Saturday, February 23, 2019

فلسفة التقسيم – هزيمة ٌ للأرض ونصرٌ لأسلاك الحدود - م. ميشيل كلاغاصي


عشرات ومئات الأقاليم التي تسعى لإنفصالها عن دول ٍ عاشت بكنفها وتحت رايتها لسنوات, يختلف التوقيت وقد يتزامن, تختلف حدة المواقف وقد يرافقها سيل الدماء, تتعدد الأسباب ويبقى جوهرها واحد, تفرقة وضعف, حصارٌ للأعداء وإنهاكهم, هزيمة للجغرافيا ونصر لأسلاك الحدود, ومن تقاسم الثروات إلى تجميعها, تخمة ٌ للبعض وجوع ٌ للبعض الاّخر, خلافات وصراعات إضافية تزيد درجة تعقيد حياة البشر, تحت راية ٍ أو أخرى, يتضاعف حجم الألم, بشرٌ يدفعون حياتهم ثمنا ً لتحقيق أحلام وغايات المخططون وأصحاب الأياد الخفية, كوكب ٌ تتبعثر أحشاؤه قبل إنفجاره أو بعده لا فرق, ولم يعد هناك مكان ٌ اّمن ٌ لإستقرار البشر وبناء البيوت و زراعة الأحلام والورود, من يسعى إلى تفتيت العالم, يجيب البعض ويتهم "المؤامرة ", وبعض ٌ ساذج ٌ يعتقد أنه يفعل حسنا ً لشعوب ٍ ويخدم عرقا ً أو قومية ً أو دينا ً أو مذهبا ً, أوسياسة ً أو مصلحة ً ومالا ً!.

فمن تفكك الإتحاد السوفيتي، إلى كاليفورنيا الولايات المتحدة، إلى كيبك كندا، واسكتلندا المملكة المتحدة، ومن لومبارديا وبندقية إيطاليا، إلى كاتلونيا وباسك إسبانيا، ومن كورسيكا إلى باريس، ومن بافاريا إلى برلين، ومن هونغ كونغ إلى الصين، ومن كردستان إلى روج أوفا في العراق وسوريا، ومن جنوب اليمن إلى جنوب السودان، ومن البنغال إلى أراكان الروهينجا.
قد يبدو تحليل هذه "الظاهرة" للوهلة الأولى أشبه بالمستحيل، مع تعدد الأسباب والدوافع والأهداف والغايات، ولكن يبقى الفعل هداما ً مدمرا ًومؤذيا ً، ويحمل من الألم أكثر ما يحمله من الأمل، خصوصا ً بعد مراقبة أعداد المنكوبين والمتضررين والمفقودين والجرحى والمهجرين والنازحين، وتتويجا ً بعدد الضحايا والقتلى.

ويطرح السؤال نفسه، من يبحث عن إيلام البشر وأذيتهم؟ ومن يبحث عن إضعافهم للتفرد بهم؟ ومن هو المستفيد من ضياعهم وتشرذمهم؟ ومن هو الجامع الأخير لثرواتهم المهدورة، ومن يُمول الإنفصال و ُيسلح "حراسه"؟ ...هل يملك الإنفصاليون أسبابا ً وأسسا ًواضحة وكافية ومحقة، وتحمل من الفائدة ما يوازي الأثمان التي تُدفع لأجلها؟ أم للبشر حياتهم، وللساسة غاياتهم؟ وهل تسعى الشعوب للعيش قطعانا ً متجانسة، بحسب العرق أو الدين أوالمذهب، أو بحسب المستوى الطبقي أوالإقتصادي -المعيشي، وهل يرغب الأغنياء بمسح أحذية الأغنياء، ويستعدون للعمل في المناجم ورعاية الأبقار؟
ويتساءل البعض من استعمر الدول، وسطا على خيراتها، واستعبد سكانها، ونقلهم عبيدا ً إلى بلاده، ومن قسم القارات الشاسعة، ومن وضع الحدود الحالية، وهل واضعوا الخرائط، يرسمون أقدار الشعوب، ويقررون عنهم خوض المعارك الدامية للدفاع عن خطوط مؤامراتهم ومصالحهم؟

