Friday, July 26, 2019

بريطانيا لاعبٌ بديل في الوقت الضائع - م.ميشيل كلاغاصي


دائما ًهي الجزيرة البريطانية التي إختفت حدودها البرية, فصبت كامل جهودها على حدودها البحرية, وطورت أساطيلها ومدافعها, وانطلقت قرصانا ًيجوب البحار والمحيطات, بحثا ًعن النفوذ وأموال الغير, وبالمال الصهيوني تحولت إلى أكبر القراصنة اللذين عرفهم التاريخ, ودُعيت "جحافلها" وأساطيلها البحرية بـ "قرش البحر القاتل"....
هكذا أصبحت بريطانيا القوة العظمى التي حكمت وتحكم العالم بوجهيها الظاهر والمستتر, وتراجعت إلى ما وراء الستار بعد إكتشاف وبلورة قوة القارة الأمريكية وسيطرة الحركة الصهيونية عليها, واقتصر دورها الظاهري على استمرارية العبث بدول القارة العجوز وحيث تصل أياديها, لكنها حافظت على دورها الخفي, واستمرت بحياكة كافة المؤامرات حول العالم وتحديدا ًحيال الشرق الأوسط, فقد تبنت دور أم "الصبي – الشرير" في إحتلال فلسطين وتشريد شعبها, لإطلاق الوعود ودعم تنفيذها لإقامة "الكيان الغاصب" على أرض فلسطين, مستغلة ًالأموال الصهيونية, وتفوقت على كافة دول قارتها وأقرانها من المستعمرين واللصوص والقراصنة.
هكذا يهلل الإسرائيليون لكل من يحكم بريطانيا, سواء كان ماي أو كوربن أو هانت, أو جونسون, وهكذا تندفع حكوماتها بعكس مصالح شعبها, لخدمة سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية والداخلية, والتي تمسك بخيوط اللعبة, وتدفع بكافة المراكب نحو المصالح الصهيونية في مواجهة إيران والصين وروسيا, وفي المواجهة الدولية على الأرض السورية وبمواجهة الجيش العربي السوري الذي أكد وبدون أدنى شك أنه يدافع عن سورية وفلسطين والهوية العربية والإنسانية للبشرية جمعاء.
هي بريطانيا اليوم, التي لم تنفك يوما ًعن لعب دور القرصان البحري, في مياه الخليج والمتوسط وحيث تتواجد البحار والمحيطات, هي بريطانيا التي احتجزت الناقلات والسفن الإيرانية بالقرب من مضيق هرمز, وفي مضيق جبل طارق, عبر ذرائع سخيفة لقرصانٍ يدعي تطبيق القانون الدولي ..!
وفي وقتٍ تحتاجه الولايات المتحدة والرئيس ترامب لتمرير الإنتخابات الأمريكية, تطفو مراكب القرصان البريطاني لشغل الساحة وللمحافظة على سخونة التصعيد العسكري, وتؤكد دورها كأداة مسخّرة لخدمة المشروع الصهيو-أمريكي, وأنها لاعبٌ بديل في الوقت الضائع, دون أن تحظى بأدنى إحترام أو حماية أمريكية.
في وقتٍ يتحدث فيه البعض عن توريطٍ أمريكي – صهيوني للحكومة البريطانية, عبر مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون, الذي هلل للقرصنة البريطانية ووصف عملية الإحتجاز بـ "الخبر الجيد"... يلبس الساسة البريطانيون ثوب العفة, ويتحدث البريطاني جيرمي هانت عن استياء ورفض بلاده لإحتجاز إيران ناقلة ًتحمل العلم البريطاني, ويؤكد على ضرورة الحفاظ على حركة السفن البحرية "بأمان وبحرية في المنطقة"... متجاهلا ًقرصنة بلاده في مضيق جبل طارق في الرابع من تموز الحالي, بذريعة إنتهاك الناقلة الإيرانية للعقوبات الأوروبية التي تمنع نقل النفط إلى سوريا, ضاربا ًعرض الحائط بالقواعد والقوانين الدولية الناظمة لحركة ومرور السفن التجارية في المضائق والممرات الدولية.
ومع تهاوي كافة الإدعاءات والأكاذيب التي ساقتها الحكومة البريطانية لتبرير قرصنتها البحرية, يتبين ومن خلال عشرات الأدلة, ومما تناقلته الصحافة البريطانية والعالمية, أن ما قامت به بريطانيا ليس سوى جزءا ًمن مخطط كبير يتم تحضير مسرحه بالتنسيق الكامل مع إدارة الرئيس ترامب لتشديد الحصار والضغوط على الإقتصاد الإيراني والحد من قدرته على التصدير, وبطلبٍ من الولايات المتحدة الأمريكية.
يبدو أن الأمريكيين سعوا لتفيذ عملية القرصنة عبر بريطانيا, ليس بهدف تطبيق عقوبات الإتحاد الأوروبي على سوريا فقط ، بل للدفع للمزيد من إستعداء إيران وخنق شريان الحياة فيها, بغية استفزازها ورفع إحتمالات شن الحرب المباشرة عليها... الأمر الذي لن يقدم للبريطانيين سوى إنهيار ما تبقى من سمعتهم الدولية, وما تبقى من الثقة الإيرانية – الأوروبية, في وقتٍ كان الأجدر ببريطانيا أن تدعم الإتفاق النووي وأن تقف إلى جانب شركائها الأوروبيين ... وكلها أمورٌ تؤكد بمجملها عمالة العرش البريطاني وتبعيته للشرّ الصهيو –أمريكي, في إشاعة الفوضى وتهيد الملاحة البحرية في مضيق هرمز وغير مكان.
بات من الواضح أن التصعيد العسكري والحروب التجارية التي تسوقها الإدارة الأمريكية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية, تحت ذريعة تعديل الإتفاق النووي الإيراني الذي تراه إدارة ترامب غير عادلٍ وغير منصف, ما هو إلاّ كلام خيالي يسعى لذر الرماد في العيون, ولم يعد خافيا ًعلى أحد الدور الهدام الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية كثورٍ جريح تمت إزاحته عن قمة العرش الدولي في عالمٍ متعدد الأقطاب, لن تكون فيه السيد والشرطي واللص باّنٍ واحد.
