Sunday, December 30, 2018

إنسحابٌ أمريكي وتهنئة روسية وضربة سورية مزدوجة لمشاريع التقسيم - م. ميشيل كلاغاصي


تقول الحكاية أن الرئيس الأمريكي الأشقر يكره الرئيس الأمريكي الأسود ويعشق نسف عهده وفِعل ما لم يستطيع فعله، فوعد ناخبيه وهو مرشحا ًوقال: "سأنسحب من سوريا"، واليوم وفى بوعده وهو رئيسا ً، وأكد بأنه لن يكون بعد اليوم شرطيا ً بلا مقابل، ولا بأس ببعض البزنس وبالحلابة والابتزاز والهدايا وبعض السرقة، فالرجل يجيد الصفقات ولا يجيد الحروب ولكم أن تتأكدوا من دولته العميقة...
إنسحابه أتى محسوبا ًومدروسا ًونتيجة ً لهزائم ميدانية وسياسية أمام بسالة وبطولة الجيش العربي السوري وقيادته الحكيمة ووفاء حلفائها... فجاء الإنسحاب كثير الغموض وقليل المفاجئة وشديد إمتعاض الحلفاء والشركاء والمتعاقدين المؤقتين محليا ً ... لقد أنهى الرئيس ترامب سنوات الأرجحة الثلاث ما بين المشروعين التقسيميين الإنفصالي شرق الفرات والإخواني غربه ... وفضل المشروع الإخواني ورمى العقد الميداني مع من حاربوا "داعش" نيابة ًعنه بداعي إنتهاء المدة والصلاحية بالقضاء –الوهمي-على "داعش"، ولأنه أمريكي فلم يشذ عن قاعدة التخلي عمن أطاعوه تعلقوا بوعوده ولن ينجو أيضا ًمن رأى فيه بلفور الجديد "سوريا كلها لك!"...
لقد ملّ الرئيس الأشقر من الحب الأزلي و"إسرائيل أولا ً" وحنّ إلى الحب الحقيقي و"أمريكا أولا ً", فالإنتخابات النصفية إنتهت ولا بأس بالعودة إلى المؤيدين ولم الشمل وشد الأزر نحو الولاية الثانية, ولا بأس بهزيمةٍ أمريكية إضافية في سوريا هذه المرة ويبقى عزاؤه وبقاؤه في العراق ومراقبة الدول الأربعة من قواعده في أعالي جبل سنجار, ولسان حاله يقول لن أدعهم يفرحون سأعمم الفوضى والإرباك وسأجعله إنسحابا ً بنكهة الإنتقام والنكاية لمن انتصروا ولمن هًزموا, فإما أن أستعيد تركيا أو سأعلق مشنقة السلطان إنقلابا ً أو تقسيما ً...
وما بين نشوة "السلطان" وصدمة الإنفصاليين اللذين سارعوا لإرتكاب خطأهم التاريخي وللمرة الثانية بعد عفرين واعتبروا الإنسحاب "طعنة في الظهر" وطالبوا ترامب بالتراجع عنه، وبداوا بحثهم عن البدائل في عاصمة الهزائم الفرنسية... لكن سوريا لم تمنح الزمن وقتا ً إضافيا ً، وكان لها رأي اّخر....
فما إن أعلن الرئيس الأمريكي قراره، حتى أعلن الحلفاء والشركاء والأصدقاء والأعداء عن صدمتهم به, ومن شدة إرتباكهم وصفوه بالمفاجئ، مع أن الرجل أعلن نيته الإنسحاب مرات ومرات، خصوصا ًبعد لقائه الأخير بالرئيس الروسي في قمة هلنسكي، لكن المفاجئة كانت بالجدية وبالتوقيت وليس بقرار الانسحاب بحد ذاته.
وفيما يتحدث العالم عن ملئ الفراغ الذي سيحدثه إنسحاب القوات الأمريكية من سوريا، جاء لقاء العريمة والذي لم يكن سوى فرصة ً لتبادل الرسائل، فيما كان القرار السوري الجريء يصدر في دمشق ويتخذ الشكل العسكري وبتوقيع الرئيس بشار الأسد والذي قضى بتوجيه وحدات الجيش العربي السوري المرابطة في ريف حلب بالتحرك الفوري ودخول مدينة منبج ...
وفيما كان الجيش السوري يدخل المدينة, كان الرئيس التركي يتحدث عن عدم إمكانية تحرك الجيش السوري نحو منبج وأنه يستخدم "الحرب النفسية", في الوقت الذي تأكد فيه أعتى الإنفصاليين وأشد الرافضين منهم للرضوخ إلى تسليم مناطقهم للدولة السورية بأنه لا وقت للتلاعب أو التذاكي, فسارعوا إلى دمشق وحميميم , ليعلنوا من هناك بيانات دعوتهم الجيش للدخول وللدفاع عن الأراضي السورية, ويعلنون انتمائهم للأرض والشعب والدولة, فيما ارتبك إعلام أردوغان مع إرتباك القيادة التركية, وأصدروا عواجل تحرك فصائل "الخونة" الإرهابيين نحو منبج لصد الجيش السوري, ثم تراجع عنها وادعى إنسحابهم إلى محيط منبج وتجميعهم في جرابلس, أما التحالف الدولي بقيادة أمريكا فقد حلق فوق القوات السورية المتقدمة حفاظا ًعلى ماء وجهه ليظهر بمظهر العارف والمؤيد لهذا التحرك ....
