Wednesday, November 16, 2022

مونديال قطر 2022.. "الحلفاء والشركاء" يهزون شباك الدوحة - م. ميشيل كلاغاصي


وسط مشاعر جياشة، رحب القطريون بقرار الفيفا إقامة نسخة المونديال لعام 2022 على الأراضي القطرية، ورحبوا لاحقاً بإطلاق شعار "مونديال قطر"، ورأوا أنه "يمثل هويتهم العربية والقطرية"، لكونه مستوحى من الشال الصوفي التقليدي، ويتضمن الإشارة إلى عدد الملاعب التي ستقام عليها المباريات، وإلى تموجات الكثبان الرملية.

للوهلة الأولى، وبعيداً من الخلافات السياسية والصراعات العسكرية الساخنة التي تعصف ببعض الدول العربية ودول المنطقة والعالم، تغمر السعادة والفرح المنطقة العربية والعالم مع اقتراب الحدث العالمي، إذ انهمكت قطر ببناء الملاعب والفنادق وكل مستلزمات العرس الكروي الدولي، لكن لم يطل الأمر حتى تلبدت الغيوم السياسية في سماء هذا الحدث، ولاح في الأفق ما يشي بخلافاتٍ جوهرية حول استضافة قطر للبطولة، وخرج بعض من وافقوا سابقاً وصوّتوا لمصلحة استضافة قطر للمونديال ليكيلوا الانتقادات ويسلّطوا الأضواء على الحريات والديمقراطية الغائبة في قطر.

هذا الأمر يدفعنا بطبيعة الحال إلى أن نتساءل: لماذا صمتوا ثم تكلَّموا وندموا؟ ألم تكن قطر هي قطر أو أنَّ السياسة والتسييس يسودان الزمان والمكان؟ ما الَّذي قدمته قطر ونالت المكافأة بنيل شرف استضافة البطولة؟ وما الذي تغير في مواقفها لتحصد غضب البعض واستياءهم وندامتهم، وتتعرض لحملات إعلامية منظمة تستهدفها ومونديالها، على غرار الاستهداف الذي تعرضت له بكين أثناء استضافتها دورتي الألعاب الأولمبية الصيفية والشتوية لنسخة عام 2022، ما يدل على أنّ الغرب لن يتوانى عن تحويل الأحداث الرياضية إلى مواقف سياسية وأسلحة "مؤلمة"!

إنَّ العالم الَّذي تؤيّده قطر وتتحالف مع رأس حربته في البيت الأبيض، وفي الغرب عموماً، هو ذاته الذي منحها مكانةً ودوراً يتجاوز حدودها ويتخطى مساحتها الجغرافية، وهي تعلم أنَّه عالم منافق يرى عيوبها ويصمت لأجل مصالحه وأموالها، لكنه مستعد أيضاً لفضحها ومعاقبتها وعزلها والحرب عليها إن استدعى الأمر.

ومع ذلك، وضعت رهانها على "طاولاته الخضراء"، ونالت الكثير من دعمه لدورها فيما سُمى بـ"الربيع العربي"، وللدور التخريبي التحريضي الذي أدته بعض القنوات على مدار أكثر من عقد، وما زالت تؤديه حتى الآن.

كما أتبعت سياساتها بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة والناتو، ناهيك بالطبيعة الحميمية لعلاقاتها بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحزب العدالة والتنمية الإخواني. لقد دعمت سياساته وتحركاته العسكرية وجماعاته الإرهابية ضد سوريا وليبيا وغير ساحات، ووقفت خصماً عنيداً لنظام الرياض وعددٍ من الأنظمة الخليجية والعربية، ناهيك بمواقفها من "صفقة القرن" والتطبيع مع الكيان الإسرائيلي الغاصب، ومدى تأثيرها في الداخل الفلسطيني، ورفضها المستمر والمتكرر لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

وقد كافأها الأميركيون وصحبهم بمنظورٍ سياسي، وبشرف استضافة كأس العالم، كنتيجةٍ طبيعية لإخراجهم الحدث الرياضي عن سياقه الطبيعي وتسييسه وفق أجنداتهم ومخططاتهم ومشاريعهم.

تعرف قطر أنَّ الذهنية السياسية لأصدقائها الأميركيين والأوروبيين والأتراك لا تبحث من خلال الأحداث الرياضية عن السلام واللقاء والمنافسة الرياضية الجميلة، بل تسعى لمكافأة أصحاب الضيافة الرياضية أو معاقبتهم عبر أسلحتها المعروفة: "الشيطنة وتشويه السمعة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان"، لتخفي وراءها الأسباب الحقيقية، سواء كان ذلك من باب المكافأة أو العقاب، وهذا ما حصل مع قطر. 

سبق لرئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي أن دعت المجتمع الدولي إلى مقاطعة الألعاب الأولمبية الصينية، وأصدر البرلمان الأوروبي قراراً يحثّ الدبلوماسيين على تجاهل الألعاب الأولمبية.

