Saturday, September 26, 2020

الوحدة الكردية .. جيفري لن يصنع "المعجزة" - م. ميشيل كلاغاصي

 


لم يطرأ تبدل كبيرعلى الخرائط الميدانية في سوريا منذ أشهر، وتوقفت إحتمالات إحراز أي تقدم عسكري للقوات الأمريكية وأدواتها الإرهابية سواء كانت إنفصالية أم داعشية ، وبقي الإحتمال الوحيد والأكيد هو تحرك وحدات الجيش العربي السوري وفق أجندته الخاصة  نحو استكمال تحرير ما تبقى من أراضٍ تقع تحت السيطرة القوات والعصابات الأمريكية والتركية والكردية ، وبات بحسب الرؤية الروسية والوزير لافروف بأن: "المواجهة العسكرية بين الحكومة السورية والمعارضة انتهت وهناك نقطتين ساخنتين فقط وهما إدلب وشرق الفرات" .

وباتت واشنطن تعول على هيبتها والتهديد بسياساتها العدوانية - الإجرامية ، وأخرجت للعلن مخططها الوقح حول إغتيال الرئيس بشار الأسد ، في محاولة منها لمنع أية تحركات كبرى للجيش العربي السوري وتحديدا ً بإتجاه مناطق شمال وشرق الفرات ، وباتت تتوجس صلابة الرئيس الأسد وكلامه عن المقاومة الشعبية السورية ، التي تتصاعد تحركاتها وتظاهراتها يوما ً بعد يوم ضد وجودها اللاشرعي وضد ميليشياتها الإنفصالية – المجرمة.

وعليه ، أصبح تمسكها بالحصار والضغوط الإقتصادية أولوية على حساب فعاليتها العسكرية ، بالتوازي مع الوجود العسكري الروسي من مناطق وجودها وعلى محاور تحركاتها ، مع ارتفاع احتمالات الصدام العسكري المباشر بين الجنود الروس والأمريكيين ، كما حدث في 24 اّب المنصرم ، وباتت واشنطن تبحث عن بدائل سياسية تساعدها على استمرار وجودها على الأرض السورية وضمان استمرار الدور الكردي ، دون أن تتخلى عن أهدافها في تقسيم سورية .

أرادت خداع الروس والسوريين عبر إعلانها توحيد الصف الكردي - بعدما كانت ترفض هذه الفكرة الروسية بالأساس - ليكون طرفا ًسياسيا ًوأساسيا ًفي مسار الحل السياسي ومن خلال المعارضة الكردية الواحدة ، وعبر مشاركتها في اللجنة الدستورية ، وبالفعل قامت بجمع كافة الأحزاب والأطراف الكردية وبمساعدة فرنسية ، وأعلنت عن نجاح عملية التوحيد , لكنها بالغت بتفاؤلها وبإعلانها هذا ، فالخلافات الجذرية واختلاف الولاءات للأحزاب الكردية أكبر من أن تنتهي في لقاء أو بممارسة الضغوط ، أو بتسميتهم "شركائنا على الأرض" .. لا زال أمامها الكثير لتتعلمه عن تاريخهم وصعوبة دمجهم وصهرهم في بوتقة واحدة ومشروع سياسي واحد ، و الوثوق بموافقتهم العلنية.

وفي الوقت ذاته ، وعلى الرغم من تكرار "الطعنات" الأمريكية في الظهر التي تحدث عنها الأكراد أنفسهم ، لا يزالون يسيرون في ركبها ، وهم يرون إنهيار إكذوبة تمثيل "قسد" ومسد" لكافة مكونات الشعب السوري ، واقتصار دورها على تنفيذ الأوامر الأمريكية بالسيطرة على حقول واّبار النفط  السورية وسرقتها وحرق المحاصيل حرمان الشعب السوري من ثروات وخيرات بلاده وسلته الغذائية ، وبالتكريد وممارسات القمع والعنف والقتل ، وبهدفها المعلن بالحفاظ على إدارة التوحش - "الإدارة الذاتية" ، على الرغم من تصاعد مشاعر الكراهية تجاههم وخروج الأهالي في مناطق سيطرتهم للتظاهر ضدهم ومطالبتهم بالخروج من مناطقهم , وتأكيد إنتمائهم للدولة السورية ورغبتهم بدخول الجيش العربي السوري لحمايتهم ، بالتوازي مع تضاعف عمليات المقاومة ضد هذه الميليشيات ، وانكشاف حقيقة عمالتها وإجرامها ومشاريعها الإنفصالية .

ففي20 أيلول ، زار المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا جيمس جيفري شمال شرق سوريا وعقد إجتماعا ً ضم وفودا ً من "المجلس الوطني الكردي" و"حزب الاتحاد الديمقراطي"  وبعض الأحزاب الكردية المؤيدة لفكرة توحيد الصفوف.

وعلى ما يبدو ، أتت زيارة جيفري بعد موافقة حزب الاتحاد الديمقراطي على اقتراح ٍ أمريكي بتقاسم متساو ٍ للسلطة في هيئة سياسية كردية مشتركة تُعد لشمال شرق سوريا... إن أي إعلان لإنجاز الوحدة الكردية سيكون متسرعا ً، في ظل ضغوط العمليات العسكرية التركية ، والإعلان الأمريكي عن الإنسحاب الجزئي للولايات المتحدة من المناطق الحدودية في شمال سوريا ، بالإضافة إلى التوافق الروسي – الإيراني حول الإستمرار بدعم الدولة السورية والحفاظ على وحدة واستقلال الأراضي السورية ، والتي أقرها القرار الأممي 2254...

إن مغادرة جيمس جيفري الأراضي السورية واتجاهه نحو أربيل ، يؤكد أن مرجعية القرار الكردي ليست في  سورية ، وأن المشروع هو الأمريكي يسعى لإكمال ما بدأه على أرض العراق ويسعى لتمديده داخل الأراضي السورية ، كجزء من المشروع الصهيوني في سوريا الساعي إلى تقسيمها ، واستغلال أكرادها كبيادق على رقعة الشطرنج الصهيونية.

بات من السخرية بمكان أن يتفاقم الصراع السياسي الكردي – الكردي على السلطة في شمال شرق سوريا ، وسط تعدد وتضارب الولاءات والرؤى بين الأحزاب والهيئات ، في وقت ٍ تتالى فيه تصريحات المدعو مظلوم عبدي حول التمسك بـ"الإدارة الذاتية" ، وتصريحات بعض المسؤولين العسكريين حول مقايضة الدولة السورية بالنفط والثروات مقابل الإعتراف بهذه الإدارة ...

بات من المؤكد أن العمى السياسي قد استفحل في عقولهم وأصبحوا عاجزين عن قراءة معادلات الرفض السوري الرسمي والشعبي ، لأي محاولات لتقسيم أو فدرلة سورية ، متناسين الخيارين الذين طرحهما الرئيس بشار الأسد ( الحوار أو القوة ) ، وأن سوريا ستعاقب "كل من تسول نفسه التاّمر على وحدة الأراضي السورية" ، كما أصبحوا عاجزين عن متابعة التطورات والمستجدات الدولية والإقليمية ، وأن الإدارة الأمريكية تبحث عن عقد الصفقات على غرار صفقات التطبيع الخليجي مع العدو الإسرائيلي ، ولا يمكن استبعاد عودتها إلى طاولة المفاوضات الدولية مع حلفائها وأدواتها وخصومها وألد أعدائها ، قبل أن تصفعها هزائمها وينهار إقتصادها على وقع عدم استقرارها الداخلي ، وإنتخاباتها الرئاسية المبشرة بحرب أهلية أمريكية – أمريكية ... حينئذ ٍ لن يجد الكرد من يدعم كفرهم الوطني ومن يهتم بأوهامهم ، وعلى العكس تماما ًسيجدون من سيحاسبهم ، وسيحتاجون من يسامحهم ويعفو عنهم.

