Sunday, April 21, 2019

سورية أرض السلام ... ليكن صفحٌ وفصحٌ - ميشيل كلاغاصي




لماذا يستمر الألم !؟
كم من الجروح نعاني، الجسدية منها والنفسية، المادية منها والمعنوية، من الخصوم والأعداء، وحتى من أقرب الأقرباء وأعز الأصدقاء !؟
فهذا يحاربنا، وذاك يتاّمر علينا، واّخر يجرحنا في كرامتنا، وذاك يؤذينا في عملنا، وهذا يعيبنا في غيابنا وذاك يشوه سمعتنا، وهذا ينسى معروفنا وذاك يفرّق بيننا، وهذا يسلب أموالنا وذاك ينكر علينا حقنا.
فالعين تدمع والقلب يدمى والأعصاب تتعب والجسم يتداعى .... وسنحمل معنا إلى يوم الدين جميع هذه الجروحات، ولن ننال المكافأة، إلا إذا حولنا ما حلّ بنا الى ينابيع نور وصبر ومسامحة ومحبة.

ولمن يتساءل، كيف نتداول معاني الفرح والسلام ... ونحن نعيش في ظروف لا فرح فيها ولا سلام؟، نقول:
- من لا يشعر بالأسى العميق، لدى مشاهدة مظاهر القتل والتهجير والتدمير عوضا ًعن العيش الكريم والطمأنينة والسلام ؟!
- من لا يتألم عندما يرى أولادا ً وشبانا ً بَترت العبوات الناسفة بعضا ً من أعضائهم، فحُكم عليهم بأن يعيشوا معاقين ما امتدت أعمارهم ؟!
- ومن لا يتأثر ويحزن لبكاء الأمهات ونحيب الأرامل وقد فقدن أطفالاً ورجالا ً، والعالم غير مكترث بهن.
لا نريد أن يكون للحقد والعنف وللدماء والموت الكلمة الأخيرة ...
بل نريد في هذه الأوضاع الصعبة والخاصة أن نرفع أكف التضرع من أجل سورية وشعبها وأن يغلب الأمل الألم، وأن يحل السلام على أرضنا وفي قلوبنا.

ندعو كل من ابتعد أن يقترب، وأن يصغي لدقات قلبه ويعيد ربط تواترها مع نبضات الوطن.
ندعو كل أبناء الوطن لتعزيز التضامن والتكامل والوحدة الوطنية.
ندعو كل من أدرك أن الغريب المخادع لعب لعبته، وبث سموم حقده وبطشه لينال منا جميعا ً دون استثناء وطنا ًوشعبا ً، وامكانيات وقدرات، لقد أرادها الأعداء حربا ًرهيبة ً تجعل الإبن يقتل أمه ويحطم أحلامها فيه،
فلن ننال منهم إلا كذبا ًووصمة عار وشماتة بغياب التاّخي، وغياب حديث الإخوة وحوارهم... وسنبقى نحن من نسعى للإنبعاث لحياة جديدة، ونحن من سيجد السعادة بعد الشقاء، والفرح من بعد الحزن، والسلام بعد الألم.

ولم يعد خافيا ًعلى أحد وقوف العدو الإسرائيلي وحلفائه من عرب وغرب وراء كل ما حدث، ولا نملك أدنى شك في حب أبنائنا جميعا ً لوطنهم، حتى من وقع بغشاوةٍ دفعته للخطأ أو الخطيئة، فلنطرد كل الغرباء عن أرضنا.

وها هو قائد الأمة ورمزها يستشرف المستقبل من خلال قراءةٍ نافذة في عمق تفكيرهم وتاريخهم وإجرامهم، ويضع قواعد ومعادلات المقاومة نصب أعينهم، ويعبّر عن وجدان كل سوريٍ وعربي وكل مقاوم شريف، إذ يقول: "إن ما يقومون به وما يرتكبونه من جرائم حرب لن ينتج لهم سوى أجيال عربية قادمة أشد عداءً لإسرائيل، مناعتها تتطور، وإرادتها تتصلب بوتيرة أسرع وبشدة أكثر فتكاً من تطور وقوة ترسانتهم العسكرية".

و"هذا يعني بمعادلة الواقعية بأنه مع كل طفل عربي يُقتل، يولد مقابله عشرات المقاومين، وهذا يعني أيضاً أنهم يحفرون بأيديهم قبوراً لأبنائهم وأحفادهم فلديهم الخيار اليوم ليزرعوا ما يشاؤون للمستقبل خيرا ً أو شرا ً، لكن بعد ذلك لن يكون لهم الخيار في تحديد نوع الحصاد، فقد زرعوا الدماء ولن يحصدوا غيرها، والنبتة عندما تنضج ستكون أكبر من البذرة التي أنبتتها بكثير".

ليكن صفحٌ وفصحٌ وسلام، ولتُغسل القلوب، وليكن عناق وبكاء فرح، وليُطلق كل منّا غفرانه، عسى الله القادر والقدير أن يهبنا فصحا ً، يكون جسر عبورٍ لحياة اّمنة هانئة، ومستقبل مشرق ننطلق نحوه عبر أوسع أبوابه لإعادة بناء ما تهدّم، لنتابع مسيرة التحرير والكرامة، ولا بد لنا أن نفعل ما يليق بنا ويؤكد هويتنا وعزتنا وإعتزازنا، بأننا نحن السوريون.

المهندس: ميشيل كلاغاصي
21 / 4 / 2019

Friday, April 19, 2019

سورية والسيد المسيح ... صلبٌ وقيامة - م. ميشيل كلاغاصي



جاء في رسالة السيد المسيح الى الدمشقية السورية – ميرنا الأخرس – في حزيران 2004:
"وصيتي الأخيرة لكم ارجعوا كل واحد الى بيته، ولكن احملوا الشرق في قلوبكم، من هنا انبثق نورٌ جديد أنتم شعاعه لعالمٍ أغوته المادة والشهوة والشهرة، حتى كاد العالم أن يفقد القيم، أما أنتم حافظوا على شرقيتكم ولا تسمحوا أن ُتسلب إرادتكم، حريتكم في هذا الشرق".

