Wednesday, November 16, 2022

إنهاء عملية برخان هزيمة فرنسية إضافية في عهد ماكرون - م. ميشيل كلاغاصي


في خطوة متوقعة , أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخراً ، نهاية عملية "برخان" في منطقة الساحل الأفريقي , بعد فشلها , وانكشاف الوجه الفرنسي القبيح وأفعاله المشينة هناك , فقد وجد ماكرون نفسه أمام إعلان انتهاء العملية , أو التقليص التدريجي للوجود الفرنسي العسكري هناك , دون أن يعني ذلك إنسحاباً حقيقياً ونضجاً سياسياً , أو تغييراً في الذهنية والسلوك الإستعماري للقيادة الفرنسية , وتحديداً للرئيس ماكرون.

فقد تحدثت بعض المصادر الإعلامية الغربية , عن نية ماكرون الانسحاب منذ شباط/فبراير 2021 , وبأنه انتظر الوقت الملائم لإعلانه ، وسط هواجس تعرض بلاده إلى الانسحاب الكارثي على غرار مغادرة القوات الأمريكية من فيتنام ومؤخراً من أفغانستان , وسط الإنقلاب العسكري الذي ضرب مالي في أيار/مايو 2021 , ووسط معارضة حكومات بعض الدول الأفريقية للإنسحاب الفرنسي كالنيجر وبوركينا فاسو , تحت ذريعة عدم قدرتهم على مواجهة الإرهابيين بمفردهم .

لكن تدهور الأوضاع  تدهور الأوضاع في مالي ، وازدياد المشاعر المعادية للدولة الفرنسية في عموم غربي أفريقيا ، وانفضاح أمر دعمها وتعاملها مع الجماعات الإرهابية , التي ادعت محاربتها من خلال عملية "برخان" , دفعها نحو تغيير استراتيجيتها واختيار الإنسحاب وإنهاء العملية , ناهيك عن التواجد الروسي المنافس والضاغط على وجودها في القارة السمراء , واهتمام باريس بتداعيات الحرب في أوكرانيا على المستويين الداخلي والخارجي , ناهيك عن تنامي وتصاعد أصوات الأفارقة ممن يطالبونها بمغادرة أفريقيا بشكلٍ كامل , وسط شكوكٍ بإنسحابها من الدول التي عارضت الفكرة , وبذلك تكون فرنسا قد هزمت نفسها بنفسها في معركتها المزعومة لمواجهة الإرهاب هناك.

من الواضح أن فرنسا كانت تشعر بالسعادة جراء وجودها ونفوذها في أفريقيا , ولم تكن تعير اهتماماً للتفكير في إنهاء "الإستعمار القديم" , وهي ماضية من خلال شهواتها التوسعية , بسرقة ثروات تلك الدول , غير اّبهة بالقوانين الدولية وبالقيم الأخلاقية والإنسانية والديمقراطية التي تدعيها , وحملت لواء الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان لتبرير غزوها واستمرار استعمارها الدول , في الوقت الذي تستمر فيه بالتاّمر وبالتدخل السافر في الشؤون الداخلية لعشرات الدول حول العالم كسورية ولبنان وليبيا وإيران وغيرها.

كان على القوات الفرنسية أن تبدأ في الإنسحاب من مالي قبل عدة سنوات , لكنها وبحسب وزارة دفاعها , لجأت إلى الانسحاب التدريجي في منتصف عام 2021 من شمال مالي وسلمت بعض المدن إلى الجيش الوطني في مالي ، بالتنسيق مع الحكومة الجديدة , وبعثة الأمم المتحدة هناك , وفي نهاية تشرين الأول 2021 ، قلصت قيادة عملية برخان عدد موظفيها بالقرب من الحدود الجزائرية إلى80 موظفاً , و500 جندي فرنسي , كما نقلت عدد كبير من شاحناتها واّلياتها العسكرية ومعداتها اللوجستية إلى مدينة جاو , واخلت قاعدتها في مدينة كيدال , وتركت خلفها مفرزة رمزية صغيرة... يبدو هروباً محسوباً مشابهاً لهروب قوات الغزو الأمريكي والناتو من أفغانستان , مع فارق أنهم استطاعوا تحييد مشهد الإنسحاب المذل عن وسائل الإعلام.

لقد لعبت فرنسا دوراً سيئاً للغاية , اعتمدت فيه على الإرهابيين من جماعة "أنصار الدين" التابعة لتنظيم القاعدة , لإنشاء جيبٍ إرهابي في مالي , وتذرعت بعملية برخان للقضاء عليهم , ومنعت الجيش المالي من الإتجاه نحو كيدال لمواجهتهم , في حين كانت السلطات الشرعية فيها قد طالبت العاصمة بدعمٍ جوي وبعمليات مراقبة فقط , وقد قامت جماعة "أنصار الدين" الإرهابية لاحقاً بشن أكثر من 60 هجوماً على قوات حفظ السلام , وأهدافٍ مدنية وعسكرية في مالي منذ عام 2016 حتى مطلع عام 2022. 