ولحين تبلور ملامح النظام العالمي الجديد, تسعى كافة الدول بما فيها الدول العظمى والكبرى, لتقديم ثبوتيات هيمنتها ونفوذها على أوسع نطاق, في وقتٍ تسعى فيه الدول التي تستشعر الهزيمة أو التراجع لإشاعة الفوضى والتهديد بالحروب, وما "أسعد" العالم بوصول بوريس جونسون إلى سدة حكم المملكة المتحدة, وهو الشبيه وربما النسخة الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب, ويحق للعالم أن يتوخى الحذر, وأن يشعر بالخطر القادم, من حقبةٍ قادمة يجتمع فيها ترامب وجونسون, وعشرات المتطرفين اليمينيين اللذين أخذوا يحتلون غالبية سدات الحكم حول العالم.
المهندس
: ميشيل كلاغاصي
26 / 7 / 2019

Sunday, July 21, 2019

تداعيات الإنتصار السوري على التحالفات الدولية..هل تغادر تركيا الناتو؟ ميشيل كلاغاصي


لا شك أن إنتصار الدولة السورية وحلفائها في الحرب الدولية التي أرادتها الولايات المتحدة أن تكون حربا ًإرهابية ساخنة تحرق جسد الدولة السورية وأرضها وشعبها, وحربا ًباردة مع بعض الدول الإقليمية والعالمية, التي لا زالت إحتمالات تصعيدها العسكري والتجاري, تدفع بإتجاه تسخينها وتحويلها حروبا ًواسعة وربما شاملة مع كامل التخبط وغياب الإستراتيجية الواضحة للولايات المتحدة, وإبعادها لحلفائها وشركائها الأوروبيين والخليجيين عن حضور جلسات قرارها, واكتفائهم بالتبعية الكاملة, على الرغم من نزعات الخوف والخشية والرغبة لدى بعضهم بالبحث عن مصالحهم بعيدا ًعن الهيمنة الأمريكية.
ومع نجاح الدولة السورية بالقضاء على عديد التنظيمات والمجاميع الإرهابية, وتحرير واستعادة غالبية المدن والمناطق التي تسلل إليها الإرهاب, وعزل ما تبقى منها ومحاصرته في إدلب ومحيطها وفي شرقي البلاد, على الرغم من الدعم الرئيسي والمباشر من القوات التركية والأمريكية, بما يؤكد محاصرتها للمشروعين التقسيمي والإنفصالي, وحَصرِ خياراتهما بالذوبان والتلاشي, إما عبر العملية السياسية أو بفضل قرارها العسكري بتحرير كل شبر, ورفضها وشعبها كافة المشاريع الخارجية التركية والأمريكية ومشاريع الفتات التي يبحث عنها الفرنسيون والبريطانيون وأنظمة الخليج.
وتجدر الإشارة إلى أن الصمود والإنتصار السوري في مركز الصراع الإقليمي–الدولي, بدأت تنعكس نتائجه وتداعياته على غير ساحات ومواجهات, وبدأت تساهم في رسم ملامح جديدة لنظام التحالفات الإقليمية والدولية , إنطلاقا ًمن مصالح الدول الكبرى, وحساباتها المعقدة لتفادي الحروب الشاملة من جهة, ولتفادي الهزيمة والإستسلام من جهةٍ أخرى, ولضمان أمنها القومي ومستقبل شعوبها, ولم تعد التحالفات السابقة تتمتع بقدسية عدم المساس بها, وبات من الممكن ظهور تحالفاتٍ جديدة, لم تكن متوقعة وفق الحسابات التقليدية.
ومع وصول الدفعة الأولى لمنظومة الدفاع الصاروخي الروسية S-400 إلى تركيا في 12 حزيران بحسب وزارة الدفاع التركية, ومع استكمال جدول التسليم تباعا ًحتى نهاية صيف هذا العام, ستكون تركيا قد حصلت على أكثر من 120 صاروخ روسي مضاد للطائرات, بالإضافة إلى التقارير التركية التي تؤكد إرسالها فريقها لتشغيل منظومة الـ S-400 المؤلف من 20 عسكريا ًتركيا ًإلى روسيا للتدريب على استخدامها خلال الشهرين القادمين, بما يعني فعليا ًإعلان التحالف العسكري الروسي–التركي بطريقةٍ أو أخرى, يضاف إلى تحالفهما الإقتصادي والإستثماري في عديد المجالات, ناهيك عن التحالف السياسي –بعيد المدى- الذي جعل من تركيا دولة ًضامنة للحل السياسي وفي وقف الحرب على سوريا.
ويبقى السؤال, كيف سترد الولايات المتحدة؟ وهل ستفكر بتغيير النظام في تركيا ؟ أم سيكون الرئيس أردوغان هو الهدف ؟ أم سيتجه إنتقامها نحو الليرة التركية والعقوبات الإقتصادية ؟, أم ستكتفي بالعقوبات العسكرية والتي بدأتها بمحاولة إخراج تركيا من منظومة طائرات الـ F-35, أم بتطبيق قانون جاستا ؟.
فما يحدث ليس عابرا ً, ويؤكد وجود أزمة شاملة بدأت تتكشف فصولها وتداعياتها على بنية التحالفات العسكرية الدولية... ولا يمكن لتركيا أن تحافظ في الوقت ذاته, على عضويتها الأطلسية, والدخول في إتفاق تعاون عسكري مع الإتحاد الروسي... وقد يعود بنا هذا إلى أزمنة الحرب العالمية الأولى, حيث أدى تغيّر التحالفات العسكرية إلى حدوث نتائج حاسمة في التاريخ... مع ملاحظة أن تحالفات وأحلاف اليوم تختلف عن تحالفات الأمس, وأكثر تعقيدا ًمنها.