لم يتأخر أردوغان بالخروج من الصدمة ... بعدما وصلته الأخبار الميدانية, وأدرك أن الجيش السوري دخل منبج فعليا ً, وأن مشروعه التقسيمي ُأصيب بمقتل, وأدرك أن كلام ترامب "سوريا لك " ما هو إلاّ تفويض أمريكي لإدارة الهزيمة في الشمال وليس لإدارة النصر, فعلى الرغم من جنون العظمة والعنجهية التي تعصف برأس الرجلين إلا ّ أن ترامب يعي تصرفاته أكثر ويعرف أنها مدعومة ًمن دولته العميقة, وما الإختلاف في الداخل الأمريكي إلاّ حول طريقة وسرعة تنفيذ الانسحاب, وبمراعاة مصالح الحلفاء والشركاء من عدمه, الأمر الذي دفع الوزير جيمس ماتيس للإستقالة بعد فشله بإقناع ترامب الذي لم يأبه بشركائه ولا بمصالحهم .
لم يكن على أردوغان سوى الصراخ، والإعتراض على زواجٍ تم ليلا ًودخول العريس إلى منبج، واعتبره خديعة ً روسية – إيرانية، فطار وزيره جاويش أوغلو إلى موسكو مصطحبا ً استخباراته ووزير دفاعه وعقدوا لقاءا ً مطولا ً مع الوزير لافروف وشويغو وقيادة الاستخبارات الروسية .... وانتهى اللقاء بمصافحاتٍ وإبتساماتٍ تؤكد توقيع صكوك الزواج السوري الشرعي في منبج، والإتفاق على خارطةٍ وتنسيقٍ يؤكد الإلتزام بمحاربة الإرهاب، واحترام سيادة ووحدة الأراضي السورية ... لقاءا ً كان كافيا ً لتأجيل طلب الدولة التركية بعقد قمةٍ روسية – تركية عاجلة.
فيما أبرق الرئيس فلاديمير بوتين للرئيس بشار الأسد ليهنئه بشجاعته وببسالة الجيش العربي السوري، مؤكدا ً استمرار الدعم الروسي المطلق لدمشق في مسيرة حربها على الإرهاب ... ومن اللافت أن يبرق الرئيس بوتين للتهنئة بنجاح خطوةٍ عسكرية في جغرافيا صغيرة بالمقارنة مع إنتصارات ومعارك أشد وأكبر حققها الجيش، الأمر الذي يؤكد استراتيجية التحرك ويثمن قيمته العسكرية والسياسية.
يبدو أنه من الأهمية بمكان قراءة البرقية في إطارٍ أبعد من التهنئة بالأعياد، وتتعداها إلى التهنئة بسيطرة الجيش السوري على نقطة استراتيجيةٍ هامة في جغرافيا الشمال وفي منبج تحديدا ً، والتي يبدو معها من الصعب وربما من المستحيل بعدها أن يستطيع أردوغان المضي قدما ً في مشروعه التقسيمي بالعسكرة والإحتلال وبقوة السلاح وبإستعمال الإرهابيين.
كذلك حملت تهنئة بوتين وتأكيده دعم موسكو لمحاربة الإرهاب الإشارة الواضحة نحو إدلب، فقد أحكم القيصر الروسي قبضته على عنق أردوغان بالتعاون مع الحليف الإيراني، وبعيدا ً عن الحضور الميداني للولايات المتحدة الأمريكية، وأن مسار أستانا سيسير كما خُطط له، وأن إتفاق خفض التصعيد في إدلب بكافة بنوده ومصالحاته سيكون عنوان نهاية الإرهاب في إدلب وفي سوريا.
بالتأكيد هذا نصرٌ كبير ويستحق التهنئة، والبُشرى للشعب السوري بأن الحرب إلى أفول وأنه لا مناص للعدو التركي من الانسحاب، بالتوازي مع السلوك الإيجابي المتوقع من الأحزاب الكردية وأجنحتها العسكرية، إنسجاما ً وتتويجا ً لمشاعر ورغبة أهلنا من أكراد سوريا الرافضين لكل ما يُلحق الضرر والأذى بوحدة وإستقلال سوريا ...بالإضافة للسلوك الإيجابي - المستجد - للدول العربية وجامعتها، وتكريسا ً لإنتصار سوريا العظيم، فلا بد للعام الجديد أن يكون عام التسويات والمصالحات ونهاية حروب الإرهاب، والبدء الفوري من نقطة إنتهاء مهمة المبعوث ديمستورا في تشكيل اللجان الدستورية ...
وقد يلجأ عثمانيو "العدالة والتنمية" إلى المماطلة بالإنسحاب واستهلاك الوقت بما يتناسب مع غطرسة وأوهام الرئيس أردوغان الذي يعتقد بأنه يحق له المشاركة في الحل الداخلي ويحق له التعويل على جمهورٍ سوري "يؤيده"، في تحقيق مكاسب على مستوى ضمان تدخله في صنع القرار السوري لسورية الجديدة! ... لا بأس بالأحلام والأوهام ويحق لأردوغان أن يعيش في عالمٍ خاص به وأن يرتدي أبهى أثواب العري التي لا يراه سوى الحمقى أمثاله.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
30 / 12 / 2018

