلى طائرات ال F-35 المقاتلة, والمدمرات والطرادات المجهزة بنظام "إيجيس", وكل ما يتعلق بالصناعات الحربية الدقيقة, التي تتطلب توفر العناصر الحرجة, كالمغناطيس الدائم والسبائك النوعية المتخصصة التي تنتجها الصين حصريا ً.
ومن المهم الإشارة, إلى دخول تلك المواد في صناعات القنابل الذكية والذخائر الموجهة, والتي تدخل في عداد الإمداد الأمريكي طويل المدى, والتي لا يتم إنتاجها إلاّ بعد إبرام صفقات بيعها, أو لإستخدامها السريع, بسبب إرتفاع تكالبف إنتاجها, وعدم قابليتها للتخزين الطويل, والتي قد تحتاجها الولايات المتحدة على عجل, في حال نشوب بعض الصراعات من خارج الأجندة الأمريكية, أو تلك التي تتطلب حربا ً أو هجوما ً فوريا ً مستعجلا ً... ويكفي معرفة أن كل قطعة بحرية من غواصات الهجوم السريع الأمريكية, تحتاج لما يقارب الخمسة أطنان من المواد الأرضية النادرة.
ومع ذلك يستمر الرئيس دونالد ترامب بالتصعيد والتهديد بالحروب العسكرية, ويستخدم المنابر الإعلامية لإطلاق أكاذيبه حيال رضوخ الدول لحروبه التجارية وعقوباته الإقتصادية, ولا ينفك يعلن عن إنتصاراته الوهمية, كإدعائه رضوخ المكسيك للإتفاق الجديد قبل أيام , في وقتٍ تبين فيه أن المكسيك كانت قد وافقت على طلبات وربما على توسلات ترامب قبل عدة اشهر, كذلك تصريحاته وتوقعاته بإقتراب التفاوض مع الدولة الإيرانية إلى أن ثبت العكس, بالإضافة لإعلانه عن إقتراب رضوخ الصين والتفاوض معها, بعدما أطلق عشرات الأكاذيب بأن:" الصين ستخسر الكثير, وأكثر مما ستربحه من سيطرتها على المواد الحيوية".
لم تكتف الصين بالإشارات الإعلامية وبالتهديد بقطع صادراتها من الأتربة النادرة, كنوع من الرد على الضغوط الأمريكية على شركة الإتصالات العملاقة "هواوي", بل ذهبت تلميحاتها الإعلامية الحكومية الرسمية , إلى أبعد من ذلك, وبإحتمالية إدراج تلك المواد على لوائح صادراتها التكنولوجية, بما يشكل ضربة ً قاضية للصناعات العسكرية الأمريكية, وقد يسمح ذلك للاّخرين من أصدقاء وأعداء بالحصول عليها.
من الواضح أن إعتداد الرئيس ترامب بذكائه وفريقه الحاكم ومستشاريه, جعله غير قادر على فهم وهضم أن الصين غيّرت وبشكل فعال طريقة إدارتها للحرب, وربما ستغير من نتائجها... وبات على فريق الأمن القومي الأمريكي الإقتناع بقدرة المنافسين الإستراتيجيين, وفرزهم وتمييزهم عن الضعفاء... وبات عليهم الحذر من دفع الصين إلى استخدام مواد الأتربة كسلاح استراتيجي, وإلى البحث عن الهيمنة العسكرية... فلن يكون بمقدور الولايات المتحدة الإستعاضة عن السوق الصينية للمواد والأتربة النادرة, عبر السوق اليابانية التي حاولت البحث عن مصادر أخرى وفشلت, فالصين تحتكر تلك التجارة بفضل إمتلاكها الخامات وبالأسعار التي لا يمكن منافستها.
وعلى الرغم من إدراك وزارة الدفاع الأمريكية أهمية التلميحات والتهديات الصينية, وعلى الرغم من إعترافها وتحذيراتها من إحتكار الصين لهذه المواد, وتأكيدها عبر تقريرٍ في نهاية العام 2018, بأن الولايات المتحدة لا زالت تعتمد في صناعة المغناطيس الدائم على توفر النيوديميوم, الذي تستخدمه في توجيه الصواريخ الدفاعية, إلا ّ أن ترامب يتابع إفلاسه وسياسة التصعيد والتهيد والعقوبات واللعب على حافة الهاوية تحت عنوان "لن أسقط وحدي".
المهندس: ميشيل كلاغاصي
14 / 6 / 2019