سورية والسيد المسيح ...

ففي البدء كان الكلمة ... فكان هو
وأكثر من 9000 اّلاف عامٍ في التاريخ ... كانت هي

عشراتُ ومئات الأنبياء تحدثوا عنه ومهّدوا لمجيئه ... هذا هو
أما هي ... فبشرٌ وحجرٌ وحبٌّ ووفاء، وأيدي جبابرة رسمت حضارتها وملامحها

قال هو ... أنا كلمة ٌ ووعدٌ وحياة، وصوتٌ صارخٌ
وقالت هي ... أنا فكرٌ وعِلمٌ وحضارةٌ وسلامٌ ورسالة

عرفهُ قومهُ ... ونكروه
كذلك هي ... خرجوا من رحمها ومن قلبها ... شربوا حليبها وأكلوا من يدها ... ونكروها

صوتُ السماءِ كان مدويا ً ... "هذا هو ابني الحبيب"
فغضبوا وحنقوا ومكروا شرا ً
أما هي ... فصوتها كان مدويا ً "فلسطين ُ يا عرب"
فغضبوا وحنقوا ومكروا شرا ً

تاّمروا عليه وظلموه ... وتاّمروا عليها وظلموها
كشاةٍ ساقوه للذبحِ ... فلم يفتح فاهُ
ومسكينة هي ... ملايين السكاكين والخناجر نحرتها ... فلم تفتح فاهها ... وفي قلبها عربٌ وعروبة

حَمَل اّثامنا وأوجاعنا ... لأنه هو
أما هي ... فحمّلوها كفرهم وإلحادهم وخنوعهم وجشعهم

قالوا في سرّهم ... سنهدّ الهيكل ... فأجابهم وأنا أقيمه في ثلاثة أيام
وقالوا ... سننهش جسدها ونحرقه ونتقاسمه ونوزعه وننثره في الرياح ... فأجابتهم: هيهات، خسئتم

ترنّح على الصليب ومات جسدهُ ... فضحكوا وهزؤا
أما هي ... فدمروا مدنها وقدراتها وأنهكوها وحاصروها وسقط شهداؤها

اقترعوا على ثيابه ومزّقوها ... ولها، رسموا الخرائط ووزعوا ثرواتها وسرقوها

وضعوا على قبره حجرا ً ... وأزالوها من مجامعهم وطبعوا أوراق نعوتها

وجاء اليومُ الثالثُ ليشهد زلزاله ... وجاء نصرها ليشهد زلزالها
زلزالهُ جَلجَل الكون ... وزلزالها جلجل الأرض

قال أنا هو ... وقالت أنا هي
ارتفع وسما وويلٌ للعصاةِ والخطاة ... أما هي، فحلّقت وقويت واشتدّ ساعدها فويلٌ للغزاة والطغاة

حقا ً المسيح قام ... وسورية انتصرت

المهندس: ميشيل كلاغاصي
19 / 4 / 2019

Monday, April 15, 2019

"العرب" ... ونصف صفقة القرن - م. ميشيل كلاغاصي



على الرغم من إنحياز الولايات المتحدة الأمريكية المطلق للكيان الإسرائيلي, وخسارة دورها كوسيط في الشرق الأوسط، إلاّ أنها ماضيةٌ في الإسئتثار بعملية السلام من بوابة الإستسلام، بعدما غزت جيوشها الأصيلة والوكيلة وعملائها معظم دول العالم العربي، وبعدما فرضت هيمنتها وإرادتها على حكومات وعروش التخاذل العربي، وسعيها الدائم لحصار دمشق وطهران، وتضييق الخناق على أحزاب وحركات وفصائل المقاومة ... وبعدما نقلت سفارتها إلى القدس واعترفت بها عاصمة ً ل "إسرائيل"، وبقرار إعترافها بالضم الإسرائيلي للجولان السوري المحتل، وعبر عشرات المواقف الناسفة لأي حل وأي سلام في المنطقة ....

وبعد تعويمها ودعمها لفوز نتنياهو وتحالف اليمين، جاء دور إعلانها عن بنود صفقة القرن – كما وعدت -.... ولحينها لا زالت تحافظ على سرية تلك البنود خاصة ً السياسية منها، وكل ما أفصحت عنه، هو تلك العبارات المبهمة التي قدمتها لأدواتها العربية ولخصها غاريد كوشنر بأربع كلمات: الحرية، والكرامة، والأمن، والإزدهار الإقتصادي، دون أي شروحات أو توضيح، إذ فضّل إعتماد السرية "خشية تسرب التفاصيل قبل نضوجها"– بحسب كوشنر-، وبقي للعرب أن يوافقوا على الصفقة الغامضة، التي عُرض عليهم جزءٌ من تفاصيلها الإقتصادية فقط!

أيُّ نفقٍ مظلم يسير فيه العرب خاصة ًممن يعتقدون أنهم شركاء وحلفاء للولايات المتحدة الأمريكية وأنهم أصدقاء الرئيس ترامب وصهره ... وأي صفقةٍ كُلف بها ولي العهد السعودي وجاره ابن زايد وبالترويج لها وبإقناع السلطة الفلسطينية بها، وأيُّ سلامٍ وحقوق سيستعيدها الرئيس الفلسطيني سلما ً! ... وبكل بساطة العرب لا يعلمون شيئا ًعن صفقة القرن، فقد أعلنوا موافقتهم على مبدأ تبادل الأراضي وسال لعابهم على المشاريع الإقتصادية التي تم الحديث عنها على الورق فقط، وأعربوا عن تأييدهم وترحيبهم بالتطبيع وبفوز بنيامين نتنياهو في الإنتخابات، واكتفوا برفضٍ لفظي لقرار ضم الجولان السوري المحتل، ودعموا موقفهم بتأكيد رفضهم عودة الدولة السورية إلى الجامعة العربية – حاليا ً -.

