Wednesday, November 16, 2022

هل تدفع أوروبا فواتير تبعيتها لواشنطن فقط ؟ ماذا حل بالعالم الأخضر؟- م. ميشيل كلاغاصي


نتيجة الثمن الكبير لإنخراط الإتحاد الأوروبي في الحرب على روسيا , وما اّلت إليه الأوضاع الإجتماعية والمعيشية في جميع الدول الأوروبية , وتردي إقتصادياتها , وأزمة الطاقة التي ورط القادة الأوروبيون أنفسهم بها , والعقوبات غير المسبوقة على روسيا , وبالدعم المالي والعسكري والسياسي والإعلامي لحكومة النازيين الأوكران , والذي يبدو بلا نهاية , وكل ما من شأنه دفع الأوروبين نحو طريقٍ مجهولة ومستقبلٍ غامض , يهتم بعض الأوروبيون بالحديث عن النفاق والخداع الأمريكيين , اللذان تعرضا له , وعن الهيمنة الأمريكية , التي كانت وراء انخراطهم بالحرب على روسيا , وفرض هيمنتها عليهم , وسبق للرئيس الفرنسي ماكرون في فترة رئاسته الأولى أن تحدث مراراً عن رغبة فرنسا بالسير "بعيداً عن سياسة الولايات المتحدة" , كذلك فعلت المستشارة أنجيلا ميركل , وتحدثت عن ضرورة "استقلال القرار الأوروبي" .

واليوم يفتح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، "النار" على الولايات المتحدة ، ويتهمها بتصدير موارد الطاقة بأسعار أعلى بكثير من أسعارها المحلية , في حين أكد وزير المالية الفرنسي برونو لومير, أنه "على باريس ألا تسمح لواشنطن بالسيطرة على الإقتصاد على حساب الإتحاد الأوروبي" , في الوقت الذي انقلب فيه المستشار الألماني أولاف شولتس على نفسه , وتحول فجأةً إلى أحد المعجبين بالحزب الشيوعي الصيني , وحاول إخفاء حقيقة هدف زيارته لبكين , وسط احتمالية إرساله رسالة مباشرة للرئيس الروسي عبر صديقه الرئيس شي جين بينغ , تعكس تغير مواقفه من روسيا .

لا يجد الأوروبيون حرجاً في تزييف الحقائق والوقائع , وهم يلقون اللوم على الولايات المتحدة الأمريكية , في عالمٍ حولوه سويةً إلى غابة يسودها الإنهيار الأخلاقي قبل الإنهيار السياسي , أليس الأوروبيون هم من دفعوا ممثليهم في الأحزاب الخضراء للتغلغل داخل الحكومات الأوروبية , وروجوا عبر شعارات "أنقذوا المناخ" و "أنقذوا العالم" وغيرها , لأجل عالمٍ "نظيف" , لكنه خبيث ويبحث عن تمهيد طريق المخطط الكبير ضد روسيا , ألم تكن هذه الشعارات بمثابة القصف التمهيدي للإستغناء عن خطوط وإمدادات الغاز الروسي .

لقد استطاعوا غسل عقول ناخبيهم , وإقناعهم بروعة استخدام ووضع طواحين الهواء والألواح الشمسية في كل مكان للحفاظ على البيئة والمناخ من جهة , وللتخلي عن الفحم والغاز والوقود والنفط والطاقة النووية من جهةٍ أخرى , وقدموا صورة جميلة لمستقبل أخضر , وتم استغلال ذلك لجبي الضرائب من جيوب المواطنين , ومن ميزانية الدول , على حساب عشرات الأولويات التي تنتظرها الشعوب الأوروبية من حكوماتها.

تأخر الأوروبيون لإكتشاف خداع قادتهم , وهم ينتظرون هبوب "الرياح" الخضراء , وظهور "الشمس" من خلف الغيوم السياسية , وتأكدوا من أن تضخيم مساوئ وأضرار اعتمادهم على الغاز لم يكن بريئاً , وبأن كل ما يحصل حولهم هو لخلق المبررات وبشكل مسبق لما هم اّت , وبالفعل لم يتأخر شهر شباط/فبراير 2022 , وبدأت حزم العقوبات على روسيا تتالى بسرعة كبيرة ، لم تمنح أحداً فرصة التفكير في "الجرم" الروسي و"العقاب" الأوروبي" , وسط لهاثم وراء ابتكار أساليب واّليات لرفض الغاز الروسي , على إيقاع الإعتراف "بديمقراطية أوكرانيا" , وحقها بالإنضمام إلى الناتو, وبتلاعبها بأمن روسيا القومي والحيوي , ونسفها لإتفاقياتها السابقة مع الدولة الروسية , والتجاهل الأوروبي التام لجرائمها بحق الأوكران الروس .

