Sunday, August 22, 2021

أفغانستان .. أهمية الدور الروسي والإيراني لإبعاد خطر "اللعبة الأمريكية الكبرى" - ميشيل كلاغاصي

من السذاجة بمكان التعامل مع الملف الأفغاني على أنه إنسحاب أمريكي وأطلسي , نتيجة حسابات ضيقة وأن الرئيس بايدن أراد إنهاء صفحة "حروب اللا نهاية وعودة الجنود إلى البلاد" , بالتوازي مع نشاطٍ مكثف لحركة طالبان المؤلفة من مجموعة من الإرهابيين سيئي السمعة , جهلة , متخلفين , متشددين – متطرفين ، أرادوا اليوم أن يكونوا جزءاً من "اللعبة الأمريكية الكبرى" التي تتكشف خيوطها في منطقة المحيطين الهندي والهادي.

إن هيمنة طالبان على الوضع في أفغانستان ، لا يتعلق فقط بوجود أو إنسحاب القوات الأمريكية والأطلسية , بل يرتبط بشكل وثيق بكافة دول المنطقة , ويعتبر بمثابة بشرى غير سارة للعديد منهم كالصين وباكستان والهند وطاجكستان , بالإضافة إلى روسيا وإيران , ويرتبط بشكل رئيسي بأمنهم الوطني والإقليمي وبموقعهم العالمي على الخرائط الجيوسياسية والعسكرية والإقتصادية الكبرى.

وتبدو طالبان بحاجة لترتيب جدول أولوياتها , وبحسب ما صدر عن غالبية الدول وبما يتوقعونه منها خصوصاً على الصعيد الخارجي , من قمع لجميع أنواع التجاوزات المسلحة والتي قد تتسبب بسرعة إندلاع الحرب الأهلية – المتوقعة- ، والقيام ببسط السيطرة على المناطق الحدودية  وتطبيق النظام والقانون , وتكثيف الإتصالات مع حرس الحدود للدول المجاورة , لمحاصرة أية فوضى , وأي تحركات ونشاطات إرهابية عبر الحدود , وقمع تجارة المخدرات ...

إذ يمكن للدول المجاورة أن تلعب دوراً في التعاون المثمر والمفيد لجميع الأطراف , لصياغة أهدافٍ مشتركة واضحة تمنع إمكانية إنتقال الصراع  من داخل أفغانستان إلى داخل دول الجوار , على خلفية الصراعات الموجودة أصلاً بين دول المنطقة , خصوصاً ما يتعلق بالممر الإقتصادي بين الصين وباكستان , وكافة فروع مشروع الحزام والطريق , والتعقيد الكبير في العلاقات بين الهند والصين وباكستان وبلوشستان ...إلخ , ومكونات المجتمع الأفغاني , ( البلوش , الهزارة , التركمان , الطاجيك ...إلخ ), بالإضافة إلى البشتون الذين يشكلون العمود الفقري لطالبان.

ويبقى التعويل على قوة وحكمة كلٍ من الصين وروسيا وإيران , لمنع إنزلاق الأمور وخروجها عن السيطرة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بأكملها , حيث وصف الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان بـ"الفرصة لتحقيق الأمن و السلام الدائم في هذا البلد" ، ودعا للتوصل إلى "التوافق" وللقيام "بمصالحة وطنية" ، و"مشاركة كل الأطراف".

لا يمكن المراهنة سلفاً عما سيحدث في أفغانستان ومحيطها وكامل منطقة المحيطين الهندي والهادي , وسط حسابات ومعادلات قد تتغير بالتأثير الأمريكي , وزيادة عدد المنضمين التحالف المناهض للصين , الأمر الذي سيلقي على عاتق روسيا وإيران جهوداً إضافية لتسوية التناقضات بين الجهات الخارجية الرئيسية , وبذل المزيد من الجهود السياسة والدبلوماسية والتجارية – الاقتصادية , بعيداً عن لغة السلاح والعنف والإرهاب والفوضى المحببة للإدارة الأمريكية.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

21/8/2021 

قوات الإحتلال الأمريكي في سوريا.. استراتيجية مقَيدة وسلوكٌ مشين - ميشيل كلاغاصي

هكذا يصمت العالم وهو يتابع بكافة وسائل إعلامه , وبشكل شبه يومي , أخبار إخراج قوات الإحتلال الأمريكي صهاريج النفط وشاحنات القمح السوري المسروقين نحو العراق عبر معبر الوليد اللا شرعي , واستطاعت هذه الأخبار تحويل الأمم المتحدة والمنظمات الأممية , ووزارات الخارجية حول العالم , والمؤسسات الحقوقية والإنسانية وغالبية وسائل الإعلام الغربية ومن يسيرون على إيقاعها , إلى ما يشبه مكاتب للجدولة والأرشفة والتدوين فقط .. أكثر من خمس سنوات والمشهد يتكرر دون توقف , وبدون ضجيج حتى بدون أية ردة فعل أو تصريح أو حتى استنكار , وحدها الدول الوفية والصديقة والحليفة لسوريا كروسيا وإيران واّخرون , يستنكرون ويحاولون ما بوسعهم لنقل الفعل الأمريكي المشين من خانة الأرشفة الباردة إلى دائرة الضوء وتقييم الحدث ...

وحده المتحدث باسم التحالف الدولي العقيد "واين ماروتو" ، رأى في 15 / حزيران الماضي – بحسب RT - ، أن اتهام واشنطن بسرقة النفط في سوريا هو "ادعاء باطل", و"معلومات مضللة ليس لها أي أساس من الصحة".! ... يبدو أن العقيد واين , لا يتابع أخبار قوات الإحتلال الأمريكي و"مهارتها" في سرقة المقدرات السورية , ومدى إلتزامها بأجندة البنتاغون , والأموال التي أقرها ورصدها الكونغرس الأمريكي لدعم خططه في سوريا , أم تراه يحاول نسب صفة "التشبيح" على بعض عناصر قوات الإحتلال الأمريكي كعملٍ فردي ؟.

يبدو نفي "العقيد" مستغرباً , مع تلك الفيديوهات التي تنشرها وكالات الأنباء وكافة وسائل الميديا , ورصدها لأرتال الشاحنات والصهاريج الأمريكية التي تحمل مسروقاتها وتعبر بها خارج الحدود السورية ... ولم يتناه لأسماعه موقف الدولة السورية , وبيانات وزارة خارجيتها الرسمية , وتقاريرها إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة , ولم يسمع بتقارير وكالات الأنباء العالمية ووكالة الأنباء السورية سانا , وهي توثق وتفضح أرتال السرقات التي يقوم بها جيش الدولة "العظمى" على الأراضي السورية.

