بالأمس نفذ العدو الإسرائيلي عدواناً جوياً جديداً
استهدف بعض النقاط في منطقة السفيرة في جنوب شرق حلب , تصدت له وسائط الدفاع الجوي
السوري وأسقطت معظم صواريخه – بحسب وكالة سانا السورية- , وتحدثت بعض المصادر
الإعلامية عن استهداف معامل الدفاع ومركز البحوث العلمية.
من حيث الشكل , يأتي هذا العدوان في سياق الإعتداءات
الإسرائيلية المتكررة , والتي دأب قادة العدو لتبريرها تحت عناوين وروايات مزيفة
تجافي الحقائق , لحرف الأنظار عن أهدافها الحقيقية منذ بداية الحرب على سوريا ,
والتي تستمر اليوم في عهد رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديدة , استكمالاً لما بدأه
الأسبق بنيامين نتنياهو.
في حين يحمل المضمون جملة متغيرات , وعدة رسائل جديدة , في
مرحلة جديدة للحرب المستمرة على الدولة السورية , عنوانها الرئيسي التصعيد العسكري
الشامل , ويمكن رصد بيئة التصعيد العسكري ومسبباتها المستجدة على عدة مستويات :
على مستوى الداخل السوري : وعلى رأسها
تلك الإنتصارات السياسية التي حققتها الدولة السورية من خلال يوميات الإستحقاق
الرئاسي ونتائجه , والفوز الكبير للرئيس بشار الأسد , وفوز الدستور والشرعية
الشعبية , والإلتفاف الجماهيري اللافت للشعب السوري حول الرئيس كقائد ورمز وأمل
لإستكمال النصر السوري , وللنهوض مجدداً بالبلاد تحت عنوان "العمل
بالأمل" عنواناً رئيسياً للمرحلة القادمة... ناهيك عن خطاب القسم الإستراتيجي
والتاريخي , الذي أكد على الثوابت السورية , والتي لم تستطع الحرب الكونية على
سوريا نسفها , كما إعتمد على وضع الأساسات المتينة لتقوية الداخل , ليصب في وضع
نقطة النهاية للحرب المفروضة على سوريا , بعد طرد كل الغزاة والإرهابيين.
وعلى المستوى الخارجي : والتي يمكن
تلخيصها بالكثير من التغيرات الدولية تجاه سوريا , وتضاعف عدد الطارقين على أبواب
دمشق من العرب وغيرهم , وسقوط وتعرية الرواية الأمريكية والتركية والإسرائيلية
والإنفصالية والإرهابية , وإنكشاف حقيقة كونهم غزاة ولصوص ومخربين وقتلة , ناهيك
عن النتائج الإيجابية للقاء أستانا الأخير , و"الإنجاز" في ملف تمديد
المعابر الإنسانية – بحسب وصف وزير الخارجية السوري - , بالإضافة إلى مفردات
وأبعاد برقية تهنئة الرئيس الصيني للرئيس الأسد , والتي تُرجمت بعد لحظات من أداء
يمين القسم الدستوري , بزيارة وزير الخارجية الصيني , والإتفاقيات التي تم
توقيعها.
وعلى المستوى الأمريكي : ومع تزايد
الهجمات العسكرية على مواقع وقواعد وقوافل أرتال السرقات الأمريكية للقمح والنفط
السوري , من قبل المقاومة السورية وقوات الحشد الشعبي , على طرفي الحدود ,
وتحديداً في حقل العمر ومعمل الغاز كونيكو , ولجوء الولايات المتحدة للتهديد
والوعيد وبالرد لحماية جنودها ... في الوقت الذي تسعى فيه للتبريد على الجانب
العراقي بالحديث عن الإنسحاب , وسعيها لتجميد الواقع العسكري على الجانب السوري ...
وبإستغلال الوقت لإستعادة الإمساك بكافة الخيوط , نتيجة
فقدانها الثقة بالدور التركي , من خلال محاولة إعادة ترتيب "البيت"
الإرهابي , عبر محاولة لصبغ تنظيم الجبهة وزعيمه الجولاني بثوب سياسي , وتوحيد سلاح
كافة التنظيمات والمجاميع الإرهابية , وتوجيهه تحت قيادتها المباشرة لقتال الجيش
العربي السوري , بعد سلسلة من المعارك البينية وفوضى الإرهاب وولاءاته التركية
وغيرها .
لكن القلق الأمريكي لم يتوقف , نتيجة استمرار العمليات العسكرية
للجيش العربي السوري وحليفه الروسي , في دك معاقل الإرهاب في ريف إدلب وخصوصاً على
محور أريحا جبل الزاوية , لفرض التفاهم الروسي التركي المبرم منذ عام 2019 , وتطهير
محور M4 واستعادة الدولة السورية السيطرة
الكاملة عليه .