Thursday, December 27, 2018

سوريا للعرب ... هيا تغيروا وتعالوا إلى دمشق - م. ميشيل كلاغاصي


في الوقت الذي بدأ فيه بعض "العرب" ينسجون مواقف جديدة من الدولة السورية وقيادتها , ومن أزمتها كما يحلو لهم تسميتها هروبا ً وتهربا ً من حقيقة تاّمرهم ومن جريمة شن أفظع الحروب عليها , تلك الحرب التي لم تعرف البشرية مثيلها من قساوتها وفظاعتها وسفكها للدماء وبالتخريب والتدمير الشامل ولكل ما يعنيه مفهوم "الدولة" السورية من بشر وحجر وإنسان وهوية وتاريخ وحاضر ومستقبل , مع تراجعٍ ٍ دولي وإقليمي وعربي عن مطلب تنحي الرئيس بشار الأسد, ووسط الإهتمام المفاجئ  بحل الأزمة وبالرغبة الخادعة للحفاظ على وحدة واستقلال أراضيها وحياة ومستقبل شعبها, يبدو أن "الشباب" عزموا العزم وعقدوا العقد وركبوا "العقل" ووصلوا مشارف الشام ... وأرسلوا بشيرا ً ليكون زاجلهم وحمّلوه غزلهم وودهم وأكفانهم , ووقفوا وراء الباب ينتظرون الجواب ...

نعلم أنهم يشعرون بالمرارة ويجرون ذيول الخيبة , فالنصر السوري أذهل العقلاء فكيف بالعميان والمنبطحين والحاقدين .. يبدو أنهم يعتقدون أن نصر سوريا غير مرئي وأن وجودهم في صورة النصر السوري الكبير عبر السفارات والمصافحات وبعض العلاقات وبأموال إعادة الإعمار سيمنحهم قسطا ً من المجد , ويبعد سيَرهم عن كتب التاريخ وفظاعة ما فعلوه , ولربما كانوا يعتقدون أن القصة ستمر مع الزمن , وقد يراهنون – واهمين - على قصر الذاكرة والنسيان كما نسي بعض الرؤساء والحكام والملوك العرب عداوة الصهاينة, وأنه بالمال وببعض الإبتسامات ومع "بوسة" شوارب ستُطوى الصفحة.

إن متابعة ومراقبة مواقفهم لم تلحظ إعتذارا ً أو إعترافا ً صريحا ً بنهاية مشاريعهم ووقف حربهم ضد الدولة والشعب والأرض السورية, فطاعتهم وإلتزامهم بخدمة مشاريع الأمريكان لم ولن تتزحزح , وعلاقتهم بالكيان الغاصب تحولت من السرية إلى العلنية , ولازال نصفهم الوهابي يدعم ويسلح ويمول بعض الفصائل الإرهابية في إدلب , ويدعم قادة الإنفصاليين الأكراد ومن يقف في صفهم من العرب وغيرهم , أما نصفهم الإخواني فلا زال يبايع الرئيس أردوغان خليفة ًعثماني, ولا زالوا يتطلعون إلى مشاريع تقسيم سوريا وضم الشمال السوري إلى حدود السلطنة.