وكيف لهم أن يعرفوا، فبحسب موقع صحيفة "اكسيوس -Axios" الأمريكية "أن هناك ستة أو سبعة أشخاصٍ في أمريكا فقط يعلمون تفاصيل الشق السياسي المتعلق بصفقة القرن، وأن الإدارة الأمريكية لم تطلع "شركائها" العرب سوى على الشق الاقتصادي منها"، وذلك خلال جولة كوشنر الأخيرة في المنطقة، وأنه لم يكشف عن التقسيم المقترح للأرض أو وضع مدينة القدس أو إذا ما كانت (الصفقة) ستدعم إنشاء دولةٍ فلسطينية...

وهذا يفسر مخاوف وإرتباك بعض الدول العربية كالسعودية والإمارات والأردن والسلطة الفلسطينية ذاتها .... ويفسر نفي الرئيس المصري وجود مثل هذه الصفقة واعتباره أن التسمية نابعة من أهمية وحجم القضية الفلسطينية، فيما عاد العاهل الأردني من زيارته الأخيرة إلى واشنطن وهو غير راضٍ عن مستوى التشاور ويشعر بالإحباط على الرغم من اجتماعاته العديدة مع كبار المسؤولين في إدارة ترامب، ويقول – بحسب الصحيفة -: أن "البيت الأبيض لم يعطه أي رؤيةٍ حول الجزء الأشد خطورة من خطة السلام"، والكيفية المقترحة لتقسيم الأراضي الإسرائيلية والفلسطينية .... وتوّلد لديه الشعور بأن الصفقة إقتصادية أكثر منها سياسية، وأنه يعتقد أن خطة ً اقتصادية بدون خطةٍ سياسية ليست كافية... في حين أكد مسؤول كبير في البيت الأبيض: أنها "ليست مجرد خطة اقتصادية فقط ونحن نفهم أنه إذا كان الجانب السياسي لا يعمل، فالجانب الإقتصادي لن يخلق السلام"... "لكن، الجانب السياسي لن ينجح بدون خطة إقتصادية مهمة لتعزيز حياة الفلسطينيين وحياة الآخرين في المنطقة".

وبإنتظار أن يعلن قريبا ً الرئيس ترامب عن صفقة القرن والتي يدعوها "خطة السلام"، يتوجس الأوروبيون ويعبرون عن مخاوفهم من أن تسير الخطة بعكس مصالحهم فسيضطرون إلى البحث عنها بعيدا ًعن الركب الأمريكي!... وعلى الحكومات العربية مصارحة شعوبها، بتأكيد أو نفي إطلاعها على كامل الصفقة أو نصفها فقط، فالشعوب لن تتسامح مع كل من يفرط بالمصير والحقوق والأرض، وستكون عونا ً دعما ً لكل من يحافظ عليها.

إن استبعاد الشق السياسي من التداول يؤكد رغبة واشنطن في الإستئثار برسم خريطة المنطقة والإبتعاد عن أساسها وجوهرها هو الإحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، بعد جولةٍ حامية من تفكيك الدول العربية ودفع المتخاذلين نحو الحضن والفلك الإسرائيلي.
كذلك يأتي تأكيد صحيفة ال "واشنطن بوست" بأن: "صفقة القرن" تتضمن تحسين ظروف حياة الفلسطينيين ولا تتضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولا تستند إلى حل الدولتين، وأنها تركز على الإحتياجات الأمنية لإسرائيل.
وهذا ما يؤكد نفاق ومراوغة الرئيس دونالد ترامب الذي لطالما تحدث عن حل الدولتين، وعن تنازلات متبادلة من الطرفين، وأن واشنطن لن تسعى لإملاء الشروط لحل النزاع, بل ستدعم أي إتفاق يتوصل إليه الطرفان, فقد وجه بهذا الكلام إشارة ً قوية لإنفتاحه وقبوله بحل الدولة الواحدة التي يطرحها الفلسطينون, وقد سبق للسيد صائب عريقات قوله : " أن البديل الوحيد لحل الدولتين هو دولة ديمقراطية واحدة وحقوق متساوية للجميع، للمسيحيين والمسلمين واليهود" ... لكن الرئيس ترامب لم يتوقف عن المراوغة وأعلن لاحقا ً في الإجتماع السنوي لزعماء العالم في الأمم المتحدة بأنه: "يروق لي حل الدولتين. وأعتقد أنه الأفضل"... ويبقى كلامه الهام ذاك الذي أطلقه عشية إعترافه بالقدس عاصمة ً لإسرائيل:" أعتقد ان إسرائيل تريد فعل شيء والفلسطينيين يريدون فعل شيء".

من الواضح أن الرئيس الأمريكي يسعى للتمسك بجني "الإنجازات"، وعينه على الفوز بولاية رئاسية ثانية، لذلك يلجأ إلى الحفاظ على الدعم والحشد الكامل الذي يتلقاه من التيار المسيحي الإنجيلي والإيباك الصهيوني، ولن يتهاون مع معرقليه سواء من الأدوات أو الأعداء، وقد يستمر بضغوطه وبعقوباته على مصر من بوابة صفقة الطائرات الروسية "سو – 35"، وصفقة ال S400 التركية – الروسية، وإعادة إحياء ملف الخاشقجي. كذلك بقراره ضم الجولان السوري، ومحاصرة إيران والضغط على المقاومة اللبنانية والفلسطينية.

يا له من مشهد مخجل أن نرى فيه زعماء بعض الأنظمة العربية يجتمعون حول خرائط المشاريع الإقتصادية، ويحلمون بالرضى الأمريكي – الصهيوني، غير اّبهين بحياة ومصير الأرض والشعب الفلسطيني وحقه بالعودة إلى وطنه ووطن اّبائه وأجداه، تلك الأرض التي سُفك ولا زال يُسفك لأجلها الدم المقاوم الطاهر في فلسطين وسورية ولبنان واليمن والعراق وعلى إمتداد محور المقاومة، وبالدم الذي يسري في عروق كل مقاومٍ شريف.
لن يمر هذا المخطط اللعين، ولم تعد الشعوب العربية تعول على هذه الأنظمة الخانعة، ويبقى الحل الوحيد هو بإستمرار المقاومة طالما هناك من يحملون السلاح، ويواجهون العدو الإسرائيلي والهيمنة الأمريكية، ومن يرفضون كل تطبيع، ومن يرون أن أمريكا ليست قدرا ً للشعوب العربية، وأن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، وأن مصير أوطاننا و"مصير المنطقة تقرره الشعوب مهما تعاظمت التحديات" – بحسب قول وتاكيد الرئيس بشار الأسد.