بالإضافة إلى الضغوط الأمريكية والجفاء الذي إعتمدته
إدارة بايدن مع تركيا والرئيس التركي , بهدف إستعادة الدور التركي ووضع الحد
للتقارب التركي مع موسكو , ودفعه نحو الإختيار ما بين إنقلابٍ داخليٍ جديد , وما
بين أدوار ومغامرات جديدة في أفغانستان , مقابل مغريات يعتبرها الرئيس إردوغان
إنتصارات كبرى , كبقائه في السلطة , واستمرار إنطلاقه خارج الحدود , وحسم إبتلاعه للشطر
الشمالي للجزيرة القبرصية , والحفاظ على اّماله وأطماعه ومكاسبه في سوريا والتي
تسيرعلى طريق تبخرها على المسار الروسي ميدانياً وسياسياً.
وعلى الصعيد الإسرائيلي : لم تسطع
الحكومة الهشة الجديدة إثبات نفسها , والتي يمكن تسميتها بنصف حكومة لعامين +
عامين , وهي التي وصلت إلى الحكم بعد هزيمة مدوية في معركة سيف القدس ,
وبتداعياتها الداخلية , وانعكاسها على وحدة الصف الفلسطيني والمقاوم , وبمعادلاتها
الجديدة التي صبت نتائجها مباشرةً في مخزون ورصيد محور المقاومة مجتمعاً ... هذه
الحكومة الضعيفة , ساهمت بدورها بالضغط على القيادة التركية , تماهياً مع المواقف
الأمريكية , بذريعة المواقف التركية ( الإعلامية ) الداعمة لحماس وللقضية
الفلسطينية , والتي كان من نتائجها رضوخ تركي ما بعد قمة بايدن – إردوغان في
بروكسل في 14 حزيران الماضي , للرغبات الأمريكية والإسرائيلية , والتي ترجمها
الرئيس التركي برسائل "مصالحة" إسرائيلياً , وبقبول المهمة في أفغانستان
...
فشلت واشنطن بفرض سياسة تجميد واقع الإحتلال في سوريا ,
وفشلت بحماية تواجدها اللا شرعي في سوريا , ومع الإنتصارات السورية السياسية
والعسكرية , أدارت الدفة نحو التصعيد العسكري , لمعاقبة الشعب السوري على خياراته
الوطنية في الإستحقاق الرئاسي وعشية عيد الأضحى المبارك , وبإالإنجازات السياسية
والعسكرية , واستمرت بسلوكها الإستفزازي وبخرق السيادة السورية , وبنهب وإخراج
أرتال وقوافل القمح والنفط السوري المسروق إلى شمال العراق , وأوعزت إلى جبهة
النصرة وما تسمى فصائل وميليشيات “الجبهة الوطنية للتحرير” , للتصعيد العسكري
الإنتقامي المكثف , ضد نقاط تمركز الجيش العربي السوري والقوات الروسية في منطقة “خفض
التصعيد” وخارجها , وعاد تسخين الجبهات واستهداف المدنيين في الحفة , صلنفة ,
السرمانية , ريف القرداحة , وريف اللاذقية الشمالي , مروراً بشطحة , جورين , وناعور في سهل الغاب بريف حماة
, وريفي إدلب الجنوبي والشرقي , وريفي حلب الغربي والشمالي في تل رفت ودير جمال ، وبعض
المناطق السكنية الاّمنة داخل مدينة حلب.
وعليه ... يختلف عدوان الأمس عما من سبقه من إعتداءات
إسرائيلية , وبات واضحاً أنه جاء بطلب أمريكي وليس بتفّهمٍ أمريكي وقرارٍ إسرائيلي
, فالولايات المتحدة احتاجت للعدوان لتوجيه عديد الرسائل , وأولها معاقبة الشعب
السوري وإلتفافه حول قائده ودستوره , واحتاجت لتوجيه رسالة عسكرية مباشرة للقيادة
السورية بقصفها لمعامل الدفاع ومركز البحوث العلمية , تنفيذاً لتهديداتها ووعيدها
بالرد لحماية جنودها , ولوقف عمليات المقاومة السورية واستهداف الوجود الأمريكي
على الأراضي السورية , واحتاجت لبناء الثقة المباشرة مع عناصر جبهة النصرة وكافة
التنظيمات والفصائل الإرهابية , وهي التي تصدر أوامر لتركيا بنقلهم وترحيلهم إلى
ليبيا وأذربيجان وأفغانستان , وسط معلومات عن رفض البعض وإنشقاق بعضهم الاّخر
وهروبهم إلى تركيا , واحتاجت تصعيداً عسكرياً إرهابياً لوقف ضربات وتقدم الجيش
العربي السوري على محاور إدلب ومحيطها , واحتاجت إلى تقديم الدعم للموقف التركي
الذي انصاع لرغباتها بقبول الإنخراط في الحرب والصراع في أفغانستان , كذلك احتاجت
إلى مكافئة تقدمها "إسرائيل" لتأكيد التحالف الإستراتيجي الإسرائيلي –
التركي , الذي كاد يتعكر صفوه مؤخراً , واحتاجت لتأكيد القوة الإسرائيلية , والكماشة
التركية – الإسرائيلية , في ظل حكومةٍ إسرائيلية هشة وضعيفة , لا تستطيع تحمّل
مواجهة جديدة مع محور المقاومة.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
20/7/2021