المهندس : ميشيل كلاغاصي

26/9/2020

Friday, September 18, 2020

"قسد" في أرجوحة الشيطان - ميشيل كلاغاصي

 

"قسد" في أرجوحة الشيطان



بات من الواضح أن حقيقة التكليف الأمريكي لما تسمى بقوات سوريا الديمقراطية يتخطى حدود مناطق سيطرتها، وحدود الدولة السورية ، والمربع الحيوي للدول الأربعة ( إيران , العراق , تركيا ، سورية )، ويتعداها ليكون جزءا ًرئيسيا ً لحدود الصراع الجيو- سياسي في سورية والإقليم .. ومع استراتيجية الفوضى الأمريكية العارمة وربط الصراعات المحلية بالإقليمية والدولية .. اختارت الولايات المتحدة سياسة الأرجحة ما بين الفعل ونقيضه، فإنسحبت من بعض الإتفاقات والمعاهدات الدولية والثنائية، وعرضت شروطها الجديدة للتفاوض مع ذات الجهات، بعد تطبيق الضغوط والحصار والترهيب والقوة العسكرية عليها، كذلك كإعلانها إنسحاب قواتها من سورية وتعزيز أدوات بقائها فيها , حتى في كلام ترامب "أنا أكره الكرد"، " أنا أحب الكرد فهم شجعان"، وحديثه عن "حماية اّبار وحقول النفط في سورية" من تنظيم "داعش" إلى تسليمها للأكراد، ولاحقا ً إعلانه "استحواذ قواته وسيطرتها على النفط السوري" و"استعداده للقتال" من أجلها ...

يبدو أن واشنطن قد وجدت في أرجحتها تعويضا ً لهزائمها العسكرية والسياسية في سورية، وأقله أوقفت مدّ خصومها وأعدائها وتقدم الدولة السورية نحو كسب المعركة وإنهائها .. فعممت سياسة الأرجحة على كافة أدواتها من تنظيمات إرهابية وميليشيات إنفصالية – إرهابية، وعلى الدول التابعة المنخرطة في مشروعها كتركيا والأنظمة الخليجية.

ماذا عن أرجحة "قسد" ... منذ أن سلّمت "قسد" نفسها للأمريكيين وهي تنفذ ما يطلب منها، وذهبت بعيدا ًبتبنيها المشروع الأمريكي وباتت تغطي أجندته التقسيمية بجسدها وبأحلامها وأوهامها، واندفعت تحت التعميم والقيادة الأمريكية للأرجحة على ثلاثة "حبال" ومحاور، بما يكفل إخفاء نواياها ويبرر سلوكها وتصرفاتها:

المحور الأول ... وهو محور إعلامي لفظي يروج لنفي الغايات والممارسات الإنفصالية, والإدعاء بالحفاظ على وحدة الأراضي السورية, ومحاربة الإرهاب, وإعتماد الحل السياسي الداخلي ولغة الحوار مع الدولة السورية.

المحور الثاني ... وهو محور إنفصالي تقسيمي بإمتياز، قامت من خلاله بسلسلة من الإجراءات والمواقف، أولها رفض عودة سيطرة الدولة ومؤسساتها في شمال وشرق البلاد حتى بعد كسر شوكة تنظيم "داعش" الإرهابي، ولجأت إلى التمرد المطلق، ونسفت النظام السياسي والإداري في مناطقها، وأعلنت تأسيس "الإدارة الذاتية"، وأنشأت مجلسي "قسد و مسد" ، ولم تتوان عن تهميش غالبية شخصيات ومكونات التركيبة الديموغرافية والسياسية للمنطقة، واعتمدت السلب والنهب وحرق المحاصيل الزراعية والسطو على الثروات النفطية وتحكمت بمصادر مياه الشرب ، وحرمت الشعب السوري من سلته الغذائية والنفطية، وكانت جزءا ً رئيسيا ًمن قانون قيصر لحصار الشعب السوري، وساقت بالعنف أولاد تلك المناطق نحو السجون والمعتقلات أو نحو الإنضمام لصفوف ميليشياتها، واعتمدت سياسة التكريد وإحتلال المدارس، وسعت لإقصاء الحضور الرسمي للدولة ومؤسساتها المختلفة بالقوة المسلحة واستولت على عديد المباني الرسمية وحولتها إلى مقار حزبية أو إلى مستودعات ذخيرة أونقاط تمركز لميليشياتها...أما مجلسها السياسي فجاب العالم بحثا ًعن حصد تأييدٍ دولي لمشروع تقسيم سورية عبر سلسلة من الأكاذيب والأوهام التاريخية من خلال إدعائها حقوقا ًتبرر تصرفاتها.

المحور الثالث ... تمثل بالهرولة نحو دمشق عند كل إعلان أمريكي للإنسحاب من سورية، وإظهرت - بعد رفض ٍ-  اهتمامها بالإنخراط في صفوف المعارضة وبالمشاركة الفعالة في اللجنة الدستورية بشروط .

لم تخرج "قسد" عن الطاعة الأمريكية منذ نشؤها الأول على اليد الأمريكية – الصهيونية، واستعملت حبالها الثلاث في تحركاتها السياسية والعسكرية، ولم تتخل عن حقيقة نواياها وأهدافها رغم ما دعته مرارا ً بـ "الطعنة الأمريكية في الظهر"، ولا زالت تكرر مواقفها، ووقعت مؤخرا ًعلى مذكرة التفاهم المشتركة مع حزب الإرادة الشعبية المعارض.

حيث ورد في بيان المذكرة كلاما ًإعلاميا ًحول وحدة سورية أرضا ًوشعبا ً، ما لبث أن تم نسفه بالمطالبة بالتعدد الهوياتي لمكونات الشعب على حساب الهوية السورية الواحدة، وعلى أسس قومية وعرقية صريحة للأقليات والمكونات ، وأيُّ حقٍ لتقرير مصير ملايين الشعب السوري ذاك الذي يكون على قياس الأقليات !.

كما أتى فيه تأكيد الطرفين دعمهما وسعيهما لتنفيذ القرار 2254 كاملا ً بما في ذلك تنفيذ بيان جنيف البائد وبضم كافة منصات المعارضة بما يعني تسليم السلطة لمعارضات كانت ولا تزال تشكل جزءا ً من الحرب على سورية، وبما يشير أيضا ً إلى ضم "قسد" وإشاركها بالعملية السياسية واللجنة الدستورية، تنفيذا ًمنها لأجندة واشنطن في تعطيل عمل هذه اللجنة وتفخيخها من داخلها.

كما نسف البيان النظام الإداري والسياسي المركزي للدولة السورية، عبر المطالبة بنظام لامركزي، وبالمحافظة على ما تسمى "الإدارة الذاتية" بما يعني شرعنة التمرد الكردي وغيره, والإعتداء على السيادة الوطنية للدولة والشعب السوري، والإعتراف بنواة التقسيم والفدرلة... ولم يفت البيان أن قدم دعمه لبروباغاندا المظلومية والحقوق القومية والعرقية للأكراد والأقليات في أكبر عملية تزييف للواقع الحياة السياسية والإجتماعية في سورية.

ويبقى من أهم ما جاء في البيان الحديث عن منع الجيش من ممارسة دوره السياسي، بما يعني عزل الجيش ومنع رئيس الجمهورية من قيادته، والمطالبة بخروج كافة القوات الأجنبية في تجاهل تام للإتفاقيات العسكرية التي وقعتها الدولة السورية مع حلفائها، ومساواة القوات الشرعية بـ اللاشرعية، بالإضافة إلى ضم "قسد" إلى صفوف الجيش السوري بشروط ووفق إتفاقٍ ثنائي، بما يعني تغييرا ًجذريا ًفي عقيدة الجيش السوري ومبادئه، وقبوله إنضمام العصابات والميليشيات المأجورة في صفوفه، وجعل شمال شرق سورية مرتعا ً للإستخبارات الأمريكية والموساد الإسرائيلي.

لن تحظى المذكرة بقبول الدولة والشعب السوري، بل على العكس تماما ً، وستبقى مذكرة عارٍ وإدانة على جبين موقعيها، ودليلا ً قاطعا ًعلى حقيقتهم وولائهم الخارجي لأعداء سورية أرضا ً وشعبا ً، وستكون عاملا ً إضافيا ً للغضب الشعبي بما سيضاعف أعداد السوريين المقاومين المتطوعين للدفاع عن وحدة وسيادة وكرامة وعنفوان وطنهم إلى جانب الجيش العربي السوري، وعليهم يعلق السوريون اّمالهم بالإنتصار، وليس على من باعوا أنفسهم وتأرجحوا في أرجوحة الشيطان.

إن ركوب "قسد" أرجوحة الشيطان الأمريكي, رفع منسوب هواجس القيادة الروسية، التي تبدو حتى اللحظة عاجزة عن احتوائها واستمالتها لقبول الحل السياسي ولتنقية نفسها من "الشوائب" الإرهابية الغريبة التي سخرت نفسها لخدمة المشروع الصهيوني في سورية والمنطقة... وباتت موسكو تتوجس الصدام المباشر بين "قسد" والقبائل العربية أو المقاومة الشعبية والجيش العربي السوري.

