Sunday, August 22, 2021

المأزق الأمريكي .. مفاوضات فيينا في عهد الرئيس إبراهيم رئيسي - ميشال كلاغاصي

لم يكن على واشنطن سوى إبتلاع غيظها وغضبها بعد فشل محاولاتها للتأثير على العملية الإنتخابية الإيرانية , منذ إعلان فوز المرشح إبراهيم رئيسي في الإستحقاق الرئاسي الديمقراطي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية , وبات عليها مراقبة إتمام المراحل الدستورية لإنتقال السلطة الهادئ والمنظم من إدارة الرئيس حسن روحاني إلى الإدارة الجديدة برئاسة إبراهيم رئيسي , وتأديته اليمين الدستورية , وسط مباركة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي .

ومن خلال تعمقها في دراسة الساسة الإيرانيون , تدرك واشنطن , أهمية وصول الرئيس إبراهيم رئيسي إلى سدة السلطة , وحكومته العتيدة القادمة , ومدى تأثير ذلك على المسار الداخلي المستقبلي لإيران , وعلى السياسة الإقليمية والدولية , وخصوصاً ما يتعلق بالظروف المحيطة بالإتفاق النووي الإيراني – الدولي للعام 2015 .

إذ تعتقد واشنطن , أن الرئيس إبراهيم رئيسي قد يتبع سياسةً أكثر تحفظاً وصرامةً في التعامل مع إدارة جو بايدن مما كانت عليه إدارة روحاني , خصوصاً وأن الإدارة الإيرانية الجديدة تشكك في قدرة إدارة بايدن على توقيع اتفاق لا يتم التراجع عنه في المستقبل , الأمر الذي سيقيد إستراتيجية المناورات التفاوضية الأمريكية .

من ناحية أخرى , تتأثر إدارة الرئيس بايدن , وبعد ستة أشهر من ولايته الأولى , بتراجعها ونزولها عن عرش تحقيق الوعود الإنتخابية , مع غياب ملامح تعافي الإقتصاد الأمريكي , وتفاقم مشاكل جائحة فيروس كورونا , وظهور النوع دلتا وتفشيه من جنوب أمريكا إلى شمالها , بالتزامن مع بدء اختفاء مظاهر القوة التي حاول بايدن كسبها من أخطاء إدارة ترامب وسلوكه الشخصي , وانكشاف حقيقة سيره على خطى وسياسات ترامب في عشرات الملفات وليس عبر نسفها كما إدعى , ناهيك عن تراجع شعبيته بحسب وسائل الإعلام الأمريكية ... ومما لا شك فيه , أن الإيرانيون يراقبون ويُقيّمون , وسينظرون إلى بايدن على أنه مفاوض ضعيف في فيينا, ولا يمتلك الكثير من رأس المال السياسي الذي يؤهله للحصول على موافقة الكونغرس على إتفاق نووي جديد.

من جهةٍ أخرى , راهنت الدبلوماسية الأمريكية وكذلك المفاوض الأمريكي , على عدم قدرة إيران مواجهة صعوباتها الإقتصادية , ولا بد أن تقدم التنازلات مقابل رفع العقوبات , وبالغ الأمريكيون في تقديراتهم وحساباتهم الخاطئة وانطلقوا نحو إملاء الشروط , وتوسيع نطاقها خارج بنود إتفاقية 2015.

فقد أصر فريق بايدن على أن عودة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة تعتمد على المحادثات المستقبلية المحتملة بشأن القضايا الإقليمية , وأنها لا تستطيع الموافقة على رفع حظر الأسلحة كما هو منصوص عليه في خطة العمل الشاملة المشتركة ؛ ولن ترفع العقوبات التي فرضها ترامب , وأنها غير ملزمة بتعويض إيران عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بإقتصادها من خلال الإنسحاب الأمريكي أحادي الجانب , وأنه يتوجب على إيران الموافقة على قيود جديدة على اتفاقياتها النووية تتجاوز بكثير تلك المنصوص عليها سابقاً.