من يملك مشاريعا ً على مستوى الكرة الأرضية؟ ومن جاهر بأحلامه ومشاريعه للسيطرة على العالم؟ ومن يقاتل لأجل إخضاع العالم والسيطرة على ثرواته وعقوله، من يعتقد أنه يملك مزايا لا يملكها غيره، من يتحدى الإله في خلقه وبتقسيم موطئ قدمه وبتبديد ثروات الأرض التي كُلف الإنسان ببنائها وإعمارها ...من يسعى لإقامة الحروب العالمية وتغيير خارطة الكون؟
ومن يتذرع للإنفصال بداعي الغنى والفقر واللغة، ومن يتمرد ويعتدي على حقوق الغير ويسعى للإنفصال عن عقله وزمانه ويسعى للعيش في دولة ٍ أو كيان ٍ على أساس ٍ ديني، ويرجع بالمكان إلى غير زمن؟ ومن لا زال يرفض كل تنوع وإختلاف ويستخدم العنف والقتل والإرهاب وسيلة ً "لإقناعه"؟ ...عشرات الأسئلة، تقفز إلى رؤوسنا، لا يمكن لأصحاب الدعوات الإنفصالية إقناع الاّخرين بضرورة الإنفصال وإعتبارها أسبابا ً وحيدة وكافية لخوض الصراع ودفع أثمانه.

قد لا يحتاج الأمر لعناء ٍ كبير ليجد المرء الأجوبة الشافية، فدائما ًهي الحركة الصهيونية التي جاهرت بأهدافها وبذلت جهودها للسيطرة على كافة وسائل الإعلام ومراكز القرار العالمي، واتخذت من الولايات المتحدة الأمريكية قاعدة ً للإنطلاق، وليست دعوات الإنفصال سوى إحدى تلك الأساليب التي استعملت فيها جيوش وحكومات بعض الدول لشن الحروب المختلفة، وأنشأت العصابات والمافيات والحركات والأحزاب والجيوش، تحت عناوين الإنفصال...فكانت تنظيمات القاعدة وداعش والنصرة والجيش الحر وأبو سياف وبوكو حرام ومجاهدي أراكان وغيرها...واستعملت قدراتها وإمكاناتها لإقناع الدول والشعوب بعدالة قضايا الإنفصال, وزيفت الوقائع وبعثرت الحقائق حتى بات البعض يخدم مشاريعها معتقدا ً أنه يخدم العدل والحق..!

فقد سبق لمسعود البرزاني أن قال بأنه "سيخوض معركة الإستفتاء والإستقلال بالحروب والدماء"؟ ... كذلك تفعلها السعودية عبر دعم إرهابييها في حركة يقين, وجيش إنقاذ أراكان, تفضيلا ً منها لمصالحها التجارية ولأنابيب النفط والغاز الخليجي العابرة إلى بورما فالصين على دماء المسلمين هناك, بالتعاون والتنسيق مع العدو الإسرائيلي, وبات من الواضح أن الصين وبحرها الجنوبي هي المسرح الجديد للحروب بثوبها الديني عبر صبغ الصراع العرقي - السياسي وتحويله  إلى صراع ٍ ديني في منطقة تعج بالإثنيات العرقية والقومية والدينية, وسط فضاءات دول ٍ قوية تمتلك السلاح النووي تبدأ من باكستان والهند, ولا تنتهي عند تركستان وسور الصين العظيم فقط, فطريق الحرير الجديد سيحمل الموت نفطا ً في أنابيب دماء الدول والشعوب, ليضعه تحت رحمة الأساطيل الأمريكية, لتلفه حبلا ً على رقبة المارد الصيني, الذي يخشى ويتوجس إنفجارا ً إنفصاليا ً– إرهابيا ً, في منطقتي "شينجيانج" تركستان "والتيبت" على حدوده الشرقية.