لا زال الوقت مبكرا ً للحكم على الوجه الجديد – القديم للعرب , وإحداثيات تمركز كلٍ منهم في خارطة مشاريع صفقة القرن والتطبيع مع العدو الإسرائيلي , والقضية الفلسطينية والمقاومة بشكل عام , ومن تشكيل الناتو العربي بأوامر ترامب , ومن العداء لإيران , وبعض العداء المغلف بالجفاء تجاه موسكو.

ولا زال من المبكر الحديث عن الجامعة العربية وعن دورها السيئ وتخطيها أو قفزها عن ميثاقها وموافقتها على تجميد عضوية سوريا, وتأمين الغطاء السياسي لتدمير ليبيا والعراق وسوريا ... ولا زال الوقت مبكرا ً لإستعادة الهوية العربية في وقتٍ لا يزال فيه القادة العرب يقبعون في حجور تحالفاتهم الوهابية , الإخوانية , الخليجية , الأمريكية , الإسرائيلية , التركية ...إلخ , على حساب الهوية العربية والإنتماء للأمة والأرض العربية , ولعودة صياغة مفهوم الأمن القومي العربي , واستعادة العمل العربي المشترك , وقد يدغدغ أحلام البعض حلم تفعيل إتفاقيات الدفاع العربي المشترك ...

إن مشهد المصافحات والزيارات الشكلية , ومشاهد إعادة فتح السفارات , وهبوط طائرات الرؤساء العرب واحدا ً تلو الاّخر , -على أهميتها -, لكنها لن تكون هدفا ً سوريا ً بحد ذاته ,  فسوريا تبحث عن عالمٍ عربي جديد يعترف بالهوية العربية ولا يتخلى عن بوصلته مع أول عاصفة , وتبحث عن عالمٍ عربي تحترمه دول العالم ولا تعتبره مجرد أدوات شرٍ وإرهاب وتخلفٍ وجهل ونفط وأموال مكدسة , عالم تحترمه شعوبه قبل شعوب العالم ... وهذا يعيدنا بالضرورة إلى ما رفضه العرب يوما ً, ولم يعرفوا أن ثمن الإستسلام أكبر من ثمن المقاومة , نعم سنعود إلى عالمٍ يقوده الرئيس بشار الأسد ولا يقوده صاحب عواصف الحزم والأمل والدماء والدمار على اليمن ولا من يتهاوشون على الطريدة في سوريا والعراق وليبيا , وبإختصار هو عالمٌ تقوده الزعامات ولا يقوده العبيد وأنصاف الرجال ... وهناك من سيقول أننا نعود بذلك إلى اساس الخلاف , نعم هذا صحيح , مع فارق أن المتخاذلون خاضوا حروب أوهامهم وهُزموا على أبواب دمشق , وعليهم أن يشكروها لتمسكها بالهوية العربية ولإنقاذها لما تبقى من سمعة العرب أجمعين.

إن المتغيرات الجديدة تفرض على سوريا مواجهاتٍ جديدة وبأساليب جديدة , فالحرب لم تنه بعد لكنها تأخذ أشكالا ً مختلفة , وهذه المتغيرات تتمثل بالإنتصارات السورية الميدانية , وتطهير غالبية الجغرافيا السورية من رجس الإرهاب , بالإضافة إلى تطور العدوان التركي وتهديداته واستعداداته لإطلاق عملياتٍ عسكرية جديدة من غرب الفرات إلى شرقه تحت ذريعة محاربة الإرهاب الكردي ومنعه من قامة دويلة كردية على حدوده الجنوبية وتهديدها للأمن القومي التركي , بالإضافة إلى ضبابية مواقف قادة ما تسمى "قوات سورية الديمقراطية" وقوات الحماية" من الدولة السورية حيال قرار الرئيس الأمريكي بالإنسحاب من سوريا, وبروز مواقف جديدة للفرنسيين والبريطانيين , دون أن ننسى العدوان الإسرائيلي المتكرر على سوريا لأسباب تتعلق تارة ً بأكاذيبه وأخرى بمؤازرته أعداء الشمال وكل ما من شأنه إشغال وإضعاف سوريا وإلحاق الأذى بها وبوحدة أراضيها ...
  
