Saturday, September 26, 2020

الوحدة الكردية .. جيفري لن يصنع "المعجزة" - م. ميشيل كلاغاصي

 


لم يطرأ تبدل كبيرعلى الخرائط الميدانية في سوريا منذ أشهر، وتوقفت إحتمالات إحراز أي تقدم عسكري للقوات الأمريكية وأدواتها الإرهابية سواء كانت إنفصالية أم داعشية ، وبقي الإحتمال الوحيد والأكيد هو تحرك وحدات الجيش العربي السوري وفق أجندته الخاصة  نحو استكمال تحرير ما تبقى من أراضٍ تقع تحت السيطرة القوات والعصابات الأمريكية والتركية والكردية ، وبات بحسب الرؤية الروسية والوزير لافروف بأن: "المواجهة العسكرية بين الحكومة السورية والمعارضة انتهت وهناك نقطتين ساخنتين فقط وهما إدلب وشرق الفرات" .

وباتت واشنطن تعول على هيبتها والتهديد بسياساتها العدوانية - الإجرامية ، وأخرجت للعلن مخططها الوقح حول إغتيال الرئيس بشار الأسد ، في محاولة منها لمنع أية تحركات كبرى للجيش العربي السوري وتحديدا ً بإتجاه مناطق شمال وشرق الفرات ، وباتت تتوجس صلابة الرئيس الأسد وكلامه عن المقاومة الشعبية السورية ، التي تتصاعد تحركاتها وتظاهراتها يوما ً بعد يوم ضد وجودها اللاشرعي وضد ميليشياتها الإنفصالية – المجرمة.

وعليه ، أصبح تمسكها بالحصار والضغوط الإقتصادية أولوية على حساب فعاليتها العسكرية ، بالتوازي مع الوجود العسكري الروسي من مناطق وجودها وعلى محاور تحركاتها ، مع ارتفاع احتمالات الصدام العسكري المباشر بين الجنود الروس والأمريكيين ، كما حدث في 24 اّب المنصرم ، وباتت واشنطن تبحث عن بدائل سياسية تساعدها على استمرار وجودها على الأرض السورية وضمان استمرار الدور الكردي ، دون أن تتخلى عن أهدافها في تقسيم سورية .

أرادت خداع الروس والسوريين عبر إعلانها توحيد الصف الكردي - بعدما كانت ترفض هذه الفكرة الروسية بالأساس - ليكون طرفا ًسياسيا ًوأساسيا ًفي مسار الحل السياسي ومن خلال المعارضة الكردية الواحدة ، وعبر مشاركتها في اللجنة الدستورية ، وبالفعل قامت بجمع كافة الأحزاب والأطراف الكردية وبمساعدة فرنسية ، وأعلنت عن نجاح عملية التوحيد , لكنها بالغت بتفاؤلها وبإعلانها هذا ، فالخلافات الجذرية واختلاف الولاءات للأحزاب الكردية أكبر من أن تنتهي في لقاء أو بممارسة الضغوط ، أو بتسميتهم "شركائنا على الأرض" .. لا زال أمامها الكثير لتتعلمه عن تاريخهم وصعوبة دمجهم وصهرهم في بوتقة واحدة ومشروع سياسي واحد ، و الوثوق بموافقتهم العلنية.

وفي الوقت ذاته ، وعلى الرغم من تكرار "الطعنات" الأمريكية في الظهر التي تحدث عنها الأكراد أنفسهم ، لا يزالون يسيرون في ركبها ، وهم يرون إنهيار إكذوبة تمثيل "قسد" ومسد" لكافة مكونات الشعب السوري ، واقتصار دورها على تنفيذ الأوامر الأمريكية بالسيطرة على حقول واّبار النفط  السورية وسرقتها وحرق المحاصيل حرمان الشعب السوري من ثروات وخيرات بلاده وسلته الغذائية ، وبالتكريد وممارسات القمع والعنف والقتل ، وبهدفها المعلن بالحفاظ على إدارة التوحش - "الإدارة الذاتية" ، على الرغم من تصاعد مشاعر الكراهية تجاههم وخروج الأهالي في مناطق سيطرتهم للتظاهر ضدهم ومطالبتهم بالخروج من مناطقهم , وتأكيد إنتمائهم للدولة السورية ورغبتهم بدخول الجيش العربي السوري لحمايتهم ، بالتوازي مع تضاعف عمليات المقاومة ضد هذه الميليشيات ، وانكشاف حقيقة عمالتها وإجرامها ومشاريعها الإنفصالية .

ففي20 أيلول ، زار المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا جيمس جيفري شمال شرق سوريا وعقد إجتماعا ً ضم وفودا ً من "المجلس الوطني الكردي" و"حزب الاتحاد الديمقراطي"  وبعض الأحزاب الكردية المؤيدة لفكرة توحيد الصفوف.