وفي هذا السياق يمكننا الحديث عن مشاريع التقسيم التي استهدفت سوريا, والتي إستحضرت خرائط سايكس – بيكو, واستحضرت معها خارطة الأطماع الجديدة للأمريكيين والأوروبيين والإسرائيليين والعثمانيين والأحقاد الخليجية, واُعتمدت الذرائع والمسببات وسكبتها في قوالب قومية وعرقية ودينية ومذهبية, وتم اختيار الإرهاب وكيلا ً رسميا ً, فيما بقي الأصلاء على أهبة الإستعداد لشن الضربات الموجعة, وللعدوان المباشر حينما تدق الساعة, وعلى الأرض توازت إقامة إدارات التوحش الإرهابية مع إقامة القواعد العسكرية, وأطلق الإنفصاليون العنان لرهاناتهم على مشاريع أسيادهم, وتحركت معهم الأدوات المحلية, بزعامة بعض الأحزاب الكردية الإنفصالية والتي قولبتها واشنطن في تركيبة غريبة ودعتها "قوات سورية الديمقراطية", وعلى الرغم من براءة غالبية أكراد سوريا من قادة الإنفصال وأهدافهم, وعلى الرغم من أصوات العقلاء, ومع تقدم الحوار مع الدولة السورية وعرقلته أمريكيا ً, بات من الواضح حجم السيطرة الأمريكية على قرارهم والذي يصب في استمرار رهانهم على تقسيم سوريا من بوابة إدارة الحكم الذاتي, الذي يرفضه السوريون ويعتبرونه خروجا ً عن دستور بلادهم... وفي هذا السياق أكد الوزير لافروف وجود مخططٍ أمريكي لتقسيم سوريا وإقامة دويلة كردية, كذلك تحدث الرئيس بشار الأسد - قبل عدة أيام - وأكد على محاولات أعداء سوريا لتسويق "تطبيق اللامركزية الشاملة", وأكد أن : "الدستور غير قابل للمساومة", وأن :"البعض "لا يزال يقع في أفخاخ التقسيم" التي ينصبها الأعداء, وتوجه للمجموعات العميلة للولايات المتحدة بالقول: "الأمريكي لن يحميكم وستكونون بيده أداة للمقايضة, لن يدافع عنكم سوى الجيش العربي السوري", كذلك أكدت المستشارة بثينة شعبان أن:" الكرد جزء غالٍ من النسيج السوري, لكن هناك بعض المتواطئين".
 
هكذا تُستخدم الشعوب والأقليات من حيث يدرون أولا يدرون، ولأجل أكبر المصالح، وهكذا تُستباح الحدود، وتُنسج الحكايا وتُخلق المسببات، وتصبغ الشرور بألوان ورغبات ودعوات الإنفصال، ومن فوضى المكان إلى فوضى الزمان، تُسرق الثروات وتسيل دماء الأبرياء في عالم ٍ متوحش ٍ تقوده أدوات العصيان الإلهي والسيطرة على العالم في خدمة الشر والشرير.