بات من المؤكد نفاذ كافة أوراق التوت الأمريكية , بعد سقوط الذرائع التي ادعتها إدارات أوباما وترامب وبايدن لتبرير وجودها اللاشرعي في سوريا , ورواياتها حول "حماية الشعب السوري" من حكومته الشرعية وجيشه الوطني , و"حماية ثرواته ونفطه" , كذلك بعدما تحولت روايتها بمحاربة تنظيم داعش , إلى مسرحية هزلية , وبات العالم يدرك أن واشنطن تُمسك كافة خيوط المؤامرة والحرب على سوريا , وأن ما تقوم به أدواتها الإسرائيلية والأوروبية والتركية وبعض الخليجية , وميليشياتها الإنفصالية والإرهابية , وكافة الذين يشكلون بطبيعة أدوارهم الأدوات التنفيذية المحكومة  بتنفيذ الأوامر الأمريكية , ويختبؤون وراء الأفعال المشينة لقوات الإحتلال الأمريكي , والتي بدورها تختبئ وراء ستار سياسات "الدولة الأمريكية العميقة" , وما يخدم مصالح الرئيس الأمريكي وإدارته , بعدما تأكدت حقيقة اللصوصية الأمريكية , التي تمر عبر قواعدها العسكرية والمعابر اللا شرعية , وتحولت إلى ثوابت لا تقبل التشكيك بها , أو نكرانها ونفيها.

ولبعض الوقت , ومع السلوك الأمريكي في سوريا , من دعمٍ للإنفصاليين في شمال وشرق البلاد , وسيطرة القوات الأمريكية بنفسها على حقول النفط ومحاصيل الأقماح والشعير, ودعمها للمشروع العثماني والإرهابي ولتنظيم جبهة النصرة وكافة المجاميع الإرهابية في شمال وغرب البلاد وفي محافظة إدلب السورية ... اعتقد البعض أن واشنطن مهتمة فقط بفرض استراتيجية كبرى تتخطى مصالحها على الأراضي السورية , وتجعلها قادرة على تحقيق أهدافها في العراق , وتمنحها إمكانية الإقتراب من الحدود الإيرانية , ومنع التواصل الجغرافي والحيوي والعسكري , الممتد من طهران إلى بغداد ودمشق وصولاً إلى لبنان وفلسطين المحتلة ..

ولم تكن الأنظار مسلطة على أعمال النهب المباشر, لكن ومع تصدع الرواية والمشروع الأمريكي , نتيجة الإنتصارات العسكرية التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه والمقاومة العراقية , على طرفي الحدود , وبعد نجاح الدولة السورية باستعادة سيطرتها ونفوذها وتحرير ما يقارب الـ 80% من الأراضي التي سيطر عليها الإرهابيون , ومع استعادة الأرض والأمن والإستقرار , تأكد الأمريكيون من استحالة تحقيق أي تقدم أو نجاح في تفكيك الدولة السورية والإطاحة بحكومتها وقيادتها ونظامها السياسي , ومع غياب أي استراتيجية أمريكية لتغيير هذا الواقع , تحول المشهد نحو الرغبة الأمريكية الجامحة لتجميد الخرائط العسكرية على واقعها , وسط هواجس حفاظها على حياة جنودها.

واكتفت بمتابعة أعمال السرقة والنهب وحرق المحاصيل , الأمر الذي أعاد توجيه الأنظار إلى الممارسات والأعمال اللصوصية الأمريكية , وأنها لا تعدو سوى دولة إحتلال ولصوصية , وهي المتواجدة بشكل لا شرعي على الأراضي السورية.

من المهم ما تعلن عنه طهران وموسكو ودمشق مراراً وتكراراً , حول الوجود العسكري الأمريكي في سوريا , وبأنه احتلال ووجود لا شرعي ، وإعلانها الدائم عن عمليات النهب والسرقة الأمريكية لثروات الدولة والشعب السوري , وإبقاء الأنظار متجهة نحو الممارسات اللاقانونية واللاشرعية للـ "الدولة العظمى", إذ  لم تعد واشنطن قادرة على إخفاء نشاطها الإجرامي في سوريا , والذي صنعت له غلافاً مزيفاً تحت مسمى "الحرب الإقتصادية" , والعقوبات على الدولة السورية وعديد الشخصيات والكيانات الإقتصادية السورية .

لن يتوقف السوريون ومحور المقاومة مجتمعاً , عن توثيق لصوصية قوات الإحتلال الأمريكي , ولن يتوقفوا عن سعيهم إلى محاسبتها , وإخراجها من سوريا  والمنطقة والإقليم , وسط غياب العدالة الدولية , وصمت الأمم المتحدة , ومجلس الأمن , وما يطلقون عليه زرواً اسم "المجتمع الدولي".

المهندس: ميشال كلاغاصي

14/8/2021 

المأزق الأمريكي .. مفاوضات فيينا في عهد الرئيس إبراهيم رئيسي - ميشال كلاغاصي

لم يكن على واشنطن سوى إبتلاع غيظها وغضبها بعد فشل محاولاتها للتأثير على العملية الإنتخابية الإيرانية , منذ إعلان فوز المرشح إبراهيم رئيسي في الإستحقاق الرئاسي الديمقراطي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية , وبات عليها مراقبة إتمام المراحل الدستورية لإنتقال السلطة الهادئ والمنظم من إدارة الرئيس حسن روحاني إلى الإدارة الجديدة برئاسة إبراهيم رئيسي , وتأديته اليمين الدستورية , وسط مباركة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي .

ومن خلال تعمقها في دراسة الساسة الإيرانيون , تدرك واشنطن , أهمية وصول الرئيس إبراهيم رئيسي إلى سدة السلطة , وحكومته العتيدة القادمة , ومدى تأثير ذلك على المسار الداخلي المستقبلي لإيران , وعلى السياسة الإقليمية والدولية , وخصوصاً ما يتعلق بالظروف المحيطة بالإتفاق النووي الإيراني – الدولي للعام 2015 .

إذ تعتقد واشنطن , أن الرئيس إبراهيم رئيسي قد يتبع سياسةً أكثر تحفظاً وصرامةً في التعامل مع إدارة جو بايدن مما كانت عليه إدارة روحاني , خصوصاً وأن الإدارة الإيرانية الجديدة تشكك في قدرة إدارة بايدن على توقيع اتفاق لا يتم التراجع عنه في المستقبل , الأمر الذي سيقيد إستراتيجية المناورات التفاوضية الأمريكية .