Friday, June 7, 2019

أيادٍ إسرائيلية, وسعيٌ لإثبات تورط روسيا في الإنتخابات الأمريكية - ميشيل كلاغاصي


منذ أكثر من عامين, ولا تزال الماكينات الإعلامية الأمريكية الكبرى تتحدث عما أطلق عليه "التدخل الروسي" في الإنتخابات الأمريكية لعام 2016, وترصد كل شاردة وواردة حيال تحقيقات مولر وفريقه الخاص, وتغريدات الرئيس ترامب المتعلقة بهذه القضية... وعلى الرغم من التشعب والتعقيد وضخامة التحقيقات, يبدو أن الأمريكيين يسعون للإستفادة منها داخليا ً في الصراع على النفوذ والسلطة, وخارجيا ًعبر محاولة إثبات تورط الدولة الروسية, من بوابة البراءة والبحث عن الحقيقة, وقد يذهب البعض إلى الإعتقاد بأن الأمريكيين يسعون لإستخدام هذا الملف في محاصرة الكثيرين من أصدقائهم وخصومهم وأعدائهم, دولا ً كانوا أم مؤسسات دولية وإستخبارية أم سياسيين وأفراد...وعلى الرغم من النفي الروسي المتكرر, وتصريحات الوزير سيرغي لافروف بأن: الإتهامات "بلا أدلة", يبقى التحقيق مستمرا ً, وتتكشف عنه يوما ً بعد يوم خيوط جديدة تدفع بإتجاهات مختلفة, تبدأ بمقتل الخاشقجي ولا تنتهي بإعتقال بالمستشار جورج نادر.

ويبقى التدخل الإسرائيلي في الإنتخابات الأمريكية, أمرا ً لا يحتاج إلى إثبات جديد, ويبدو كمحاولة لإثبات المُثبت, لكن استخدام التدخل الإسرائيلي وربطه بطرفٍ روسي, يبقى أمرا ًمريبا ًويُثير الكثير من الشكوك, ويبدو من الحكمة أن يتم التعامل مع الأدلة الواضحة -هذا إن وُجدت-, وبالنسبة إلى الكثيرين يبدو النفي الروسي كافيا ً, قياسا ً لصدق التعامل والسلوك الروسي, مقارنة ً بالسلوك والغايات الأمريكية المشبوهة غالبا ً.

وفي هذا السياق, تحدثت صحيفة "POLICTICO MAGAZINE" الأمريكية, عن جانب مهم يتعلق بإحتمالية وجود أيادٍ إسرائيلية, وبعض المؤشرات على إرتباطها بأطرافٍ روسية... وبحسب الصحيفة, فقد عمدت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي برئاسة ريتشارد بور, لمطالبة السيد "وول سوريانو" بالحضور لإجراء مقابلة طوعيةٍ ومغلقةٍ معه...

شكوك حول الأيادي الإسرائيلية في الإنتخابات الأمريكية

وذكرت الصحيفة أنه, بعد أسبوعين من تقديم المستشار الخاص روبرت مولر تقريره النهائي، طالبت لجنة الإستخبارات في مجلس الشيوخ, عبر رسالة أرسلتها إلى البريطاني "والتر سوريانو", تدعوه فيها إلى الحضور الطوعي للتحقيق معه حول عدة وثائق – مرتبطة - وتعود للعام 2015, على خلفية اهتمام المحققين بالدور - المحتمل - ل "إسرائيل" في محاولات التلاعب بإنتخابات 2016.

ومن خلال المداولات الخاصة لأعضاء اللجنة, ورد اسم الروسي "أوليغ ديريباسكا" (الشريك التجاري السابق لرئيس حملة ترامب بول مانافورت)، والذي قدم عروضا ًخاصة للحملة الإنتخابية في عام 2016, بعدما تم الكشف عن ارتباطه ب "سوريانو" وبالعديد من الأشخاص المهتمين بالشركات الإستخبارية.