وتم توقيع وثيقة مماثلة في بريطانيا بزعامة وزيرة الخارجية ليز تروس ورئيس الوزراء جونسون – آنذاك - ناهيك باقتراح مجموعةٍ من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري فرض المقاطعة الدبلوماسية، وطالب بعضهم بأن تكون المقاطعة دبلوماسية ورياضية، ووصفوا أولمبياد بكين 2022 بـ"أولمبياد الإبادة الجماعية".

اليوم، ونحن على بعد عدة أيام من انطلاق نهائيات كأس العالم في قطر، لا تزال الصورة غامضة لجهة عدد الزوار وإقامتهم. ومن المتوقع أن يصل إلى قطر نحو 1.2 مليون مشجع وسائح رياضي من جميع أنحاء العالم، بما يتجاوز سعة فنادق الدوحة بكثير، ويفرض على الضيوف مجموعة من الخيارات، مثل كبائن وقرى المشجعين وبيوت العطلات، إلى جانب السفن السياحية والمراكب الفندقية العائمة.

وعلى الرغم من الجهود الكبيرة والاستعدادات التي قامت بها الجهات القطرية والدولية الرياضية، فإنَّ ذلك لم يمنع انطلاق موجة غير مسبوقة من الفضائح والتصريحات السياسية القاسية والردود القطرية على ما دعتها بالحملات المنظمة ضدها. 

وتحدَّثت وسائل الإعلام عن إنهاء العقد المبرم بين قطر ومتقاعدي الأجهزة الأمنية الأردنية، على خلفية تصاريح متضاربة مفادها تخلّف 5000 متعاقد عن تدريب أمني، فيما تتحدَّث رواية معاكسة عن إنهاء العقد بسبب سوء الأحوال المعيشية للمتعاقدين، وتم في النتيجة الاستغناء عنهم وإعادتهم إلى بلادهم. 

كذلك، تستمرّ وسائل الإعلام ومنظّمات حقوق الإنسان والعفو الدولية منذ أعوام بالحديث عن حقوق العمال الأجانب الذين شاركوا في بناء الملاعب وغيرها من المرافق. وقد تعرض بعضهم للإصابة، وتوفي بعضهم الآخر، وغالبيتهم من الهند وباكستان وبنغلادش والفلبين، ولم تتوقف لأجل ذلك مطالبة الفيفا بمعاقبة قطر بفرض الغرامات والتعويضات أو استبعادها من استضافة المونديال. 

وقد سعت قطر بكلّ ما تملكه من وسائل تأثير لمنع تشويه سمعتها وعرقلة استضافتها للمونديال العالمي، لكنها لم تستطع منع بعض الدول من إطلاق حملاتٍ منظمة للحديث عن حقوق الإنسان في قطر، وأنها دولة لا تُحترم فيها "القيم والديمقراطية الغربية"، فيما أعلن عدد من الحكومات الأوروبية رفضهم السفر إليها لدعم لاعبيهم.

كذلك، سلَّطت الحملات الإعلامية الأنظار على "المعاملة اللاإنسانية للمثليين" في قطر، على الرغم من أن منظمي كأس العالم 2022 تحدثوا مراراً وتكراراً عن ترحيب قطر بجميع المشجّعين، بصرف النظر عن ميولهم الجنسية أو خلفياتهم الثقافية أو العقائدية.

كذلك، تحدث مدير منتخب المملكة المتحدة عن أن "كأس العالم في قطر لن تكون مثل في الغرب"، وعلى جميع زوار قطر احترامها كدولة ذات ثقافة ودين وتقاليد مختلفة عن الغرب. 

وفي 25 تشرين الأول/ أكتوبر، ومن خلال لقاء تلفزيوني، انتقد أمير قطر "التشهير المتعمد" والمستمر بالدولة القطرية ونسخة بطولتها العالمية 2022، و"الحملة غير المسبوقة" التي تتعرض لها بلاده، وأكد أن استضافة كأس العالم كانت "اختباراً رائعاً لدولة بحجم قطر"، وأنَّ "الحملة تميل إلى الاستمرار والتوسع لتشمل الافتراءات والمعايير المزدوجة. وقد دفعت الكثيرين إلى التساؤل عن الأسباب والدوافع الحقيقية وراء ذلك".

كذلك، انتقدت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيرز منظمي كأس العالم 2022 و"أوضاع حقوق الإنسان في قطر"، وأكدت اعتقاد بلادها بأنَّ "من الأفضل ألا تُمنح البطولات لمثل هذه الدول"، وسارعت الخارجية القطرية إلى الرد، واستدعت السفير الألماني في الدوحة للاحتجاج، وأصدرت بياناً اعتبرت فيه أن تصريحات الوزيرة الألمانية "غير مقبولة واستفزازية للشعب القطري"، فيما دعا السفير الدائم لبعثة الدومينيكان في الأمم المتحدة إلى استبعاد المنتخب الإيراني واستبداله بالمنتخب الإيطالي، الأمر الذي دفع رئيس الفيفا إلى دعوة الجميع للتركيز على كرة القدم بدلاً من تركيزهم على الخلافات السياسية أو الأيديولوجية خلال كأس العالم.   