كما باتت موسكو تعاني أرقا ًإضافيا ًحيال الأرجحة التركية، ومستقبل الوجود العسكري التركي اللاشرعي في سورية ، واستمرارها بقيادة للمجاميع والتنظيمات الإرهابية، وعدم إلتزامها بالإتفاق مع موسكو بسحب الأسلحة الثقيلة من محافظة إدلب وخروج الإرهابيين الأجانب، وفتح طريق  M4... وباتت موسكو تؤمن أكثر فأكثر مدى الإرتباط والتعقيد ما بين ملفات شرقي الفرات وغربه ، حيث يشكل التواجد التركي والأمريكي والروسي عاملا ً مشتركا ًفي بقعة ٍجغرافية ضيقة ، ما يرفع إحتمالية أن تتسبب شرارة صغيرة بإندلاع حريق كبير، خصوصا ً بين القوات الأمريكية والروسية على غرار ما حدث في 24 اّب الماضي.   

ومع إهتمام إدارة ترامب بالإنتخابات الرئاسية، تسعى إلى تجميد الأوضاع في سورية، خشية تعرضها لهزيمة مفاجئة سياسية أو عسكرية تصيب النفوذ الأمريكي وتصب في صالح النفوذ الروسي والإيراني، وتطيح بطموحات الرئيس ترامب الرئاسية القادمة وسط غياب إنجازاته، وعليه يزداد تمسكه بأدواته الكردية والتركية والإرهابية، وبإطالة أمد الحرب ومنع دمشق من تحقيق نصرٍ عسكري، وبالإستمرار بسياسة حصار الإقتصاد السوري والعقوبات، وبالحفاظ على حياة  الجنود الأمريكيين المتواجدين بصورة لا شرعية في سورية .

المهندس: ميشيل كلاغاصي

18/9/2020


Wednesday, August 26, 2020

ألمانيا ما بين الحليف التركي والوساطة مع قبرص واليونان - م.ميشيل كلاغاصي

ألمانيا ما بين الحليف التركي والوساطة مع قبرص واليونان

ميشيل كلاغاصي



لطالما كانت النزعة القومية الألمانية قوية وواضحة ولا تخلو من التطرف والتعصب والعنصرية ، حالها كحال معظم الدول الأوروبية ، وبغض النظر عن المصالح المشتركة والعلاقات السياسية والأحلاف العسكرية والتاريخ الطويل الذي يربط تركيا وألمانيا ، تبقى نظرة الأمة الألمانية تجاه العنصر البشري التركي سيئة للغاية ولا تخلو من الكراهية.

وعلى الرغم من ذلك فقد استمر التحالف الألماني التركي حتى بعد الحرب العالمية الأولى مع الجمهورية التركية عام 1923 التي حلت محل الإمبراطورية العثمانية ، ووقع الطرفان "معاهدة الصداقة" عام 1941 ، وكان من نتائجها  هجرة ملايين الأتراك إلى ألمانيا الغربية لملء الفراغ وتعويض نقص اليد العاملة ، الأمر الذي منحهم قدرة التأثيرعلى السياسة الألمانية والرأي العام.

إن عنصرية الألمان ومشاعر الكراهية قديمة وتعود بجذورها إلى أرنودي جوبينو 1816-1882 الدبلوماسي و مؤلف كتاب "بحث في عدم التساوي بين الأجناس البشرية " ، وكان أهم تلاميذه هيوستن شامبرلين الذي عاش في ألمانيا وكتب بالألمانية وُاعتبر فكره ومعلمه الأرضية الأساسية التي قامت عليها "النظرية العنصرية للفكر النازي" ، التي كانت وراء مشاعر الكراهية ودفع الأتراك نحو الأعمال التي يأنفون منها مثل عمال المناجم وشق الطرقات والأعمال الخطرة ، ويطبقون شعارهم الشهير "اخرجوا أيها الأتراك", ناهيك عن الشتائم والألفاظ التي كانوا ينعتونهم بها عبر وسائل إعلامهم .

إن تعداد السكان الكبير في كلا البلدين ، يدفعهما بإتجاه البحث الدائم عن تأمين الطاقة ، خصوصا ً مع شح مواردهما الوطنية ، وإعتمادهما على المصادر الخارجية لتلبية احتياجاتهما منها ، وقد شكل هذا عاملا ً مشتركا ًوسببا ًرئيسيا ًلتحالفهما القوي منذ مئات السنين.

وفي القرن التاسع عشر ومع النهضة الصناعية الأوروبية ، لم يكن بإستطاعة الألمان منافسة البريطانيين والفرنسيين بفضل إمتلاكهم عديد المستعمرات والتي تعتبر كخزانات لموادهم الأولية ، الأمر الذي شجع الألمان على الإقتراب أكثر فأكثر من الإمبراطورية العثمانية الممتدة على مساحة كادت تشمل العالم القديم كله ، وقدرتها على تأمين المواد الأولية الرخيصة من البلقان إلى الشرق الأوسط وأفريقيا ، بعيدا ًعن النفوذ الروسي والبريطاني والفرنسي ، لكنهم سارعوا لقطع الطريق الألمانية عبر مساعدة اليونان ولاحقا ً بلغاريا بالإستقلال عن الإمبراطورية العثمانية ، لتكون بمثابة حواجز تعيق الأهداف الألمانية والتركية المشتركة.

وحتى يومنا هذا لم تتغير نظرة الأوروبيين تجاه تركيا ، على الرغم من تغير خارطة المصالح والعلاقات التركية مع غالبية دول الإتحاد الأوروبي وتحديدا ًمع ألمانيا ، التي تواصل دعمها العلني والسري وتأييدها للمواقف التركية ، حتى في مسألة العدوان التركي على اليونان وقبرص – العضوين في الإتحاد الأوروبي - ، ولا تزال في مسيرة بحثها عن الطاقة تحلم بنجاح مشروعها بأن تصبح المركز الرئيسي لخط الأنابيب الذي يربط أكبر إحتياطيات الغاز في العالم من شمال روسيا إلى المستهلكين في أوروبا ، على الرغم من معارضة واشنطن وتهديدها بفرض العقوبات على ألمانيا.

يبدو أن ذهنية القوة والإستعمار العسكري لا تزال تحكم السياسات الخارجية للدولة الألمانية وأخواتها ، عبر ما يسمى الإستعمار الإقتصادي ، الذي يحقق نفس الغايات ولكن عبر الضغط والحصار الإقتصادي والتحكم بدفة توجيه الصراعات.

لا يمكن تجاهل سياسة المعايير المزدوجة التي باتت سمة تميز سياسات الدول الأوروبية ، والإتحاد الأوروبي ، حتى داخل أوروبا ، ويمكن ملاحظة سرعة تحرك الإتحاد الأوروبي في إدانة إعادة إنتخاب ألكسندر لوكاشينكو وبإعداد حزمة عقوبات ضد بيلاروسيا ، في الوقت الذي تستمر فيه محاباة تركيا رغم سياساتها وممارساتها العدائية ضد قبرص والإنتهاك المستمر لمجال البحري ، والتصعيد العسكري والحرب المحتملة ضد اليونان .

وفي هذا السياق ، أتى الفيتو الألماني مؤخرا ًليقف حائلا ًأمام إدانة العدوان التركي على كل من اليونان وقبرص ، ويُظهر مصلحتها بتأجيج الصراع بما يكفل إنهاء مشروع خط أنابيب "إست ميد" بين "إسرائيل" وقبرص واليونان المدعوم أمريكيا ً، للحفاظ على حلم المشروع الألماني  كمركزٍ وحيدٍ للطاقة في أوروبا.

 بالنسبة للأتراك ، ومن خلال معاناتهم نقص الطاقة ، فإن استفزازاتهم ضد اليونان وقبرص تصب في خانة التهديد بالنزاع العسكري ، أو بإجبار اليونانيين والقبارصة على التنازل عن بعض حقوقهم في الجرف القاري في بحر إيجة وشرق البحر الأبيض المتوسط... وفي هذا السياق يأتي استرضاء ألمانيا لتركيا مفيدا ًللطرفين حيال أهدافهما بتأمين مصالحهما في مجال الطاقة ، ويأتي الحديث التركي عن إكتشاف كميات كبيرة من الغاز ليبعد الشبهة والدوافع عن الأطماع التركية التي تخوض الصراع وربما الحرب لأجلها .