وقد أرسلت اللجنة بتاريخ 5 أبريل / نيسان الماضي, إلى سوريانو, وطالبته بسجلات اتصالاته مع مانافورت وترامب ومايكل فلين... وطالبته بسجل إتصالاته مع ثلاث شركات استخبارية إسرائيلية خاصة, "Psy Group" و "Wikistrat" و "Black Cube"، وبأي اتصالات له –إن وجدت- مع "Orbis Business Intelligence"، وهي الشركة التي شارك في تأسيسها الجاسوس البريطاني السابق كريستوفر ستيل.

لا يعرف الكثيرون عن وول سوريانو, سوى ما تذكره السجلات العامة لشركة USG Security"" الأمنية وبأنه مديرها في لندن ... وقد سبق للصحافة الإسرائيلية أن اتهمته بالتجسس على ضباط شرطة متورطين في قضايا فساد رئيس الوزراء الإسرائيلي "ب نتنياهو".

لم تفصح لجنة مجلس الشيوخ عن أسبابٍ واضحة تجعلها تعتقد بصلة "سوريانو" بالشركات الإسرائيلية الخاصة , مع العلم بأنه عُين في شركة "Psy Group" بتوصيةٍ من نائب رئيس حملة الرئيس ترامب "ريك جيتس" في العام 2016, بهدف التلاعب عبر وسائل التواصل الإجتماعي, لمساعدة ترامب في التغلب على منافسيه الجمهوريين, وعلى هيلاري كلينتون... لكن, - دائما ًبحسب الصحيفة –, أن مصدرا ًمقربا ًمن شركة "Orbis Business Intelligence" أكد للصحيفة أنهم لم يسمعوا أبدا ً بسوريانو.
ولأكثر من عامين, لا تزال التحقيقات مستمرة, ولا تزال لجنة استخبارات مجلس الشيوخ تبحث في قضية التدخل الروسي, والتآمر – المحتمل - بين حملة ترامب وموسكو, ولا يمكن لأحد أن يتوقع مدى زمني لنهاية التحقيق, على الرغم من إدعاء أحد مساعدي اللجنة بأن: التحقيق بات "أقرب إلى النهاية من البداية".