لم تفوت الدولة الفرنسية وخارجيتها مناسبة لإظهار وإثبات سياستها العدائية تجاه مالي , وسبق للرئيس إيمانويل ماكرون وفي بيانٍ ألقاه في الخامس من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 2021, حول عدم شرعية الحكومة الحالية , أكد فيه بأنها منبثقة عن "إنقلابيين" , وبأنها حكومة باطلة لا ديمقراطية , وقد أغضبت تصريحاته يومها جميع الماليين . 

في حين أدان رئيس الوزراء المالي تشوجويل مايغا في كلمة بلاده أمام الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة عام  2021 ، تصرفات وسياسات الدولة الفرنسية في المنطقة , وأشار إلى أن باريس تخلت عن باماكو في منتصف الرحلة وتركتها وحيدة بمواجهة الإرهابيين , عندما فشلت عملية برخان فشلاً ذريعاً ..  وقد تعامت فرنسا عن تورط جنودها في عمليات إجرامية للسيطرة على تهريب المخدرات ونهب موارد البلاد , الأمر الذي دفع مالي للجوء إلى شركة عسكرية روسية لدعمها في مكافحة الإرهابيين – بحسب رئيس وزراء مالي - ، ما أثار حفيظة واستياء باريس , وجعل وزير الخارجية الفرنسي اّنذاك جان إيف لودريان إلى تهديد الكرملن بـ "عواقب وخيمة".

لاتزال باريس تعتبر مالي وعدد من الدول الأفريقية الأخرى كمحميات وأراضٍ فرنسية ، وتبذل قصارى جهدها لمنع تعزيزعلاقات المستعمرات الفرنسية السابقة مع غير دول وعلى رأسها روسيا .. وحاولت استخدام الإتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على أفراد وكيانات روسية زعمت أنهم يرتبطون بعلاقات مباشرة مع شركة فاغنر العسكرية الخاصة.

فقدت فرنسا الكثير من هيبتها ومن قوة تواجدها العسكري في عموم دول أفريقيا , واضطرت لإنهاء عملية بريخان , وصبت إهتمام خارجيتها على الإنتقاد المستمر لنشاطات شركة فاغنر في مالي , التي تعتبرها سبباً لتراجع الوجود العسكري الفرنسي هناك , وعلى الرغم من حصول فرنسا دعم اليونان , والإتحاد الأوروبي , والولايات المتحدة الأمريكية ، لكن هذا لم يعفِ تلك الدول وغيرها من إنتقاد سياسة فرنسا الإستعمارية في عموم أفريقيا , من خلال استراتيجية النفاق الغربي , خصوصاً عند تضارب المصالح. 

يوماً بعد يوم تثبت السياسة الفرنسية عجزها في إبداع سياسة حديثة متطورة , تؤكد من خلالها استيعابها لمتغيرات العصر , وترمي عنها ذيول الماضي الإستعماري , والبحث المستمر في علب النفايات عن تناقضات الشعوب والدول , وتحديد نقاط ضعفها , بهدف تحويلها إلى مستعمرات ومحميات فرنسية , بالإعتماد على ساسة الصف الأول , اللذين أطاحوا بمكانة فرنسا وهيبتها , ونالوا من سمعتها , ودورها الحضاري والإنساني والسياسي , وتحولت بفضلهم إلى دولة شريرة تشارك في جميع المؤامرات والحروب , إلى أن أنهككها ضعفها وتحولت إلى دولة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية , ساهم بتدهور مكانتها عدة رؤساء تعاقبوا على حكمها في العقدين الأخيرين , ولم يكن الرئيس ماكرون بأفضل حالاً من سابقيه , واكتفى بمتابعة تراجع شعبيته , وبوعوده الانتخابية التي لم ينفذ منها شيئاً , وعيونه شاخصة على قيادة العالم الأوروبي من خلال غطرسته الفارغة , التي قادته نحو الإنصياع لعداء موسكو , والمشاركة الفاعلة في معاقبتها والحرب العسكرية عليها , ولم يجن من جرائها سوى الهزائم السياسية , والعسكرية , ولم تنفع فيها العقوبات على موسكو , لكنها طالت الشعب والداخل الفرنسي الذي بدأ يضيق ذرعاً بحكمه وسياساته , وباتت الإضرابات والتظاهرات الشعبية والنقابية والحزبية مشاهد شبه يومية , وتضاعف عدد الفقراء والمحتاجين , وسط تذمر الفرنسيين من تردي أوضاعهم الاجتماعية والمعيشية , اللذين طالبوا بزيادة رواتبهم , وبتخفيض أسعار الطاقة الكهربائية والغاز , وباتوا أكثر قرباً من الإنقلاب على عهده , وهذا ما لن يستغربه أحد إن حصل قريباً.

م. ميشيل كلاغاصي

11/11/2022

 

No comments:

Post a Comment