لذلك يترتب على جميع دول المنطقة والعربية خصوصا ً, أن تختار استرتيجيتها الجديدة بما يتوائم مع المرحلة الجديدة للصراع ...  فإن صدق العرب في تصريحاتهم وفي رسائلهم المباشرة وغير المباشرة نحو دمشق , فلا بد من ربط الأقوال بالأفعال , وإثبات حسن النوايا , وأقله وقف الهجوم على سوريا واعترافهم بنصرها , والبدء الفوري بكل ما من شأنه دعم الدولة والقيادة والحكومة والشعب السوري بتحرير ما تبقى من أراضيها تحت نير الاحتلال الأمريكي والإسرائيلي والتركي , وهذا يتطلب بالتأكيد مصالحة ً عربية شاملة , كي ينسجم العرب مع أنفسهم أولا ً, ووضع الحد لكافة الخلافات العربية - العربية...

للأسف , وبعدما قام العرب بما قاموا به خلال السنوات الماضية, والدور السيء المباشر الذي لعبوه في سفك دماء السوريين وتدمير وطنهم , لا تبدو مهمة القادة العرب خصوصا ً ممن يتطلعون إلى إعادة فتح سفاراتهم , واستعادة علاقاتهم الدبلوماسية والطبيعية مع سوريا والشعب السوري على أساس الهوية والإنتماء والحقوق وقدسية القضايا العربية , واستعادة علاقات الإخوة الحقيقية معها , ولا بد لهم من بذل الجهود المضاعفة , وإجراء مراجعاتٍ شاملة لسياستهم تجاه سوريا , وإجراء تغييراتٍ عديدة في حكوماتهم وقياداتهم خاصة ً تلك المسؤولة عن أخطاء الحسابات التي وقع فيها الحكام والملوك والأمراء ... فلا بأس أن يتغير العرب ويعودوا إلى رشدهم , فأن تصل متأخرا ً خير من ألا تصل , فالعودة إلى سوريا تستحق العناء وتمنح الواصلين كل الفخر والإعتزاز.


