Wednesday, November 16, 2022

"الحرية وحقوق الإنسان" السلاح الغربي القديم – الجديد لإستهداف إيران - م. ميشيل كلاغاصي


يستمر الإستهداف الأمريكي – الغربي للدولة الإيرانية , وتستمر معه الحملات الإعلامية التضليلية الحاقدة , بالإعتماد على تغييب عقول المتلقين , وكل من تعتبرهم وسائل الإعلام الغربي المسيس والمأجور , أناساً بلا ذاكرة , ولا يعرفون أن إيران تتعرض لأبشع عدوانٍ غربي منذ أربعين عاماً , لم يتوقف فيها الحصار وفرض العقوبات الأمريكية والدولية على إيران الدولة والشعب , ولا يعرفون أيضاً أن الإيرانيين حولوها إلى فرصة وحافزاً جدياً ساعدهم على تطوير علومهم وفكرهم ومهاراتهم التنظيمية وترجمتها حقائق على أرض الواقع , ومنحت بلادهم القدرة لتكون واحدة من أهم الدول والقوى الإقليمية والدولية , وأكثرها استقلالية في اّلية إتخاذ قرارها السياسي , الذي يلبي طموحات شعبها , التي تستند إلى تاريخه وحضارته , وتشكل حصيلة لصبره وكفاحه ونضاله , وخصوصاً مع إنطلاقة "الثورة" عام 1979.

فقد أدى النهج الإيراني إلى تحقيق عديد الإنجازات في كافة مجال العلوم والتكنولوجيا والصناعات العسكرية التقنية التي تحتاجها إيران , وبات العالم كله يعرف أن الإنجازات الإيرانية جاءت كنتاج لعراقة الحضارة الإيرانية واستمرارها وتطورها , ومراكمة إنجازاتها , وليست وليدة ظروفٍ ولحظاتٍ اّنية مرت وتمر بها البلاد. 

واليوم , وبفضل متانة وعمق الأساسات الإيرانية , استطاعت التصدي للعدوان الأمريكي - الغربي متعدد الأشكال والأساليب على مدى العقود الأخيرة , والتي اقتربت فيها المواجهة العسكرية المباشرة بينهما مرات عديدة , سجلت فيها الدولة الإيرانية ثباتاً وشجاعةً وحكمةً , أكدت علو كعبها السياسي والدبلوماسي وردعها العسكري , ودقة حساباتها , وبراعتها في ترتيب أولوياتها الجيو- سياسية .

وهذا يشير إلى أهم ما يميز إيران وسياستها الخارجية , التي تقوم على التمسك بمصالحها الوطنية ، النابعة من عمق وتاريخية وهوية المجتمع والدولة , بما يؤكد صعوبة التأثير عليها من الخارج , في وقتٍ لم تتوقف فيه المعارضة الإيرانية المدعومة من الخارج , إقتناصها الفرص , وتنفيذ هجماتٍ إرهابية داخل البلاد , أو بمحاولات زعزعة الإستقرار الداخلي , تنفيذاً للمخططات التي يحيكها بأعداء إيران كالعدو الإسرائيلي , والولايات المتحدة الأمريكية , وبريطانيا , وبعض الدول والأنظمة العربية المجاورة , ومع ذلك , حافظت الدولة الإيرانية على استقلالية قرارها السيادي والسياسي , وواجهت أزماتها وصراعاتها والعدوان الصهيو – أمريكي وأدواته , بقدراتها الذاتية , وبكبرياء شعبها , وحكمة قيادتها. 