من المؤكد أن قطر تدرك طبيعة الشر المتأصل في ذهنية أصدقائها وحلفائها وشركائها الغربيين وعقولهم، كما تدرك أنها ليست بمأمن من استهدافهم ومكائدهم، مهما فعلت مثلهم ولأجلهم ضد أبناء جلدتها، وأنهم لن يوفروا فرصة لأذيتها من خلال استغلال البطولة الرياضية والحدث العالمي.

ويبقى الفيصل دائماً هو العامل السياسي والمصالح الدولية الكبرى، فالحملات التي تتعرض لها قطر ترتبط مباشرة بما يجري في المنطقة الخليجية والعربية، وبما يحدث في أوكرانيا، وبالخرائط الجديدة لأنابيب الغاز والنفط وأسواقهما وأسعار موارد الطاقة، وخصوصاً الغاز الطبيعي المسال الذي يعني قطر بالدرجة الأولى، والذي رفضت بيعه لألمانيا، لأنها، بحسب الوزير سعد الكعبي، "ملتزمة قطعاً باحترام العقود... ولن تحول شحنات الغاز من آسيا إلى أوروبا هذا الشتاء"، بالتزامن مع سعي الولايات المتحدة والاتحاد والمفوضية الأوروبية لتغيير قواعد سوق الغاز لخفض الأسعار حالياً والسيطرة على أسعار الطاقة مستقبلاً.

يبدو أنَّ على قطر الحذر من حلفائها وشركائها الذين يتربصون بها لهزِّ شباكها في مونديالها.

م. ميشيل كلاغاصي

12/11/2022

 

إنهاء عملية برخان هزيمة فرنسية إضافية في عهد ماكرون - م. ميشيل كلاغاصي


في خطوة متوقعة , أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخراً ، نهاية عملية "برخان" في منطقة الساحل الأفريقي , بعد فشلها , وانكشاف الوجه الفرنسي القبيح وأفعاله المشينة هناك , فقد وجد ماكرون نفسه أمام إعلان انتهاء العملية , أو التقليص التدريجي للوجود الفرنسي العسكري هناك , دون أن يعني ذلك إنسحاباً حقيقياً ونضجاً سياسياً , أو تغييراً في الذهنية والسلوك الإستعماري للقيادة الفرنسية , وتحديداً للرئيس ماكرون.

فقد تحدثت بعض المصادر الإعلامية الغربية , عن نية ماكرون الانسحاب منذ شباط/فبراير 2021 , وبأنه انتظر الوقت الملائم لإعلانه ، وسط هواجس تعرض بلاده إلى الانسحاب الكارثي على غرار مغادرة القوات الأمريكية من فيتنام ومؤخراً من أفغانستان , وسط الإنقلاب العسكري الذي ضرب مالي في أيار/مايو 2021 , ووسط معارضة حكومات بعض الدول الأفريقية للإنسحاب الفرنسي كالنيجر وبوركينا فاسو , تحت ذريعة عدم قدرتهم على مواجهة الإرهابيين بمفردهم .

لكن تدهور الأوضاع  تدهور الأوضاع في مالي ، وازدياد المشاعر المعادية للدولة الفرنسية في عموم غربي أفريقيا ، وانفضاح أمر دعمها وتعاملها مع الجماعات الإرهابية , التي ادعت محاربتها من خلال عملية "برخان" , دفعها نحو تغيير استراتيجيتها واختيار الإنسحاب وإنهاء العملية , ناهيك عن التواجد الروسي المنافس والضاغط على وجودها في القارة السمراء , واهتمام باريس بتداعيات الحرب في أوكرانيا على المستويين الداخلي والخارجي , ناهيك عن تنامي وتصاعد أصوات الأفارقة ممن يطالبونها بمغادرة أفريقيا بشكلٍ كامل , وسط شكوكٍ بإنسحابها من الدول التي عارضت الفكرة , وبذلك تكون فرنسا قد هزمت نفسها بنفسها في معركتها المزعومة لمواجهة الإرهاب هناك.

من الواضح أن فرنسا كانت تشعر بالسعادة جراء وجودها ونفوذها في أفريقيا , ولم تكن تعير اهتماماً للتفكير في إنهاء "الإستعمار القديم" , وهي ماضية من خلال شهواتها التوسعية , بسرقة ثروات تلك الدول , غير اّبهة بالقوانين الدولية وبالقيم الأخلاقية والإنسانية والديمقراطية التي تدعيها , وحملت لواء الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان لتبرير غزوها واستمرار استعمارها الدول , في الوقت الذي تستمر فيه بالتاّمر وبالتدخل السافر في الشؤون الداخلية لعشرات الدول حول العالم كسورية ولبنان وليبيا وإيران وغيرها.