Wednesday, December 19, 2018

معادلات شرق وغرب الفرات والخروج الأمريكي من سوريا - م. ميشيل كلاغاصي


جاؤوا منذ عقودٍ قليلة، معذبين مقهورين مطاردين، سكنوا أرضنا وعاشوا بيننا، زرعوا وحصدوا وأكلوا وأنجبوا أولادهم، لم يحملوا أصلا ً واحدا ً ولا دينا ً واحدا ً ولا عرقا ً واحدا ً، هنا توحدوا وهنا اجتمعوا وهنا أصبحوا عائلة ً صغيرةً وجزئا ً من عائلةٍ سوريةٍ كبيرة، تحمّلوا ما تحملنا ونالوا ما نلنا، لم يكونوا إلاّ ضيوفا ً أعزاء وأصبحوا إخوة وأشقاء ...
مالذي حدث... ومن أقنعهم بروايةٍ لم تحدث، وبحقوقٍ بلا حق ... من أنتج وصنّع بينهم ساسة وشعراء ومؤرخين ومثقفين، غزلوا تاريخا ً من غير تاريخ ورسموا أرضا ً من غير أرض، وبنوا أحلاما ً وأحلافا ً لتحقيقها، من يقودهم ويسير أمامهم، ولماذا يظهر علم إسرائيل في مناسباتهم، ألانها تدربهم فقط، وهل من الصدفة أن يكون قادتهم من أصول صهيونية، لماذا يتمتع بعض قادتهم بعلاقة مميزة مع عدوهم اللدود أردوغان، عليكم إخفاء تلك الصور الفاضحة المنتشرة في وسائل الإعلام ...
مالذي يدفعهم للتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية, أ لحماية أنفسهم من الإرهاب – كما يدعون - , أم لوعدٍ خبيث تلقوه على غرار وعد بلفور!, كيف لهم أن يقنعوا الناس بحربٍ يخوضونها بطريقة سلّم واستلم , كيف يبررون تكريد المنطقة ومناهج التعليم , وتغيير أسماء القرى والشوارع , وتهجير غير مكونات ممن لا يقاتلون إلى جانبهم ولا يسيرون بركبهم, كيف لهم أن يسعوا لتقسيم البلاد أو بإستخدام ألفاظٍ أقل سوءا ً كالفدرلة أو إدارة الحكم الذاتي , كيف يفسرون تعاونهم ورواتبهم وتدريبهم وتسليحهم الأمريكي والسعودي والإماراتي , وماذا تراهم يقولون عن علاقتهم بالقوات الفرنسية اللاشرعية التي تتواجد في مناطقهم ويعملون على خدمتها ويحفرون الخنادق لتحصين قواعدها ...
من يستطيع في هذا الكون التطاول على سوريا، ولمن ينحني التاريخ إجلالاً، أليست سوريا أقدم الأوطان وأعرق الحضارات، هي من كتب الحضارة وصنع التاريخ، هي قصة تسعة ألاف عام ولا تزال الأرض المنجبة وحاملة الشعلة والقمر المنير وربة الحكمة والطقوس والأساطير والتراتيل ... ولا نفهم قناعة "قسد" والقيادية المدعوة "إلهام أحمد" والتي تحدثت عبر الإعلام – أكثر من مرة – عن "الحضارة والديمقراطية التي نشات في الأرياف البعيدة , وحيث يسيطرون , والتي سيدفعون بها نحو المدن الكبرى كحلب ودمشق لمحاصرتها وإجبارها على الرضوخ للديمقراطية"..!, أي جحودٍ هذا وأي جنون , وسخافة !.
لماذا يطلبون في بياناتهم موقفا ً واضحا ً للدولة السورية وسط ضبابية وذبذبة مواقفهم , ألا يرون وضوح الدولة السورية التي تقاتل الإرهاب وكافة الغزاة منذ ثماني سنوات, وتسعى لتحرير كل مواطن وكل شجرة وكل ذرة تراب, ألم يتلقوا رسائل ودعوات الحكومة كباقي الأطراف السورية للإنخراط في الحوار الوطني , ألم يسمعوا كلام الرئيس بشار الأسد الذي تحدث عن الحوار مرارا ً وتكرارا ً قبل الحديث عن القوة, ألم يسمعوا كلام الوزير وليد المعلم عن الحوار وبإشاراته لإمكانية الحصول على كل مطلبٍ دستوري ومعقول ومتاح, لماذا يؤكدون وضع قواتهم بأمرة الجيش السوري "بعد التسوية" وماذا سيقدمون بعد نهاية "المسرحية" سوى الحصول على وظائف ورواتب لمقاتليهم, لماذا يعلنون القوات التركية قوات إحتلال ولا يرون القوات الفرنسية والأمريكية كذلك ....