إن مجرد محاولة تركيا الخروج – ولو جزئيا ً- من حلف الناتو, مهما كانت غاياتها وأهدافها الحالية, سيؤدي إلى تحولات تاريخية في بنية التحالفات العسكرية, التي قد تساهم في إضعاف الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط, وتُهيىء الأرضية لتفكك الحلف برمته... فالحلف وكما هو معروف يشكل قوة ًعسكرية كبيرة تضم عضوية 29 دولة, تعمل تحت القيادة الأمريكية, ويعتبر أداة الحروب الحديثة والخطيرة, بفضل قدرته على تهديد الأمن والسلم الدوليين... وسيكون من تداعيات خروج عضوٍ واحد على الأقل, الأثر الكبيرعلى إضعاف الحلف وباقي الدول الأعضاء... فهل يمكن إعتبار أن ما يجري هو جزء من المخطط الأمريكي, والذي تجلى في وعود ترامب الإنتخابية بفرط عقد الناتو؟, أم بتغيير قواعد اللعبة الدولية..!
فعلى الرغم من عضوية تركيا الأطلسية, إلاّ أنه لوحظ خلال العامين الماضيين, اهتمام الرئيس التركي بتطويرعلاقات بلاده مع اثنين من ألد أعداء أميركا وهما إيران وروسيا... وأن إنهاء تسليم تركيا لمنظومة الـ S-400 قبل عام تقريبا ًمن الموعد المحدد, يشي بشكلٍ أو باّخر بإمكانية إنسحابها لاحقا ًمن منظومة الدفاع الجوي المتكامل للولايات المتحدة والناتو و"إسرائيل", وسيُسهم في زعزعة الإستقرار في بنية التحالفات العسكرية على حساب واشنطن... وسيفرض أثره على خطط الحرب الأمريكية ضد إيران بإعتبارها دولة ًحليفة لتركيا أيضا ً... وسيطرح عديد الأسئلة حيال العلاقات والتحالفات والتفاهمات التركية – الإسرائيلية, والتي بموجبها تم التوقيع بينهما عام 1993 على مذكرة تفاهم أدت إلى تشكيل "لجان مشتركة" مهمتها التعاون في جمع المعلومات الإستخبارية عن سوريا وإيران والعراق, وتبادل التقييمات والقدرات العسكرية لهذه الدول... كما أسفرت في العام 2004 عن إيجاد تفاهمٍ للتعاون العسكري مع الناتو, والذي اعتبرته "إسرائيل" تعزيزا ًلقدراتها الرادعة في وجه إيران وسوريا.
إن "التحالف الثلاثي"– العسكري, الذي ربط الولايات المتحدة و"إسرائيل" وتركيا, استند بشكلٍ كبير على العلاقات العسكرية الثنائية القوية بين تل أبيب وأنقرة, وتم تسخيره لخدمة أطماعهما ولخدمة مصالح ومخططات الولايات المتحدة في وجه إيران وسوريا بالحد الأدنى ... لكن مع التغير الجديد في العلاقات التركية مع روسيا وإيران, وما يمكن وصفه بالتحالف العسكري لها مع موسكو, سيدفع الولايات المتحدة و"إسرائيل" للتفكير مليا ًقبل إتخاذ أي قرار بشأن شن الحرب والعدوان والهجمات الجوية على إيران.... وما كان متوقعا ًمن دورٍ تركي فيها أصبح موضع شك. 
ومع وصول ماّل الحرب الدولية إنطلاقا ًمن الحرب على سوريا إلى ما وصلت إليه اليوم, يمكننا التأكيد على أن تغير التحالفات العسكرية لم يعد يقتصر على تركيا وحدها, ويمكن رصد الخلافات الحاصلة بين النظام القطري ونظام اّل سعود, وحالة الفوضى التي تعم دول ومجلس التعاون الخليجي, وإنقسامه ما بينهما, مع انحياز قطر لإيران وتركيا, ضد السعودية والإمارات.
كما يمكننا رصد التحول العميق في التحالفات الجيوسياسية في جنوب آسيا عمّا كان عليه في العام 2017, بين  الهند وباكستان, وتحولهما إلى أعضاء كاملي العضوية في منظمة شنغهاي للتعاون... بما يمكن وصفه بالتحول التاريخي, الذي يشكل ضربة قوية ومباشرة لواشنطن صاحبة الإتفاقيات الدفاعية والتجارية مع كل منهما على حدة, في وقتٍ لا تزال فيه الهند تقبع تحت الإبط والرعاية الأمريكية الكاملة, فيما ابتعدت باكستان بشكل نسبي عن القبضة الأمريكية, خصوصا ًبعد إبرامها عديد الإتفاقات العسكرية والإستخباراتية, والصفقات التجارية والإستثمارية مع الصين.
إن توسيع إطار دول منظمة شنغهاي للتعاون, بدأ يسهم بإضعاف الطموحات الأميركية وبتقليل مستوى هيمنتها على دول جنوب اّسيا, خصوصا ًبما يتعلق بقدرة تأثيرها وتحكمها بخطوط أنابيب الطاقة وممرات النقل والحدود والأمن المتبادل والحقوق البحرية, إذ لا يمكن لواشنطن تجاهل حقيقة كون الباكستان هي المدخل الفعلي إلى أفغانستان وآسيا الوسطى, وعليه يبدو أن تراجع النفوذ الأمريكي هناك يصب في صالح الصين وإيران وتركيا.
مهما كانت الحسابات التركية, فيتوجب عليها أن تراعي مصالحها والتي تربط إرتباطا ًوثيقا ًبالمشروع الأوراسي الذي تقوده الصين وروسيا, خصوصا ًأن تركيا تعتبر حاليا ًشريكا ًأساسيا ًفي حوارات منظمة شنغهاي للتعاون...
فهل تستطيع تركيا وبالإعتماد على الصين وروسيا وإيران وغير دول, أن تتفادى الغضب الأمريكي والطوفان الكبير, للخروج من حلف شمال الأطلسي, مستغلة ًأزماته الداخلية, وتصاعد حركة الخروج من الناتو في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية, وتنامي حركات الضغط الشعبي على الحكومات لمغادرة الحلف, والتي تصب بمجملها في محاولة تفكيكه, وإلغاء أجهزته العسكرية والسياسية التي تستنزف قدرات الدول دون أن تقدم لها شيئا ً, والتي تبدو مخصصة ًلخدمة السيد الأمريكي وحده.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
21 / 7 /2019

Sunday, July 14, 2019

صهاينة أكثر من الصهاينة..من وعد بلفور إلى صفقة القرن - ميشيل كلاغاصي



لا يمكن الحديث عن إحلال السلام والإستقرار في العالم, دون الحديث عن حل الصراع القائم في مركزه ونقطة توازنه في الشرق الأوسط... وهو صراعٌ أساسه الإحتلال الإسرائيلي لمساحات واسعة من الأراضي العربية, وعلى رأسها إحتلاله أرض فلسطين ومدنها التاريخية المقدسة, وقد تكون مدينة الناصرة مدخلا ًمناسبا ًلحديثنا اليوم.