من ناحية أخرى , تتأثر إدارة الرئيس بايدن , وبعد ستة أشهر من ولايته الأولى , بتراجعها ونزولها عن عرش تحقيق الوعود الإنتخابية , مع غياب ملامح تعافي الإقتصاد الأمريكي , وتفاقم مشاكل جائحة فيروس كورونا , وظهور النوع دلتا وتفشيه من جنوب أمريكا إلى شمالها , بالتزامن مع بدء اختفاء مظاهر القوة التي حاول بايدن كسبها من أخطاء إدارة ترامب وسلوكه الشخصي , وانكشاف حقيقة سيره على خطى وسياسات ترامب في عشرات الملفات وليس عبر نسفها كما إدعى , ناهيك عن تراجع شعبيته بحسب وسائل الإعلام الأمريكية ... ومما لا شك فيه , أن الإيرانيون يراقبون ويُقيّمون , وسينظرون إلى بايدن على أنه مفاوض ضعيف في فيينا, ولا يمتلك الكثير من رأس المال السياسي الذي يؤهله للحصول على موافقة الكونغرس على إتفاق نووي جديد.

من جهةٍ أخرى , راهنت الدبلوماسية الأمريكية وكذلك المفاوض الأمريكي , على عدم قدرة إيران مواجهة صعوباتها الإقتصادية , ولا بد أن تقدم التنازلات مقابل رفع العقوبات , وبالغ الأمريكيون في تقديراتهم وحساباتهم الخاطئة وانطلقوا نحو إملاء الشروط , وتوسيع نطاقها خارج بنود إتفاقية 2015.

فقد أصر فريق بايدن على أن عودة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة تعتمد على المحادثات المستقبلية المحتملة بشأن القضايا الإقليمية , وأنها لا تستطيع الموافقة على رفع حظر الأسلحة كما هو منصوص عليه في خطة العمل الشاملة المشتركة ؛ ولن ترفع العقوبات التي فرضها ترامب , وأنها غير ملزمة بتعويض إيران عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بإقتصادها من خلال الإنسحاب الأمريكي أحادي الجانب , وأنه يتوجب على إيران الموافقة على قيود جديدة على اتفاقياتها النووية تتجاوز بكثير تلك المنصوص عليها سابقاً.

كان لا بد للرئيس إبراهيم رئيسي من الرد , وأتى وقع كلمته بعد أدائه اليمين الدستوري كالصاعقة , بحضوره الكبير , ولهجته الحازمة القوية , وقوة المنطق والحق والعنفوان الإيراني , وأسمعت كلماته من كان في أذنيه صمم , وأعلن التحدي والإصرار على تمسك بلاده بمواقفها وبحقوقها في الطاقة النووية السلمية , وبأن قيم وعقيدة الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني , لا تقودهم نحو صناعة القنبلة النووية , ونسف الرواية الأمريكية – الإسرائيلية الزائفة والمضللة والتي لطالما استخدمتها واشنطن وحلفائها وأدواتها وأبواقها , لتبريرعدائيتها المفرطة تجاه إيران.. كذلك , أعلن المرشد الأعلى أن طهران لن تقبل مطالب واشنطن "العنيدة" في المحادثات النووية ورفض مرة أخرى بشكل قاطع إدراج أي قضايا أخرى في مفاوضات فيينا عند استئنافها.

من المؤكد أن الإيرانيون لا يثقون بالإدارة الأمريكية , ويدركون نوعية الإرتباط الأمريكي - الإسرائيلي الإستراتيجي الخاص , ويدركون حضورهم الخفي والعلني في المشهد الإقليمي والدولي وفي المفاوضات النووية , وأنهم يقبعون داخل الأجندة الأمريكية وفي تصاريح ومواقف وزارة الخارجية الأمريكية من المفاوضات في فيينا , وقد وسبق لهم القيام بعدوان إلكتروني على المنشاّت النووية الإيرانية , وحاولوا رفع منسوب التصعيد العسكري في المنطقة بدءاً من لبنان , وسوريا , ومياه الخليج , وما سمي بحرب السفن , ناهيك عن زيارة وليم بيرنز مدير الـ CIA إلى تل أبيب وجدول لقاءاته بما فيها اللقاء مع رئيس الموساد , لمناقشة الملف الإيراني , في ضوء وصول الرئيس إبراهيم رئيسي إلى السلطة , ولتأكيد رغبة "إسرائيل" في منع إيران من الحصول على السلاح النووي , والحد من تطور البرنامج الصاروخي الإيراني .

لا تبدو إدارة بايدن حرة في مواقفها المعلنة من مختلف الملفات المطروحة , وتبدو مقيدة بعلاقاتها بـ"إسرائيل" وبحلفائها في الخليج , وتبدو بأمس الحاجة لبعض الوقت لبلورة مواقفها ومفاوضاتها مع إيران , وتلجأ لإستغلال فرنسا وبريطانيا – كالعادة – للعب في الوقت الضائع .

وليس مستبعدا ً أن تلجأ واشنطن إلى سياسة التفاوض من أجل التفاوض , فتوسيع دائرة التفاوض سيضع واشنطن أمام حتمية التوصل إلى إتفاق نووي جديد لن يكون مختلفاً عن سابقه , وإلى حتمية تنفيذ إنسحاب قواتها العسكرية بالكامل من العراق , وإنسحاباً موازياً من سوريا , الأمر الذي سيؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة الضغط على حكومة تل أبيب عبر جبهات محور المقاومة , اللبنانية والسورية والفلسطينية في غزة , وسيصيب سياسة بعض العروش الخليجية بالإنهيار في لبنان واليمن ومياه الخليج , وسيؤجج الخلافات داخل المحور الصهيو – أمريكي... وقد يكون مؤتمر بغداد بالمساعي الفرنسية حلاً مؤقتاً يمنع إنفراط عقد محور الشر الأمريكي , وأقله سيمنع سحب صاعق تفجير الإقليم والمنطقة والعالم.

من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية قد وضعت نفسها في موقفٍ لا تحسد عليه , وقد تجد نفسها ما بين الرضوخ والتنازل , بعدما أخطأ فريق بايدن بطرح مطالب مفرطة على إيران الأكثر تماسكاً وقوةً برئاسة إبراهيم رئيسي والمرشح لوزارة الخارجية المخضرم أميرعبد اللهيان , الذي سيكون قادراً على التحرك في ملف التفاوض أكثر فأكثر مع تزايد العمق الإستراتيجي والشراكة الإيرانية مع كلٍ من روسيا والصين , وصعوبة التفكير بالحل العسكري ضدها.