كان على القوات الفرنسية أن تبدأ في الإنسحاب من مالي قبل عدة سنوات , لكنها وبحسب وزارة دفاعها , لجأت إلى الانسحاب التدريجي في منتصف عام 2021 من شمال مالي وسلمت بعض المدن إلى الجيش الوطني في مالي ، بالتنسيق مع الحكومة الجديدة , وبعثة الأمم المتحدة هناك , وفي نهاية تشرين الأول 2021 ، قلصت قيادة عملية برخان عدد موظفيها بالقرب من الحدود الجزائرية إلى80 موظفاً , و500 جندي فرنسي , كما نقلت عدد كبير من شاحناتها واّلياتها العسكرية ومعداتها اللوجستية إلى مدينة جاو , واخلت قاعدتها في مدينة كيدال , وتركت خلفها مفرزة رمزية صغيرة... يبدو هروباً محسوباً مشابهاً لهروب قوات الغزو الأمريكي والناتو من أفغانستان , مع فارق أنهم استطاعوا تحييد مشهد الإنسحاب المذل عن وسائل الإعلام.

لقد لعبت فرنسا دوراً سيئاً للغاية , اعتمدت فيه على الإرهابيين من جماعة "أنصار الدين" التابعة لتنظيم القاعدة , لإنشاء جيبٍ إرهابي في مالي , وتذرعت بعملية برخان للقضاء عليهم , ومنعت الجيش المالي من الإتجاه نحو كيدال لمواجهتهم , في حين كانت السلطات الشرعية فيها قد طالبت العاصمة بدعمٍ جوي وبعمليات مراقبة فقط , وقد قامت جماعة "أنصار الدين" الإرهابية لاحقاً بشن أكثر من 60 هجوماً على قوات حفظ السلام , وأهدافٍ مدنية وعسكرية في مالي منذ عام 2016 حتى مطلع عام 2022. 

لم تفوت الدولة الفرنسية وخارجيتها مناسبة لإظهار وإثبات سياستها العدائية تجاه مالي , وسبق للرئيس إيمانويل ماكرون وفي بيانٍ ألقاه في الخامس من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 2021, حول عدم شرعية الحكومة الحالية , أكد فيه بأنها منبثقة عن "إنقلابيين" , وبأنها حكومة باطلة لا ديمقراطية , وقد أغضبت تصريحاته يومها جميع الماليين . 

في حين أدان رئيس الوزراء المالي تشوجويل مايغا في كلمة بلاده أمام الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة عام  2021 ، تصرفات وسياسات الدولة الفرنسية في المنطقة , وأشار إلى أن باريس تخلت عن باماكو في منتصف الرحلة وتركتها وحيدة بمواجهة الإرهابيين , عندما فشلت عملية برخان فشلاً ذريعاً ..  وقد تعامت فرنسا عن تورط جنودها في عمليات إجرامية للسيطرة على تهريب المخدرات ونهب موارد البلاد , الأمر الذي دفع مالي للجوء إلى شركة عسكرية روسية لدعمها في مكافحة الإرهابيين – بحسب رئيس وزراء مالي - ، ما أثار حفيظة واستياء باريس , وجعل وزير الخارجية الفرنسي اّنذاك جان إيف لودريان إلى تهديد الكرملن بـ "عواقب وخيمة".

لاتزال باريس تعتبر مالي وعدد من الدول الأفريقية الأخرى كمحميات وأراضٍ فرنسية ، وتبذل قصارى جهدها لمنع تعزيزعلاقات المستعمرات الفرنسية السابقة مع غير دول وعلى رأسها روسيا .. وحاولت استخدام الإتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على أفراد وكيانات روسية زعمت أنهم يرتبطون بعلاقات مباشرة مع شركة فاغنر العسكرية الخاصة.

فقدت فرنسا الكثير من هيبتها ومن قوة تواجدها العسكري في عموم دول أفريقيا , واضطرت لإنهاء عملية بريخان , وصبت إهتمام خارجيتها على الإنتقاد المستمر لنشاطات شركة فاغنر في مالي , التي تعتبرها سبباً لتراجع الوجود العسكري الفرنسي هناك , وعلى الرغم من حصول فرنسا دعم اليونان , والإتحاد الأوروبي , والولايات المتحدة الأمريكية ، لكن هذا لم يعفِ تلك الدول وغيرها من إنتقاد سياسة فرنسا الإستعمارية في عموم أفريقيا , من خلال استراتيجية النفاق الغربي , خصوصاً عند تضارب المصالح. 