كان لا بد للرئيس إبراهيم رئيسي من الرد , وأتى وقع كلمته بعد أدائه اليمين الدستوري كالصاعقة , بحضوره الكبير , ولهجته الحازمة القوية , وقوة المنطق والحق والعنفوان الإيراني , وأسمعت كلماته من كان في أذنيه صمم , وأعلن التحدي والإصرار على تمسك بلاده بمواقفها وبحقوقها في الطاقة النووية السلمية , وبأن قيم وعقيدة الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني , لا تقودهم نحو صناعة القنبلة النووية , ونسف الرواية الأمريكية – الإسرائيلية الزائفة والمضللة والتي لطالما استخدمتها واشنطن وحلفائها وأدواتها وأبواقها , لتبريرعدائيتها المفرطة تجاه إيران.. كذلك , أعلن المرشد الأعلى أن طهران لن تقبل مطالب واشنطن "العنيدة" في المحادثات النووية ورفض مرة أخرى بشكل قاطع إدراج أي قضايا أخرى في مفاوضات فيينا عند استئنافها.

من المؤكد أن الإيرانيون لا يثقون بالإدارة الأمريكية , ويدركون نوعية الإرتباط الأمريكي - الإسرائيلي الإستراتيجي الخاص , ويدركون حضورهم الخفي والعلني في المشهد الإقليمي والدولي وفي المفاوضات النووية , وأنهم يقبعون داخل الأجندة الأمريكية وفي تصاريح ومواقف وزارة الخارجية الأمريكية من المفاوضات في فيينا , وقد وسبق لهم القيام بعدوان إلكتروني على المنشاّت النووية الإيرانية , وحاولوا رفع منسوب التصعيد العسكري في المنطقة بدءاً من لبنان , وسوريا , ومياه الخليج , وما سمي بحرب السفن , ناهيك عن زيارة وليم بيرنز مدير الـ CIA إلى تل أبيب وجدول لقاءاته بما فيها اللقاء مع رئيس الموساد , لمناقشة الملف الإيراني , في ضوء وصول الرئيس إبراهيم رئيسي إلى السلطة , ولتأكيد رغبة "إسرائيل" في منع إيران من الحصول على السلاح النووي , والحد من تطور البرنامج الصاروخي الإيراني .

لا تبدو إدارة بايدن حرة في مواقفها المعلنة من مختلف الملفات المطروحة , وتبدو مقيدة بعلاقاتها بـ"إسرائيل" وبحلفائها في الخليج , وتبدو بأمس الحاجة لبعض الوقت لبلورة مواقفها ومفاوضاتها مع إيران , وتلجأ لإستغلال فرنسا وبريطانيا – كالعادة – للعب في الوقت الضائع .

وليس مستبعدا ً أن تلجأ واشنطن إلى سياسة التفاوض من أجل التفاوض , فتوسيع دائرة التفاوض سيضع واشنطن أمام حتمية التوصل إلى إتفاق نووي جديد لن يكون مختلفاً عن سابقه , وإلى حتمية تنفيذ إنسحاب قواتها العسكرية بالكامل من العراق , وإنسحاباً موازياً من سوريا , الأمر الذي سيؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة الضغط على حكومة تل أبيب عبر جبهات محور المقاومة , اللبنانية والسورية والفلسطينية في غزة , وسيصيب سياسة بعض العروش الخليجية بالإنهيار في لبنان واليمن ومياه الخليج , وسيؤجج الخلافات داخل المحور الصهيو – أمريكي... وقد يكون مؤتمر بغداد بالمساعي الفرنسية حلاً مؤقتاً يمنع إنفراط عقد محور الشر الأمريكي , وأقله سيمنع سحب صاعق تفجير الإقليم والمنطقة والعالم.

من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية قد وضعت نفسها في موقفٍ لا تحسد عليه , وقد تجد نفسها ما بين الرضوخ والتنازل , بعدما أخطأ فريق بايدن بطرح مطالب مفرطة على إيران الأكثر تماسكاً وقوةً برئاسة إبراهيم رئيسي والمرشح لوزارة الخارجية المخضرم أميرعبد اللهيان , الذي سيكون قادراً على التحرك في ملف التفاوض أكثر فأكثر مع تزايد العمق الإستراتيجي والشراكة الإيرانية مع كلٍ من روسيا والصين , وصعوبة التفكير بالحل العسكري ضدها.

وقد تحاول واشنطن السعي ما بوسعها لتفادي وصول الإتفاق إلى خواتيمه , قبل نضوج مسارح الصراعات القادمة والتي خططت لها عبر إنسحابها من أفغانستان لها للنيل من أعدائها , وتعويض خسائرها إما تفاوضاً أو قتالاً وحروباً بديلة وبالوكالة في ساحات خصومها وأعدائها إنطلاقاً من الساحة الأفغانية وبمساعدة حركة طالبان.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

12/8/2021 

No comments:

Post a Comment