وقد تحاول واشنطن السعي ما بوسعها لتفادي وصول الإتفاق إلى خواتيمه , قبل نضوج مسارح الصراعات القادمة والتي خططت لها عبر إنسحابها من أفغانستان لها للنيل من أعدائها , وتعويض خسائرها إما تفاوضاً أو قتالاً وحروباً بديلة وبالوكالة في ساحات خصومها وأعدائها إنطلاقاً من الساحة الأفغانية وبمساعدة حركة طالبان.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

12/8/2021 

فرنسا.. تاريخ أسود وعداء غير مسبوق للدولة والشعب السوريين - ميشيل كلاغاصي

لم يعد من السهولة بمكان الحديث عن فرنسا الدولة "العظمى". وبات من الضروري إثبات التوصيف واللقب وفصل الدعاية عن الحقيقة والسم عن الدسم، إذ لم يعد بإمكانها التغني بأجبانها وعطورها ومبدعيها، وبادعاءات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وباتت تجد نفسها عاجزة عن محو تاريخها الأسود والفظائع التي ارتكبتها بحق عشرات الدول والشعوب، بدءاً من سوريا، وليس انتهاء بأبعد جزر الكاريبي، مروراً بالقرن والساحل العربي والأفريقي، وصولاً إلى غرب وقلب القارة السمراء، بعد أن أثبتت نفسها كقوة استعمار واحتلال بلا قلب ولا رحمة، وغابت عنها الحكمة وبراعة الدبلوماسية، وقادتها ذهنية حمقاء قاصرة، جعلتها تحصد الفشل تلو الفشل، وحوّلتها إلى دولة تابعة تشبه عبيد "مستعمراتها".. فما عاد صوت "أزنافور" مقنعاً، وجفَّت حنجرة "بياف"، وأصبح حال الدولة الفرنسية "العظمى" كحال داليدا "Une femme à 40 ans" بقولها: "لديَّ القوة والتجربة. واليوم، الشمس أحرقت دموعي"، ونالت حصَّتها من لقب "أوروبا العجوز".

إنَّ تراكم أخطاء فرنسا من خلال ذهنية الأطماع بالقوة، جعلها، ومنذ سبعينيات القرن المنصرم، تنجب الرؤساء ولا تنجب القادة (شيراك، ساركوزي، هولاند، ماكرون حالياً)، والذين تقاسموا فخر إضاعة إرثها وهيبتها، وارتكبوا الكثير من الأخطاء الفادحة، وأثبتوا عدم قدرتهم على فهم المرحلة والمتغيرات الدولية واستيعابها، وتصرفوا على أساس الماضي وأنها لا تزال الدولة العظمى، الأمر الذي تُرجم بخسارات مباشرة للنفوذ والمصالح الفرنسية حول العالم، فقد سعت من خلال اتفاقية "سايكس بيكو" إلى احتلال سوريا التاريخية، طمعاً بثرواتها وموقعها الجغرافي الذي يمنحها فرصة السيطرة على البوابة الشمالية للشرق الأوسط ولجم الذهنية العثمانية التوسعية نحو منطقة الأطماع الفرنسية، وأدخلت نفسها بصراعٍ مستتر حيناً، ومفضوح حيناً آخر مع أحفاد السلطنة، إذ لا تنفك تركيا عن حشد الإخوان المسلمين والمسلمين في فرنسا للانقلاب على الدولة والرئيس ماكرون. في المقابل، تمارس فرنسا هجومها المضاد من خلال استضافة بعض العناصر الكردية في سوريا ودعمها.

لقد كان لموقف فرنسا "الخاطئ" في معارضة التدخّل العسكري للقطب الأميركي الأوحد في العراق، أثره في كشف عدم فهمها للحجم الفرنسي الضئيل أمام المارد الأميركي والقطب الأوحد حينها، الأمر الذي جعل الأخير يعمد إلى معاقبتها وتأديبها وإعلان تنحيتها مع أخواتها من الدول الأوروبية، على لسان كولن باول الذي نعتها بـ"أوروبا العجوز".

لقد اضطر الفرنسيون إلى تخفيف حدة غضب الأميركي، ما دفعهم إلى إدخاله في معادلاتهم الخاصة في الشرق الأوسط، وخصوصاً في لبنان، من خلال اشتراكهم بمؤامرة اغتيال رفيق الحريري واتهام سوريا و"حزب الله". وبذلك، نالت "شرف" تكليفها بمتابعة سياستها المدمرة في سوريا ولبنان، مع فارق خدمتها للمصالح الأميركية عوضاً عن الفرنسية، تكريساً للسياسة الأميركية التي تقبل بالأتباع ولا تقبل بالحلفاء أو الشركاء.

تابع ساركوزي ومن خَلفه المسار الخاطئ للسياسة الخارجية الفرنسية وازدواجية المعايير تجاه ليبيا، وفُضح أمر الرئيس هولاند بين محاربة تنظيم "القاعدة" والتنظيمات الإرهابية الإسلاموية في مالي ودعمها في سوريا.. وأوقع نفسه وبلاده في فخ طرد المتشددين والأصوليين المسلمين وبعض الأئمة من فرنسا، ناهيك بمشكلة "الحجاب"، ووضع بلاده في مرمى تهديد الحركات الإسلامية الجهادية والسلفية التي وجدت في تصدير التكفيريين وإرهابيي "داعش" إلى سوريا حلاً. ورغم ذلك، لم تستطع تفادي الهجمات الإرهابية بعد أحداث "شارلي إيبدو" وهجوم مسرح باتاكلان وسط العاصمة باريس.

كذلك، تاهت فرنسا في البحث عمن يملأ أريافها الفارغة، وعن جيل الشباب والمبدعين، فاستمرت بسياسة سرقة البشر من "مستعمراتها"، واكتظ الشارع الفرنسي بالغرباء، ومنهم الأفارقة، وعشرات العقائد، وبالكاد أصبحت نسبة الفرنسيين الأصليين تعادل 1/8، فاندفعت أحزاب اليمين و"القوميين" للذهاب نحو أقصى اليمين، وغاب اليسار، وتاهت أحزاب الوسط مقابل ملايين الفرنسيين "الجدد"، وأنتجت تلك الفوضى ما بات يعرف بـ"الشعبوية" والشعبويين.