وعلى ما يبدو ، أتت زيارة جيفري بعد موافقة حزب الاتحاد الديمقراطي على اقتراح ٍ أمريكي بتقاسم متساو ٍ للسلطة في هيئة سياسية كردية مشتركة تُعد لشمال شرق سوريا... إن أي إعلان لإنجاز الوحدة الكردية سيكون متسرعا ً، في ظل ضغوط العمليات العسكرية التركية ، والإعلان الأمريكي عن الإنسحاب الجزئي للولايات المتحدة من المناطق الحدودية في شمال سوريا ، بالإضافة إلى التوافق الروسي – الإيراني حول الإستمرار بدعم الدولة السورية والحفاظ على وحدة واستقلال الأراضي السورية ، والتي أقرها القرار الأممي 2254...

إن مغادرة جيمس جيفري الأراضي السورية واتجاهه نحو أربيل ، يؤكد أن مرجعية القرار الكردي ليست في  سورية ، وأن المشروع هو الأمريكي يسعى لإكمال ما بدأه على أرض العراق ويسعى لتمديده داخل الأراضي السورية ، كجزء من المشروع الصهيوني في سوريا الساعي إلى تقسيمها ، واستغلال أكرادها كبيادق على رقعة الشطرنج الصهيونية.

بات من السخرية بمكان أن يتفاقم الصراع السياسي الكردي – الكردي على السلطة في شمال شرق سوريا ، وسط تعدد وتضارب الولاءات والرؤى بين الأحزاب والهيئات ، في وقت ٍ تتالى فيه تصريحات المدعو مظلوم عبدي حول التمسك بـ"الإدارة الذاتية" ، وتصريحات بعض المسؤولين العسكريين حول مقايضة الدولة السورية بالنفط والثروات مقابل الإعتراف بهذه الإدارة ...

بات من المؤكد أن العمى السياسي قد استفحل في عقولهم وأصبحوا عاجزين عن قراءة معادلات الرفض السوري الرسمي والشعبي ، لأي محاولات لتقسيم أو فدرلة سورية ، متناسين الخيارين الذين طرحهما الرئيس بشار الأسد ( الحوار أو القوة ) ، وأن سوريا ستعاقب "كل من تسول نفسه التاّمر على وحدة الأراضي السورية" ، كما أصبحوا عاجزين عن متابعة التطورات والمستجدات الدولية والإقليمية ، وأن الإدارة الأمريكية تبحث عن عقد الصفقات على غرار صفقات التطبيع الخليجي مع العدو الإسرائيلي ، ولا يمكن استبعاد عودتها إلى طاولة المفاوضات الدولية مع حلفائها وأدواتها وخصومها وألد أعدائها ، قبل أن تصفعها هزائمها وينهار إقتصادها على وقع عدم استقرارها الداخلي ، وإنتخاباتها الرئاسية المبشرة بحرب أهلية أمريكية – أمريكية ... حينئذ ٍ لن يجد الكرد من يدعم كفرهم الوطني ومن يهتم بأوهامهم ، وعلى العكس تماما ًسيجدون من سيحاسبهم ، وسيحتاجون من يسامحهم ويعفو عنهم.

المهندس : ميشيل كلاغاصي

26/9/2020

Friday, September 18, 2020

"قسد" في أرجوحة الشيطان - ميشيل كلاغاصي

 

"قسد" في أرجوحة الشيطان



بات من الواضح أن حقيقة التكليف الأمريكي لما تسمى بقوات سوريا الديمقراطية يتخطى حدود مناطق سيطرتها، وحدود الدولة السورية ، والمربع الحيوي للدول الأربعة ( إيران , العراق , تركيا ، سورية )، ويتعداها ليكون جزءا ًرئيسيا ً لحدود الصراع الجيو- سياسي في سورية والإقليم .. ومع استراتيجية الفوضى الأمريكية العارمة وربط الصراعات المحلية بالإقليمية والدولية .. اختارت الولايات المتحدة سياسة الأرجحة ما بين الفعل ونقيضه، فإنسحبت من بعض الإتفاقات والمعاهدات الدولية والثنائية، وعرضت شروطها الجديدة للتفاوض مع ذات الجهات، بعد تطبيق الضغوط والحصار والترهيب والقوة العسكرية عليها، كذلك كإعلانها إنسحاب قواتها من سورية وتعزيز أدوات بقائها فيها , حتى في كلام ترامب "أنا أكره الكرد"، " أنا أحب الكرد فهم شجعان"، وحديثه عن "حماية اّبار وحقول النفط في سورية" من تنظيم "داعش" إلى تسليمها للأكراد، ولاحقا ً إعلانه "استحواذ قواته وسيطرتها على النفط السوري" و"استعداده للقتال" من أجلها ...