تعتبر الناصرة إحدى أهم المدن الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1948، وإحدى المدن التي نالت حصتها من الإحتلال والحقد والعداء والممارسات الإسرائيلية... وتحظى المدينة بأهميةٍ دينية وروحية كبرى خصوصا ًلدى المسيحيين, فهي أرض الرسالة والبشارة الإلهية إلى السيدة العذراء "ستحبلين وتلدين إبنا ًوتسمينه يسوع", والذي دعي لاحقا ًبالناصري... وإعتادت المدينة على استقبال زوارها من كافة أنحاء العالم, طلبا ً لإشتنشاق عبيرها الروحي أو السياحي على حدٍ سواء.
وقد يكون القس النيجيري تيميتوبي بالوجون جوشوا, صاحب ملايين الأتباع في الغرب, والذي وصفه البعض بـ "الشيطان, الدجال, المحتال", الذي يزعم النبوة, واحدا ًممن يملكون أسبابا ًخاصة لإختياره الناصرة مكانا ًلإطلاق ونشر "إنجيله", الذي لا يلتقي مع العقائد المسيحية التقليدية والمعروفة, بفضل قراءاته الغريبة و "المروعة" للكتاب المقدس, ومع تدخله السياسي الواضح في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي, لصالح الحكومات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة.
ومن اللافت أن تكون زيارة جوشوا إلى الناصرة في 23/6 /2019, ساهمت بتنشيط السياحة الدينية إلى فلسطين المحتلة عموما ًوالناصرة خصوصا ً, ويمكنها أن تتطور لحد جلب وجذب أكثر من 60 مليون أمريكي من المسيحيين الإنجيليين... ومن الملاحظ أن زيارات جوشوا ل"إسرائيل", تعتدت الهدف الديني التبشيري, إلى عقد اللقاءات مع قادة ومسؤولين حكوميين إسرائيليين من الصف الأول, والمعنيين بالشأن السياحي, وبمناقشة قدرة الكيان الإسرائيلي على استيعاب المزيد من المهاجرين اليهود الجدد من الولايات المتحدة وأوروبا.
إذ يعتقد جوشوا والكثيرون في المجتمع الإنجيلي, أن من واجبهم تشجيع اليهود على الإنتقال من بلدانهم الأصلية إلى أرض "الميعاد" بهدف تسريع الوصول إلى أزمنة نهاية العالم التي تنبأ بها الكتاب المقدس... ويؤمنون أن عليهم التواجد والوقوف إلى جانب السيد المسيح لدى عودته ليبني مملكته على الأرض, متجاهلين بهذا كلام السيد المسيح ذاته: "مملكتي ليست من هذا العالم".
يبدو أن جوشوا يعمل على تجميع كل من يسير في ركبه ووراء بدعه وخرافاته وتفاسيره المشبوهة, لهذا اختار  وبعناية فائقة أماكن جغرافية تتمتع بصلات عقائدية ليطلق منها حملته التبشيرية في مدينة الناصرة, كوقوفه وأتباعه على مدرج جبل القفزة, وعلى الجرف المطل على وادي "وادي يزرعيل" في "تل مَجِدُّو" (وهو الإسم التوراتي لموقع هرمجدون), حيث يعتقدون أن نهاية العالم ستحدث فيه عمّا قريب.
من السذاجة بمكان أن يصدق العالم أن المسيحيون الإنجيليون هم المراقبون لخطةٍ إلهية كُشفت لهم وحدهم, وبأنهم فاعلين ومؤثرين فيها وقادرين على تسريعها... في الواقع, لا يمكن فهم حقيقة صمت ومشاركة زعماء الدول الغربية المسيحية العظمى, في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على أساسٍ عقائدي لا تؤمن به غالبية كنائسهم, وقد ساهموا بشكلٍ مباشر ولعقود طويلة في تقديم الوعود (بلفور) وبسفك الدماء واستعمار الأرض وطرد وتشريد أهلها, من الواضح أنهم سعوا إلى تصميم الكيان الإسرائيلي على الشكل الذي نراه اليوم.
ويمكننا القول, أن الصهاينة الأوائل هم مسيحيوا الغرب المتطرفون .. اللذين فردوا العباءة والظل البريطاني لينعم به جميع الصهاينة لقرن كامل, ثم تحولوا نحو الرعاية والتبني الكامل تحت العباءة الأمريكية...
فمنذ أواخر القرن السادس عشر, وتحديدا ًفي الأوساط البروتستانتية في انكلترا, أُطلق مصطلح "الصهيونية" وفقا ًلنظرة الغرب لليهود, وبأنهم ليسوا جزءا ًمن النسيج الحضاري الغربي, ونظروا إليهم على أنهم شعب الله المختار ووطنهم فلسطين, وعرفت هذه النزعة بإسم "الصهيونية المسيحية", أو "صهيونية غير اليهود".
ومع تبلور الهجمة والأطماع الإمبريالية الغربية في الشرق, ومع تبلور الفكر العلماني المعادي لليهود في الغرب, بدأ مفهوم الصهيونية بالتخلص من أبعاده الدينية وانتقل إلى عالم السياسة والمنفعة المادية ومصالح الدول... فعلى سبيل المثال نجد أن نابليون بونابارت المعادي لليهود, يدعوهم للإستيطان في "بلد أجدادهم", ليكون بذلك صاحب أول مشروع صهيوني حقيقي على أرض فلسطين.