المهندس: ميشيل كلاغاصي
15 / 4 / 2019

Saturday, April 13, 2019

فلسفة "الحل السياسي"، إنتصار سورية العسكري هو المعيار- م.ميشيل كلاغاصي



"الحل السياسي" إكذوبةٌ تتردد في الشرق الأوسط، منذ ما قبل الحرب على سورية، وخلالها، وبالتأكيد ستمتد إلى ما بعدها.
مالذي يقصده مرددوا هذه العبارة؟ وهل حقا ً هم معنيون بالحل السياسي في سورية، وبإنهاء الحرب عليها؟ ويحملون السلام على أكفهم ليقدموه لسورية ولدول وشعوب المنطقة ...؟ أم يتلطون خلفها لإخفاء حقيقة نواياهم في محاولةٍ لكسب الوقت وحرف الأنظار عما كُشفت فصوله ولم يعد سرا ً!

بالتأكيد هذا جزءٌ من أساليب التضليل والخداع ... وصورة ٌ واضحة لتّخفي الذئب في لبوس الحمل.
فلا زال العالم يذكر تلك الزيارة الشهيرة للسيد كولن باول إلى سورية، عندما حمل معه ورقة ً وبنود ... فسرها البعض على أنها تمثل بمجموعها حلا ً سياسيا ً للصراع في المنطقة.

لقد كان يومها أنيقا ً وتحدث بأدبٍ شديد، لكنه ترك للبنود أن تُظهر وقاحتها ...! أما الدولة السورية فنظرت اليها على أنها ورقةُ تهديدٍ ورسالة حرب، وطلبا ً رسميا ً للخنوع والإستسلام، بدليل طريقة استقبالها ووداعها له ...! في حين كان يعرف مسبقا ً رد القيادة السورية، لكنه سجل نقطة ً في مرمى "الحل السياسي" الأمريكي المزعوم.

ومنذ أن وصلت الحرب – الحالية - إلى سورية، بتنا نسمع عبارة "الحل السياسي" عشرات المرات يوميا ً، وعلى ألسنة السياسيين والإعلاميين دون توقف ... وتحولت الى استراتيجيةٍ لفظية تُجمع عليها كل الأطراف، مع فارق المعنى المبطن والمخفي لكل من يُطلقها ...
فقد سمعناها من الإدارة الأمريكية والروس، والفرنسيين والأتراك والعرب والخليجيين وحتى من الإسرائيليين ... ومن أفواه من يعتدون ويتاّمرون وهم مستمرون بالتمويل والتسليح وبإرسال الإرهابيين إلى سورية ... كذلك سمعناها من أفواه السوريين أنفسهم "معارضين" أو "مؤيدين" ومن الدولة السورية.

ماذا لو أفصح الأمريكيون صراحة ًعن قصدهم الحقيقي في لفظها أو بتبنّيها ... تراهم سيقولون نحتاج شرقا ً أوسطا ً جديدا ً نرسمه بأيدنا وكما نشاء بحيث يضمن ويحمي مصالحنا وعلى رأسها أمن "اسرائيل"، وقد لا يعنينا رحيل الأسد أو بقاؤه، ويكفينا أن تتحول سورية الى دولةٍ طائعة، فاشلة، مدمرة، محطمة تقبل بما نخطط وينشغل السوريين بداخلها لعقودٍ طويلة.

أما الإسرائيليون ... فيدركون أن صراعهم مع محور المقاومة يتعدى كونه مجرد صراع حدود، بل هو صراع وجود وبإمتياز، الأمر الذي يجعل سقف "حلهم السياسي" أعلى بكثير من الأمريكيين ... وقد يكون زوال الدولة السورية تشظيا ً وذوبانا ً في عشرات الدويلات أو الكانتونات قصدهم ومأربهم الوحيد.

أما الأوروبيون وتحديدا ً البريطانيون والفرنسيون، فالحل السياسي الذي يعنيهم يتمثل بتقسيم سورية لضمان حصتهم ومصالحهم في المنطقة بعدما أضاعت إداراتهم المتعاقبة موروثها ونفوذها العسكري والسياسي والإقتصادي في المنطقة، وألحقته بضياع قيمها وموروثها الإجتماعي والأخلاقي وتحولت الى أداةٍ أمريكية تابعة ليس إلاّ.

في حين يملك الأتراك مضمونا ً عالي السقوف تحت جناح "الحل السياسي" التركي، والقصة وتتعلق مباشرة ً بإحياء أمجاد الدولة العثمانية البائدة، والتلذذ بقضم المزيد من الأراضي السورية، ناهيك عن الأحلام الشخصية "للسلطان" الواهم أردوغان وأتباعه في حزب التنمية والعدالة في قيادة المنطقة عبر قيادة مشروع إسلامي إخواني يتيح له الوقوف على حدود أوروبا كالديك الصارخ.

أما عربيا ً، فالموضوع يختلف نسبيا ً بين دول الجيوش وعروش العمالة الخليجية ... فالبعض يردد كالببغاء دون أن يملك حلا ً فعليا ً، وينتظر أوامر من اّمن به سيدا ً مطلقا ً، ويتملّكه الخوف إذا ما حاول أن يكون جادا ً للحظةٍ واحدة، فقد يطاله الإرهاب بأسرع مما يتخيل.