وعلى الرغم من تطور علاقاتها الدولية مع بعض القوى الكبرى كروسيا والصين , والتي بلغت مستويات متقدمة للغاية , على المستوى الإقتصادي , والتبادل التجاري , والعلمي , وتبادل الخبرات , وعشرات المجالات الأخرى , بما فيها المجال العسكري , وبنت معهم علاقات استراتيجية هامة ومميزة , وباتت أكثر قرباً من إعلان شراكتها وانضمامها إلى منظمة الأمن الجماعي , ومنظمة شنغهاي للتعاون , الأمر الذي استغله الغرب لمضاعفة حملاته الإعلامية وإتهاماته وشكوكه حيال "سلوكها" , إذ ينظر الغرب إلى "الشراكة" و"العلاقات الإستراتيجية" وحتى "التحالفات" , بالقياس على ذهنيته وفهمه لطبيعة هذه المصطلحات , وعلى مبدأ "من ساواك بنفسه ما ظلمك" , وبأنه لا بد لها أن تكون جزءاً من سياسات وسلوكيات "القطيع" , التي لا تقبل الولايات المتحدة بديلاً عنها بعلاقاتها معهم.

وعليه , لا يستطيعون فهم المواقف الإيرانية من القضايا والملفات والصراعات , التي تقوم أساساً على مصالحها وشعبها , ويبقى من الصعب عليهم فهم مواقفها , للحفاظ على السلام في جنوب القوقاز , ورفضها الثورات الملونة والهجينة , والحرب في أوكرانيا , وكبح بعض الطموحات التركية , ودعم القضايا العادلة كالقضية الفلسطينية , ودعم الدولة السورية وفنزويلا وغيرها , وإخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط , دعم السلام وعلاقات حسن الجوار في محيطها العربي.

إن تطور الدولة الإيرانية والمكانة الإقليمية والدولية التي أصبحت تتمتع بها , دفع الغرب لزيادة التاّمر والعدوان عليها , وإنكار حقوقها بإمتلاك وإنتاج الطاقة النووية السلمية , وبما استطاعت إنتاجه من صناعات عسكرية , تدعم دفاعها عن سيادتها وقرارها وأمنها وشعبها , بالإضافة إلى ردعها الجدي لأعدائها , وسط إدراك الولايات المتحدة وحلفائها صعوبة التمدد في المنطقة , وتمرير المشاريع الخبيثة , والسيطرة على ثروات الدول والشعوب في المنطقة بما فيها إيران , الأمر الذي جعل منها هدفاً غربياً , مورست بحقها التهديدات والضغوط وطبقت عليها العقوبات الأمريكية والأوروبية , بعيداً عن الشرعية الدولية والقوانين الأممية والأعراف الدولية.

ولأجل مكانتها وقوة تأثيرها ودورها في محيطها , أرادت واشنطن إبعادها عن الساحة الإقليمية والدولية , والحرب على روسيا في أوكرانيا , التي أعدت لها العدة منذ العام 2014 , ومزقت الاتفاق النووي الإيراني في عهد دونالد ترامب , وجاء الرئيس بايدن ليستكمل الخديعة , ويسير بالمفاوضات حتى أنها كادت تثمر إتفاقاً جديداً , كررت فيها إيران إنتصارها الدبلوماسي , والتفاوضي , لكن الأمريكيون لا زالوا يضعون العراقيل والذرائع لتأجيل التوقيع وربما لنسفه.

كذلك أرادت واشنطن إبعاد إيران عن الصين , وعديد الدول الاّسيوية , وسورية , والعراق , لبنان  ,... لأسباب تتوحد في جوهرها , وتصب في خانة صعوبة تخطي الدولة الإيرانية في الصراعات الدولية , وخصوصاً تلك المحيطة بإيران , ومن خلال إدراكها بأنها الدولة الأولى في العالم التي وقفت في وجهها ووجه النظام الليبرالي العالمي منذ ثمانينيات القرن الماضي , في وقتٍ لم يكن فيه احتمال انهيار النظام الدولي الأحادي يلقى الصدى حول العالم , ولم تتخيل فيه أيضاً الدول كالصين والهند والدول النامية الكبرى , أنه يمكن مواجهة الغرب ورفض هيمنته وإملاءاته .