يبدو أن واشنطن قد وجدت في أرجحتها تعويضا ً لهزائمها العسكرية والسياسية في سورية، وأقله أوقفت مدّ خصومها وأعدائها وتقدم الدولة السورية نحو كسب المعركة وإنهائها .. فعممت سياسة الأرجحة على كافة أدواتها من تنظيمات إرهابية وميليشيات إنفصالية – إرهابية، وعلى الدول التابعة المنخرطة في مشروعها كتركيا والأنظمة الخليجية.

ماذا عن أرجحة "قسد" ... منذ أن سلّمت "قسد" نفسها للأمريكيين وهي تنفذ ما يطلب منها، وذهبت بعيدا ًبتبنيها المشروع الأمريكي وباتت تغطي أجندته التقسيمية بجسدها وبأحلامها وأوهامها، واندفعت تحت التعميم والقيادة الأمريكية للأرجحة على ثلاثة "حبال" ومحاور، بما يكفل إخفاء نواياها ويبرر سلوكها وتصرفاتها:

المحور الأول ... وهو محور إعلامي لفظي يروج لنفي الغايات والممارسات الإنفصالية, والإدعاء بالحفاظ على وحدة الأراضي السورية, ومحاربة الإرهاب, وإعتماد الحل السياسي الداخلي ولغة الحوار مع الدولة السورية.

المحور الثاني ... وهو محور إنفصالي تقسيمي بإمتياز، قامت من خلاله بسلسلة من الإجراءات والمواقف، أولها رفض عودة سيطرة الدولة ومؤسساتها في شمال وشرق البلاد حتى بعد كسر شوكة تنظيم "داعش" الإرهابي، ولجأت إلى التمرد المطلق، ونسفت النظام السياسي والإداري في مناطقها، وأعلنت تأسيس "الإدارة الذاتية"، وأنشأت مجلسي "قسد و مسد" ، ولم تتوان عن تهميش غالبية شخصيات ومكونات التركيبة الديموغرافية والسياسية للمنطقة، واعتمدت السلب والنهب وحرق المحاصيل الزراعية والسطو على الثروات النفطية وتحكمت بمصادر مياه الشرب ، وحرمت الشعب السوري من سلته الغذائية والنفطية، وكانت جزءا ً رئيسيا ًمن قانون قيصر لحصار الشعب السوري، وساقت بالعنف أولاد تلك المناطق نحو السجون والمعتقلات أو نحو الإنضمام لصفوف ميليشياتها، واعتمدت سياسة التكريد وإحتلال المدارس، وسعت لإقصاء الحضور الرسمي للدولة ومؤسساتها المختلفة بالقوة المسلحة واستولت على عديد المباني الرسمية وحولتها إلى مقار حزبية أو إلى مستودعات ذخيرة أونقاط تمركز لميليشياتها...أما مجلسها السياسي فجاب العالم بحثا ًعن حصد تأييدٍ دولي لمشروع تقسيم سورية عبر سلسلة من الأكاذيب والأوهام التاريخية من خلال إدعائها حقوقا ًتبرر تصرفاتها.

المحور الثالث ... تمثل بالهرولة نحو دمشق عند كل إعلان أمريكي للإنسحاب من سورية، وإظهرت - بعد رفض ٍ-  اهتمامها بالإنخراط في صفوف المعارضة وبالمشاركة الفعالة في اللجنة الدستورية بشروط .

لم تخرج "قسد" عن الطاعة الأمريكية منذ نشؤها الأول على اليد الأمريكية – الصهيونية، واستعملت حبالها الثلاث في تحركاتها السياسية والعسكرية، ولم تتخل عن حقيقة نواياها وأهدافها رغم ما دعته مرارا ً بـ "الطعنة الأمريكية في الظهر"، ولا زالت تكرر مواقفها، ووقعت مؤخرا ًعلى مذكرة التفاهم المشتركة مع حزب الإرادة الشعبية المعارض.

حيث ورد في بيان المذكرة كلاما ًإعلاميا ًحول وحدة سورية أرضا ًوشعبا ً، ما لبث أن تم نسفه بالمطالبة بالتعدد الهوياتي لمكونات الشعب على حساب الهوية السورية الواحدة، وعلى أسس قومية وعرقية صريحة للأقليات والمكونات ، وأيُّ حقٍ لتقرير مصير ملايين الشعب السوري ذاك الذي يكون على قياس الأقليات !.

كما أتى فيه تأكيد الطرفين دعمهما وسعيهما لتنفيذ القرار 2254 كاملا ً بما في ذلك تنفيذ بيان جنيف البائد وبضم كافة منصات المعارضة بما يعني تسليم السلطة لمعارضات كانت ولا تزال تشكل جزءا ً من الحرب على سورية، وبما يشير أيضا ً إلى ضم "قسد" وإشاركها بالعملية السياسية واللجنة الدستورية، تنفيذا ًمنها لأجندة واشنطن في تعطيل عمل هذه اللجنة وتفخيخها من داخلها.