ويبقى من اللافت عدم تدخل واشنطن على خط التهدئة ونزع فتيل الحرب , يبدو أن فكرة النزاع بحد ذاتها تضعف خصومها وتلبي مصالحها ، في وقتٍ عرضت موسكو وساطتها بين أثينا وأنقرة إذا قبل الطرفان , وبقي العرض من دون جواب أو قوبل برفض غير معلن ؟، الأمر الذي دفع ألمانيا للخروج عن صمتها ودخولها على خط الوساطة عبر إرسال  وزير خارجيتها إلى تركيا التي تعول على الموقف الألماني الداعم لها خصوصا ًمع ترأسها للإتحاد الأوروبي ... وعليه أعلنت تركيا تأجيل مناواراتها العسكرية لإفساح المجال أمام الوسيط الألماني ، مع احتفاظ وزير خارجيتها بمواقف بلاده "لن نتنازل عن حقنا في التنقيب" ، "على اليونان وقف مناوراتها واستفزازاتها " ، وأكد استعداد تركيا للجلوس على طاولة الحوار "دون شروط مسبقة ".. فيما أتى الرد اليوناني عبر وزارة دفاعها وبالإعلان عن تدريبات عسكرية مشتركة بين اليونان وقبرص وإيطاليا وفرنسا في شرق المتوسط ، والتي ستجرى بين 26 و28 آب الجاري , وعن إتفاق هذه الدول على نشر وجود مشترك في شرق المتوسط في إطار مبادرة التعاون الرباعية.

كان من الواضح تأييد الوزير الألماني للموقف التركي بدعوته كلا الطرفين بوقف الأعمال "الإستفزازية " حيث ساوى بين المعتدي والمعتدى عليه ، ويبقى كلامه بوقوف ألمانيا والإتحاد الأوروبي إلى جانب اليونان استعراضيا ًبعيدا ًعن الذكاء والدبلوماسية الرفيعة ، ولا يغير من حقيقة إهتمام ألمانيا بمصالحها الخاصة على حساب مصالح الإتحاد الأوروبي مجتمعا ً ، وهذا بالطبع هو حال الإتحاد الأوروبي بشكل عام ، الذي يغيب فيه التضامن الحقيقي وتسوده المصالح الفردية وإزدواجية المعايير.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

26/8/2020 

Saturday, August 22, 2020

النفوذ التركي في أفريقيا يثير القلق الجيوسياسي الدولي – م.ميشيل كلاغاصي

 


النفوذ التركي في أفريقيا يثير القلق الجيوسياسي الدولي

المهندس: ميشيل كلاغاصي

22/8/2020

منذ وصول رجب طيب أردوغان إلى السلطة في تركيا عام 2002، تغيرت نظرة الدولة التركية نحو القارة الإفريقية، وازداد إهتمامها بالتواجد في ساحاتها السمراء المزدحمة بالدول الأوروبية، وبالتواجد الأمريكي والإسرائيلي، وأقحمت نفسها في كل الأزمات والمشاكل الدولية إنطلاقا ًمن حدودها وبإتجاهات مختلفة سواء كانت برية أو بحرية، ووصلت عبر خط سيرها البحري المتوسطي إلى ليبيا وإلى عديد الدول الأفريقية الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، في تركيزٍ واضح لوصولها إلى وسط وقلب القارة الأفريقية.

سلوكٌ غريب لدولةٍ تعاني من مشاكل سياسية وإقتصادية ومالية داخلية، ومشاكل عنيفة تضرب عمق بيت الحزب الحاكم "العدالة والتنمية"، ناهيك عن المشاكل والأزمات الخارجية وتوتر العلاقات التركية مع عددٍ لا يستهان به من الدول في المنطقة والعالم، ويأتي التدخل التركي السافر في الشؤون الداخلية لغالبية الدول المحيطة والقريبة والبعيدة عن حدودها، إما بالتدخل العسكري المباشر أو بدعم التنظيمات الإرهابية، أو حتى ببيع الكلام المعادي للصهيونية ودعم القضية الفلسطينية، ورفع لواء الإسلام, تحت عباءة العثمنة وإستعادة "أمجاد" الأجداد ... أيُّ أدوار مغامراتٍ خطيرة تقوم بها الدولة التركية القوية – الضعيفة، التي لم تصمد عملتها وإقتصادها لساعات أمام تغريدة واحدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب..!

لا يمكن لعاقل تصور أنها تفعل ما تفعل من تلقائها، وبالإعتماد على قدراتها وأنها تسير وفق أجنداتها ورؤاها، ولا يمكن القبول بفكرة نجاح سياستها الخارجية أو ترسانتها العسكرية أو أطلسيتها، في ليّ أذرع بعض الدول، ووقوفها في وجه البعض الاّخر، وسلوكها الأرعن وعنجهية أردوغانها...ويبقى السؤال عن جحم تكليفها الأمريكي والصهيوني، ومدى تأثير أرجحتها بين كافة الأطراف الدولية الكبرى والفاعلة.

إن تركيز السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية على إفريقيا بدا واضحا ًمع تزايد تمثيلها السياسي والدبلوماسي وتضاعفه ثلاث مرات عمّا كان عليه عام 2009, وباتت تملك أكثر من أربعين قنصلية وسفارة, ولا زالت شهيتها مفتوحة للمزيد, ولازال ساستها يرددون بأن تركيا "شريكٌ استراتيجي للإتحاد الأفريقي", وكانوا ينوون عقد قمة تركية - أفريقية في اسطنبول بمشاركة أكثر من ستين دولة أفريقية, لكن إنتشار جائحة الكورونا دفعت بإتجاه تأجيلها.

إن زيادة عدد البعثات الدبلوماسية والزيارات الرسمية للمسؤولين الأتراك وللرئيس أردوغان تخطى الثلاثون دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية، بما يؤكد سعيها إلى مدّ وتوسيع نفوذها السياسي في القارة الأفريقية، بالتوازي مع سعيها للحصول على دعم الدول الأفريقية في الأمم المتحدة، وسط مطالباتٍ متكررة للرئيس بأن تكون الدول الأفريقية ضمن "مجموعة العشرين السياسية " - التي ينادي بها أردوغان - ، في ظل عدم وجودها بين الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن.  

ولا يغيب البعد الإقتصادي عن جوهر الإهتمام التركي بالقارة السمراء، إذ تتجه التطلعات التركية نحو زيادة نفوذها الإقتصادي وحجم التبادل التجاري مع الدول الأفريقية، نظرا ً لإنخفاض متوسط الرواتب والأجور، بما يرفع منسوب جاذبية الشركات التركية لنقل مصانعها إلى هناك خاصة ً تلك السلع التي لا يتطلب إنتاجها مهارة ًعالية .. وقد تم رصد إرتفاعا ً لمنسوب التبادل التجاري ( مجموع التبادل الثنائي مع عدة دول أفريقية ) ليتجاوز الـ /30/ مليار دولار، وتجاوزت الصادرات التركية عتبة الـ /17/ مليار دولار، والتي تشمل سلع الصناعات المعدنية والسيارات والمعدات الميكانيكية والكهربائية والطبية وقطع الغيار والمنتجات الكيماوية والغذائية، النسيج والملابس والتبغ والورق ، مقابل حصولها على المنتجات الزراعية والغذائية والمنسوجات والجلود والمعادن والمواد الخام من القارة السمراء.

كما دخلت الدولة التركية على خط الإستثمار في اقتصاديات الدول الأفريقية، ونفذت وكالة التعاون والتنسيق التركية ما يقارب /2000/ مشروع ونشاط  في /150/ دولة أفريقية خلال العام الماضي، وافتتحت جمعية للصناعيين ولرجال الأعمال في السودان، بالإضافة إلى ربط شركة الخطوط الجوية التركية ووصولها إلى أكثر من خمسين مدينة في الدول الأفريقية.

ويبقى من المهم الإشارة إلى إهتمام حزب العدالة والتنمية ببناء نفوذٍ ديني وبنشر إيديولوجيته القومية الإسلامية "العثمانية الجديدة"، إذ لا يغيب عن أذهانهم أنه من أسباب أفول وهزيمة الإمبراطورية العثمانية ضعف نفوذها في أفريقيا.