المهندس: ميشيل كلاغاصي
23 / 2 / 2019

Friday, February 15, 2019

وارسو وسوتشي ... ما بين الفشل والنجاح - م.ميشيل كلاغاصي



على الرغم من التجاذبات والتناقضات الدولية والمواقف المتباينة لعديد الدول تجاه الدولة الإيرانية, وعلى الرغم من أهمية العلاقات الإيرانية مع غالبية الدول الكبرى حول العالم, وعلاقاتها المميزة والإستراتيجية مع الصين وروسيا وتركيا وغيرها, وتشعب علاقاتها ومصالحها الإقتصادية والسياسية معها, بالإضافة لشراكة بعض الدول الأوروبية وإتفاقها النووي مع طهران , وعلى الرغم من إنخفاض سقف التوقعات المسبق حيال نجاح الغاية المباشرة والمعلنة لإجتماع وارسو, إلاّ أن واشنطن ضاعفت جهودها لعقده, الأمر الذي يؤكد إخفائها لغاياتها وأسبابها الحقيقية من عقد المؤتمر, وأقله لحرف الأنظار عن قمة سوتشي.
فبالتوازي مع الاجتماع الثلاثي للدول الضامنة في نسخة سوتشي الرابعة، عُقد مؤتمر وارسو في رحاب العاصمة البولندية، بحضورٍ دولي كبير لستون دولة وبتمثيلٍ دبلوماسي منخفض، وبحضور ثلاثون وزير خارجية من بينهم عشرة وزراء عرب، وسط غيابٍ واضح لقادة الصف الأوروبي الأول، ومقاطعة موسكو والصين وتركيا والسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى "تجم" المؤتمر رئيس الحكومة الإسرائيلية، العدو السابق لبعض قادة الأنظمة العربية، ويمكن تلخيص المؤتمر من حيث الشكل بأنه اجتماع دولي بدعوةٍ وإدارةٍ أمريكية وبحضورٍ عربي – إسرائيلي.
فقد اختارت واشنطن أن تعقد مؤتمرها بحسب الزمان وفق دلالاتٍ رمزية استهدفت بالدرجة الأولى سرقة الأضواء والتعمية على قمة سوتشي، والتي تتجه بثقة نحو إنتاج بوادر حلولٍ عملياتية عسكرية وسياسية لإنهاء الحرب ولتأمين إنطلاقة فعلية وحقيقية للعملية السياسية في سوريا... أما من حيث المكان فقد أرادته وفق أبعادٍ تاريخية وسياسية، ليكون على الأرض التي تحتضن أهم مركز يهودي يُعنى ب "المحرقة اليهودية"، والتي تشكل عماد السياسة الصهيونية الضاغطة على غالبية دول العالم.
فقد أرادته واشنطن إجتماعا ً لتحشيدٍ دولي ضد إيران، ومناسبة ً لإطلاق التطبيع العلني مع العدو الإسرائيلي، تحت عنوان مناقشة قضايا الشرق الأوسط، مع مفارقةٍ عجيبة ألا وهي غياب القضية الفلسطينية من على جدول أعماله؟، في وقتٍ إدعى فيه وزير الخارجية الأمريكية أن المؤتمر لا يستهدف دولة ً بعينها، وأن إيران لا تشكل موضوعه الوحيد، وأن المؤتمر معنيٌ بمناقشة العديد من المواضيع الهامة كالأزمة السورية واليمنية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط.
في الوقت الذي استبق فيه الوزير محمد جواد ظريف المؤتمر بالقول أن: "المؤتمر ولد ميتا ً"، تهافت الوزراء العرب علنا ً إلى لقاء نتنياهو، والذي إعتبر أن اللقاء يشكل "إنعطافة ً تاريخية"، وأنهم:" يصنعون التاريخ"، إذ يدرك بأن ولادة تحالفه مع العرب عبر هذا المؤتمر سيفتح باب التطبيع السياسي والعسكري والإقتصادي والثقافي على مصراعيه، بما يضمن دخول "إسرائيل" إلى داخل العمق العربي والخليجي خصوصا ً, ويفتح أمامها أبواب الخليج بأسواقه العسكرية والتجارية لمختلف البضائع الإسرائيلية, لتشارك أو ترث الدور الأمريكي الذي يتحين مغادرة المنطقة وفق جدوله الزمني الخاص.
كان من الطبيعي أن ن أن يأتي الرفض الفلسطينيي الموحد والمطلق لحضور هذا المؤتمر، منسجما ً مع طبيعة المؤتمر الذي تفوح منه رائحة التطبيع وتصفية القضية الفلسطينية ويبدو مدخلا ً رئيسيا ً لتمرير صفقة القرن، في وقتٍ بدا فيه من الغرابة أن تغيب فلسطين وسوريا ولبنان والعراق وتركيا إيران عن جدول أعمال إدعى مناقشة أوضاع الشرق الأوسط، والذي تُعتبر القضية الفلسطينية والإحتلال الإسرائيلي أساسا ً لكافة صراعاته.