يوماً بعد يوم تثبت السياسة الفرنسية عجزها في إبداع سياسة حديثة متطورة , تؤكد من خلالها استيعابها لمتغيرات العصر , وترمي عنها ذيول الماضي الإستعماري , والبحث المستمر في علب النفايات عن تناقضات الشعوب والدول , وتحديد نقاط ضعفها , بهدف تحويلها إلى مستعمرات ومحميات فرنسية , بالإعتماد على ساسة الصف الأول , اللذين أطاحوا بمكانة فرنسا وهيبتها , ونالوا من سمعتها , ودورها الحضاري والإنساني والسياسي , وتحولت بفضلهم إلى دولة شريرة تشارك في جميع المؤامرات والحروب , إلى أن أنهككها ضعفها وتحولت إلى دولة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية , ساهم بتدهور مكانتها عدة رؤساء تعاقبوا على حكمها في العقدين الأخيرين , ولم يكن الرئيس ماكرون بأفضل حالاً من سابقيه , واكتفى بمتابعة تراجع شعبيته , وبوعوده الانتخابية التي لم ينفذ منها شيئاً , وعيونه شاخصة على قيادة العالم الأوروبي من خلال غطرسته الفارغة , التي قادته نحو الإنصياع لعداء موسكو , والمشاركة الفاعلة في معاقبتها والحرب العسكرية عليها , ولم يجن من جرائها سوى الهزائم السياسية , والعسكرية , ولم تنفع فيها العقوبات على موسكو , لكنها طالت الشعب والداخل الفرنسي الذي بدأ يضيق ذرعاً بحكمه وسياساته , وباتت الإضرابات والتظاهرات الشعبية والنقابية والحزبية مشاهد شبه يومية , وتضاعف عدد الفقراء والمحتاجين , وسط تذمر الفرنسيين من تردي أوضاعهم الاجتماعية والمعيشية , اللذين طالبوا بزيادة رواتبهم , وبتخفيض أسعار الطاقة الكهربائية والغاز , وباتوا أكثر قرباً من الإنقلاب على عهده , وهذا ما لن يستغربه أحد إن حصل قريباً.

م. ميشيل كلاغاصي

11/11/2022

 

هل تدفع أوروبا فواتير تبعيتها لواشنطن فقط ؟ ماذا حل بالعالم الأخضر؟- م. ميشيل كلاغاصي


نتيجة الثمن الكبير لإنخراط الإتحاد الأوروبي في الحرب على روسيا , وما اّلت إليه الأوضاع الإجتماعية والمعيشية في جميع الدول الأوروبية , وتردي إقتصادياتها , وأزمة الطاقة التي ورط القادة الأوروبيون أنفسهم بها , والعقوبات غير المسبوقة على روسيا , وبالدعم المالي والعسكري والسياسي والإعلامي لحكومة النازيين الأوكران , والذي يبدو بلا نهاية , وكل ما من شأنه دفع الأوروبين نحو طريقٍ مجهولة ومستقبلٍ غامض , يهتم بعض الأوروبيون بالحديث عن النفاق والخداع الأمريكيين , اللذان تعرضا له , وعن الهيمنة الأمريكية , التي كانت وراء انخراطهم بالحرب على روسيا , وفرض هيمنتها عليهم , وسبق للرئيس الفرنسي ماكرون في فترة رئاسته الأولى أن تحدث مراراً عن رغبة فرنسا بالسير "بعيداً عن سياسة الولايات المتحدة" , كذلك فعلت المستشارة أنجيلا ميركل , وتحدثت عن ضرورة "استقلال القرار الأوروبي" .

واليوم يفتح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، "النار" على الولايات المتحدة ، ويتهمها بتصدير موارد الطاقة بأسعار أعلى بكثير من أسعارها المحلية , في حين أكد وزير المالية الفرنسي برونو لومير, أنه "على باريس ألا تسمح لواشنطن بالسيطرة على الإقتصاد على حساب الإتحاد الأوروبي" , في الوقت الذي انقلب فيه المستشار الألماني أولاف شولتس على نفسه , وتحول فجأةً إلى أحد المعجبين بالحزب الشيوعي الصيني , وحاول إخفاء حقيقة هدف زيارته لبكين , وسط احتمالية إرساله رسالة مباشرة للرئيس الروسي عبر صديقه الرئيس شي جين بينغ , تعكس تغير مواقفه من روسيا .

لا يجد الأوروبيون حرجاً في تزييف الحقائق والوقائع , وهم يلقون اللوم على الولايات المتحدة الأمريكية , في عالمٍ حولوه سويةً إلى غابة يسودها الإنهيار الأخلاقي قبل الإنهيار السياسي , أليس الأوروبيون هم من دفعوا ممثليهم في الأحزاب الخضراء للتغلغل داخل الحكومات الأوروبية , وروجوا عبر شعارات "أنقذوا المناخ" و "أنقذوا العالم" وغيرها , لأجل عالمٍ "نظيف" , لكنه خبيث ويبحث عن تمهيد طريق المخطط الكبير ضد روسيا , ألم تكن هذه الشعارات بمثابة القصف التمهيدي للإستغناء عن خطوط وإمدادات الغاز الروسي .

لقد استطاعوا غسل عقول ناخبيهم , وإقناعهم بروعة استخدام ووضع طواحين الهواء والألواح الشمسية في كل مكان للحفاظ على البيئة والمناخ من جهة , وللتخلي عن الفحم والغاز والوقود والنفط والطاقة النووية من جهةٍ أخرى , وقدموا صورة جميلة لمستقبل أخضر , وتم استغلال ذلك لجبي الضرائب من جيوب المواطنين , ومن ميزانية الدول , على حساب عشرات الأولويات التي تنتظرها الشعوب الأوروبية من حكوماتها.