المهندس : ميشيل كلاغاصي
7 / 6 / 2019


Wednesday, June 5, 2019

هل يخسر ترامب "صفقة" بقائه في البيت الأبيض, ويُعزل؟ - ميشيل كلاغاصي


يوما ً بعد يوم تتصاعد الدعوات لمقاضاة الرئيس دونالد ترامب والمطالبة بعزله, بالتوازي مع تحقيقات مولر وإصداره تقريره الخاص حول التحقيقات والنتائج التي توصل إليها, على الرغم من محاولات البيت الأبيض وساكنيه عرقلة مسار الملف برمته, مع مطالبة ما يقارب الستون نائبا ً ديمقراطيا ًفي مجلس النواب ممن يؤيدون إجراء التحقيق والمضي بالمساءلة حتى نهايتها, بما قد يفضي إلى العزل.
والحدث عموما ً, لا يشكل سابقة ًفي الولايات المتحدة الأمريكية, إذ سبق وأن خضع الرئيس ريتشارد نيكسون في العام 1974 لمثل هذه المساءلة, وواجه الأمر ذاته الرئيس بيل كلينتون عام 1998, وليس مستغربا ً أن يخضع الرئيس ترامب للمساءلة ولتقييم سلوكه, لكن يبدو من الصعوبة بمكان فصل العملية القضائية – القانونية, عن إعتمادها عملية ًسياسية لإقالة أو عزل الرئيس في الولايات المتحدة الأمريكية.
نيكسون وترامب ...
فقد سبق وأن وافقت اللجنة القضائية في مجلس النواب على مساءلة الرئيس ريتشارد نيكسون في ملفات، تتعلق بعرقلة العدالة, والتدخل بالتحقيق في قضية ووترغيت, ورفضه تسليم بعض المستندات المرتبطة, بالإضافة للضغوط التي مارسها على الشهود, وكذبه العلني أمام الرأي العام, لكنه استقال من منصبه قبل تصويت المجلس النيابي, ويمكن بكل بساطة ملاحظة مدى التشابه في سلوك الرئيسان نيكسون وترامب.
فقد قام الرئيس نيكسون بعرقلة التحقيق وحماية المتورطين من فريقه, وبإخفاء أنشطتهم والأعمال غير القانونية التي قاموا بها أثناء حملته الإنتخابية, وبإقتحامهم مقر اللجنة الوطنية الديمقراطية في واشنطن للحصول على معلومات إستخبارية ... بالمقارنة مع مسألة إعاقة ترامب للتحقيق الفيدرالي لإخفاء سلوكه وفريقه الخاص , حصول صهره وإطلاعه على معلومات إستخبارية سرية بدون تصريح ... وإدلائه ببيانات كاذبة ومضللة في التحقيق, دفعت محققي مولر, لإعتبار إجابات ترامب الخطية حيال التدخل الروسي في الإنتخابات, إجابات "غير كافية", لكنهم لم يتهموه بتقديم معلومات خاطئة ... على غرار نيكسون, الذي تدخل في تحقيقات وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي ومكتب الإدعاء الخاص في قضية ووترغيت, ودفع مبالغ مالية كبيرة لإسكات الشهود والمتورطين, وسعيه إلى استغلال نفوذه داخل وكالة الإستخبارات المركزية, بالإضافة إلى سعيه لإثارة المدعي العام ضد من تمت محاكمتهم وخروجهم عن صمتهم.
بالمجمل فقد كان سلوك وتصرفات الرئيس نيكسون كافية لإستدعائه ومحاكمته وعزله, فهل يسمح التشابه الكبير في تصرفات ترامب لإعادة نفس السيناريو؟
إن إنتهاك "الرئيس الأمريكي" للدستور الذي أقسم على الحفاظ عليه واحترامه والدفاع عنه, وإساءة استخدامه لصلاحيات منصبنه, تضعه دون شك أمام المساءلة القانونية, ولا يمكن تجاهل سلوكه خصوصا ً بما يرتبط بمسائل بالأمن القومي, وبإنتهاك الحقوق الدستورية للمواطنين أو بتجاهلها ... ويمكن التأكيد أن الرئيسين نيكسون وترامب قاما بأمور متشابهة, ساهمت بتقويض عمل الحكومة الفيدرالية, وهاجمت حكم القانون والدعوة إلى إجراء التحقيقات.  
كلينتون وترامب ...