في الوقت الي بدت فيه واشنطن غير واثقةٍ بخروج المؤتمر بنتائج هامة ومؤثرة على إيران أو على المنطقة, نتيجة خلافاتها وسيرها بعكس مصالح كل الدول التي تخطب ودها عبر المؤتمر, لذلك عهدت إلى وزير خارجيتها الفقير سياسيا ً, ولنائب الرئيس مايك بنس الذي كاد يمل من تهميشه وجلوسه على مقعد الإحتياط, فكانا عنوانين للفشل المشترك, واكتفى الوزير بتوضيح التناقض في كلامه في الإجتماع والمؤتمر الصحفي من بعده, أما نائب الرئيس فإستخدم اللهجة العالية والنبرة القاسية لتعويض النقص في قوة حضوره بالإضافة إلى ضعف وهزالة المؤتمر أصلا ً, وأتى كلامه بلا معنى وهو يطالب الدول الأوروبية بالإنسحاب من الاتفاق النووي مع طهران, وبوقاحة تعبيره حول "تقاسم إسرائيل والعرب الخبز" ...ومن الواضح أن المؤتمر فشل في تشكيل جبهة إقليمية – دولية ضد إيران, فيما اكتفى بتحويل اللقاءات العربية – الإسرائيلية من السر إلى العلن, وساهم بإظهار المزيد من قباحة بعض الوجوه العربية التي حضرت بجسدها وتلك التي كانت حاضرة بالروح عبر حلفائها ومؤيديها في العالم العربي ... أما الحقيقة الساطعة حول فشل المؤتمر فجاءت عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية التي أكدت أن "وارسو مؤتمرٌ مهم لكن المنتصرين كانوا في سوتشي".
وعلى الضفة الثانية، وفي مدينة سوتشي، كان الموعد ولقاء قمتها الثلاثية الروسية والإيرانية والتركية, من خلال النسخة الرابعة وفي إطار منصة أستانا, والتي تأتي في أجواء مختلفة عن الجولات السابقة, وعلى خلفية تغييرات جذرية ومعطيات جديدة ومستجدة, تتمثل بعدة نقاط, أولها إنتهاء مهمة المبعوث الأممي ستيفان ديمستورا وحلول السيد غير بيدرسون مكانه, ثانيا ً في إعلان الرئيس الأمريكي قراره بإنسحاب قواته العسكرية من سوريا, وما حمله من إعادة خلطٍ للأوراق جراء ضبابية كافة مفاعيل القرار والشكوك الروسية حيال تطبيقه, ثالثا ً في التغييرات والتطورات على الأرض والتي حملت عنوانا ً كبيرا ً وهو صبغٌ تركي للسيطرة على إدلب والمناطق المحيطة بها باللون الأسود وبأعلام جبهة النصرة الإرهابية.
لقد حمل المؤتمر شيئا ً كبيرا ً من التفاؤل، وعكس بطريقةٍ ما إرتياحا ً في الشارع السوري، من خلال الكلمات التي ألقيت فيه ومن خلال البيان الختامي والمؤتمر الصحفي من بعده، فقد جاء كلام الرئيسين الروسي والإيراني هاما ً ومطمئنا ً، فيما بقيت كلمات ووعود الرئيس التركي موضع شك وحذر وفي خانة عدم الثقة ...  فقد سمعنا بالأمس كلاما ً واضحا ً يعبر عن رفض الرئيس الروسي إقامة ما تسمى المنطقة الاّمنة وفق المفهوم الأمريكي أو التركي، وتأكيده بأن: "إقامة أي منطقة اّمنة في سوريا مرهون بموافقة دمشق"، كما حمل إصرارا ً روسيا ً إيرانيا ًعلى إنهاء الحالة الإرهابية في إدلب وشرقي الفرات، ويمكن تلخيص أهم النقاط التي خرجت بها القمة ب : * دعم اللجنة الدستورية والإعلان عن إنتهاء تشكيلها, * التأكيد على استقلال ووحدة الأراضي السورية, * مكافحة الإرهاب في إدلب وشرقي الفرات, * العمل على تخفيض التوتر على كامل الأراضي السورية, * القضاء التام على الإرهاب مهما كانت مسمياته, * مناقشة خروج القوات الأمريكية تدريجيا ً من سوريا, * عودة التنسيبق المني أمني بين الدولتين السورية والتركية وفق إتفاقية أضنة وعودة العلاقات الطبيعية بينهما, * عودة اللاجئين السوريين, * التأكيد على أن الكرد جزء لا يتجزأ من الشعب السوري, بمعنى إنهاء المشروع الإنفصالي, * عودة العلاقات مع الدول العربية, * التأكيد وتشجيع الدول على الاهتمام بالإستقرار الاقتصادي في سوريا والذي يعتبر بوابة العمل على إعادة إعمار سوريا.
يبدو أن ساعة البدء بتحرير إدلب من الإرهاب توشك على الإنطلاق، ويبقى مدى إلتزام الدولة التركية والرئيس أردوغان بنتائج اللقاء الثلاثي أمرٌ على غاية من الأهمية، خصوصا ً أنه لا يملك هامشا ً كبيرا ً للتهرب، بعدما حصل على صك تفرده بالقرار من الرئيس دونالد ترامب بقوله:" سوريا لك "، وهذا يؤكد ما تحدثنا عنه سابقا ً بأن تفويض ترامب لأردوغان هو لإدارة الهزيمة وليس لإدارة النصر.
من الواضح أن إنتصار سوريا العسكري قد سبق إنتصارها السياسي، بفضل المماطلة الأمريكية والأموال الخليجية، مضافا ً إليها الأطماع التركية، والأدوار السلبية لغالبية الدول الأوروبية الإستعمارية في سوريا والمنطقة، ويبدو أن المسألة السورية بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود الدبلوماسية وبالأطر القانونية المرتبطة بالقرارات الدولية, من خلال إنطلاق عمل اللجنة الدستورية، والبحث عن إلتزام الدول بالقرار 2254, والإنطلاق بثقة نحو إعادة بناء ما تهدم , لتعود الدولة السورية قوية ً وقادرة وكما كانت دائما ً قلب الشرق ونقطة توازن العالم.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
15 / 2 / 2019