كما نسف البيان النظام الإداري والسياسي المركزي للدولة السورية، عبر المطالبة بنظام لامركزي، وبالمحافظة على ما تسمى "الإدارة الذاتية" بما يعني شرعنة التمرد الكردي وغيره, والإعتداء على السيادة الوطنية للدولة والشعب السوري، والإعتراف بنواة التقسيم والفدرلة... ولم يفت البيان أن قدم دعمه لبروباغاندا المظلومية والحقوق القومية والعرقية للأكراد والأقليات في أكبر عملية تزييف للواقع الحياة السياسية والإجتماعية في سورية.

ويبقى من أهم ما جاء في البيان الحديث عن منع الجيش من ممارسة دوره السياسي، بما يعني عزل الجيش ومنع رئيس الجمهورية من قيادته، والمطالبة بخروج كافة القوات الأجنبية في تجاهل تام للإتفاقيات العسكرية التي وقعتها الدولة السورية مع حلفائها، ومساواة القوات الشرعية بـ اللاشرعية، بالإضافة إلى ضم "قسد" إلى صفوف الجيش السوري بشروط ووفق إتفاقٍ ثنائي، بما يعني تغييرا ًجذريا ًفي عقيدة الجيش السوري ومبادئه، وقبوله إنضمام العصابات والميليشيات المأجورة في صفوفه، وجعل شمال شرق سورية مرتعا ً للإستخبارات الأمريكية والموساد الإسرائيلي.

لن تحظى المذكرة بقبول الدولة والشعب السوري، بل على العكس تماما ً، وستبقى مذكرة عارٍ وإدانة على جبين موقعيها، ودليلا ً قاطعا ًعلى حقيقتهم وولائهم الخارجي لأعداء سورية أرضا ً وشعبا ً، وستكون عاملا ً إضافيا ً للغضب الشعبي بما سيضاعف أعداد السوريين المقاومين المتطوعين للدفاع عن وحدة وسيادة وكرامة وعنفوان وطنهم إلى جانب الجيش العربي السوري، وعليهم يعلق السوريون اّمالهم بالإنتصار، وليس على من باعوا أنفسهم وتأرجحوا في أرجوحة الشيطان.

إن ركوب "قسد" أرجوحة الشيطان الأمريكي, رفع منسوب هواجس القيادة الروسية، التي تبدو حتى اللحظة عاجزة عن احتوائها واستمالتها لقبول الحل السياسي ولتنقية نفسها من "الشوائب" الإرهابية الغريبة التي سخرت نفسها لخدمة المشروع الصهيوني في سورية والمنطقة... وباتت موسكو تتوجس الصدام المباشر بين "قسد" والقبائل العربية أو المقاومة الشعبية والجيش العربي السوري.

كما باتت موسكو تعاني أرقا ًإضافيا ًحيال الأرجحة التركية، ومستقبل الوجود العسكري التركي اللاشرعي في سورية ، واستمرارها بقيادة للمجاميع والتنظيمات الإرهابية، وعدم إلتزامها بالإتفاق مع موسكو بسحب الأسلحة الثقيلة من محافظة إدلب وخروج الإرهابيين الأجانب، وفتح طريق  M4... وباتت موسكو تؤمن أكثر فأكثر مدى الإرتباط والتعقيد ما بين ملفات شرقي الفرات وغربه ، حيث يشكل التواجد التركي والأمريكي والروسي عاملا ً مشتركا ًفي بقعة ٍجغرافية ضيقة ، ما يرفع إحتمالية أن تتسبب شرارة صغيرة بإندلاع حريق كبير، خصوصا ً بين القوات الأمريكية والروسية على غرار ما حدث في 24 اّب الماضي.   

ومع إهتمام إدارة ترامب بالإنتخابات الرئاسية، تسعى إلى تجميد الأوضاع في سورية، خشية تعرضها لهزيمة مفاجئة سياسية أو عسكرية تصيب النفوذ الأمريكي وتصب في صالح النفوذ الروسي والإيراني، وتطيح بطموحات الرئيس ترامب الرئاسية القادمة وسط غياب إنجازاته، وعليه يزداد تمسكه بأدواته الكردية والتركية والإرهابية، وبإطالة أمد الحرب ومنع دمشق من تحقيق نصرٍ عسكري، وبالإستمرار بسياسة حصار الإقتصاد السوري والعقوبات، وبالحفاظ على حياة  الجنود الأمريكيين المتواجدين بصورة لا شرعية في سورية .

المهندس: ميشيل كلاغاصي

18/9/2020