وعبر تاريخها الاستعماري، اكتفت بالقوة والبطش والإرهاب للوصول إلى غاياتها وأطماعها في استعباد الشعوب ونهب ثرواتها ومقدراتها. ولكم في جرائمها وبطشها في تونس والمغرب ومالي وساحل العاج والنيجر والسنغال وتوجو والكاميرون وتشاد والكونغو والغابون وليبيا وسوريا ولبنان نموذج عن سياساتها... ناهيك بمجازرها في الجزائر ومجزرة نهر السين بحق الجزائريين في باريس، من دون أن ننسى مذبحة كالينغو بحق السكان الأصليين في جزر الهند الغربية (الكاريبي) في العام 1626 وقتل الزعيم الثائر "تيغريموند" ... كذلك عمدت حتى بعد رحيلها عن بعض أراضي "مستعمراتها" إلى التدخل في شؤون تلك الدول وزعزعة استقرار أنظمتها السياسية، ودعمت عشرات الانقلابات فيها، ودأبت على تنصيب عملائها ودعم ميليشياتها.

لقد أوقعتها تلك الذهنية في أخطاء استراتيجية لم تكن لتحسب حسابها، إذ استغلت احتلالها لسوريا كي تمسك ببوابة الشرق الأوسط الشمالية لإحكام سيطرتها واستفادتها من موقع سوريا الجغرافي للسيطرة على العالم القديم برمته، ودفعت بمشروع تقسيم سوريا إلى 4 دويلات، وكان لها "الفضل" في انقسام الشارع العربي ما بين دعم المشروع العربي انطلاقاً من سوريا ومشروع لبنان الكبير إضعافاً لها، وسعت بقوة لإصدار القرار 1559 لإخراج سوريا من لبنان، والتفرغ للقضاء على المقاومة ونزع سلاحها، ولاحقاً الانضمام إلى التحالف الدولي الستيني الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة، لاحتلال سوريا وتدميرها وتقسيمها، بعدما ساقت سموم أكذوبة "الربيع العربي" عبر هنري ليفي.

وعمدت إلى إقامة قواعد عسكرية في الأراضي السورية في شرق البلاد، ودعمت الانفصاليين المحليين والغرباء، ودعمت وموّلت وسلّحت كل أشكال وصنوف الجماعات الإرهابية، ولم يُخف وزير خارجيّتها السابق ج. م. إيرولت إعجابه بما تقوم به "الخوذ البيضاء – تنظيم جبهة النصرة" في سوريا، وعاثت أجهزة استخباراتها فساداً في الجنوب السوري عبر عملائها وبعض الخونة، وشاركت بتطبيق الحصار الأميركي الجائر على سوريا.

كذلك، قبعت خارجيتها منذ العام 2011 في مجلس الأمن الدولي، وقدَّمت عشرات مشاريع القرارات ضد الدولة والشعب السوريين، ووصل بها الحال إلى تقديم مشروع قرار إلغاء الفيتو، لحرمان سوريا من دعم المنصفين والحلفاء، وحملت على كتفها ملف السلاح الكيماوي المزيّف والمزور، وتجرأت على رسم الخطوط الحمراء لدمشق.

وفي الشرق السوري، لجأت إلى استخدام كرد سوريا للضغط على دمشق، عبر دعم وتسويق المشروع الانفصالي عن الدولة السورية، ولم تتوقف عن استقبال بعض الوفود والشخصيات؛ ففي أيار/مايو الماضي، زار مدينة القامشلي خلسةً وفد من مؤسّسة "دانييل ميتران وقاعة مدينة باريس"، كذلك تلقت "رئيسة بلدية الرقة" دعوة رسمية من نظيرتها "آن هيدالغو" لزيارة باريس.

كما استقبل الرئيس ماكرون في 19 تموز/يوليو وفداً كردياً سورياً في باريس. أراد الوفد لقاءه للحصول على الدعم الفرنسي لاعتراف المجتمع الدولي بالإدارة الذاتية، واستخدام وسائل العالم الافتراضي للتصويت على الانفصال، ما يوضح ضحالة ووقاحة العقل الفرنسي في استحداث ورقة تكون ضاغطة على دمشق في أية مفاوضات قادمة، الأمر الذي يؤكد السعي الفرنسي لمنع وحدة أراضي الدولة السورية، رغم التبجّح الفرنسي بدعم القرار الأممي 2254.

وقد تلقى هذا الاجتماع رداً سورياً طال فرنسا بشكل غير مباشر، وحذّرت فيه الخارجية السورية "قسد" من جولاتها الترويجية لمشاريعها الانفصالية "التي يرفضها الشعب السوري بكل أطيافه". ومؤخراً، وفي موقف عدائي إضافي، دانت الخارجية الفرنسية، في بيان، التحرك العسكري السوري نحو الجنوب لتطهير درعا وما حولها من الإرهابيين والانفصاليين، واستخدمت فيه مفرداتٍ وقحة ومجافية للحقيقة، وصريحة لجهة العداء الفرنسي الرهيب للدولة والشعب السوري، وسط تأكيد الناطقة باسم وزارة الخارجية الفرنسية أن كل المناطق السورية "لن تستعيد الاستقرار في ظل غياب عملية سياسية" لطالما شاركت فرنسا بمنعها.

واستدعى البيان الفرنسي رداً قوياً من الخارجية السورية، أكدت من خلاله "الرفض السوري التام" للادعاءات الفرنسية المبنية "على الكذب والنفاق ودعم الإرهاب"، واستمرار النظام الفرنسي "بتقديم الدعم المادي والإعلامي للإرهابيين والانفصاليين في سوريا، خلافاً لجميع قرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى الحفاظ على وحدة الشعب السوري وترابه الوطني واستقلاله وسيادته".

ختاماً، لا بد من أن يكون واضحاً أن القضية الأساسية بالنسبة إلى دمشق هي رفض الوجود الأجنبي اللاشرعي على كامل الأراضي السورية، وأن الدعم الغربي والفرنسي، وخصوصاً للإرهابيين والانفصاليين، في المناطق الأكثر حيوية للدولة والشعب السوري، يعتبر احتلالاً سافراً وتدخلاً في الشؤون الداخلية السورية، ويتعارض مع القانون الدولي والإنساني وميثاق الأمم المتحدة، ويساهم بمنع سوريا من محاربة الإرهاب، ويشكل خطراً على وحدة أراضيها وسيادتها، ويساهم بإطالة أمد الحرب عليها، وبتفاقم آثار العقوبات الغربية الظالمة الأحادية الجانب الفرنسية والغربية، ويطال شعبها بشكل رئيسي ومباشر في حياتهم وقوتهم وفي مواجهة جائحة كورونا، لكن سوريا ماضية، وبكل إصرار وثقة، نحو "تحرير كل شبر"، وعينها على مواجهة السيد الأميركي، وليس على مواجهة أتباع واشنطن في قصر الإليزيه، الذين ما زالوا يعيشون أوهام "الدولة الفرنسية العظمى"، بعدما أظهروا للسوريين عدائية بما يكفي لإزالة مساحيق التجميل عن الوجه الفرنسي القبيح منذ قرن وحتى اليوم.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