ألا يعلمون أن الخيار العسكري الأمريكي لإسقاط سورية وصل إلى نهاية الطريق واصطدم بالجدار المسدود, فتحولوا لإستراتيجية الحل السياسي الذي يقوم على تجميد الوضع الميداني القائم الحالي, والذي يصور أن سورية مؤلفة من ثلاث أقسام رئيسية , قسم ٌ تسيطر عليه الدولة السورية, وقسمٌ ثانٍ غرب الفرات تسيطر عليه قوات العدو التركي وجبهة النصرة وإرهابيو الحزب التركستاني وفصائل الإخوان المسلمين والفصائل الوهابية التي دُحرت في وسط وجنوب البلاد, وقسمٌ ثالثٌ شرق الفرات تسيطر عليه قوات الاحتلال الأمريكي والفرنسي وقوات "قسد" و "قوات الحماية الكردية", فكما تغطي الميليشيات الكردية النهب الأمريكي لخيرات وثروات سوريا الباطنية في شرق الفرات , يفعل الشيء ذاته إرهابيو الجيش الحر ويغطون النهب التركي الممنهج للثروات والاّثار السورية غرب الفرات.
ألا يعلمون أن أمريكا تراهن على تفخيخ الحوار السوري – السوري بضغوط سياسة الأمر الواقع، ألا يعلمون أنها تسعى للسيطرة على اللجان الدستورية وعلى قرار السوريين ممن يدعون المعارضة، فيما هم عملاء لواشنطن ولأردوغان في شرق وغرب الفرات معا ً... ألا يعلمون أنهم يحاولون إصابة سورية بمقتل! ... ماذا يسمون أفعالهم، وماذا ينتظرون من سورية وقيادتها وشعبها؟ ... وعلى جميع الأحوال تبقى أحلامهم ومشاريعهم جزءً من مشاريع إنفصالية خاسرة حول العالم، وبالتأكيد لن تحصد النجاح في سورية وحدها، بعدما فشلت في كافة أنحاء العالم.
كنا نتمنى صحوتهم من تلقائهم، وليس بعدما صرح ترامب وأشار إلى خروج وإنسحاب القوات الأمريكية من سورية، وأكد أن: "وجود قواتهم في سوريا كان بهدف قتال داعش وقد تم هذا الأمر"، وسط تأكيد صحيفة الواشنطن بوست – العاجل –أن :" أمريكا قررت الانسحاب من سوريا نهائيا ً وفورا ً".... حتى لو كانت أمريكا تناور عبر هذا التصريح، وتحاول ربطه بمقايضة إنسحابها مقابل إعترافها بقرار ضم الجولان السوري المحتل لصالح الكيان الإسرائيلي.... يبقى الانسحاب أمرا ً واقعا ً , وعلى البعض تلقفه بعيدا ً عن المرواغة والتذاكي.
من المؤكد أن المشاريع شرق الفرات وغربه، لن ترى النور، وانهم يتجهون نحو الهزيمة الحتمية، ولن يكون من صالح الولايات المتحدة أن تخرج مهزومة ً وسط دماء ونعوش جنودها، فأعمال المقاومة ضدها في تصاعد وخسائرها العسكرية لن تبقى بعيدة عن وسائل الإعلام طويلا ً، ويبقى للإنفصالين أن ينتظروا جحافل أمريكية وإسرائيلية وخليجية لن تأتي لدعم أحلامهم وأوهامهم، وسيترتب عليهم طلب العفو والحماية من الدولة السورية .....
كذلك سينسحب أردوغان، وسيترك ورائه من اشتراهم بالمال تحت عنوان المعارضة، فجل ما يستطيع فعله هو السعي لإدخال بعض الأسماء في اللجنة الدستورية السورية وهذا محال , فالقيادة السورية وعلى راسها الرئيس بشار الأسد أحرص الناس على حماية وتحصين النصر السوري الذي لفظ الخونة ودحر مشاريعهم إلى غير رجعة ....
وتبقى خلاصة السنوات الماضية تصب في الحقيقة الناصعة , وبإنتصار سوريا العظيم , ولمن لا يبصرون عليهم رؤية طليعة القادة العرب اللذين طرقوا أبواب دمشق في زيارة الرئيس السوداني أمس الأول , وفي حديث الرئيس التونسي اليوم عن ضرورة عودة سورية إلى الجامعة العربية , وسط دعم موسكو لهذا الخيار , ووسط الحديث عن إعادة فتح السفارات العربية , وعن إنتهاء الحرب على سوريا , ليكون بوابة عبور الحكومة اللبنانية إلى النور , وبوابة السلام في اليمن ... وإنهاء الحصار العربي على قطر , وإجراء المصالحة العربية – العربية , وكل ما ساروا فيه بعكس طبيعة الشعوب العربية , ووفق نظرية الخروج من السرداب ,,, وبالتأكيد فإن نصر سوريا يعني وقف التطبيع , ووقف كافة مشاريع صفقة القرن , ووقف كل أشكال تصفية القضية الفلسطينية , وبإختصار هو إنقلاب العالم العربي والإقليمي والدولي بفضل إنتصار سوريا العظيم.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
19 / 12 / 2018