تأخر الأوروبيون لإكتشاف خداع قادتهم , وهم ينتظرون هبوب "الرياح" الخضراء , وظهور "الشمس" من خلف الغيوم السياسية , وتأكدوا من أن تضخيم مساوئ وأضرار اعتمادهم على الغاز لم يكن بريئاً , وبأن كل ما يحصل حولهم هو لخلق المبررات وبشكل مسبق لما هم اّت , وبالفعل لم يتأخر شهر شباط/فبراير 2022 , وبدأت حزم العقوبات على روسيا تتالى بسرعة كبيرة ، لم تمنح أحداً فرصة التفكير في "الجرم" الروسي و"العقاب" الأوروبي" , وسط لهاثم وراء ابتكار أساليب واّليات لرفض الغاز الروسي , على إيقاع الإعتراف "بديمقراطية أوكرانيا" , وحقها بالإنضمام إلى الناتو, وبتلاعبها بأمن روسيا القومي والحيوي , ونسفها لإتفاقياتها السابقة مع الدولة الروسية , والتجاهل الأوروبي التام لجرائمها بحق الأوكران الروس .

هل يبحث الأوروبيين حقاً عن الإبتعاد عن الولايات المتحدة , وبإختيار طريقهم الخاصة , بدون أدى شك هم كاذبون , ويتشدوق بذلك على غرار تركيا , وكلما تلقوا صفعةً أمريكية ساخنة , ومع ذلك يسعون للحفاظ على شراكتهم المتوحشة معها , التي تم إبرامها بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية , وكانت ولا زالت مصدر قوتهم وغطرستهم .

كذلك الأمر بالنسبة لواشنطن , التي "لا تنوي بمغادرة أوروبا لفترة طويلة" بتأكيد الرئيس جو بايدن مؤخراً , وبأن إنتشار قواتها وقواعدها في القارة العجوز , هو تجسيد فعلي "للإستثناء الأمريكي" , الذي يشكل جوهر فلسفة الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي القائم على "القواعد " - بحسب مصطلحات إدارة بايدن - , والذي لا يعني رجوع أو إلتزام أمريكا بقواعد القانون الدولي أو الوثائق القانونية للأمم المتحدة , ومع ذلك ، لا يهتم القادة الأوروبيون  بذلك , ويتمسكون بقواعد مجردة مبتكرة تخدم سياساتهم الاّنية فقط , وتعلو أصواتهم بالقانون الدولي إن تعلق الأمر بأوكرانيا أو"إسرائيل" , ويخرسون عندما يتعلق الأمر بتايوان أو سورية أو إيران أو روسيا والصين.

هذه "القواعد المبتكرة" دفعتهم نحو سياسات بيئةٍ فاشية بإمتياز, أجبرت وزير الطاقة الخضراء في ألمانيا روبرت هابيك , على إبتلاع سياساته وحزبه المعلنة , وزيادة مشتريات بلاده من الفحم وإعادة تشغيل محطات الطاقة ، بعكس ما تم الترويج له منذ عهد ميركل , وشكل أحد المحرمات في برنامج حزب الخضر الإنتخابي , والأمر ذاته ينسحب على ماكرون الفرنسي , الذي أغلق 17 محطة توليد للطاقة النووية , لصالح مراوحه التي صدأت وهي مرمية في شوارع المدن الفرنسية , وعاد مؤخراً لتشغيل بعض محطاته النووية , وكأن شيئاً لم يكن , سوى أنه أذل مواطنيه أمام محطات البنزين , وتضاعف عدد الفقراء , ومن لا يستطيعون شراء لقمتهم اليومية , فتظاهروا وطالبوا بزيادة رواتبهم , وبرحيل ماكرون.

وما بين فرنسا وألمانيا , إنقلب المشهد المعتاد , فبدأت فرنسا بإستجرار الكهرباء من ألمانيا , وبتزويدها بالمقابل بالوقود والطاقة النووية لإنتاج الكهرباء , وسط دعوة المفوض الفرنسي للسوق الداخلية في الإتحاد الأوروبي ، تييري بريتون ، الحكومة الألمانية إلى "ترك الأيديولوجية وراءها" وإطالة عمر محطات الطاقة النووية الثلاث المتبقية.

وبات من اللافت , اختفاء الحديث عن الطاقة الخضراء , والمناخ والبيئة ... إلخ , واتضح حتى لمن لا يبصرون , أن الأمر كله بالقرار الأمريكي للحرب على روسيا وإستهداف توريداتها من الطاقة والغاز والإستغناء الكلي عنها , بهدف تدمير الإقتصاد الروسي , ومن أجل تحطيم الرئيس بوتين وكسر إرادته والإطاحة به .