وفي المجال العسكري .. لم تخف تركيا إهتمامها بتعزيز وجودها في أفريقيا، حيث أنشأت أولى قواعدها العسكرية في الصومال، وارسلت بعضا ًمن جنودها وعمدت إلى تدريب أكثر من عشرة اّلاف جندي صومالي، ودخلت على خط المزاحمة والتواجد العسكري للولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا واليابان ... دون أن ننسى قاعدتها العسكرية الثانية في قطر إلى جانب القاعدة البريطانية في البحرين والفرنسية في الإمارات، ناهيك عن تواجدها العسكري الكبير في ليبيا بما يعكر المزاج الجيو- سياسي للعديد من دول المنطقة والعالم الغربي أيضا ً.

إن مجمل السلوك التركي أثار قلق السعودية والإمارات ومصر, خصوصا ًالقاعدة العسكرية في جزيرة سوان السودانية التي تمنحه نفوذا ًتركيا ًفي البحر الأحمر وطريق التجارة البحرية وقناة السويس، ناهيك قواعده الدائمة المحتملة بقوة في ليبيا، ومسرحيات التنقيب في المتوسط والتي تكاد تشعل حربا ًعالمية، ويبدو أنه من حسن حظ أردوغان أنه وجد طريقة ً للتراجع والإنكفاء تحت ذريعة "البشارة" وإكتشاف /320/ م مكعب من الغاز في البحر الأسود، وكلامه بما يشبه إعلان التوبة "سنواصل السير نحو أهدافنا دون أن نطمع في حقوق الآخرين"، في حين أن حقيقة تراجعه قد تكون تحت الضغط الأوروبي - الفرنسي والتهديد المصري، ودعوات التهدئة الدولية، وكي يحافظ على مكاسب وصوله إلى ليبيا.



Tuesday, August 4, 2020

صفقة العار , "قسد" ماذا بعد الخيانة العظمى ..؟ - م. ميشيل كلاغاصي

صنّعهتم أمريكا ودَعتهم قوات سوريا الديمقراطية، إدعوا أنهم مكونات الشمال والشرق السوري ولم يفصحوا عن حجم الغرباء في صفوفهم، وعن أصل قادتهم وأهدافهم وداعميهم وراء الستار، قالوا نحن كرد واّشور وكلدان وأرمن وعرب وعشائر عربية وأيزيديين ..إلخ، ونجتمع تحت القيادة الكردية ( إجتماع رميلان 2016 )، خلطةٌ عجيبة صَمتت فيها مكوناتها عن تكريد المنطقة وطمس تاريخها وتهجير من يعارض نهجها، وعن سبي الأيزيديين وتقييد حقوق عبادة المسيحيين في القامشلي، هي خلطةُ قادةٍ ومسؤولين لا تقبل الجمع والمزج , حتى زعماء الأحزاب الكردية منهم، فقد غابت ملامحهم واختلط مؤيدي المشروع الأمريكي بمناهضيه اليساريين، أرادوها سرقة للأرض والثروات وإدارة توحش لا تختلف عن إدارات "داعش" والنصرة".

تمكنوا من السيطرة بفضل الدعم العسكري الأمريكي، وكانوا أصدقاء "داعش" وادعو قتاله، ومدّوا جسورهم نحو من أرسلهم، في أوروبا وتل أبيب وواشنطن وأنقرة وعدد من عواصم العروش العربية، استقبلوا الجلاد والمحتل الأمريكي وهللوا لزيارات سياسييه ووزير دفاعه وصحافييه , كما هللوا للعلم الإسرائيلي ولكل إسرائيليٍ وطأ مناطق سيطرتهم، استقبلوا سعوديين وإماراتيين وقادة منظمة أنتيفا ونخبة إرهابييها وإغتالوا من زعماء العشائر العربية وفق أجندات الموساد والإستخبارات الأمريكية .

لم يكتفوا بالتمرد وبالإعتداء على السيادة السورية، ولم يتوقفوا عند حدود سرقة ثروات الشعب السوري النفطية والتحكم بالثروة المائية وتعطيش أهالي الحسكة، فحرقوا المحاصيل الزراعية، وإعتدوا على المباني الحكومية الرسمية والخدمية، ومارسوا القمع والعنف بحق الأهالي وساقوا أولادهم لحفر خنادقهم وأجبروهم على حمل السلاح تحت قيادتهم .. كلُّ هذا وهناك من يدعوهم قوات سوريا الديمقراطية..!

تمرسوا في الخيانة والمراوغة والنفاق، وخاضوا عديد جولات المناقشات والحوار مع الدولة السورية بهدف إنتزاع شرعية كل أفعالهم دفعة ًواحدة، أحرقوا جميع سفنهم وانطلقوا نحو مراكب الأعداء عبر طريق واحدة لا عودة عنها... ووقعوا إتفاق العار لسرقة وبيع النفط السوري مع الإدارة الأمريكية فأتي تحت عنوان "لصوص تسرق .. ولصوص تشتري".

سبق للرئيس الأمريكي إدعاؤه بإنقاذ وحماية النفط السوري من سيطرة "داعش", لكن خططه صبت  في خانة السرقة الأمريكية للنفط السوري .. وبدأ ذلك منذ اليوم الأول الذي طالبت فيه واشنطن قيادات "قسد" بالإستعداد لتحرير منطقة دير الزور التي تضم أكبر حقول النفط في سوريا، طلبٌ قوبل بترحيب قادة "قسد" بالدعم السياسي الأمريكي والغربي، وعيونهم على تحقيق حلم "الإنفصال"، فتحولوا إلى بيادق تؤمر وتنفذ.

وفي خريف 2017، تمكنت "قسد" بدعم أمريكي من السيطرة على حقول النفط واحدا ً تلو الاّخر، ودفعت بقايا "داعش" إلى جيبها الصحراوي الأخير في الـ باغوز... فتحركت القوات الأمريكية بإتجاه المنطقة تحت ذريعة "حراسة اّبار النفط"، وقامت بتدريب عناصر "قسد" واستخدامها لتحصين المكان ... وحاولت "قسد" الخداع على أنه حسن نوايا عبر بيع يعادل 60 ألف برميل يوميا ً من النفط المعالج بمصافي تكرير بدائية، إلى الدولة السورية والعراق، بالتوازي مع الحصار الأمريكي المفروض على الدولة السورية، وجنت بالمقابل الأموال الطائلة، وسط تغاضٍ أمريكي محسوب.

التحول في خطة كاهانا – "قسد" ... حصل ذلك عندما حاول "مردخاي كاهانا" وهو عميل الموساد ورجل الأعمال الأمريكي – الإسرائيلي تغيير القواعد، واستبعاد الدولة السورية كمشتري، وإبعاد أي شركة أمريكية عن العقوبات المفروضة على المتعاملين مع سوريا، عبر خطة تحايل خبيثة تقوم على نقل النفط السوري عبر التجار إلى العراق ثم إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة مقابل بعض الإمدادات الإنسانية، من خلال علاقاته وخطة عمله ورعايته للإرهابيين في جنوب سوريا ...  لكن خطته تعثرت مع إعلان الرئيس ترامب إنسحاب قواته من سوريا، فإتجه إلى سوريا ونحو مناطق سيطرة "قسد" والتقى المدعوة إلهام أحمد وجهاد عمر ومظلوم عبدي وأبرم الإتفاق معهم...  بحلول اّذار عام 2019، شعرت "قسد" بشيء من الإحراج والقلق وبأن صفقة إسرائيلية – كردية لن تساعدهم على تثبيت أقدامهم في المنطقة، خصوصا ً بعدما واجهت انتقادات شديدة من قبل الحكومة السورية وروسيا، على الرغم من حرصها  والتزامها ببيع النفط عن طريق الإتفاق مع مردخاي.

وعندما تراجع ترامب عن قراره بالإنسحاب  عملا ً بنصائح صديقه وصديق "قسد" السيناتور ليندسي غراهام، وبأنه سيُبقي على عدة مئات من جنوده في شمال شرق سوريا، كان الأتراك يتحركون بإتجاه رأس العين وعين عيسى، فلم يعد أمام كاهانا وإلهام أحمد أية فرصة لمتابعة الخطة والإتفاق... خصوصا ً بعد تصريح ترامب: "لقد احتفظنا بالنفط، أنا أحب النفط"، لقد بدت رغبة واشنطن واضحة بتولي الأمور بنفسها وأنها لن تتركها لمردخاي و"قسد" .. وسارع ترامب للإعلان عن عقد صفقة مع شركة "إكسون موبيل وربما غيرها" واللافت قوله:"ستذهب إحدى شركاتنا العظيمة إلى هناك والقيام بذلك بشكل صحيح"، وبذلك أعلن نهاية حصة "داعش" وسمح للأكراد بحصة، وأشار  إلى أنه "يتعين على الولايات المتحدة أن تجني حصتها".