وأصبح مفهوم الصهيونية مفهوما ًأساسيا ًفي الخطاب السياسي الغربي منذ العام 1841 مع نجاح أوربا في بلورة مشروعها الإستعماري ضد العالم العربي, وبعد القضاء على مشروع محمد علي في مصر... وفي منتصف القرن التاسع عشر, بدأت تتبلور المفاهيم الصهيونية وتكتمل معها ملامح المشروع الصهيوني على يد المفكـرين المسيحيين الغربيين الصهاينة من غير اليهود, الذين اعتقدوا أن المجيء الثاني للسيد المسيح, يمكن تسريعه مع عودة اليهود "شعب الله المختار" إلى أرض "الميعاد"...
وعليه انطلق تشارلز تاز راسل (الأمريكي من أصول إيرلندية ومؤسس شهود يهوه) في نهاية سبعينيات القرن التاسع عشر, ليجوب العالم, ويحث اليهود على تأسيس وطنٍ قوميٍ لهم في فلسطين, إلى أن طرح ثيودور هرتزل -من بعده بعشرين عاما ً– كتابه المعروف عن الدولة اليهودية... وتعاقب من بعده من أدركوا جيدا ً قيمة القبضة المسيحية الصهيونية على العواصم الغربية, وركّزوا اهتمامهم على فلسطين أرض التوراة الموعودة, وسعوا لكسب حلفاء أقوياء في أوروبا والولايات المتحدة.
ولطالما كان دعم الإمبراطورية البريطانية هاما ًومؤثرا ًفي حث اليهود على الهجرة إلى فلسطين, وكان للمسيحيين الصهاينة الدور الأكبر في دفع المملكة على استصدار وعد بلفور .. وشجع سلوكهم ونفوذهم, اليهود على قبول الإنتقال من العباءة البريطانية إلى الأمريكية, في ستينيات القرن الماضي .. ودأب الرؤساء الأمريكيون على إحاطة أنفسهم بخليطٍ من الصهاينة اليهود والمسيحيين.
وبدورها وصلت هذه الإحاطة إلى عهد الرئيس دونالد ترامب, فأحاط نفسه ببطانة مماثلة, ضمت أسماء كثيرة ومعروفة ك ديفيد فريدمان, جيسون غرينبلات, مايك بنس, جون بولتون, ومايك بومبيو الذي أيّد فكرة "أن يكون الله قد أرسل ترامب لإنقاذ إسرائيل من التهديدات", في وقتٍ قال فيه مايك بنس:"شغفي لإسرائيل ينبع من إيماني المسيحي".
إن قيام ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس, وبالإعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل, لم يكن سوى عملية استباقية لأي تسوياتٍ تفاوضية قادمة, وبهدف إرضاء قاعدته المسيحية الصهيونية التي صوتت له عام 2016, وهو على بعد أيام قليلة من الحاجة إليهم مجددا ً لعبوره إنتخابات 2020.
وفي هذا السياق, تجدر الإشارة إلى تكليفه ل "جون هاجي" و"روبرت جيفريس" وهما من القساوسة المتعصبين والداعمين لإسرائيل, لأن يقوما بتدشين مبنى السفارة الأمريكية الجديدة في القدس!, وسبق للقس هاجي أن قال على منبر الأيباك: "لقد استيقظ العملاق النائم للصهيونية المسيحية, هناك خمسون مليون مسيحي يقفون ويشيدون بدولة إسرائيل".
ومن الملاحظ أن الإنجيليين الأمريكيين لا ينفكون عن الإهتمام بتطوير علاقاتهم مع متطرفي اليهود الإسرائيليين, وأصبحت "إسرائيل" بالنسبة لهم قضية ً أساسية, في وقتٍ تؤمن فيه غالبيتهم بأن كل ما يحصل في "إسرائيل" يعود إلى نبؤات الوحي في الكتاب المقدس... وعليه فإن سعيهم لتشجيع اليهود من جميع أنحاء العالم للتوجه نحو أرض فلسطين يتوافق مع معتقداتهم المسيحية - الصهيونية, ومن خلال خطةٍ إلهية للشرق الأوسط... ويؤيدون كل ما يفعله المستوطنون اليهود المتطرفون بهدف إبتلاع الضفة الغربية, وينسجم أيضا ًمع فهمهم بأن الضفة الغربية هي "قلب التوراة", ويجب على اليهود إمتلاكها قبل عودة المسيح.
وعليه يُقّدم الإنجيليون الصهاينة لسلطات الكيان الغاصب, كافة أشكال الدعم السياسي والعسكري والمالي, بما لا يمكن تصوره ... كما أن حديث العالم عن "صفقة القرن" وما تتطلبه من أموال لإغراء الفلسطينيين والعرب لقبولها, لن يكون أمرا ًصعبا ً أو مستحيلا ً, مع وجود "جيش" من المتبرعين الإنجيليين الصهاينة الأوروبيين والأمريكيين حول العالم... ومع ذلك, يبقى هاجسهم لجمع الأموال يفوق إدراكهم للنبؤات التوراتية ولحاجتهم الماسة لتبرير سياساتهم حول العالم عموما ًوفي الشرق الأوسط خصوصا ً, ويشكل لهم حافزا ً ودافعا ً لتأجيج سعيهم للسيطرة على الثروات وموارد النفط في المنطقة, ولو تطلب ذلك استخدام القوة العسكرية وخوض الحروب المدمرة.
ويبقى إضطهادهم وتاّمرهم على الفلسطينين والعرب, يشكل مصدرا ًلحصول سلطات الكيان الغاصب على المكافئات والدعم اللامحدود, بما فيه مشاريعهم وحروبهم الإرهابية على سوريا والشعوب العربية المقاومة, وبمحاربة الدولة الإيرانية وروسيا والصين, وعليه لا يحتاج الرئيس ترامب تقديم الحجج والذرائع لكل ما يفعله مهما كان سيئا ًتجاه الدول والشعوب الأخرى, ويكتفي بعداء من تعتبره "إسرائيل" عدوا ً, وسبق لبنامين نتنياهو القول في العام 2017 :"ليس لدينا أصدقاء أعظم من المؤيدين المسيحيين لإسرائيل".