فقد استندت المساءلة التي أقرها مجلس النواب للرئيس بيل كلينتون, إلى شهادته التي أدلى بها أمام هيئة المحلفين الفيدرالية في العام 1998, بعدما تمت إدانته بتهمة ارتكاب "جرائم وجنح", حيث تعمّد تحت القسم الإدلاء بشهادة مزورة ومضللة حيال عدة قضايا منسوبة إليه, ساهمت بالتأثيرعلى إفادات الشهود, وأعاقت كشف الأدلة بما يخالف ويسيء للحقوق المدنية... وبذلك، قوض كلينتون نزاهة مكتبه، وأثار الشكوك حول الرئاسة، وأكد خيانته للثقة الممنوحة له كرئيس, وتصرف بطريقة منافية لحكم القانون والعدالة، بهدف إلحاق الأذى ببعض الأشخاص.
واستحق بسلوكه الأرعن المساءلة والإقالة والمحاكمة, وعرقلته مسار سير العدالة, وأثبت عدم أهليته لشغل منصب الرئاسة ... وعلى الرغم من إعداد مذكرة إقالته, لم يُصدِر مجلسي النواب والشيوخ أي تحرك بهذا الصدد... إن إنتهاكه للدستور الأمريكي , وإعلائه بشهادة كاذبة, وإخفائه الأدلة في دعوى الحقوق المدنية المرفوعة ضده, وتقديمه لروايات كاذبة بهدف تقويض أحد الشهود, ناهيك عن دفع الأموال للنساء ... كلها أمورٌ تشكل بمجملها سلوكا ً مشابها ً لسلوكيات الرئيس ترامب, الذي ذهب لأبعد من ذلك وإتخذ خطوات أكثر سوءا ً مما فعله الرئيس كلينتون لإحباط المحققين, وللتدخل بالشهود وتشجيعهم على الإدلاء بشهادات كاذبة.
ومع ذلك, لا يمكن ضمان نتائج التحقيقات ضد الرئيس ترامب, وإمكانية الوصول إلى قرار عزله, لكن يبقى من المؤكد إرتكابه كسابقيه جرائم ستبقى في الذاكرة.
هل يمكن إقالة وعزل الرئيس دونالد ترامب
إن الحديث عن إتهام وإنخراط الدولة الروسية وتدخلها وتأثيرها على الإنتخابات الرئاسية الأخيرة، دفع إلى تعيين مستشار خاص للتحقيق, ومحامي خاص مُنحا سلطة التحقيق في الجرائم الفيدرالية المرتكبة والتدخل فيها, كالحنث باليمين، وعرقلة العدالة، وإزالة الأدلة، والضغط على الشهود...
وبات من المعروف أن الرئيس ترامب, استخدم سلطته وصلاحياته كرئيس للبلاد, بالتدخل الشخصي ومن خلال مرؤوسيه ووكلائه المقربين، بإعاقة وعرقلة التحقيق, وبإحتمالية عرقلة العدالة, بهدف التستر وإخفاء وحماية مساعديه, ولإخفاء أعمالهم غير القانونية... فقد حجب الأدلة والمعلومات عن موظفي التحقيق المعتمدين قانونيا ً, وعن لجان الكونغرس المكلفة رسميا ً,وقام بتشجيع الشهود للإدلاء ببيانات كاذبة أو مضللة للتحقيقات,  وتدخل في إجراءات التحقيقات التي أقرتها وزارة العدل، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ومكتب المستشار الخاص، ولجان الكونغرس, وقام بالإدلاء ببيانات علنية كاذبة أو مضللة, لخداع الشعب والرأي العام الأمريكي, حيال الإنتهاء من التحقيق مع موظفي حملته الإنتخابية, وبعدم تورطهم... ناهيك عن سعيه للتأثيرعلى المدعى عليهم من خصومه والأفراد الذين تمت محاكمتهم وإدانتهم, للحصول على صمتهم أو إدلائهم بشهادات كاذبة، مقابل مكافأتهم.
من خلال هذه المقارنة, يبدو واضحا ً أن الرئيس دونالد ترامب, لم يختلف في سلوكه عن الرئيسين نيكسون وكلينتون, وبإستخدامه لصلاحيات مكتب الرئيس، وفي انتهاك القَسَم الدستوري, وبعدم إخلاصه للدستور الأمريكي وفي الحفاظ عليه وحمايته, وكرر سلوكا ًمشابها ً لمن أغضبوا الرأي العام الأمريكي, وتعرضوا للإقالة أوالعزل... فهل تشهد الولايات المتحدة والعالم عزل الرئيس الأشقر, ورجل الصفقات, ويَثبت فشله في الصفقة الأهم في حياته, ويغادر البيت الأبيض على غرار العشرات ممن أقالهم ورمى بهم خارج حدود غطرسته.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
6 / 6 / 2019