الصفقة مع شركة دلتا كريسنت إنرجي ... على الرغم من عدم نشر تفاصيل الصفقة في وسائل الإعلام حتى اللحظة، وسط محاولات إعلامية مضللة تشكك بوجود الصفقة وإسم الشركة صاحبة الإتفاق ...قام موقع "ال -مونيتور" الأمريكي بالتأكيد على أن شركة "دلتا كريسنت انرجي الأمريكية للطاقة هي التي وقعت الإتفاق وبعلم البيت الأبيض وبتشجيع منه"،  بموجب قوانين ولاية ديلاوير ، من المثير للسخرية أن تلجأ الإدارة الأمريكية لإصدار التراخيص اللاشرعية لشركة إنرجي وفق قوانين ولاية ديلاوير (الأصغر مساحة ًوالأقل سكانا ً بين الولايات الأمريكية، وبالكاد يعرفها الامريكيون)، التي تسمح بتسويق النفط في الأراضي التي تسيطر عليها "قسد" وإخضاع حقول النفط هناك إلى تطوير وتحديث... فيما  أكدت مصادر داخل ميليشيات "قسد" صحة الانباء التي نشرها الموقع الأميركي.

من الواضح أن اللعبة إكتملت وعملية السرقة تم "شرعنتها" وفق قانون الغاب الأمريكي والعمالة الكردي، وان الشركة حصلت على التراخيص الأمريكية الكافية، وعلى المقلب الاّخر أكد ممثل "مسد" لدى الولايات المتحدة أن "شركة دلتا كريسنت وقعت الإتفاقية مع الإدارة الذاتية".. وكي يكتمل المشهد الهوليودي وبحسب ركاكة السيناريو, ادعى غراهام بأنه سمع عن الإتفاق من مظلوم عبدي الذي أبلغه بالإتفاق وطلب منه إبلاغ الرئيس ترامب بالتفاصيل, وأن بومبيو أبلغه بموافقته على الصفقة وأنها أصبحت الاّن قيد التنفيذ .

ماذا عن رد فعل الحكومة السورية والشعب السوري ... في الثاني من آب، أصدرت وزارة الخارجية السورية بيانا ً شديد اللهجة، أدانت فيه الاتفاق معتبرة إياه "باطلا ًوبلا أثر قانوني"،  ووصفته بعملية سرقة "بين لصوص تسرق ولصوص تشتري" وأنه يشكل اعتداء على السيادة السورية، ووصفت ميليشيات "قسد" بالعميلة والمأجورة وبالدمية الرخيصة بيد الإحتلال الأمريكي.

لقيت أخبار الإتفاق والصفقة استياءا ًوغضبا ًشعبيا ًكبيرا ً، ومن شرائح واسعة ومتنوعة من الشعب السوري شملت عدد كبيرا ًمن أتباع "قسد"، خصوصا ً من مؤيدي الأحزاب اليسارية،  فيما طالب غالبية السوريين عبر وسائل التواصل الإجتماعي بتجريد قادة وميليشيات "قسد" من سلاحهم بالقوة، والإعلان الصريح عن حل هذه الميليشيات ومحاسبة قادتها بتهمة الخيانة العظمى.

لا يملك أحد حق الحديث عوضا ًعن الحكومة السورية، وعن إمكانية حصر الرد بالعسكري، لكن ما أقدمت عليه "قسد" اليوم، وكل ما فعلته خلال السنوات الماضية، سيُنهي الصبر الإستراتيجي الذي تحلت به القيادة السورية، وسيجعلها في حلٍ من إعتباراتٍ كانت تأخذها على محمل الحكمة والتروي ومنح الفرص للصحوة والعودة، ومع ذلك لن تعدم الوسيلة المناسبة لمعالجة هذه المسألة.

على المقلب التركي ... يبدو أن رد الفعل التركي على الصفقة سيكون حاسما ً، وربما يحمل بداخله بعدا ًروسيا ً وإيرانيا ًوعراقيا ًوسوريا ً، وقد يشكل منعطفا ًهاما ًفي العلاقات الأمريكية – التركية، إذ لا بد للأتراك من قراءة الصفقة على أنها بمثابة الإعلان الرسمي لـ "قسد" بالإنفصال وبإتجاه إعلان مناطق سيطرتها نواة الدولة الكردية بالإعتماد على الدعم الأمريكي– الإسرائيلي، الذي يتجاوز المصالح التركية وأمنها القومي الداخلي خصوصا ًفي الجنوب الشرقي لتركيا، وأمنها القومي على طول الشريط الحدودي مع سوريا، بالإضافة لأمنها الدولي المشترك مع دول الجوار ( تركيا + إيران والعراق وسوريا ) جراء قيام كيان كردي إرهابي – كما تصفه أنقرة -.

إن موقف الخارجية التركية الذي أدانت فيه "الاتفاق، وأكدت على حق الشعب السوري بموارده الطبيعية، وبتجاهل الإتفاق القانون الدولي ووحدة أراضي سوريا ووحدتها وسيادتها"، لا يمكن إعتباره سوى موقفا ًأوليا ً وشكليا ً، فقد تذهب الأمور بإتجاهات أخرى بما يعاكس الإتجاه الحالي للعلاقات الأمريكية – التركية.

هل تتراجع أمريكا عن الإتفاق .؟ ... من خلال مراقبة عدم نشر تفاصيل الإتفاق حتى اللحظة، وعدم صدور بيان واضح لقيادة ما تسمى ق.س.الديمقراطية، وطريقة النفي التي حاول تمريرها ليندسي غراهام حيال الإتفاق، وتعدد الروايات الصحفية التي تشير إلى عدم التوقيع، وعدم تحديد الشركة التي قد يُعهد إليها بالإتفاق، وسط أحاديث إعلامية عن عدة خيارات أمريكية منها شركات روسية ... أمورٌ بمجملها قد تشي بتراجع واشنطن عن تنفيذ الإتفاق أو بإجراء تعديلات جوهرية، وقد تذهب للبحث عن طوق النجاة الروسي لإنقاذ وجودها في سوريا وإحتفاظها بعملائها، وإلاّ ستجد نفسها في مواجهة المقاومة الشعبية لحماية إرهابيي "قسد" التي لن تنجو بعد سقوطها الأخير، وعلى الجميع مراقبة نهاية "قسد" وهروب قادتها اللذين لن يجدوا من يدافع عنهم حتى داخل بيئة المكون الكردي، وستبقى رسالة "إلهام أحمد" إلى "مردخاي كاهانا" التي تقول فيها: "نمنحك الحق في اكتشاف وتطوير النفط في المناطق الخاضعة لسيطرتنا" وصمة عارٍ على جبين كل من يقف في خندق "قسد" ومن يدعي الحرية والديمقراطية تحت الحذاء الأمريكي.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

4/8/2020


Monday, August 3, 2020

واشنطن ما بين العثمنة والتنظيمات الراديكالية وإشاعة الفوضى الدولية - م. ميشيل كلاغاصي

لسنوات وعقود وقرون لا يزال سكان الأرض ينتظرون ، ويدفعون لأجله من مالهم وحياتهم وأحلامهم ، سلامٌ لن يتحقق أبدًا ، في ظل شهوات وأطماع المهيمنين على العالم ، دولا ً كانوا أم تنظيمات خفية أو مرئية ، يتعاقبون على قيادة العالم ويدفعون مراكبه نحو جحيم الحروب والماّسي ، ويعتمدون القوة والهيمنة اسلوبا ًواستراتيجية ً للوصول إلى غاياتهم وأهدافهم .. ومع كل أفولٍ لإحدى إمبراطوريات الشر ، ترثها أخرى ويستمر المشهد دون توقف ، و "تزدهر" الفوضى ويبتعد السلام ... ويبقى المتغير الوحيد هو على مستوى ذهنية الربح والخسارة ، فقد باتوا يقاتلون بغير أجسادهم وبغير أموالهم ، يعرف يعرف بحروب الوكالة والأدوات ، ووصلوا حد استخدام أحلام "عبيدهم" وعقائدهم وتاريخهم وكذلك ًائهم دمائهم على أنها معاركهم.

وإذا كنت منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​قد شهدت عبر التاريخ عشرات الجولات والمعارك والحروب ، إلا أنها لا تزال تكرر نفسها ، وتأتي اليوم مشاهدها الجيو-سياسية المستجدة لتزيد درجة تعقيد الصراع الدولي وأعداد الدول المتداخلة فيه ، وترفع إحتمالية نشوب الحرفي تكتفي-حتى اللحظة- بالإشتباك في بعض الجبهات الساخنة في سوريا وليبيا وغير مكان.