في حين انفردت دول الخليج في "حلها السياسي" على طريقة ذاك الذي حمل الأسفار والأحقاد والأموال والبدع الدينية ... فهي لا تملك حلا ً سياسيا ً في سورية ولا تؤيده بأي حال من الأحوال، بدليل تجنيد نفسها طوعا ً في المؤامرة على سورية وكافة الدول العربية.
فقد قدمت للمشروع الصهيو-أمريكي خدماتها المجانية، وجعلته يخوض الحرب التي يشتهيها دون أن يخسر فلسا ً واحدا ً ... وساهمت في إنعاش اقتصاده المتهاوي.... بعدما أيقظت الفتن الدينية والمذهبية والطائفية، التي لن يخرج العرب والمنطقة منها إلاّ بعد انتصار الحق وبعد أن ترتوي الأرض بدماء السوريين والعراقيين واليمنيين وكل العرب.

وباتت الشعوب العربية تؤمن أن سورية هي المنقذ الوحيد، وأنها الوحيدة والقادرة على هزيمة الإرهاب والمشروع برمته ... بفضل عزيمتها وقوتها وايمانها وبجيشها القوي وحنكة قيادتها وصمود شعبها.

لقد استطاعت سورية أن توقف عجلات المخطط الرهيب، عبر صمودها وانتصاراتها السياسية والعسكرية، واستطاعت الحفاظ على وحدة أراضيها وسيادتها على الرغم من سيطرة الإرهاب على بعض الجغرافيا فيها، فهذا مؤقت ولن يدوم، لا يعدو أكثر من تمرد وإرهاب ولن يغير في معادلة الصمود والحدود والوجود... وبات واضحا ً أن الحل السياسي الحقيقي هو الذي يرسمه رجال الله وأبطال الجيش العربي السوري في الميدان , بعد سنوات من التضحيات وشلال دماء الشهداء اللذين عبّدوا طريق النصر العسكري ليكون المدخل الوحيد إلى الحل السياسي القابل للتطبيق.

وبات العالم كله يًقرُّ بالنصر السوري وبحتمية التسويات والحوار المباشر مع الدولة السورية ... فقد أحرجت سورية الجميع وحاصرتهم سياسيا ً وأخلاقيا ً بفضل انتصارات جيشها وصمودها، وأكدت أن إنتصارها العسكري رسم ملامح وهوية الحل السياسي النهائي ... ولم يبق لأوراق الإرهاب في إدلب ومشاريع الشمال والشرق الإنفصالية – التقسيمية، سوى السقوط والفشل، خصوصا ً بعد الترنح الجدّي الذي بدأت ملامحه بالظهور اليوم.

فالمعركة العسكرية انتهت حسابيا ً وانتهى معها الإستثمار في الإرهاب... ولن يجدي الحصار الإقتصادي نفعا ً، فالسوريون قادرون على إسقاط مؤامرات الحصار عبر الحدود، بدليل حاجة كافة دول الجوار للمائدة السورية... وقد يكون من الحكمة أن يُسرّع الرئيس ترامب إلتحاقه بركب النصر السوري ليكون "البطل" الذي وبالكاد فاز بماء بوجهه... لكن عليه أن يحذر خطف الإنتصار السوري، كي لا يُضيف أكذوبة ًجديدة إلى سجله الحافل.

المهندس: ميشيل كلاغاصي
13 / 4 / 2019

Tuesday, April 9, 2019

طهران وواشنطن ... القرار بالقرار، تحدٍ وكسر إرادات - م. ميشيل كلاغاصي


هي أمريكا أم "إسرائيل"، ترامب أم نتنياهو!، لا فرق ... فاللعبة في تبادل الأدوار والهدايا، وفي التناوب على الشرّ والظلم واستمرار الإحتلال وزعزعة استقرار العالم، واستباحة الحقوق والقفز على الشرعة والأعراف الدولية ... مشاريعٌ ومخططاتٌ خبيثة لضرب الأعداء ومنافسة الخصوم وحلابة الحلفاء والشركاء ... وتبقى فلسطين العنوان الأبرز للمؤامرة، ولسان حال واشنطن يقول ويلٌ للمعرقلين ونارٌ وحروب وعقوباتٌ للمدافعين عن كرامتهم وسيادتهم ومقدساتهم، غطرسة ٌ أمريكية لم تعد في مكانها ولا في زمانها ...

وهناك من يرى أن أمريكا لم تعد قدرا ً للأوطان والشعوب, ففلسطين كانت البداية ولازالت الملهم الأول للثورة الإسلامية الإيرانية, أربعون عاما ً لرفع العلم الفلسطيني, ومسيرةٌ مضيئة بالدعم والتضحيات ... وأربعون عاما ً للحروب والحصار والعقوبات والتاّمر والمؤتمرات والأحلاف لكسر الإرادة الإيرانية, وكانت النتيجة أن حافظت دول التاّمر القريبة على تخلفها وحقدها, فيما سعت الدول البعيدة لطلب ودها, أما إيران فقد حلّقت بعلومها وتطورها وديمقراطيتها وإنجازاتها, تحت أعين حراسها والأمناء على قرارها وحماة قرارها السياسي والسيادي في الحرس الثوري الإيراني, ورغم الحصار طرقت أبواب النادي النووي, واقتحمت الصناعات الحربية, وطورت برامجها الصاروخية, وكانت خير داعم للأرض والعرض والكرامة والمقدسات, فلسطين شعارها وكتابة السطر الأخير لصفحة الكيان الغاصب هدفها, هكذا "أذنبت" إيران وهكذا دعمت المظلومين والمقاومين, وهكذا قدمت وفائها لشركائها في الوفاء.