يا لهم من قادة وساسة , يتعاقبون على الحكم بتصويت الناخبين , المخدوعين ببرامجهم الإنتخابية , فما الذي سيقوله مؤيدوا "العالم الأخضر" وهم يرون الوزير هابيك يضحي بالمناخ , والبيئة , والمراوح والسيارات الكهربائية , وبالعالم "الوردي" , وهو يرى حياة مواطنيه , ومصالحهم , ومعاملهم وشركاتهم تمضي نحو الجحيم , لأجل شراء الغاز الأمريكي المسال , وبالأسعار المرتفعة التي أزعجت ماكرون في العلن , وقد تكون أطربته سرّاً, فقط لأجل محاربة روسيا.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

5/11/2022

 

قرار أوبك بلاس ما بين "تحالف" و"إنتقام" واشنطن من حلفائها - م. ميشيل كلاغاصي


من خلال تتبع خرائط وأماكن تواجد القواعد العسكرية الأمريكية حول العالم , يتضح أن لاّبار النفط صلة أو علاقة مباشرة بقرار إنشائها , وهذا بدوره يمنح المناطق والبقع الجغرافية ودولها التي تقام عليها تلك القواعد , أهميةً وحظوةً أمريكية , تجعل منها شريكاً أو طرفاً مشاركاً في استراتيجيات محلية وإقليمية ودولية , تختلف أدوارها ومهامها في أوقات السلم عنها في أوقات الحروب , وفي كلا الحالتين تتحكم الولايات المتحدة وقد تصادر القرار السيادي والسياسي المستقل لتلك الدول , لذلك يفضل الأمريكيون أن تتوفر فيها بالإضافة إلى الثروات الطبيعية القيادات الضعيفة والطائعة , والهشاشة السياسة التي تجعلها بحاجة دائمة للحماية الخارجية , وعليه .. لا تتوقع الولايات المتحدة أن تواجه فيها تحدياً أو صعوبات لإقناع قادتها بالسير وراء أجندات وأهداف ومصالح السياسة الخارجية الأمريكية.  

وقد أتت ردة فعل إدارة جو بايدن عنيفةً تجاه دول الأوبك , وتحديداً تجاه المملكة العربية السعودية , بإعتبارها عرشاً "شريكاً" للولايات المتحدة الأمريكية , نتيجة القرار الذي اتخذته دول أوبك وحلفائها , بخفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً , على الرغم من أن القرار كان متوقعاً في الأوساط النفطية , ولم يكن له على أرض الواقع  تأثير كبير على أسعار النفط العالمي.

إلا أن واشنطن اعتبرته إشارة واضحة من حلفائها العرب في منطقة الخليج , بأنهم لا يميلون إلى الإمتثال لطلبها وحاجتها التكتيكية الحالية لزيادة إنتاج النفط , في وقتٍ رأى فيه غالبية الديمقراطيين والجمهوريين , أن في ذلك إشارة إلى وقوف دول الخليج تقف إلى جانب روسيا ضد الموقف الأمريكي والغربي حيال الحرب التي يقودها الغرب في أوكرانيا , بما يؤكد ذهنية وطريقة التفكير الأمريكية واستراتيجية الهيمنة على من يدعونهم "شركاء" وحلفاء , وبأن مصالحهم الخاصة لا تعني واشنطن.

في وقتٍ أكد فيه مسؤولو أوبك أن القرار تقني بحت ويهدف إلى الحفاظ على الإستقرار في الأسواق العالمية , لكن الإمتعاض والغضب الأمريكي بدأ منذ لحظة وصول نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك إلى فيينا لحضور اجتماع أوبك + ، الذي يعقد تحت القيادة السعودية بالنسبة للأعضاء , وتحت القيادة الروسية للمنتجين من خارج الأوبك , وحاولت الضغط عبر النمسا , منع حضور نوفاك لكونه مدرجاً على لوائح العقوبات الأمريكية , لكن أعضاء أوبك + هددوا وبالإجماع بنقل مقر المنظمة إلى مكانٍ اّخر.

من المهم ملاحظة أن قرار أوبك+ , جاء بعد شهرين من لقاء بايدن مع ولي العهد السعودي في جدة ، الأمر الذي دفع البعض في الولايات المتحدة لإعتبار إتخاذ القرار دليلاً على فشل سياسة الإدارة الأمريكية الحالية تجاه حلفائها في الخليج , وقد عزز هذا الإعتقاد , تزامن قرار أوبك + , مع ذكرى حرب تشرين1/أكتوبر 1973 ، التي حققت فيها سورية والعرب نصراً كبيراً على "إسرائيل" والولايات المتحدة , حيث عمدت الدول العربية اّنذاك إلى تخفيض إنتاجها وصادراتها إلى الدول الداعمة للعدو الإسرائيلي , أحداث وذاكرة دفعت بعض الأمريكيين للتفكير في احتمالية تكرار استخدام العرب الإستراتيجية ذاتها اليوم , بالتوازي مع توتر العلاقات الأمريكية – السعودية , وشعور المملكة بتخلي واشنطن عنها , وهي تعيش كوابيس التغيرات الإقليمية والدولية وصراعاتها , في وقتٍ لا يمكن للعرش السعودي الصمود في صراعاته وحروبه أكثر من أسبوع واحد – بحسب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب -.