ويمكن قراءة الإنقسام الكبير وتباين مواقف هذه الدول ، من خلال توتر العلاقات اليونانية - التركية ، ومراقبة خلط الصراع بين دول شرق وغرب المتوسط ​​من خلال الملف الليبي ، وسط خشية بعض الدول العربية من تمدد المشروع الأردوغاني - العثماني نحوهم ، والرفض المصري للتدخل العسكري التركي ، وتوقيع إتفاقيات البحث والتنقيب وتحركات السفن المسح في المناطق الإقتصادية البحتة لبعض الدول ، ما استدعى دعوات من بعض القادة الأوروبيين لفرض العقوبات على تركيا والوقوف صراحة ً إلى جانب اليونانيين والقبارصة ، وإلى دعوات معاكسة لإعادة العلاقات معها ، ويتفاقم الإنقسام في ظل تحركاتها العسكرية البرية خارج حدودها شمالا ً في كاراباخ وجنوبا ً في سوريا والعراق ، وعلى خلفية الخلفية الأخيرة حيال اّيا صوفيا.   

فرسان التركي عن إطلاق خطة البحث الزلزالي عن النفط في البحر المتوسط ​​عبر سفينة الأبحاث Oruc Reis دعم تحركها نحو جنوب جزر رودس وكارباثوس وكاستيلوريزو اليونانية ببعض القطع الحربية .. أثار غضب اليونان ودفع خارجها لمطالبة حكومة أنقرة بالوقف الفوري للخطة ، فيما دعا رئيس وزرائها إلى فرض العقوبات على الإتحاد الأوروبي إذا لم تتراجع أنقرة .... ناهيك عن وضع القوات المسلحة المسلحة في حالة تأهب قصوى .. الأمر الذي قابله الأتراك بتراجع وتقهقر وبتعليق الخطة كبادرة ودليل على حسن النوايا تجاه اليونان وسط المحادثات الجارية بينهما حاليا ً.

في حين اعتبر الرئيس الفرنسي ، أن الخطة التركية هي "إنتهاك للسيادة" ، وبأنها قضية أوروبية و "يجب أن تدافع أوروبا عن سيادتها" وكتب في منشور على الفيسبوك باللغة اليونانية "يجب عدم تهديد المساحة البحرية لدولة عضو في الإتحاد الأوروبي".

في حين جاء الموقف الإيطالي عن طريق المخضرمة ناتالي توسي (مستشارة موغريني وفوريل ، ومدير المعهد الإيطالي للشؤون الدولية ، وعضو مجلس الطاقة الإيطالي العامل في قبرص وليبيا) ورأت أن: "الإتحاد الأوروبي لم يتحمل تلك العقوبات على أنقرة ومن غير أنها تستطيع القيامقبلا" ، وهذا على أثينا ونيقوسيا وباريس معاملة تركيا "كشريك وليس كخصم" ... وهذا يؤكد استعداد إيطاليا لغض الطرف عن وجود تركيا وحكومة الإخوان المسلمين في العاصمة الليبية ، كما يؤكد الدعم الإيطالي لمنع الإتحاد الأوروبي من فرض العقوبات على تركيا. 

في حين حذرت المستشارة ميركل الرئيس التركي من أن "اليونانيين لا يمزحون" وسيردون على أي انتهاك لمساحتهم البحرية ، وأنه بتصرفاته يحرج ألمانيا أمام الإدعاءات الأوروبية بأنها حليف وفي لتركيا ...

ناهيك عن الموقف روسيا الدقيق والمبدئي حيال دعم الشرعية الدولية والإستقرار العالمي ، الأمر الذي يفرض عليها نوعا ً من العلاقات والمصالح المتداخلة مع الجميع ، مع مراعاة الحرصها المباشرة على مصالحها ومكانها في البحر المتوسط ​​، وسط غياب سياسة موحدة لدول الناتو تجاهها والصراع معها ، بما يدفعها لإتباع سياساتٍ بعيدة المدى تشمل حزمة نوعية للعلاقات التي تربطها مع تركيا وإيطاليا وألمانيا. 

في هذا المشهد الدولي المصغر ، يتساءل البعض عن ضخامة وأهمية الدور التركي ، وعن قوة وقدرة الرئيس أردوغان للعب أدوارٍ مختلفة ومتناقضة تحت مظلة الناتو والهيمنة الأمريكية والعلاقات الأوروبية ، والمغامرات التركية المبنية على المقامرة في غالبيتها ...

فمن المعروف أنه منذ وصول أردوغان إلى المشهد السياسي التركي وصعوده إلى السلطة ، وخلال العقد الأول ، لم يكن ليخفي هدفه الوحيد الذي يحق له الدخول إلى الاتحاد الأوروبي ، فيما يتعلق بتحديث في عقده الثاني وعبر تدخله السافر في شؤون الدول المجاورة سياسيا ً وعسكريا ً وعبر قيادته للتنظيمات المستهدفة التكفيرية ، نحو العثمانية الجديدة بضوء أمريكي أخضر ، بعد احتاجت واشنطن إلى "الأحلام" التركية البائدة لإطالة أمد بقاء قواتها في سوريا والعراق وعلى مقربة من الحدود الإيرانية ، ولمنافسة روسيا في سوريا والبحر الأبيض المتوسط ​​(بعد دخول أردوغان إلى ليبيا) وإحكام قبضتها على المواقف الأوروبية التي تبحث في قرارة نفسها طريقها الخاص.

وبات من الصعوبة بمكان التنبؤ بالمسار المستقبلي للتطورات للقيام بما يفعله أو لا يفعله أردوغان ، سواء هادن اليونان أم عاداها ، وسواء حاول الانفصال عن الناتو بتشجيع روسي أم من خلال مصالح تركيا وضرورات أمنها القومي ، يبقى الشيء الوحيد والمؤكد أنه بات متورطا ً بسياسة مقلقة وعدائية مناهضة لعديد الدول في محيطه الحيوي والإقليمي والعالمي ، وسط الأوضاع التركية غير المستقرة والإنهيارات الكبرى وإنسحاب عيد الشخصيات المؤثرة داخل حزب العدالة والتنمية ، ووسط الأوضاع الإقتصادية الصعبة والتراجع الكبير لليرة التركية أمام الدولار ، دون أن ننسى "الغيمة السوداء" التي يفرضها إنتشار فيروس كورونا المستجد على تركيا وخصومها ، ولعلنا نختم بما هو مؤكد حيال تمسك تركيا - أردوغان بالعلاقات مع الكيان الإسرائيلي كنوع من الشيفرة لعدم غرق تركيا في مستنقع مغامراتها ، وجحيم الضوء الأخضر الأمريكي.

هكذا تدفع امبراطورية الهيمنة والشر الأمريكي العالم لمواجهة الفوضى ونحو التصعيد العسكري ، تارة ً عبر تأييد العثمنة وأخرى بالإعتماد على الميليشيات الإنفصالية ، وبإثارة المشاكل الدولية بين حلفائها وكذلك عن خصومها وأعدائها والدفع بهم نحو الحروب ، لتمرير إنتخاباتها ولإستعادة شيئا ً من استقرارها الداخلي المهزوز ومصيرها الغامض ، وسط تصدرها لائحة الدول الأكثر إصابة بفيروس كورونا المستجد ، غير اّبهةٍ بمصير الدول والشعوب أو حتى بإحلال السلام.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