أخيرا ً... من الواضح أن السلام لا يبدو قريبا ً, في ظل الأطماع والنفوذ والقوة والهيمنة الغربية, وتطرف الحكومات الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية, ويبدو أن إقناع أو إجبار الإسرائيليين على السلام, لا بد له أن يمرّ من بوابة إقناع أو إجبار من هم صهاينة أكثر من الصهاينة... وتبقى مقاومة الإحتلال الإسرائيلي, وكسر الإرادة والهيمنة الغربية والأمريكية على وجه التحديد, هي مفتاح الإنتصار وإستعادة الحقوق, وفرض السلام.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
 14 / 7 / 2019

Saturday, July 6, 2019

ترامب والحرب المحتملة على إيران ..نحو الإلغاء أو التأجيل الإضطراري - ميشيل كلاغاصي


تحدث ترامب في ختام قمة العشرين في أوساكا, عن إمتلاكه لخطط بديلة حيال إيران, وذلك بعدما تراجع عن قصف أهداف عسكرية إيرانية, واختزل مطالبه في الجلوس مع إيران على طاولة المفاوضات دون شرط مسبقة, وهمه الوحيد منعها من إمتلاك السلاح النووي .. وتمكن من تحقيق خفضٍ نسبي في حدة التوتر وسرعة تدحرج الأحداث, لكنه لم يتوقف عن التصعيد والتصريحات والتهديدات..
هل يبحث ترامب عن الوقت لتمرير الإستحقاق الرئاسي, وحاجته لإشغال إيران وزيادة الضغوط عليها وعلى سوريا, أم أنه يمارس عليهما مختلف الضغوط لأجل صفقة القرن, وهذا يتماهى مع حاجته للوقت لحين تشكيل الحكومة الإسرائيلية أيضا ً.. في الوقت الذي تستعجل فيه إيران ردودها, وترفع نسب تخصيبها, وتمارس ضغوطها على الأوروبيين وعلى ترامب ولا تمنحه الوقت الذي يحتاجه.
وقد يكون الرئيس الأمريكي صادقا ًلناحية لجوئه للخطط البديلة, لكنه غير صادق في كل المواقف التي أدت إلى بعض التهدئة, بما يشي بأن خطر اندلاع الحرب لم يزول بل تم تأجيله لعدة أشهر, يقوم بإستغلالها في تحضير بيئة الحرب التي يريد, وحشد من يقفون على الحياد أو من يحاولون التدخل حفاظا ًعلى مصالحهم, فمن المؤكد أن أمريكا لن تدخل الحرب وحدها وتحتاج من يقاتل معها أو عنها, خصوصا ًبعدما أظهرت بعض الدول الأوروبية كفرنسا وألمانيا ميلا ً للبحث عن مصالحها وعن منظومةٍ أمنية خارج المظلة الأمريكية.
وفي هذا السياق يمكن النظر إلى قضية إحتجاز أو قرصنة ناقلة النفط الإيرانية العملاقة في المياه الإقليمية للحكومة غير الشرعية لما تسمى حكومة جبل طارق, وفي منطقةٍ متنازع عليها بين إسبانيا وبريطانيا, وبطريقة تخالف كافة المعاهدات والقوانين الملاحية الدولية, بحجة الشكوك حول وجهتها إلى مرفأ بانياس السوري, أو هي رسالة جادة لمنع تصدير النفط الإيراني ...
وتبدو العملية مسبقة التخطيط, وتستهدف إضافة المزيد من التعقيد على ظروف وأوضاع الدولتين السورية والإيرانية, وتستهدف إختبار أو إخضاع الإتحاد الأوروبي للإرادة الأمريكية من بوابة الإلتزام بتطبيق العقوبات على الدولتين السورية والإيرانية, وتساهم في خلق مشكلةٍ حقيقية تؤدي إلى إحداث شرخٍ في الصف الأوروبي من جهة, وفي استفزاز إيران ودفعها لإرتكاب الأخطاء بما يُفضي إلى تصدع ما تبقى من الثقة في علاقاتها مع الدول الأوروبية, خصوصا ً تلك الموقعة على الإتفاق النووي, تماشيا ًمع الضغط الإيراني وإحراج الأوروبيين بمدد زمنية محدودة لإتخاذ مواقف واضحة حيال إلتزامها بالإتفاق, والتي أرفقتها بإعلانها رفع مستوى إنتاجها من اليورانيوم منخفض التخصيب كسبا ً للوقت للضغط على موقف الرئيس الأمريكي .. بالتأكيد شكلت هذه الملفات بمجملها أمور أثارت حفيظة واشنطن وغضبها.
ففي خضم هذا التوتر والتصعيد بين البلدين, ومن خلال التهويل وتصعيد اللهجة العسكرية والتهديدات المتبادلة, وعلى الرغم من بعض الهدوء وتخفيف اللهجة أحيانا ً.. إلا ّ أن الغموض لا يزال يلف مصير القادم من الأيام, إذ لا تبني الدول مواقفها وقراراتها بخوض الحروب على التصريحات الإعلامية, ومع ذلك قد تكون لتلك التصريحات مدلولات تعكس ما يجول في الغرف المغلقة لصنع القرارات في كلا البلدين ....
ففي إحدى الرسائل التي أطلقها الرئيس الأمريكي مؤخرا ًعبر التويتر, أعلن فيها عن قدرة جيشه على "محو" إيران فيما لو اندلع الصراع بين البلدين.. وأكد أن هذه الحرب لن تدوم "لفترة طويلة".. ومن خلال اليقين الذي تملكه الإدارة الأمريكية بعدم قدرتها على هزيمة أو مواجهة القوات الإيرانية التقليدية, فهل تقصّد ترامب التهويل, أم أنه أشار إلى إمكانية استخدام القنابل النووية التكتيكية ضد إيران كما فعلت بلاده في أفغانستان والعراق ؟.
وسبق له أن عبّر عن إعتقاد الولايات المتحدة بأن ايران سوف تستسلم في وقت قصير لبداية الحرب.. لكنه لا يملك عبر التاريخ أية أدلةٍ وإثباتات على حسن توقع بلاده وإفتراضاتها في الحروب التي خاضتها سابقا ً, خصوصا ًفي أفغانستان وسوريا.