7/8/2021 

من أفغانستان إلى قلب اّسيا الوسطى .. الحزام والطريق هدفٌ أمريكي -- ميشيل كلاغاصي

على الرغم من خطورة وحجم التطورات الميدانية جراء انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان , وسرعة اجتياح حركة طالبان وسيطرتها على غالبية الأراضي وعواصم الأقاليم الأفغانية , بما فيها العاصمة الرئيسية كابل , والسيطرة على القصر الرئاسي من دون عنف وإراقة الدماء , بعد فرار الرئيس أشرف غني "لتفادي إراقة الدماء" بحسب قوله , والحرص الذي أظهرته طالبان لإخراج مشهد تسليم السلطة السلمي والهادئ , تماهياً مع مواقف عديد الدول والعواصم من مغبة وعواقب سيطرة طالبان بالقوة والعنف , وبغض النظر عما سيحدث تباعاً , إلاّ أنه يبقى من الثابت أن واشنطن قررت الإنسحاب ونفذته قبل نهاية شهر اّب – كما سبق لها إعلان ذلك-, وبسرعة منعت من خلالها دول الطوق الأفغاني وغالبية دول الكبرى وتلك المتأثرة حكماً بمصالحها أو بأمنها عبر حدودها , من فرصة الإستعداد أو التدخل لإحتواء الوضع داخل أفغانستان والمحافظة على مصالحها , ولم تترك لها سوى المطالبة بعقد جلسة طارئة في مجلس الأمن لإعلان القلق والمخاوف وسط ارتباك الجميع وغياب الحلول الفورية , والإسراع بإخراج دبلوماسييها ومن تهتم بهم على غرار مشاهد إجلاء السفير الفرنسي وسط الفوضى والخوف والإذلال ... من الواضح أن واشنطن أرادت تثبيت صورة المشهد الداخلي والخارجي , دون مشاركة أوتدخل الأطراف الداخلية والخارجية على حدٍ سواء , لتبيث حكم طالبان ومنحها حصة الأسد قبل أي مفاوضاتٍ داخلية لتشكيل السلطة .

وبهذا يعود المشهد إلى المربع الأول والسؤال , لماذا قررت واشنطن الإنسحاب اليوم , وماهي حقيقة أهدافها ؟

للإجابة على هذا السؤال , لا بد من رصد عشرات الأهداف المحتملة للإنسحاب الأمريكي وبالشكل الذي رأيناه , والفوضى العارمة والمخاوف من الصراعات السياسية والعسكرية والإنفصالية والعرقية والإثنية والإقتصادية , التي ستصيب قلب اّسيا الوسطى أولاً مع احتمالية أن تتدحرج دوائر تداعياتها لتطال الدول الكبرى في المنطقة والعالم , بما يمنح الولايات المتحدة فرصة النيل من أعدائها وتعويض خسائرها إما تفاوضاً أو قتالاً وحروباً بديلة وبالوكالة في ساحات خصومها وأعدائها إنطلاقاً من الساحة الأفغانية وبمساعدة حركة طالبان... وعلى رأس أولئك الأعداء تبدو الصين هدفاً مركزياً ورئيسياً ويتصدر لائحة الأهداف الأمريكية في منطقة بحر الصين الجنوبي , دون أن ننسى استهداف إيران وروسيا , وبعض الدول الأوروبية , خصوصاً تلك التي بدأت التفكير الجدي بالإتجاه نحو الصين.

لم تخف الولايات المتحدة استيائها ومخاوفها من المشروع الصيني "مبادرة الحزام والطريق" , وأثره وأهميته في العالم على القارات الثلاثة: الآسيوية، والأفريقية، والأوروبية، وكذلك على منطقة الشرق الأوسط... والذي يشكل حجر الزاوية للإستراتيجية الصينية الجديدة الهادفة إلى استعادة دورها العالمي عموماً وفي القارة الآسيوية على وجه التحديد , وأثره في تحديد الملامح الجديدة لتوازنات القوى في النظام الدولي الجديد.

 ولم تخف أصلاً , قلقها وتراجعها واحتمالية انزياحها عن مقعد القيادة العالمية لصالح "المارد الصيني" , ويكفي أن نعرف أن الأموال التي رصدتها بكين لهذا المشروع بكامل فروعه تفوق الـ 1.4 تريليون دولار , وبما يوازي 12 ضعف خطة مارشال، التي تبنتها الولايات المتحدة لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية , إضافة للقوة العسكرية المتزايدة للصين، فقد تعهد الرئيس "شي جين بينغ" بتحديث الجيش كي يصبح قادراً على القتال والإنتصار, وسبق لـ "وول ستريت جورنال" أن وصفته بالرئيس الأقوى في تاريخ الصين الحديث منذ عهد "ماو تسي تونغ" وبأنه "الإمبراطور الجديد للصين".

ومنذ بداية العقد الماضي, لم تخف الإدارات الأمريكية المتعاقبة بما فيها الإدارة الحالية , مشاعرها ونهجها العدائي تجاه الصين , وتصنيفها بـ "العدو" , وسبق للوزير الأمريكي الأسبق مايك بومبيو إعلان أن: "حقبة التعامل مع الحزب الشيوعي الصيني قد انتهت" , كذلك اتهمها وزير الخارجية الحالي أنتوني بلينكن، بالتصرف "بشكل أكثر عدوانية في الخارج وأكثر قمعاً في الداخل" , في حين أكد جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس جو بايدن، بأنه يجب مواجهة الصين وجعلها "تدفع عواقب سلوكها العدواني، وما تفعله في شينجيانغ"، من "إبادة جماعية" بحق مسلمي الإيغور، و "ما تفعله في "هونغ كونغ" و"تايوان" , وأشاد سوليفان بمبادرة إدارة ترامب السابقة , لإعادة إطلاق التحالف الاستراتيجي الرباعي (الولايات المتحدة , أستراليا , الهند , اليابان ) لمواجهة النفوذ الصيني في المنطقة... أتبعه الوزير بلينكن بقوله: ترامب " كان على حق في اتخاذ نهج أكثر صرامة تجاه الصين التي ترتكب إبادة جماعية ضد الإيغور المسلمين في الصين" , في دليلٍ قاطع على سير إدارة بايدن على نهج إدارة ترامب , رغم إدعاءاتها بنسفه.