3/8/2020


Monday, July 20, 2020

الشعارات الأمريكية رفعها المنافقون لتدمير وخراب وتقسيم سوريا – م. ميشيل كلاغاصي


بشكل أو باّخر وعبر وكلائها وأدواتها ، حرّضت الولايات المتحدة الأمريكية على فتح كافة النوافذ الداخلية في سوريا , وأحتفظت بحقها بإلإقتحام  اللاشرعي للأسوار والأبواب ... واستخدمت شعارات "الحرمان , الظلم ، التهميش ، الكرامة ، الديمقراطية ، المساواة ، حقوق الإنسان ، حقوق الأقليات،....إلخ " كمَدافعَ لدكِ حصونِ وأسس الدولة السورية العريقة في التاريخ والحضارة الإنسانية ، الفريدة بلوحتها الفسيفسائية الديموغرافية ، بكل ما تحمله من إرثٍ ديني ، طائفي ، عرقي ، قومي ... أسس لنموذج رائع قدمه السوريون للعالم أجمع على مستوى الهوية والإنتماء والعيش المشترك ، وتحرير البلاد من المستعمرين والإرهاب المحلي والدولي المنظم ، ورَسمِ ملامحها مع نهاية كل مفصلٍ تاريخي مرّ بها ، وتابعت مسيرتها لتكون سوريا الإمتداد الطبيعي لجهود وأحلام كافة أبنائها وتضحياتهم وعرق جباههم لبناء وطنهم الذي يحبون ويعشقون.
ومع ذلك ، استطاعت السموم الخارجية وهمسات "الوسواس الخناس" ، من إيهام بعض السوريين بـ "حقيقة" تلك الشعارات ، واستمالت من استمالت بالمال والوعود الأرضية و"الإلهية" والأحلام "الوردية" ، واستطاعت تشكيل نواة تمردٍ مسلح - إرهابي تحت عناوين مختلفة.
لو جربنا لوهلة أن نصدق بأن سوريا لم تعد تحب أبنائها ، وباتت تكره نفسها ، ونرى من غرر بالناس و"أحب" الإرهابيين منهم والخارجين عن القانون واحتضنهم ..
فتركيا- أردوغان ، شردتهم في مخيمات وأدخلتهم بمواجهات عسكرية وحروب تصفيات مع بعضهم البعض بعدما عاثوا فسادا ً وإرهابا ً بدعمها وإشرافها المباشر ، وضد جيش بلادهم على أمل الفوز بمناطق تمرد وإدارات توحشٍ بائسة سقطت من تلقائها مع إنكشاف حقيقتها ، ووضعتهم في قوارب الموت لحساباتٍ دنيئة وأرسلتهم إلى أوروبا ، وجديدها جندتهم للقتال في ليبيا وأذربيجان ، ولا نستبعد وصولهم إلى أقاليم الصين .
أما فرنسا وألمانيا وغير أوروبيين ، فقد حولوهم إلى "خوذاتٍ" إرهابية ، واستخدموهم لإفراغ أوروبا من أقرانهم بعدما امتلئت شوارعها بالمتطرفين والغرباء ، ومزجتهم بخلطة سحرية باّخرين ودعتهم بالـ "شعبويين" ،  ووضعتهم بمواجهة القوميين والمد اليميني ، فكانوا وقود الإشتعال في مراجل المصالح الأوروبية في سوريا والمنطقة.
أما دول الخليج ، فأحبت فيهم إقدامهم على إبتلاع الطعم لتنفث عبرهم سموم حقدها الإيديولوجي والسياسي ، ودفعتهم بأموالها نحو الجحيم  "العربي" على أنه الربيع العربي.
أما أمريكا , التي لا تحب أحدا ًحتى أبنائها الذين لم تتوان عن خنقهم بركب رجال الشرطة ورصاصهم ، فإستغلتهم أبشع إستغلال للضغط على الحكومة السورية ومحاصرتها ، وصنّعت منهم اّلات لخدمة مصالحها و أدوات لتقسيم سوريا .. وأظهرت لهم خلطة مشاعر تأرجحت بين الكراهية والمحبة المسيسة , إذ يقول الرئيس دونالد ترامب - بحسب كتاب جون بولتون - : "أنا لا أحب الأكراد ...." ثم عاد ليقول : "أنا أحبهم فهم شعب عظيم وسندعمهم لأنهم شركائنا وهزمنا معا ً تنظيم داعش".
تبدو المشاعر متبادلة ، فقد أكد الأكراد تعرضهم للطعنات الأمريكية في الظهر مرتين ... وتبقى مصالح وأهواء وشهوات وأحلام كل من بَحثَ عن "عشيقٍ" خارجي موضوع سخرية , سقطت معه الشعارات الواهية المزيفة .. فقد حولت تركيا "أحبائها" إلى إرهابيين وقتلة مأجورين لخدمة مشروعها العثماني – التقسيمي ، فيما جعلت أوروبا منهم سلعا ً للمقايضة الرخيصة أمام مصالحها ، أما الأمريكيين فقد حولوا أدواتهم "الكردية" إلى ميليشياتٍ وعصابةٍ تحت رعاية حلف شمال الأطلسي ، وفي ظل حماية نظام الرئيس دونالد ترامب غير القانونية في سوريا.
ماذا عن تطبيق الشعارات في مناطق سيطرتهم , والتي رفعوها وفعلوا ما فعلوا تحت رايتها ...!
فقد غابت الديمقراطية تماما ً، وحلَّ محلها القمع والقتل والسجون ، ناهيك عن الإذلال والتهجير الديموغرافي ، وصبغِ تلك المناطق بألوان أحادية ، فكان التتريك والتكريد عنوانا ً رئيسيا ً، طال أسماء المدن والبلدات والقرى ، ناهيك عن العبث بتاريخ المنطقة وبمعتقدات أهلها ودور عبادتهم ، وتم تزوير الكتب المدرسية وخرائط البلاد ، وطفت المصطلحات الغريبة على السطح ، وأعيد تقسيم المنطقة وفق أجندة خارجية تحت عنوان "الإدارة الذاتية" في الشرق و"المنطقة الاّمنة" في الشمال ، فتبعثرت حقوق الإنسان وغابت الأقليات عن السلطة والقرار والقيادة ، وتحول ساكني هذه المناطق إلى أسرى وعبيد لخدمة المشاريع الصهيو – أمريكية بالنكهة التقسيمية – الكردية  والأردوغانية.
وما أكثر الأدلة ... وتكفي مشاهد الغضب والإحتجاج والمظاهرات اليومية التي ترصدها وسائل الإعلام ، والتي يخرج فيها سكان تلك المناطق ليطالبوا بخروج قوات الإحتلالين الأمريكي والتركي وعصاباتهم ومرتزقتهم من أراضيهم ومن حياتهم .. سخطٌ ٌ وغضبٌ وصل حد إعتراض المواكب العسكرية ، وبتنفيذ بعض العمليات الجرئية ضد مقار وأفراد المرتزقة ، بما يُبشر بولادة مقاومةٍ شعبية ، سيكون لها الكلمة العليا في نهاية المطاف.
ويبقى من اللافت استمرار إنغماس "محبي" تركيا وأمريكا ولهاثهم وراء الدعم السياسي والعسكري ، ليحافظوا على "مكتسباتهم" ، ظنا ًمنهم أنها كافية للبناء عليها ولفرض واقعٍ جديد يحمل طابع الديمومة والإستمرارية ، بوجود قوات الدعم والإحتلال الخارجي بجانبهم على الأرض ، ويغيب عن أذهانهم أنهم راحلون عاجلا ً أم اّجلا ً، متناسين الصبر الرهيب الذي تمارسه القيادة السورية ، والتي لم تتوان عن منحهم فرصا ً لا متناهية للحوار ، والصحوة ، والعودة إلى حضن الوطن ، وأن هذا لن يستمر إلى لأبد.
وبسهولة ، يمكن تتبع ما يقوم به العملاء والمأجورين ، من عمليات السطو والسيطرة على المباني الحكومية حتى الخدمية منها ، بالإضافة إلى حرق للمحاصيل الزراعية وسرقة ثروات الشعب السوري والإستحواذ عليه ، كما يمكن متابعة ما يتردد على ألسنة قادة العصابات في وسائل الإعلام كدليل إضافي ، إذ يتحدث المدعو "مظلوم عبدي" قائد ما تسمى قوات سوريا الديمقراطية ، من خلال مشاركته الكاتب "بولات جان" الناطق السابق بإسم "وحدات الحماية" ، بتأليف كتاب " المشاريع العملية لبناء الإدارة الذاتية" ، ويقول :" مشروع بناء الإدارة الذاتية الديمقراطية ، سيكون أمرا ً واقعا ً تتقبله السلطة والمعارضة شاءت ذلك أم أبت".
وتبقى الشعارات الأمريكية و"حقوق الإنسان" تعابير مسيسة ، استخدمتها وحلفائها وأدواتها ، لتنفيذ أجنداتها الخاصة في سوريا والدول المستهدفة ، وجعلت منها مدخلا ً وذريعة ً لتسويق مخططاتها العدوانية وعملياتها العسكرية ضدها ، ولفرض عقوباتها اللا شرعية الأحادية ، بهدف حصار وإركاع الدول والشعوب الرافضة لهيمنتها ، في استغلالٍ لا أخلاقي رخيص يستهدف حقوق الإنسان وكرامته وسبل عيشه وسيادته الوطنية.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
20/7/2020