Sunday, June 2, 2019

"صفقة القرن" إلى التأجيل .. مؤتمر البحرين إلى أين؟ - م. ميشيل كلاغاصي


في الوقت الذي يستمر فيه الرئيس الأمريكي بالإستهزاء وبتوجيه الإهانات للنظام السعودي تحديدا ً, ولأنظمة الخليج عموما ً, يتابع صهره ومستشاره استخدام الإسلوب ذاته, ويتمادى في سخريته وخداعه, وبوعده بتأجيل الإعلان عن صفقة القرن لما بعد شهر رمضان المبارك ... هل حقا ً يهتم طفل الصهيونية المدلل بعقائد وطقوس وعبادة الاّخرين, في الوقت الذي يرى بأم عينيه كيف يستبيح المئات من الصهاينة ساحات المسجد الأقصى لتدنيسه, وإرسال جيش الإحتلال الإسرائيلي مجموعاته المتطرفة لتدنيس حائط البراق ... فيما يتهيأ بعض العرب للمشاركة في مؤتمر وورشة البحرين لتشريع "صفقة القرن" ولإقرار الموافقة على إغتصاب فلسطين....

ويتساءل البعض لماذا البحرين, في الوقت الذي سبق للرئيس المصري أن أعلن أن "السعودية ومصر هما جناحا الأمن القومي العربي", حيث لا يختلف إثنان حول أهمية القضية الفلسطينية ومركزيتها كما يدعي جميع العرب, فلماذا لا تكون ورشة القاهرة, أو ورشة الرياض؟ هل يهربون من "المجد" أم من العار؟

من الثابت والمعروف أن أساس القضية الفلسطينية هو الإحتلال الإسرائيلي, وإذا كان لا بد لحل هذه القضية بعيدا ًعن لغة المقاومة والعسكرة والحروب, فلا بد من البحث الجدي عن حلٍ سياسي منصف وعادل أساسه القرارات الدولية والحقوق الفلسطينية, ومن ثم يمكن الحديث عن تعويض الشعب الفلسطيني والإهتمام "بإزدهاره" الإقتصادي, وبدولته التي يمكن للحل السياسي أن يقرّ ويعترف بها رسميا ًويرضى بها الفلسطينيون والعرب والمنصفون, ويبقى السؤال هل يمكن للحل الإقتصادي أن يسبق الحل السياسي ؟

وكيف للمؤتمرين, أن يقبلوا الحديث عن "الخطة – الصفقة" وبمناقشة الحل الإقتصادي بغياب الحل السياسي ,هذا الحل الذي يخفيه الأمريكيون حتى اللحظة, وسط إعلان الرئيس الأميركي تأجيل خطته إلى وقت غير مسمى, فيما وعد مسؤول أمريكي – بالأمس – عن طرح الحل السياسي في "الوقت المناسب" بحسب وكالة رويترز, في وقتٍ تشير كافة التسريبات أن الهدف الرئيسي للخطة هو تصفية القضية الفلسطينية وضياع الحقوق العربية.
الأمر الذي يعرّي مؤتمر المنامة الإقتصادي , ويؤكد نوايا وأهداف من سيحضره علنا ً, ومن يوافق عليه سرا ً, أنه مؤتمرٌ لتعزيز التطبيع وتعميق مختلف العلاقات مع العدو الصهيوني, بعيدا ًعن شعارات الإنعاش الإقتصادي للشعب الفلسطيني , وتمهيدا ً للقبول بالحل السياسي المجهول للعرب والفلسطنينين على حدٍ سواء.

إن سخرية كوشنر من أصدقائه "العرب", وإدعائه بتأجيل إعلان الصفقة لما بعد شهر رمضان, يبدو أمرا ًسخيفا ً أحب العرب تصديقه, فمن المعروف أن خطة ترامب للسلام ليست سوى تبني جديد لفكرة رئيس وزراء العدو الصهيوني "نتنياهو" التي طرحها في العام 2008, والتي تقوم على إعتبار السلام الإقتصادي بديل حقيقي عن الحل السياسي.

بمعنى أنها ترتبط ارتباطا ًعضويا ً بالطرف الإسرائيلي, وبمن طرح الفكرة, لذلك تم تأجيل طرحها لحين الإنتهاء من الإنتخابات الإسرائيلية, مع كل الدعم والتعويم الأمريكي لنتنياهو, ومع ذلك يبدو أن الموضوع سيبقى ساكنا ً لحين تشكيل الحكومة والذي يفشل به "بنيامين نتنياهو" حتى اللحظة, فحل البرلمان الإسرائيلي لنفسه وإجراء إنتخاباتٍ جديدة, يعني إن إسرائيل لن تكون جاهزة لمناقشة الخطة إلا بعد عام على الأقل, وهذا بدوره سيدفع الإدارة الأمريكية إلى تأجيل إعلان "الخطة –الصفقة" إلى ما بعد التحضير والإنتهاء من الإنتخابات الأمريكية القادمة, مع إحتمالية عدم فوز الرئيس ترامب بولاية ثانية, نظرا ً لشراسة المعركة الداخلية التي يخوضها هناك, بالإضافة إلى مسألة العزل التي قد تطيح بحسابات الحزب الجمهوري بالكامل.