فوُضعت تحت مرمى الإستهداف الأمريكي – الإسرائيلي -الخليجي، وأتاها الرد واضحا ً صريحا ً، لا للنووي السلمي، لا للبرنامج الصاروخي، لا لدعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية، لا لدعم الدولة السورية، واليمن والعراق .... إلخ، أرادوها ضعيفة وبلا سند، لتعود من تلقائها إلى طاولة المشرحة، تحمل كفنها بيديها، مطرزا ً بتنازلاتٍ وبإستسلامٍ يدفع عنها حصارهم وتاّمرهم وجحافلهم.
لكنها رفضت ورفعت شعار التحدي وقبلت المواجهة, متسلحة بإيمانها وتراص وتماسك جبهتها الداخلية وبدعاء مرشدها وتوجيهاته, وبحراسة أشدائها ورجالاتها وحكمائها وقادتها في الحرس الثوري الإيراني, فكان التصويب الأمريكي الجبان وغير المسبوق أن اعتبرت الولايات المتحدة جزءا ً أساسيا ًمن الجيش الوطني الإيراني منظمة ً إرهابية ً, يا لوقاحة البيت الأبيض بوجهه الأسود ورئيسه الأرعن, الذي اعتقد أن إستبداله المنافسة بالتهديد والمواجهة العسكرية, سيمنحه رهانا ًجديدا ً يحصد من خلاله استسلاما ً إيرانيا ً, ينعكس تفردا ًبالدولة السورية والمقاومة اللبنانية والفلسطينية, ويسمح بتمرير صفقة بيع فلسطين بأبخس الأثمان.

ويبقى من اللافت التواتر الذي يربط بين توقيع الرئيس ترامب الحزمة الثانية للعقوبات الأمريكية عشية الإنتخابات الرئاسية النصفية في الولايات المتحدة, وتوقيعه على تصنيف الحرس الثوري الإيراني كتنظيم إرهابي عشية الإنتخابات الإسرائيلية ... بالتوازي مع توقيعه قرار ضم الجولان السوري للسيادة الإسرائيلية قبل عدة أيام, وتصاعد الحديث عن صفقة القرن, والتجييش الأمريكي الكبير والتحريض المباشر على حزب الله وسط بيئته اللبنانية, وموجات العنف والضغط الإسرائيلي على حركات المقاومة الفلسطينية والصليات الصاروخية العدوانية المتكررة على غزة, وهرولة الحكام والقادة العرب نحو التطبيع وطمأنة العدو الإسرائيلي بحسب الوزير العماني, ورفضهم عودة سورية إلى الجامعة العربية, وعرقلة بدء معركة تحرير إدلب, والحديث عن الهدايا المتنوعة التي يتلقاها نتنياهو بغية تعويمه وعدم هزيمته في الإنتخابات  ...
ناهيك عن الإشتباك الدولي مع الصين وروسيا المرتبط بملفات الشرق الأوسط وبالصراعات الساخنة فيه، الأمر الذي يرفع منسوب الاهتمام الأمريكي بأمن الكيان الصهيوني بالتوازي مع إنتصارات سوريا ومحور المقاومة مجتمعا ً، خصوصا ًمع إقتراب إنتهاء مهلة الإستثناء التي منحتها واشنطن لبعض الدول الأوروبية وبعض دول المنطقة حيال استمرار استيرادها للنفط الإيراني لفترة محدودة.

أمور قد تثير دهشة واستغراب البعض ... لكن من خلال نظرة جامعة متكاملة، يمكن ربط الأمور واستنتاج الخط والخطة التي تسير وفقها أجندات الولايات المتحدة الأمريكية وسلطة الكيان الغاصب وأدواتهما، الرامية لإستمرار إشاعة الفوضى وزعزعة الأمن والسلم الدوليين، بما يخدم مصالحهما في المنطقة والعالم.
لا يمكن النظر إلى القرار الأمريكي الجديد حيال الحرس الثوري الإيراني، والرد المماثل والمباشر الذي اتخدته القيادة الإيرانية بوضع القوات الأمريكية المتواجدة في المنطقة على لوائح الإرهاب، والذي رأى فيه الوزير ظريف أنه: "هدية خاطئة وغير محسوبة إلى نتنياهو على أعتاب الإنتخابات" ...

ولا بد من مقاربة الموضوع من زاوية الدور والنفوذ الإيراني والقدرات التي تتمتع بها والتي سخرتها ووضعتها في مواجهة المشروع الصهيو – أمريكي في المنطقة منذ اليوم الأول لإنتصار الثورة الإسلامية في إيران, ومن خلال الوزن والثقل العسكري والإقتصادي والسياسي الذي تقدمه إيران ليضاف إلى كافة إمكانات وقدرات محور المقاومة, ليزيد من غلة الإنتصارات التي يحققها, والذي فرض على الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل" الدخول في دوامة الحسابات الجديدة, فالدولة السورية ماضية نحو النصر الأكيد, وتستعيد قوتها وتوازنها بسرعة كبيرة, مع تغير قواعد الإشتباك وتوحيد جبهات المقاومة, فأصبحت واشنطن وتل أبيب في موقف صعب ... وقد يفرض عليهما العمل على مواجهة شاملة قد لا تحتملها "إسرائيل", فإختارتا الضغط على إيران للحد من حصتها في دعم الدولة السورية في كافة المجالات, بهدف عدم تفويت فرصة الإنهاك الذي تسببتا به للدولة السورية, من خلال إعتقادهما أن إبعاد إيران أو إشغالها سيمنحهما فرصة مناسبة للإستفراد بسورية, وإجبارها على القبول بما رفضته وقاتلت من أجله.

فأخذت تعد العدة لمواجهة الدولة الإيرانية، واعتمدت على تشكيل حلف عربي يناصب إيران العداء من جهة ويتخلى عن معادة إسرائيل من جهة أخرى، وذهبت إلى أبعد من ذلك ودفعت بعلاقات بعض الدول العربية إلى العلن، ولتتحول إلى حلف عربي – إسرائيلي ضد إيران (مؤتمر وارسو)، وأن تسرّع خطاها نحو دفع العرب إلى تصفية القضية الفلسطينية عن طريق صفقة القرن.
وبدأت تزيد محاصرة سورية وحزب الله والمقاومة الفلسطينية، وعبر المزيد من العقوبات الإقتصادية ... ومع ذلك لم تعد إسرائيل قادرة على تجاهل كوابيسها، ووعود المقاومة اللبنانية بالزحف نحو الجليل، والكشف عن 200 ألف صاروخ تمتلكها المقاومة، وعن منظومة ال  S300 التي أصبحت بحوزة الجيش السوري.