وفي الوقت الذي تبتعد فيه واشنطن عن الشراكة الاقتصادية الإقليمية والدولية ، ولا تبدو إدارة بايدن جادة حيال الحوار الصيني – الأمريكي المباشر, ويخشى أنها تبحث عن المواجهة بطرقها الملتوية عن العبث في الداخل الصيني , والدفع باستراتيجية دعم الثورات الملونة وإشعال الفتن بين العرقيات والإثنيات والقوميات التي يعج بها المجتمع الصيني وما حوله ..

ولا يمكن النظر إلى إنسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان إلا من خلال هذا السياق , وأنها لن توفر أي جهد سياسي أو عنف تمارسه التنظيمات والجماعات المسلحة الذين دعمتهم علناً لسنوات , لإفشال شراكة الصين مع عديد الدول المجاورة , ولتخريب مبادرة الحزام والطريق بكامل فروعها... على الرغم من محاولة الخداع التي قام بها الرئيس بايدن بكشفه النقاب عن مبادرته "إعادة بناء عالم أفضل" في اجتماع مجموعة السبع في شباط/فبراير 2021 , كرد أمريكي على مبادرة الحزام والطريق , وكمحاولة لزعزعة الإستقرار , ولتأكيد التشدد على الدول والمناطق التي تتعاون مع بكين , وتكون جزءاً من المبادرة.

ومن الواضح أن استراتيجية العبث بمكونات المنطقة الاّسيوية , سيطال بدايةً الداخل الصيني , عبر دعم الإنفصاليين الإيغور في منطقة شينجيانغ غرب الصين لتقسيمها تحت مسمى تركستان – الصين - الشرقية , والدعم الأمريكي لإستقلال مقاطعة "بلوشستان" جنوب غرب باكستان , الذي سيُعَقّد أو يُنهي المصالح الصينية في المنطقة , إذ يعتبر ميناء جوادر في بلوشستان نقطة تفتيش مهمة على طول مبادرة الحزام والطريق في الصين , وهي بمثابة وجهة نهائية للممر الإقتصادي بين الصين وباكستان وتسمح للصين بشحن الطاقة والبضائع من الصين إلى بحر العرب ، متجاوزة جنوب شرق آسيا للشحن من وإلى الشرق الأوسط وإفريقيا وما وراءهما , وتعول الولايات المتحدة على الدعم الذي تقدمه منذ 2012 لشعب بلوشستان وتدعم حقه في تقرير مصيره ما بين باكستان وإيران وأفغانستان ... ولن يتوقف الأمريكيون عن محاولات السيطرة على قلب آسيا الوسطى.

من الواضح أن "الانسحاب" الأمريكي من أفغانستان , لا يعدو سوى بداية مخطط خبيث , يسمح لها بتنفيذ عملياتها السرية داخل وخارج أفغانستان , عبر المتعاقدين الأمريكيين والوكيل التركي والمرتزقة والعملاء والخونة من شعوب اّسيا الوسطى وإرهابيي العالم , بهدف الإقتراب أكثر فأكثر من وأد أو حصار المصالح الصينية وشركائها الإستراتيجيين كإيران وروسيا وباكستان وطاجيكستان , في منطقتها , ومنعها من الإنتقال عبر الحزام والطريق إلى منافسة الولايات المتحدة والتأثير على مصالحها حول العالم.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

16/8/2021 

العدوان الإسرائيلي على منطقة السفيرة أمر عملياتٍ أمريكي - ميشيل كلاغاصي

بالأمس نفذ العدو الإسرائيلي عدواناً جوياً جديداً استهدف بعض النقاط في منطقة السفيرة في جنوب شرق حلب , تصدت له وسائط الدفاع الجوي السوري وأسقطت معظم صواريخه – بحسب وكالة سانا السورية- , وتحدثت بعض المصادر الإعلامية عن استهداف معامل الدفاع ومركز البحوث العلمية.

من حيث الشكل , يأتي هذا العدوان في سياق الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة , والتي دأب قادة العدو لتبريرها تحت عناوين وروايات مزيفة تجافي الحقائق , لحرف الأنظار عن أهدافها الحقيقية منذ بداية الحرب على سوريا , والتي تستمر اليوم في عهد رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديدة , استكمالاً لما بدأه الأسبق بنيامين نتنياهو.

في حين يحمل المضمون جملة متغيرات , وعدة رسائل جديدة , في مرحلة جديدة للحرب المستمرة على الدولة السورية , عنوانها الرئيسي التصعيد العسكري الشامل , ويمكن رصد بيئة التصعيد العسكري ومسبباتها المستجدة على عدة مستويات :

على مستوى الداخل السوري : وعلى رأسها تلك الإنتصارات السياسية التي حققتها الدولة السورية من خلال يوميات الإستحقاق الرئاسي ونتائجه , والفوز الكبير للرئيس بشار الأسد , وفوز الدستور والشرعية الشعبية , والإلتفاف الجماهيري اللافت للشعب السوري حول الرئيس كقائد ورمز وأمل لإستكمال النصر السوري , وللنهوض مجدداً بالبلاد تحت عنوان "العمل بالأمل" عنواناً رئيسياً للمرحلة القادمة... ناهيك عن خطاب القسم الإستراتيجي والتاريخي , الذي أكد على الثوابت السورية , والتي لم تستطع الحرب الكونية على سوريا نسفها , كما إعتمد على وضع الأساسات المتينة لتقوية الداخل , ليصب في وضع نقطة النهاية للحرب المفروضة على سوريا , بعد طرد كل الغزاة والإرهابيين.

وعلى المستوى الخارجي : والتي يمكن تلخيصها بالكثير من التغيرات الدولية تجاه سوريا , وتضاعف عدد الطارقين على أبواب دمشق من العرب وغيرهم , وسقوط وتعرية الرواية الأمريكية والتركية والإسرائيلية والإنفصالية والإرهابية , وإنكشاف حقيقة كونهم غزاة ولصوص ومخربين وقتلة , ناهيك عن النتائج الإيجابية للقاء أستانا الأخير , و"الإنجاز" في ملف تمديد المعابر الإنسانية – بحسب وصف وزير الخارجية السوري - , بالإضافة إلى مفردات وأبعاد برقية تهنئة الرئيس الصيني للرئيس الأسد , والتي تُرجمت بعد لحظات من أداء يمين القسم الدستوري , بزيارة وزير الخارجية الصيني , والإتفاقيات التي تم توقيعها.