Saturday, December 8, 2018

هل يرحل ماكرون كبطل أنصت لشعبه..أم بالقوة ؟ - م. ميشيل كلاغاصي



عناد، تعالٍ، غطرسة، رئاسية -حكومية اشعلت العنف والتخريب، وبعد ثلاثة أسابيع من مراهنة حكومة البرجوازية الحديثة في فرنسا على إنتهاء الحراك الشعبي من تلقائه مهزوما ً، وبعودة المتظاهرين إلى بيوتهم خائبين أمام "عظمة" الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته "المجيدة"، سلوكٌ متغطرس أكد مزاعم أصحاب السترات الصفراء بإنعزال وعزلة الرئيس وإنفصاله عن الشعب ... فقد تأخرت الحكومة لحين قررت مخاطبة الشعب عبر خطاب رئيس الحكومة وخطاب الرئيس ماكرون - الأول - الهزيل والفارغ من أي مضمون ...
في حين خيّب إداور فيليب اّمال الفرنسيين ممن يؤيدون مطالب السترات الصفراء , لكنهم لا يدعمون الحراك والفوضى والعنف في الشارع، فقد عرض تعليق زيادة الأسعار والضرائب لستة أشهر ولم يتحدث عما سيحدث بعدها !..  وعليه أتى العرض واضحا ً مكشوفا ً لجهة خداع الرأي العام، ولا يعدو أكثر من عرضٍ يسعى لتأجيل تقديم الأضاحي إن كان على حسابه كرئيس للحكومة لصالح بقاء الرئيس ماكرون الذي بدوره دعم هذا العرض الخبيث لإثبات برائته من التخريب والعنف والذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك لوصم الشعب الفقير بالمخرب والمتخلف ...
فما تحدث عنه ووعد به السيد إدوار فيليب لا يعدو أكثر من تراجعٍ تكتيكي محسوب يمنح الرئيس ورئيس الحكومة إمكانية نصب الفخ والكمين بالحديث عن التخلي مؤقتا ًعن الضريبة لصالح الحفاظ على فرنسا تحت عنوان: "لن نفقد فرنسا من أجل ضريبة"... أما السيد ماكرون فيبحث عن تبرير تصاعد القمع واستخدام القوة الغاشمة ضد المتظاهرين , بعدما أخافته التقارير الأمنية واستطلاعات الميديا وما يكتبه الفرنسيون على وسائل التواصل لأجل التظاهر يوم السبت 8/12/2018, مع رفضهم وسخريتهم من العرض والعارضين , ووصفوا ما سمعوه من الرئيس ورئيس الحكومة بالكذب والمرواغة بهدف الخداع , فلو كان صادقا ً لكان عليه الإنصياع لرغبات الحشود اللذين رفعوا أصواتهم بشعار "إرحل – ماكرون", وتحت عنوان "لن نفقد فرنسا لأجل منصب الرئيس".
لكن وعلى ما يبدو أن ماكرون أصبح مستعدا ً لفعل أي شيء مقابل بقائه في السلطة، فقد دفع اليوم بالمصفحات وقد يدفع غدا ً بالدبابات، وقد يطلق على معارضيه قذائف الحقد البرجوازي ...
هل حوصر ماكرون وبات عليه أن يرحل بكرامة وكبطل أنصت لشعبه، قبل أن يرحل بالقوة، خاصة ً أنه يحارب عدوا ً مجهولا ً لا يعرف عنه الكثير، ويصح فيه أن يُقال – الرجل الرئيس الذي هزمته سترةٌ صفراء -.
إن السلوك الذي تتبعه حركة السترات الصفراء، وغموض المعلومات عمن يدعمها ويقف ورائها، أو على النقيض من ذلك عبر الإيمان ببرائتها وشفافيتها وبقبول بساطتها وبتصديق كل ما تراه العيون على أنه الحقيقة , يخلق صراعا ً جديدا ً وإنقساما ً إضافيا ً داخل المجتمع الفرنسي .
ولكن يبقى هناك في فرنسا من هم مقتنعون بخبث الحركة ويبحثون عن الأيادي الخفية التي تحرك أصحاب السترات الصفراء، ولا يبحثون عن السبب الحقيقي لثورة شعب على " ذهنيةٍ " قادت البلاد وسنت القوانين عبر مئات البرلمانيين ممن صوتوا لها وعن أحزابٍ ومفكرين ابتكروها وشرعوها، فمن الواضح أن المشكلة أعمق من ظاهرها، ولن يكون إقصاء رئيس الحكومة أو رئيس البلاد مجديا ً كإجراء وحيد ... فالفرنسيون ثاروا على منظومة القيم والمبادئ ومفهوم السلطات المتعاقبة والنخب المزيفة المروجة لمفاهيم خاطئة عن الحرية والديمقراطية والمواطنة ... ففرنسا لم تثور لأجل سعر الوقود فقط بل هي تثور على نفسها وتضع عبر التظاهر والإعتراض أولى قواعد موتها بكل أخطائها وعنجهية ذهنيتها الفاشلة كي تولد من جديد – قبل أن تندثر- وتولد معها مفاهيمها ومبادئها الجديدة بعيدا" عن تقليد وهيمنة مختطفيها في الداخل وأقرانها وجيرانها وحلفائها التاريخيين في الخارج... فهزائمها عبر التاريخ أكثر من أن تُحصى , خصوصا ً في حروب ومعارك دولية مفصلية شكلت بمجملها عوامل حقيقية حوّلتها إلى دولة هزيلة ... ومن غير المنصف الإكتفاء بإتهام فريق الأغبياء المعاصرين فقط , من جاك شيراك إلى ساركوزي وهولاند وماكرون بوصول فرنسا إلى ما ترصده الشاشات اليوم من فوضى وعنف وقمع , في معظم شوارع المدن الفرنسية.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
8 / 12 / 2018