هل يبحث الأوروبيين حقاً عن الإبتعاد عن الولايات المتحدة , وبإختيار طريقهم الخاصة , بدون أدى شك هم كاذبون , ويتشدوق بذلك على غرار تركيا , وكلما تلقوا صفعةً أمريكية ساخنة , ومع ذلك يسعون للحفاظ على شراكتهم المتوحشة معها , التي تم إبرامها بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية , وكانت ولا زالت مصدر قوتهم وغطرستهم .

كذلك الأمر بالنسبة لواشنطن , التي "لا تنوي بمغادرة أوروبا لفترة طويلة" بتأكيد الرئيس جو بايدن مؤخراً , وبأن إنتشار قواتها وقواعدها في القارة العجوز , هو تجسيد فعلي "للإستثناء الأمريكي" , الذي يشكل جوهر فلسفة الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي القائم على "القواعد " - بحسب مصطلحات إدارة بايدن - , والذي لا يعني رجوع أو إلتزام أمريكا بقواعد القانون الدولي أو الوثائق القانونية للأمم المتحدة , ومع ذلك ، لا يهتم القادة الأوروبيون  بذلك , ويتمسكون بقواعد مجردة مبتكرة تخدم سياساتهم الاّنية فقط , وتعلو أصواتهم بالقانون الدولي إن تعلق الأمر بأوكرانيا أو"إسرائيل" , ويخرسون عندما يتعلق الأمر بتايوان أو سورية أو إيران أو روسيا والصين.

هذه "القواعد المبتكرة" دفعتهم نحو سياسات بيئةٍ فاشية بإمتياز, أجبرت وزير الطاقة الخضراء في ألمانيا روبرت هابيك , على إبتلاع سياساته وحزبه المعلنة , وزيادة مشتريات بلاده من الفحم وإعادة تشغيل محطات الطاقة ، بعكس ما تم الترويج له منذ عهد ميركل , وشكل أحد المحرمات في برنامج حزب الخضر الإنتخابي , والأمر ذاته ينسحب على ماكرون الفرنسي , الذي أغلق 17 محطة توليد للطاقة النووية , لصالح مراوحه التي صدأت وهي مرمية في شوارع المدن الفرنسية , وعاد مؤخراً لتشغيل بعض محطاته النووية , وكأن شيئاً لم يكن , سوى أنه أذل مواطنيه أمام محطات البنزين , وتضاعف عدد الفقراء , ومن لا يستطيعون شراء لقمتهم اليومية , فتظاهروا وطالبوا بزيادة رواتبهم , وبرحيل ماكرون.

وما بين فرنسا وألمانيا , إنقلب المشهد المعتاد , فبدأت فرنسا بإستجرار الكهرباء من ألمانيا , وبتزويدها بالمقابل بالوقود والطاقة النووية لإنتاج الكهرباء , وسط دعوة المفوض الفرنسي للسوق الداخلية في الإتحاد الأوروبي ، تييري بريتون ، الحكومة الألمانية إلى "ترك الأيديولوجية وراءها" وإطالة عمر محطات الطاقة النووية الثلاث المتبقية.

وبات من اللافت , اختفاء الحديث عن الطاقة الخضراء , والمناخ والبيئة ... إلخ , واتضح حتى لمن لا يبصرون , أن الأمر كله بالقرار الأمريكي للحرب على روسيا وإستهداف توريداتها من الطاقة والغاز والإستغناء الكلي عنها , بهدف تدمير الإقتصاد الروسي , ومن أجل تحطيم الرئيس بوتين وكسر إرادته والإطاحة به .

يا لهم من قادة وساسة , يتعاقبون على الحكم بتصويت الناخبين , المخدوعين ببرامجهم الإنتخابية , فما الذي سيقوله مؤيدوا "العالم الأخضر" وهم يرون الوزير هابيك يضحي بالمناخ , والبيئة , والمراوح والسيارات الكهربائية , وبالعالم "الوردي" , وهو يرى حياة مواطنيه , ومصالحهم , ومعاملهم وشركاتهم تمضي نحو الجحيم , لأجل شراء الغاز الأمريكي المسال , وبالأسعار المرتفعة التي أزعجت ماكرون في العلن , وقد تكون أطربته سرّاً, فقط لأجل محاربة روسيا.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

5/11/2022

 

No comments:

Post a Comment