وعلى المستوى الأمريكي : ومع تزايد الهجمات العسكرية على مواقع وقواعد وقوافل أرتال السرقات الأمريكية للقمح والنفط السوري , من قبل المقاومة السورية وقوات الحشد الشعبي , على طرفي الحدود , وتحديداً في حقل العمر ومعمل الغاز كونيكو , ولجوء الولايات المتحدة للتهديد والوعيد وبالرد لحماية جنودها ... في الوقت الذي تسعى فيه للتبريد على الجانب العراقي بالحديث عن الإنسحاب , وسعيها لتجميد الواقع العسكري على الجانب السوري ...

وبإستغلال الوقت لإستعادة الإمساك بكافة الخيوط , نتيجة فقدانها الثقة بالدور التركي , من خلال محاولة إعادة ترتيب "البيت" الإرهابي , عبر محاولة لصبغ تنظيم الجبهة وزعيمه الجولاني بثوب سياسي , وتوحيد سلاح كافة التنظيمات والمجاميع الإرهابية , وتوجيهه تحت قيادتها المباشرة لقتال الجيش العربي السوري , بعد سلسلة من المعارك البينية وفوضى الإرهاب وولاءاته التركية وغيرها .

لكن القلق الأمريكي لم يتوقف , نتيجة استمرار العمليات العسكرية للجيش العربي السوري وحليفه الروسي , في دك معاقل الإرهاب في ريف إدلب وخصوصاً على محور أريحا جبل الزاوية , لفرض التفاهم الروسي التركي المبرم منذ عام 2019 , وتطهير محور M4 واستعادة الدولة السورية السيطرة الكاملة عليه .

بالإضافة إلى الضغوط الأمريكية والجفاء الذي إعتمدته إدارة بايدن مع تركيا والرئيس التركي , بهدف إستعادة الدور التركي ووضع الحد للتقارب التركي مع موسكو , ودفعه نحو الإختيار ما بين إنقلابٍ داخليٍ جديد , وما بين أدوار ومغامرات جديدة في أفغانستان , مقابل مغريات يعتبرها الرئيس إردوغان إنتصارات كبرى , كبقائه في السلطة , واستمرار إنطلاقه خارج الحدود , وحسم إبتلاعه للشطر الشمالي للجزيرة القبرصية , والحفاظ على اّماله وأطماعه ومكاسبه في سوريا والتي تسيرعلى طريق تبخرها على المسار الروسي ميدانياً وسياسياً.

وعلى الصعيد الإسرائيلي : لم تسطع الحكومة الهشة الجديدة إثبات نفسها , والتي يمكن تسميتها بنصف حكومة لعامين + عامين , وهي التي وصلت إلى الحكم بعد هزيمة مدوية في معركة سيف القدس , وبتداعياتها الداخلية , وانعكاسها على وحدة الصف الفلسطيني والمقاوم , وبمعادلاتها الجديدة التي صبت نتائجها مباشرةً في مخزون ورصيد محور المقاومة مجتمعاً ... هذه الحكومة الضعيفة , ساهمت بدورها بالضغط على القيادة التركية , تماهياً مع المواقف الأمريكية , بذريعة المواقف التركية ( الإعلامية ) الداعمة لحماس وللقضية الفلسطينية , والتي كان من نتائجها رضوخ تركي ما بعد قمة بايدن – إردوغان في بروكسل في 14 حزيران الماضي , للرغبات الأمريكية والإسرائيلية , والتي ترجمها الرئيس التركي برسائل "مصالحة" إسرائيلياً , وبقبول المهمة في أفغانستان ...

فشلت واشنطن بفرض سياسة تجميد واقع الإحتلال في سوريا , وفشلت بحماية تواجدها اللا شرعي في سوريا , ومع الإنتصارات السورية السياسية والعسكرية , أدارت الدفة نحو التصعيد العسكري , لمعاقبة الشعب السوري على خياراته الوطنية في الإستحقاق الرئاسي وعشية عيد الأضحى المبارك , وبإالإنجازات السياسية والعسكرية , واستمرت بسلوكها الإستفزازي وبخرق السيادة السورية , وبنهب وإخراج أرتال وقوافل القمح والنفط السوري المسروق إلى شمال العراق , وأوعزت إلى جبهة النصرة وما تسمى فصائل وميليشيات “الجبهة الوطنية للتحرير” , للتصعيد العسكري الإنتقامي المكثف , ضد نقاط تمركز الجيش العربي السوري والقوات الروسية في منطقة “خفض التصعيد” وخارجها , وعاد تسخين الجبهات واستهداف المدنيين في الحفة , صلنفة , السرمانية , ريف القرداحة , وريف اللاذقية الشمالي , مروراً  بشطحة , جورين , وناعور في سهل الغاب بريف حماة , وريفي إدلب الجنوبي والشرقي , وريفي حلب الغربي والشمالي في تل رفت ودير جمال ، وبعض المناطق السكنية الاّمنة داخل مدينة حلب.

وعليه ... يختلف عدوان الأمس عما من سبقه من إعتداءات إسرائيلية , وبات واضحاً أنه جاء بطلب أمريكي وليس بتفّهمٍ أمريكي وقرارٍ إسرائيلي , فالولايات المتحدة احتاجت للعدوان لتوجيه عديد الرسائل , وأولها معاقبة الشعب السوري وإلتفافه حول قائده ودستوره , واحتاجت لتوجيه رسالة عسكرية مباشرة للقيادة السورية بقصفها لمعامل الدفاع ومركز البحوث العلمية , تنفيذاً لتهديداتها ووعيدها بالرد لحماية جنودها , ولوقف عمليات المقاومة السورية واستهداف الوجود الأمريكي على الأراضي السورية , واحتاجت لبناء الثقة المباشرة مع عناصر جبهة النصرة وكافة التنظيمات والفصائل الإرهابية , وهي التي تصدر أوامر لتركيا بنقلهم وترحيلهم إلى ليبيا وأذربيجان وأفغانستان , وسط معلومات عن رفض البعض وإنشقاق بعضهم الاّخر وهروبهم إلى تركيا , واحتاجت تصعيداً عسكرياً إرهابياً لوقف ضربات وتقدم الجيش العربي السوري على محاور إدلب ومحيطها , واحتاجت إلى تقديم الدعم للموقف التركي الذي انصاع لرغباتها بقبول الإنخراط في الحرب والصراع في أفغانستان , كذلك احتاجت إلى مكافئة تقدمها "إسرائيل" لتأكيد التحالف الإستراتيجي الإسرائيلي – التركي , الذي كاد يتعكر صفوه مؤخراً , واحتاجت لتأكيد القوة الإسرائيلية , والكماشة التركية – الإسرائيلية , في ظل حكومةٍ إسرائيلية هشة وضعيفة , لا تستطيع تحمّل مواجهة جديدة مع محور المقاومة.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

20/7/2021