فعندما أطلق الرئيس جورج دبليو بوش حربه على أفغانستان عام 2001 كان يعتقد أنها ستكون بمثابة النزهة في حديقة, في وقتٍ نرى فيه وبعد حوالي عشرين عاما ً لجوء إدارة ترامب – وهي ذليلة – إلى التفاوض مع طالبان كوسيلة لإنهاء الحرب, كذلك ذهبت حسابات وإفتراضات الرئيس أوباما إلى أن سقوط سوريا والرئيس بشار الأسد سيكون "مسألة وقت", في حين تبدو ملامح الهزيمة الأمريكية هناك أكبر من محاولة إخفائها, فهل يملك ترامب ما يجعله متفوقا ًعلى من سبقوه في حساباته للحرب على إيران؟.
مالذي تملكه إدارة ترامب لجعله يعتقد بأن القوة الضاربة السريعة والحاسمة و"غير المسبوقة" تبدو كافية لإقناع إيران بقبول هزيمتها وإبتلاع كبريائها، وعودتها إلى طاولة التفاوض التي يشتهيها ترامب, ألم يخطر على باله أن تتمكن إيران من إمتصاص موجة القصف الأولى, وترد بعشرات الصواريخ على مصادر النيران الأمريكية, وقواعدها ومطاراتها ومنشاّتها النفطية في المنطقة.
وهل يمكن للهجوم الأمريكي المفترض أن يوقع عشرات الخسائر البشرية في صفوف القوات الإيرانية, دون أن يشكل الرد الإيراني خسائر مقابلة ومماثلة في صفوف الجنود الأمريكيين في المنطقة ؟, ومالذي سيحدث في سوق النفط العالمي, ألن يرتفع إلى مستوياتٍ قياسية –ومن هو الخاسر-, ألن يتسبب إندلاع الحرب لخسارته فرصة الفوز بولاية رئاسية ثانية, وهل سيكون بمقدور الرئيس ترامب حماية سماء الكيان الإسرائيلي الغاصب من أمطار الصواريخ الإيرانية والسورية واللبنانية والفلسطينية واليمنية, وكيف له أن يمنع استهداف سفاراته وقواعده العسكرية في لبنان والعراق وغير مكان، وكيف له أن يحمي جنوده في سوريا ؟, هل يستطيع أحدكم إقناع ترامب بأن الرد والإنتقام الإيراني ومحور المقاومة سيكون رهيبا ً.
يبدو أن ترامب ينسى أو يتجاهل مواقف حلفاء إيران الإستراتيجيين في المنطقة والعالم, ولا يعير أهمية لردود الفعل العالمية, ولرفض الدول والشعوب لمثل هكذا هجومٍ أمريكي محتمل, ماذا عن خطط ترامب البديلة ؟. 
هل وصل ترامب وإدارته إلى حالةٍ من الجنون واليأس حدا ًجعله يُطلق مثل هذه التصريحات ؟, وهل يستطيع أن يرى رغم العمى الذي يقوده, حجم السخط العالمي المستمر منذ سنوات وحتى اليوم جراء إستخدام الولايات المتحدة أسلحة وقنابل ذرية في هيروشيما وناغازاكي, مع إحتمالية مواجهة المسائلة, فزمن عدم المسائلة ولّى في عالمٍ متعدد الأقطاب, ولم تعد فيه الولايات المتحدة الأمريكية قادرة ًعلى استخدام عصاها الغليظة في كمّ الأفواه.
حتى داخل الولايات المتحدة, هل يستطيع ترامب تجاوز الإنقسام الداخلي, وماذا عن أعضاء الكونغرس اللذين عارضوا تراجع ترامب وإنسحابه من الإتفاق النووي بتوجيه من نتنياهو؟ وماذا يملك ترامب حيال رفض الصين للعقوبات الأمريكية على إيران, ورفض روسيا لقراراته حيال تدفق النفط الإيراني نحو أنابيبها, وهل يملك ترامب ثقة ًكافية بمن يدعوهم ب "شركائه" الأوروبيين حيال عدم تعديل نظام تعاملهم النقدي مع إيران, ولجوئهم إلى التعامل بالعملات المحلية – الثنائية, بعيدا ًعن الدولار.
إن استقرار إنتاج إيران وتخزينها لكميات كبيرة من الماء الثقيل, وامتلاكها أجهزة الطرد المركزي المحدّثة, لن يمنح ترامب فرصة منعها من تصدير الفائض, كما أن تقارير الوكالة الدولة للطاقة الذرية التي تشيد بإلتزام إيران الكامل بتعهداتها, ألا يضعه في خانةٍ لا يحسد عليها, تجبره من حيث يدري أولا يدري, على التفكير الجدي برفع العقوبات على إيران بلا مقابل, ولا تمنحه فرصة عرض التفاوض معها من دون شروط مقابل رفع العقوبات.
أخيرا ً ... لا بد لترامب أن يعي أن وجود إيران في بيئة جيوسياسية وعلى مقربة من عدة دول تمتلك القنابل النووية كإسرائيل وباكستان والهند, لا يمنحه حق تجريدها من حقها في إمتلاكها, وتبقى الدولة الإيرانية هي الجهة الوحيدة التي تقرر إمتلاكها من عدمه, على الرغم من أنها أكدت مرارا ًعدم نيتها الحصول على هكذا أسلحة, وتبدو مكتفية بقوتها التقليدية التي استطاعت تطويرها والإعتماد عليها لحماية شعبها وثرواتها وأمنها القومي, واستطاعت تشكيل قوةٍ رادعة لأعدائها وعلى رأسهم سلطات الكيان الإسرائيلي الغاصب... وعلى ترامب أن يفكر بتهديداته التي قد تدفع إيران لإيجاد طريقةٍ مناسبة لحماية نفسها أمام من يدعي إمكانية "محوها".
المهندس: ميشيل كلاغاصي
6 / 7 / 2019

Friday, July 5, 2019

قِممُ مجموعة العشرين .. مشهدٌ لمصالحِ ونفاقِ الأغنياء - ميشيل كلاغاصي


قممٌ سنوية تُعنى بمناقشة السياسات المالية والإقتصادية، وبمعالجة القضايا والأزمات المختلفة التي تتعرض لها دول المجموعة والتي تتأثر بها وفقا ًلأهدافها, وبما تراعي مصالح دولها, وكافة القضايا التي من شأنها التأثيرعلى استقرار النظام المالي والإقتصادي العالمي بشكلٍ مباشر.