هل أقنع الخليجيون العالم بأن سياستهم قد تغيرت بالفعل , وبدأت بالإبتعاد عن المصالح الغربية , لصالح دولهم وشعوبهم والأمة العربية , وهل يبدو كلام أستاذ العلوم السياسية الإماراتي عبد الخالق عبد الله لصحيفة فاينانشيال تايمز واقعياً وبعيداً عن المبالغة بقوله : "لا يفهم البعض في واشنطن أن هناك خليجاً جديداً ولم نعد نتلقى الأوامر من واشنطن" , وهل يقف العرب على أعتاب مرحلة جديدة , وبزوغ فجرٍ جديد , يستطيع إجبار إدارة بايدن وكل من سيأتي بعدها , على اتباع سياسةٍ مختلفة , أساسها التساوي والإحترام المتبادل , وما يترتب عليه من إجبار واشنطن على تغير مسار سياستها الخارجية ؟.  

حاولت دول الخليج إثبات حيادها حيال الصراع الدائر في أوكرانيا , وتبديد الهواجس الأمريكية بوقوف دول الخليج وتحديداً السعودية إلى جانب روسيا , ولأجل ذلك , أكد وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي بعد لقاء فيينا , أنه :"لا يمكننا الوقوف مع هذا البلد أو ذاك " , بالتوازي مع نفي وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان وجود أي دافع سياسي لقرار أوبك+ , ومع ذلك ، أكد الرئيس جو بايدن بأنه "محبط" من قرار خفض إنتاج النفط وسيتجه نحو تأمين "البدائل" لزيادة الإمدادات.

مهما كان من أمر ردود الفعل الامريكية حيال قرار أوبك+ , وما تحاول فعله تجاه "تصرفات" المملكة العربية السعودية , يبدو الحديث عن تصاعد التوتر بينهما لن يرتق إلى مستوى تحوله إلى أزمة , ولن يكون هناك تباعد أو طلاق رسمي معلن بين واشنطن والرياض ودول الخليج , في وقتٍ لا تزال فيه الخطابات الرسمية والإعلامية لكلا الطرفين , تتحدث عن "العلاقات الإستراتيجية" , وبأن ما حصل لن يعدو أكثر من سحابة صيفٍ عابرة , خصوصاً في مرحلة ما بعد الانتخابات النصفية الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر القادم .

إن الحديث عن العلاقات الإستراتيجية بين واشنطن والرياض , يقود البعض للتركيز على استمرار تلك العلاقات بعيداً عن مسرحية الغضب والإستياء و"الإنتقام" الأمريكي , فإرتفاع أسعار النفط يصب في صالح المتحكمين في الولايات المتحدة الامريكية , وإن كان على حساب شعبها , وهي تقوم ببيع نفطها لـ"حلفائها وشركائها" الأوروبيين بأسعارٍ مضاعفة لأربع مرات عن الأسعار السابقة , وتستبق بذلك التباطؤ الإقتصادي العالمي المتوقع , والذي سيفرض بطبيعة الحال انخفاض الطلب على النفط , وانخفاض أسعاره ثانيةً.

من جهةٍ أخرى , لم تثبت السعودية تغييراً واضحاً في سياستها تجاه القضايا الخليجية والعربية والإقليمية , فالعلاقات مع الكيان الإسرائيلي لم تتأثر, ولم تتقدم المملكة بخطوات ملموسة تجاه قمة الجزائر , والتي قد يتغيب عنها ولي العهد , وكذلك الأمر بالنسبة لمواقفها من "لم الشمل الفلسطيني" ولقاء الفصائل في الجزائر وفي دمشق , الأمر ذاته ينسحب على قضية "لم الشمل" العربي بكليته , بغياب المواقف الإيجابية المعلنة تجاه دمشق , وتعثر التقدم الجدي والمبشر على مستوى العلاقة مع اليمن وليبيا والعراق ولبنان , ناهيك عن المراوغة أو التقدم المحسوب تجاه المفاوضات مع إيران , وترتيب أوراق حسن الجوار والأمن والإستقرار في الخليج , والتي تسير بها - على ما يبدو - وفق الأجندة الأمريكية , والتي فضحها إصدار وزارة الأمن الإيرانية وجهاز استخبارات "حرس الثورة" بياناً مشتركاً حول التطورات الأخيرة في البلاد، كشفا من خلاله , المؤامرة الخارجية , وتورط الإستخبارات الأميركية والبريطانية والسعودية والموساد الإسرائيلي ودول أخرى"، بـ "التخطيط وتنفيذ العمليات للجزء الأكبر من أعمال الشغب قام بهما الموساد بالتعاون مع المجموعات الإرهابية" , ناهيك عن تجنيد المملكة كافة وسائل إعلامها للتحريض على مدار الـ 24 ساعة , بهدف زعزعة الأمن والسلم الأهلي في إيران , وتهديد وحدة الأراضي الإيرانية.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

29/10/2022