يبدو أن السلام ما زال بعيدا ً مع إدارة الرئيس ترامب أيضا ً، فالمنطقة حبلى بالكثير من الأسرار والمفاجئات، تستمر معها معادلات كسر الإرادات ... وعلى واشنطن أن تقبل بما يُعرض عليها اليوم من خروج اّمن لقواتها قبل أن تضطر للإنسحاب والفرار ليلا ً، فعمليات المقاومة السورية في تصاعد، والصبر السوري ينفذ، بالإضافة لقرار المواجهة الإيراني ووضع القوات الأمريكية على لوائح الإرهاب يجعلها هدفا ً مباشرا ً لقوات الحرس الثوري الإيراني في سورية والمنطقة.

المهندس: ميشيل كلاغاصي
9 / 4 / 2019

Thursday, April 4, 2019

أردوغان ربحَ وخسرَ ... وفتحَ قبره بيديه - م. ميشيل كلاغاصي


مقدمة ... انتخبوه لسنوات وانفضوا عنه اليوم، اعتبرها انتخابات مصيرية فشحذ همم الاّخرين وخسر ... لطالما نجح بالتزوير واليوم يتهم الفائزين بالتزوير ... هدد المعارضة واتهمها بالإرهاب ... وظف الدين واستغل المساجد والماّذن للدعاية ... جعل نفسه ديكتاتورا ً فتراجع النمو والإقتصاد وبلاد تنتظر الأزمة الكبرى ... قضى على الحريات والديمقراطية ... استعمل الأخونة لإحياء العثمنة ... أراد منافسة أتاتورك وإعتلاء الصدارة فإعتمد الإرهاب والعدوان ... ربح وخسر وفتح قبره بكلتا بيديه.

على تركةِ وأنقاضِ العديد من الأحزاب الإسلامية كالفضيلة والرفاه والسعادة، شكل رجب طيب أردوغان مع مجموعة من المنشقين كعبد الله غول وبولند أجاويد وداود أوغلوا, حزب العدالة والتنمية عام 2001, وانخرطوا بقوة في الحياة السياسية, واقتحموا الإنتخابات البرلمانية في العام 2002 وحققوا مفاجئة ً مدوية, منحت الحزب الجديد – القديم فرصة تشكيل الحكومة بمفرده, بعدما تمكن من كسر ظاهرة الحكومات الإئتلافية التي تعاقبت على تشكيلها مجموعة الأحزاب الفائزة بالإنتخابات السابقة لسنوات طويلة ... وتابع الحزب مسيرته واندفاعته القوية واكتسح لأكثر من خمسة عشر عاما ً كافة الإنتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية.

أردوغان وحزبه وعقدٌ من النجاحات ...
وقد تمكن حزب العدالة والتنمية خلال العقد الأول لحكمه من تحقيق نجاحات وإنجازاتٍ إقتصادية هامة، نقلت تركيا إلى مصافي الدول الصاعدة، ثم التحقت بمجموعة دول ال 20 لأكبر الإقتصادات في العالم، وارتقى إقتصادها على سلم الترتيب العالمي إلى مراكز متقدمة.
ونتيجة ً لذلك نال ثقة الناخبين، وفاز بأصوات تعدت حزب العدالة والتنمية، وصوّت له بعض العلمانيون والقوميون والأكراد اللذين خصهم بسياسةٍ إنفتاحية، وسمح لهم بتدريس اللغة الكردية وببعض الصحف والمحطات الفضائية، واهتم بالبنى التحتية في مناطقهم وفي عموم الجنوب الشرقي لتركيا، الأمر الذي زاد من شعبيته ومن تدفق عديد أصواتهم لصناديق حزب العدالة والتنمية في كافة الإنتخابات.

أردوغان وحزبه والعدّ التنازلي ....
مع إنخراط أردوغان وحزبه في عواصف "الربيع العربي"، والمنافسة الكبيرة على زعامة العالم العربي والإسلامي في المنطقة، والإنخراط الكلي في خدمة المشروع الأمريكي، انتقلت تركيا من سياسة "صفر مشاكل" إلى مواجهة مشاكل كبرى في الداخل التركي، ومع كافة دول الجوار والإقليم والعالم،
فتوقفت الإنجازات الإقتصادية, وبدأت البلاد تدخل رويدا ً رويدا ً النفق المظلم, بالتوازي مع ظهور نتائج سوء إدارة الرئيس أردوغان, وبتدخله الكبير في الأمور الإقتصادية وبسعر الفائدة والصرف, ويتعيين صهره وزيرا ً للمالية, وبالصدامات العنيفة مع حاكم مصرف تركيا المركزي, أمورٌ دفعت نحو تصاعد الأزمة الإقتصادية والتي انعكست مباشرة ًعلى سعر صرف الليرة التركية, صاحبها ارتفاع نسب التضخم والبطالة وهروب رؤوس الأموال, وارتفعت معها أسعار السلع الأساسية التي تتعلق بالحياة اليومية للمواطن التركي, مما تسبب بزيادة الضغوط على الإقتصاد التركي, وانعكس غضب الشارع وتُرجم في صناديق الإقتراع, وانتهت الإنتخابات برسالةٍ تؤكد ضرورة رحيل حزب العدالة والتنمية, وعودة الحديث عن الوجوه السياسية الجديدة.
بالإضافة إلى ذلك ... ساعد إنتشار الفساد المتفشي في صفوف كوادر حزب التنمية والعدالة في البلديات والوزارات، وامتد لينخر كافة مفاصل السلطات التنفيذية والقضائية، مع تضاعف القمع وكم الأفواه وغياب الديمقراطية، وازدياد عدد السجناء من الضباط والمثقفين والصحفيين بشكل فظيع، خصوصا ً بعد فشل الإنقلاب في العام 2016 ... أمورٌ ضاعفت رغبة الشارع في التغيير، وانفض عنه عدد كبير ممن دعموا أردوغان وحزبه، وتحول الصوت الكردي إلى صناديق حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، ولحزب الشعب الجمهوري العمود الفقري للمعارضة.