وعليه يبدو أن صفقة القرن الحالية, ستتحول إلى صفقة قرن العهدان الإسرائيلي والأمريكي المقبلان, لهذا كان لا بد لترامب وكوشنر من إخفاء أسباب التأجيل, ومن بوابة السخرية من العرب وبإعائهم إحترام فرائض عبادتهم... بالإضافة إلى إهانات كوشنر للعرب والفلسطينيين, وبإعتقاده أنهم سيوافقون على التخلي عن حقوقهم مقابل حفنة من الدولارات الأمريكية.
إن مواصلة كوشنر جولاته في المنطقة يأتي في إطار حشد الدعم الذي يحتاجه الحكام العرب والنظام البحريني خصوصا ً, لإرتكاب جريمة إستضافة "الورشة" والمؤتمر الذي ستُعلن فيه "صفقة القرن"... والإكتفاء بمناقشة "الخطة – الضفقة" على الجانب العربي, وإعفاء الطرف الإسرائيلي من أية إلتزامات سياسية وإقتصادية تجاه حل الصراع، ويبقى للمؤتمر أن يتحول إلى أداة ضغطٍ وإبتزاز للطرف الفلسطيني والعربي.

لقد أحسن الفلسطينيون وعلى كافة المستويات برفض "الصفقة", وبالدعوة إلى مقاطعة المؤتمر, ولما سيُقدم فيه من شرعيةٍ مجانية لخطةٍ أمريكية – إسرائيلية أقل ما يقال فيها أنها مجحفة وظالمة وناسفة للحقوق الفلسطينية, ويبقى من المعيب أن يستمر النظام البحريني في استضافة المؤتمر بغياب الطرف الرئيسي والأساسي الأول.

 حتى لو إعتبرنا أن نتائج الإنتخابات الإسرائيلية قد عرقلت بمفردها "الخطة – الصفقة", وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي لن يوافق على إعلان الجانب السياسي لها قبل الإنتخابات الإسرائيلية القادمة وتشكيل الحكومة بتركيبتها النهائية, فسيكون إصرار البحرين على عقد المؤتمر قبل معرفة نتائج الإنتخابات يمثل تآمرا وصفعة ً للدولة الأردنية ولكل من تطاله بنود الصفقة بشكلٍ مباشر, خصوصا ًمع إحتمالية أن تضم الحكومة الإسرائيلية أحزابا ً يمينية متطرفة تدعو لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن وغيرها, ناهيك عن الهدف الرئيسي للمؤتمر معني مباشرة ً بتصفية القضية الفلسطينية.

لا يملك النظام البحريني وقتا ً كبيرا ً للتفكير, وعليه أن يسارع لإلغاء استضافته للورشة القاتلة, والإستفادة من الرفض الفلسطيني, ورفض بعض الدول العربية, ورفض محور المقاومة والشعوب العربية, وكل شرفاء العالم...
وعليه الإستفادة من فشل التحريض الإسرائيلي – الخليجي للإدارة الأمريكية ودفعه لشن الحرب على إيران – الداعم الكبير للقضية الفلسطينية -, فموازين القوى في المنطقة لن تسمح لمحور التاّمر الخليجي بتصفية القضية الفلسطينية, ولن يكون مسموحا ً لأحد بالإنفراد بالفلسطينين وبالقضية الفلسطينية, طالما لا يزال أبناؤها يحملون السلاح, ولا زال هناك محورٌ للمقاومة يمتد من طهران إلى العراق وسورية ولبنان وفلسطين وغير شرفاء, ممن يؤمنون بعدالة وقدسية القضية الفلسطينية, وأنها لن تُوضع يوما ًعلى مشرحة الإستسلام الصهيوني.

المهندس: ميشيل كلاغاصي
2 / 6 / 2019