وفي محاولةٍ لصيد عصفورين بحجر واحد , ونتيجة تفوق روسيا في الحرب الدائرة في أوكرانيا , بمواجهة الولايات المتحدة والناتو والإتحاد الأوروبي , تستغل واشنطن وأدواتها لتوجيه الإتهامات لروسيا بإستهدافها البنى التحتية والتجمعات السكانية في أوكرانيا وبمسؤوليتها عن إزهاق أرواح المدنيين , قامت بتوجيه الإتهام إلى إيران أيضاً , عبر مزاعم أن ما قامت به روسيا , كان بفضل الطائرات الإيرانية المسيرة التي قامت بتوريدها إلى روسيا .

وعلى الرغم من النفي الإيراني والروسي القاطع لهذه الإتهامات , والتأكيد الإيراني حول تمسكها بالقانون الدولي , وسط غياب أي دليل يثبت صحة الادعاءات المزعومة , أوقفت واشنطن حديثها وتصريحاتها حول الاتفاق النووي الإيراني , واتجهت نحو شن حملةٍ إعلامية – سياسية عنيفة ضد إيران , استغلتها أيضاً لفرض المزيد من العقوبات على إيران , وصبت بالتوازي كافة جهودها على استهداف الدولة الإيرانية من داخلها , بالإعتماد على مرتزقتها من المعارضة المحليين , المرتبطين بشركائهم في إقليم كردستان العراق , لإثارة الشغب , والإخلال بالأمن الداخلي , وهز الاستقرار , وجر البلاد نحو الفوضى , تحت ذريعة واهية , اعتمدت على حادثة وفاة الشابة مهسا أميني , نتيجة مرضها ووضعها الصحي الخاص والمعقد , الأمر الذي أثبتته التحقيقات الرسمية , ودعمته شرائط الفيديو , التي توضح لحظة سقوط الشابة ومصرعها وسط صديقاتها , وبأنه لا أساس للحديث عن تعرضها للضرب على راسها من قبل رجال الشرطة أثناء توقيفها , لمخالفتها القانون الرسمي الذي يكفله ويحميه دستور البلاد بشكلٍ شرعي مطلق.

تتالى العقوبات والتصريحات الغربية الحاقدة , والمبنية على نفاق كلي وأضاليل مكشوفة , لكن الغرب يريد تصديق نفسه , ليسوق مبررات حملته وعقوباته على إيران , ويبقى من المثير للسخرية , أن يدعي الغرب مخالفة إيران للقوانين الدولية , ويفرض عليها عقوبات لا قانونية , وتبدو أقرب إلى قانون العصابات , حيث تسارع كندا لإطلاق عقوباتها على وسائل الإعلام وعدد من الصحفيين في إيران , فالغرب لا يريد لوسائل الإعلام الإيرانية الرسمية والمستقلة نقل حقيقة الجماعات الإرهابية والإنفصالية , ومدى إرتباطها بالخارج , والإبقاء على قنوات التضليل الإعلامي , بهدف تمدده وتأثيره ليطال كافة المجتمع الإيراني , للإنقلاب على الدولة الإيرانية وقيادتها , وتحويل البلاد إلى ساحة مواجهة , أرضاً للحرب الأهلية , تحت عنوان "الحرية" و"حقوق الإنسان" التي لم يحترمها الغرب يوماً , وسط مشاهد القمع والعنف الرسمي - الحكومي في فرنسا وألمانيا وبريطانيا , بحق المواطنين الذين خرجوا للتظاهر والمطالبة بوقف دعم حكوماتهم للمتطرفين والإنفصاليين الأوكران , وللخروج من الناتو , والإتحاد الأوروبي , ووقف الحرب على روسيا , واحترام حقوقهم في الحياة والعمل والغذاء والدواء والدفء في الشتاء القادم على عجل , وأنهم لا يبحثون كحوماتهم عن تدمير روسيا ووقف إمداداتها من الغاز , وبإقتراب الناتو من حدودها.

ميشيل كلاغاصي

24/10/2022

 

No comments:

Post a Comment