Wednesday, November 16, 2022

"الديمقراطية والقيم الغربية" قصمت ظهر القارة العجوز- م. ميشيل كلاغاصي


مع استمرار الصراع في أوكرانيا ، ومن خلال ما أظهره القادة والساسة الأوروبيين , من كراهية ونفاق , وضعف وتبعية للولايات المتحدة الأمريكية , ومن محاولات التبرير الفاشل والبائس , لحجم الدعم المالي والعسكري لحكومة كييف المتطرفة , والإنخراط والإنسياق الكامل وراء أجندة المخطط الأمريكي ضد روسيا , يطرح السؤال نفسه , حول مدى وجدوى الدعم الأوروبي لأوكرانيا , على حساب مصالح الدول الأوروبية , وهزّ استقرارها , وإقتصادها , ونسف أمنها , والإطاحة بمكاسب مواطنيها , وطريقة عيشهم الكريمة , وإذلالهم وإصطفافهم على الطوابير أمام محطات الوقود , وبإرتفاع أسعار الغاز والطاقة والسلع الغذائية , وإجبارهم على قضاء شتاء قاسٍ بلا تدفئة , أمورٌ بمجملها أثارت غضب واستياء الأوروبيين , وأجبرتهم التخلي عن رفاهيتهم , ونزولهم إلى الشارع للمطالبة بإسقاط الحكومات , وبزيادة الرواتب , وبتمسكهم بفرص عملهم , وبدعواتهم للخروج من الإتحاد الأوروبي والناتو .

ماذا حل بقواعد النظام الديمقراطي الذي تتشدق به الحكومات الغربية ؟ التي حصدت أصوات الناخبين عبر وعودٍ ورديةٍ كاذبة , استبدلتها بحروبٍ وبحياةٍ قاسية صعبة , لم تعد شعوبها الأوروبية قادرة على تحملها .

يبدو أن الدعم الأوروبي المتهور والأعمى لسياسات الولايات المتحدة في الصراع الأوكراني ، لم يحسب حساب العواقب الإقتصادية والسياسية الوخيمة التي أطلقها بنفسه ، وأوصلته بكامل هيكله السياسي , نحو لحظةٍ حاسمة لا يمكن حلها إلاّ من خلال وضع خط النهاية لنظام الإتحاد الأوروبي , وبإيجاد تسويةٍ سياسية جديدة , وبناء هيكلٍ جديد , يضمن أمن القارة الأوروبية , واستقلاليتها , ومستقبلها.

لقد راهنت الدول الأوروبية على هزيمة روسيا , وإزاحة الرئيس فلاديمير بوتين ، عبر استراتيجية التبعية المهينة والمذلة للإتحاد الأوروبي , الذي انخرط بكليته بحربٍ اقتصادية تبدو فاشلة وبلا فائدة , قادتها الولايات المتحدة ضد روسيا , من خلال العقوبات التي لم يسبق وأن تعرضت لها دولة عبر التاريخ , وأدت إلى نتائج عكسية , أثرت بشكلٍ سلبي على المستهلكين والشركات الأوروبية , وتسببت بإرتفاع فواتير الطاقة وبالتضخم العام , وبإرتفاع احتمالات انعدام التدفئة ومواجهة البرد خلال هذا الشتاء ، ناهيك عن الأضرار الإقتصادية التي لم يعد بالإمكان إصلاحها على المدى المنظور , خصوصاً وأن العقوبات التي فرضها الإتحاد الأوروبي على روسيا , أدت من حيث النتيجة إلى إفلاس العديد من المصانع والشركات الأوروبية التي يرتبط إنتاجها بالطاقة , الأمر الذي أدى بدوره إلى تدهور الموازين التجارية ، وتآكل كبير لليورو ، وفقدان الوظائف ، بما يبشر بعقودٍ سيسودها الركود الإقتصادي الحاد , الذي سيرخي بظلاله المخيفة على الحياة السياسية والإجتماعية , التي ستطال كافة دول القارة الأوروبية .

بات من الواضح أن كافة قرارات الإتحاد الأوروبي الداعمة لأوكرانيا , التي اتخذها تحت عنوان "قواعد النظام الديمقراطي" و"سيادة القانون" و"القيم الغربية" , ووضعها عناوين ومبررات  , لرفض العملية العسكرية الروسية الخاصة , وإدعاء عدم شرعيتها , ومخالفتها للقانون الدولي , قد سقطت وسقط معها نفاق قادة وساسة الدول الأوروبية , والإتحاد الأوروبي , وأظهرت حقيقة ما يخفونه في صدورهم من كراهية دفينة منذ قرون تجاه روسيا القيصرية والإتحاد السوفيتي وروسيا الإتحادية اليوم , وحاولوا تبريرها بإقناع الشعوب الأوروبية بـ "الرهاب الروسي" القديم – الجديد , وبأنه اّن الأوان لإستئصاله , عبر هزيمتها وتدمير إقتصادها وتفكيكها وتقسيمها .

كم من السذاجة يتطلبه الأمر , لقبول دفاع الأوروبيين عن نظام كييف , وهو الذي ارتكب المجازر بحق مواطنيه الناطقين باللغة الروسية على مدى ثماني سنوات , وتحديداً منذ الإنقلاب الذي رعته الولايات المتحدة الأمريكية عام 2014 , وعدم إلتزامه ببنود إتفاقية مينسك في عام 2015 , وانخراطه في المخطط الأمريكي , وسط تجاهلٍ أوروبي لجرائم نظام كييف , والإضطهاد السياسي الذي مارسه بحق معارضيه , وتمادى في تعميم أفكار إيديولوجيا التطرف القومي , وبرعاية المجموعات والعصابات الأوكرانية الإنفصالية الإرهابية , ناهيك ممارساته التي اعتمدت على منظومة فساد النظام والمجتمع , ومع ذلك تدعي الدول الأوروبية والإتحاد الأوروبي , قيادتهما للمجتمعات الأوروبية في ظل "القيم" الأوروبية !.

لم يستطع الإتحاد الأوروبي تقديم نفسه كطرف مستقل في الصراع الأمريكي – الروسي , وحرم نفسه بأن يكون وسيطاً نزيهاً في مفاوضات السلام التي لا بد منها عاجلاً أو اّجلاً , وتخلت الدول الأوروبية عن دورها ومكانتها الدبلوماسية التقليدية لصالح دولٍ أخرى , كتركيا والمملكة العربية السعودية , وسط احتمالية دخول دول أخرى على خط المفاوضات , الأمر الذي سيفرض على أوروبا كطرف رئيسي في الصراع , تقديم التنازلات مقابل السلام , كذلك بات عليها الإعتراف بتراجع دورها ومكانتها الدولية , وبأنها قارةٌ عجوز , كما وصفها وأرادها الأمريكيون أنفسهم.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

2/10/2022

 

No comments:

Post a Comment