نتائج الإنتخابات وماذا تعني ....
فاز حزب العدالة وخسر باّنٍ واحد ... كيف؟، فقد نال التحالف الذي دخل به حزب العدالة والتنمية الإنتخابات ما يعادل 51%، لكنه سجل تراجعا ً كبيرا ًعلى مستوى الحزب بحوالي 7% بالمقارنة مع الإنتخابات الماضية، ونال عددا ً أقل من الأصوات وبالتالي حصل على عدد أقل من مقاعد البلديات.
فمن المعروف أن في تركيا /81/ بلدية ولكن يبقى أهمها بلديات المحافظات والمدن الكبرى، كإسطنبول وأنقرة وأنطالية وبورصة وديار بكر وهاتاي ...  ومن المهم معرفة أن سيطرة أردوغان على بلدية إسطنبول التي استمرت من عام 1994 2019 قد انتهت اليوم، وهذا ينطبق على ما حصل في أنقرة وانطالية وهاتاي وديار بكر، فيما بقيت إزمير بحوزة حزب الشعب الجمهوري ... ويمكن إعتبار أن ما حصل بحد ذاته يشكل هزيمة ً وضربةً صاعقة لأردوغان وحزبه، خاصة ً أنها مدن وبلديات أساسية وتشكل الثقل والعمق الديموغرافي والإقتصادي والتجاري في تركيا، وعليه فقد خسر العصب الأساسي وشريان الحياة السياسية والإقتصادية معا ً.

لماذا وقفوا معه، وانفضوا عنه! ...
بإمكاننا اليوم وبعد ثلاثة سنوات على الإنقلاب، أن نؤكد أن الشارع التركي وقف إلى جانب أردوغان لأنه رفض طريقة خروجه من الحكم، على الرغم من سوء أدائه ومجمل أدواره السلبية في الداخل والخارج، وجنوحه نحو الإستئثار بالسلطة وجنون العظمة الذي أصابه ودفعه لإستغلال إمكانات الدولة التركية لخدمة مشروعه الشخصي ورغبته في الإستمرار بالسلطة حتى العام 2023، وأرادوا تأكيد تمسكهم بالديمقراطية كطريقة وحيدة لتداول السلطة، عبر صناديق الإقتراع.
يبدو أن أدروغان استشعر الخطر، وقرأ المشهد الشعبي بوضوحٍ تام، وقرأ الإنشقاقات في صفوف حزبه وإتجاه بعضهم نحو المعارضة، لذلك اعتبر الانتخابات المحلية "مصيرية ووجودية"، ودفع بكبار كوادر حزب العدالة والتنمية من وزراء سابقين ودفع برئيس البرلمان ورئيس مجلس الوزراء ليخوض المعركة أمام شاب من حزب الشعب الجمهوري ومع ذلك خسر بلدية إسطنبول وغيرها، ولم يكتف بذلك فقد هدد مرشحي المعارضة واتهمهم بالإرهاب وتوعدهم والناخبين بدفع الثمن! .
واستعمل الدين ووظفه لصالحه في الإنتخابات، واستغل المساجد والماّذن للدعاية الإنتخابية، ووعد بتحويل اّيا صوفيا من متحف إلى مسجدٍ يفتح أبوابه للمصلين، واستعملت كوادره دخول "الجنة" كوعدٍ إنتخابي ... ومع ذلك خسر أدوغان وحزبه، في أهم المدن ولم تفلح محاولاته بالإحتفاظ بمن صوتوا له في السابق ... الأمر الذي يؤكد أفول حزب العدالة والتنمية وزعيمه، وأنه اّن الأوان للتغير .... ويؤكد ما أشيع عن محاولة بعض الشخصيات الكبرى كداود أوغلو تشكيل حزب جديد كبديل عن حزب العدالة والتنمية.
من الواضح أن النجاح (الفاشل) الذي حققه أردوغان وحزبه في هذه الانتخابات, لا يعدو أكثر من دلالة ومؤشر هام لما هو اّت, ولن تسعف السنوات الأربع القادمة بوقف إنهيار تجربة الحالم أردوغان بتحويل تركيا إلى النموذج العثماني الجديد, وبأن يصبح "الخليفة", فالشارع التركي دعمه طيلة هذه السنوات لأنه حاول أن يقدم تركيا كنموذج إسلامي معتدل ديمقراطي يقبل الاّخر وتقبله دول العالم والدول الأوروبية خصوصا ً, لكنه أخطأ بتوجهاته العثمانية وبتسلطه واستبداده, وعليه دفعُ الثمن, وقد يدفعه هذا للدخول في انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة وقبل العام 2023.

خلاصة ... فحلمه في أن يشارك كمال أتاتورك خلوده في ذاكرة الأتراك بات أمرا ً صعبا ً أو مستحيلا ً, وتجربته تسير نحو الإنهيار, بعد تصدع أساسها الإقتصادي داخليا ً, وبالعقوبات الأمريكية القادمة بفضل محاولاته الحصول على منظومة ال S400 الروسية, وتصدع أساسها السياسي بعد قضائه على الديمقراطية عبر القمع والإستبداد والتفرد, وتصدع أساسها الأمني نتيجة إعتماده على الإرهاب, وعلى تنظيمي داعش والنصرة الإرهابيان , وعلى ما يسمى بالجيش الحر المصنف هو الاّخر تنظيما ً إرهابيا ً, وتدخله السافر في شؤون الدول المجاورة كسورية والعراق ... مع ارتفاع إحتمالية زج بلاده في معارك كبرى وأكثر خطورة لخدمة المشروع الأمريكي بغية إعادة تعويم نفسه وحزبه ثانية ً, خلال السنوات الأربع المتبقية من حكمه.

المهندس: ميشيل كلاغاصي
4/ 4 / 2019