ومجموعة العشرين هي مجموعة من القوى الإقتصادية التي تضم أهم الدول الصناعية والناشئة العشرين والأكبر في العالم, بالإضافة لحضورٍ أممي يمثل منظماته الدولية كالبنك العالمي وصندوق النقد الدولي, حيث أُعتمد الحوار العالمي وسيلة ًلمناقشة أهم القضايا السياسة الإقتصادية والمالية, بغية الحفاظ على الإستقرار المالي في العالم, عن طريق تعميق التعاون والتكاتف فيما بينها, كما تُعنى بمناقشة المشاكل والمصاعب الإقتصادية والقيام بالإصلاحات الضرورية في النظام المالي العالمي, وإتخاذ الإجراءات الوقائية لتلافي الأزمات, وتلعب القمم دورا ًرئيسيا ًفي تخفيف التوترات الإقتصادية والسياسية, وفي صيانة النظام التجاري العالمي.
هذه المهام – المعلنة - تفرض عليها الإهتمام أيضا ًبطيفٍ واسع من العوامل المؤثرة والمرتبطة بالنواحي الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والإنسانية الناجمة عن النزاعات والصراعات والحروب التي تعاني منها دول المجموعة والدول الأخرى .. بفضل إرتباطها الوثيق بالحركة التجارية والإقتصادية العالمية والتي تتأثر بنتائجها كالهجرات واللجوء والحاجة الدائمة للمساعدات بكافة أشكالها.
ويبقى السؤال, هل تهتم قمم دول مجموعة العشرين بمصالحها الإقنصادية, وبالمسؤولية الإنسانية التي تلقى على عاتقها, بنفس الدرجة ؟ هذا إن كانت تهتم بها أصلا ً!, وهل يهتم عالم الأغنياء بعالم الفقراء, أم يكتفي بمعاملتهم على أنهم دول وشعوب مستهلكة لمنتجاتهم ومستوردين لأسلحتهم, ودمىً على مسارحهم, وبأحسن الأحوال زبائن دائمين في متاجرهم.
ومن السذاجة بمكان, أن تعتمد الدول من خارج المجموعة, على رؤية البنود والمواضيع المختلفة والمتعلقة بهم أيضا ًمدرجة ًعلى جدول أعمال القمم, لكن وفي أغلب الأحيان يتم تجاهلها والقفز فوقها, وتكتفي دول القمم بمناقشة مصالحها الخاصة, وبعقد اللقاءات الثنائية على هامش القمم, والتي تحظى وتستحوذ على إهتمامهم بشكل مطلق.
ويمكن لمتابعي هذه القمم ملاحظة إهتمام الإدارات الأمريكية المتعاقبة بها, وبسعيها لعدم تفوت فرص فرض هيمنتها على دول المجموعة من بوابة القيادة و"تحمل المسؤولية" ... كما يمكن ملاحظة السلوك الأمريكي المعاكس تماما ً لمفاهيم الحوار والتعاون الدولي وكل ما من شأنه الحفاظ على النظام المالي والإقتصادي والتجاري العالمي, فقد غدت الحروب التجارية والعقوبات ونقض الإتفاقات من طرف واحد ورفع الرسوم الجمركية, تشكل استراتيجيةً أساسية واضحة لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية, ويعتبر سلوك الرئيس دونالد ترامب مثالا ًواضحا ً.
ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض وضع علامات الإستفهام على نظام السياسة الإقتصادية بإقراره سياسة "أمريكا أولا" والرسوم الجمركية التي فرضها على الصين والاتحاد الأوروبي وروسيا وتركيا ...إلخ , والحروب التجارية التي أطلقها, وابتعد عن القواعد الجامعة لمجموعة العشرين والمنظمات الدولية.
فقد تابع العالم منذ أيام إنعقاد قمة دول العشرين في مدينة أوساكا اليابانية... والتي اختتمت أعمالها بعدما هيمنت على إجتماعاتها قضايا حروب التجارة والتوتر في الخليج وصفقات الأسلحة, وانشغل قادتها بلقاءاتهم الثنائية, بين باحثٍ عن تعزيز نفوذه وصفقاته, وثانٍ أثقلته الحروب التجارية, وثالثٍ هاربٍ من تهمٍ بالقتل تلاحقه, ورابعٍ مربك بملفات إنتهاكه حقوق الإنسان, وخامسٍ يبحث عن صفقات السلاح , وسادسِ يهتم بالشكل وبإلتقاط الصور إلى جانب القادة الكبار.
فيما غابت قضايا الفقراء ودولهم, المرتبطة بشكلٍ مباشر بالإستقرار العالمي وبنظامه المالي والإقتصادي, وغُيبت معها القضايا الإنسانية المرتبطة بقضايا حقوق الإنسان والمرأة, وبالقضايا المحقة والشرعية للدول والشعوب, وقضايا من أتعبتهم الضغوط والحروب المتعددة الأشكال التي يشنها "الكبار", ونتائجها الكارثية بفعل الإحتلال والإرهاب وقضم الأوطان والإعتراف بها حقوقا ً للغير, وعبر الدمار والدماء والهرب واللجوء والجوع وفقدان الأمن والأمان والأهم فقدان الأوطان .. أي قممٍ وأي نظامٍ عالمي مالي وإقتصادي, وأي أغنياء, وأي سراب...
في عالمٍ هيمن فيه البعض على البعض, وانقسم العالم إلى عالمين, غنيٌ يلتقي ويجتمع لزيادة الغلة, وفقيرٍ يدفع ضريبة وحشية وجشع الأغنياء, في وقتٍ يتحدث فيه البعض عن النتائج الباهتة لقمة أوساكا, وسط استغراب البعض الاّخر من الإتفاق على عقد القمة القادمة في السعودية, إذ يبدو المشهد مقرؤا ًمن عنوانه, فلا إقتصاد يُرتجى هناك ولا حريات ولا حقوق المرأة وحقوق الإنسان, في معقل النظام الأكثر إرهابا ًحول العالم وبشهادة العالم نفسه, وهو الباحث عن إستقرار النظام العالمي عبر مجموعة العشرين!.
م.
ميشيل كلاغاصي
5 / 7 / 2019