Sunday, February 10, 2019

نسفٌ جديد لإدعاءات حرية الصحافة والإعلام الأمريكي - م. ميشيل كلاغاصي


لطالما تغنى الساسة الأمريكيون بالحديث عن الولايات المتحدة الأمريكية كسيدة أولى ورائدة في عالم الديمقراطية والحريات، وعلى رأسها حرية الصحافة والإعلام، ولم يتوانوا يوما ًعن توظيف غالبية وسائل إعلامهم لصالح أجهزة استخباراتهم، وإداراتهم المتعاقبة، ورؤسائهم، وشخصياتهم العامة والخاصة، واستطاعوا فرض هيمنةٍ خاصة لإعلامهم على كامل الإعلام الدولي والعالمي، وحولوا أنفسهم إلى مصادر رئيسية للأحداث والأخبار، فكانوا قبل الحدث وصنّعوا الحدث، وحددوا زوايا رؤيته، وما على العالم سوى الإستهلاك ... فرسموا الأحداث والشخصيات, ووضعوا أساسات وأرضيات لكل الحبكات, ووجهوا وحرفوا وخدعوا الناس, وقدموا "الحقيقة" على قياس مصالحهم وتسويقا ً لسياساتهم تحت عنوان حرية وإبداع الإعلام الأمريكي... يا لها من إكذوبة!.
واليوم تنشغل وسائل الإعلام الأمريكية بالحديث عن اغنى رجلٍ في العالم، ومالك صحيفة ال "واشنطن بوست"، التي اعتنت بنشر مقالات الصحفي جمال الخاشقجي وكل ما تعلق بمقتله، فقد تعرض السيد "جيف بيزوس" للابتزاز من صحيفةٍ صفراء تعود ملكيتها إلى صديقٍ مقرب من الرئيس دونالد ترامب, وقد ذكر "بيزوس", أن الصحيفة هددته بنشر صوره الفاضحة مع عشيقته إذا لم يتوقف عن التحقيق في كيفية اختراق الصحيفة لهاتفه المحمول وحصولها منه على بعض الصور الخاصة, وتلك الصور التي تتحدث عن علاقته بالمملكة العربية السعودية - المعني الأول بقضية الخاشجقجي-.
في الوقت الذي تُجري فيه السلطات الأمريكية تحقيقا ً موسعا ً، حول قيام مالكي الصحيفة الصفراء، واللذين طالبوا السيد بيزوس عبر رسالة بريدٍ الكتروني، بالتوقف عن التصريح العلني وعن الإدعاء أن الصحيفة تهاجمه لهدفٍ سياسي، أو صادر عن جهةٍ سياسية! ... لكن "بيزوس" اعتبرها رسالة ً غبية، وقرر نشرها وفضحهم وفضح كل من يقف ورائهم، ومن يسعى لإبتزاز وإسكات أغنى رجل في العالم.
ومن اللافت أن تهتم المملكة السعودية بالموضوع، وينبري "عادل الجبير" لنفي وجود اي علاقة للسعودية بقضية التجسس على "جيف بيزوس" عبر الصحيفة الصفراء، التي سبق لها أن نشرت ملخصا ً عن ولي عهد السعودي قبيل زيارته الأخيرة للولايات المتحدة...
ومن الملاحظ أن قصة الإبتزاز هذه، تلتقي بالذاكرة مع حادثة إبتزازٍ مشابهة تعرض لها "روبرت مردوخ" مالك صحيفة وول ستريت جورنال، عقب نشر صحيفته سلسلة تحقيقات صحفية تفضح فيها شركة ً طبية اعتمدت على تسويق الصحيفة لمنتجاتها عبر ادعاءات وإعلانات كاذبة عن فعالية أجهزتها، وحصدت أرباحا ً طائلة، في الوقت الذي رفض فيه مالك الصحيفة التدخل في سياسة الصحيفة علما ً أنه من أكبر المساهمين في الشركة الطبية المعنية.
ما من شك، بأن حصة هذه القصة ستكون كبيرة مع وسائل الإعلام الأمريكي وغيره، فالقضية ترتبط بتعقيدات وبطبيعة التفاصيل المعلنة لمقتل الصحفي السعودي، وبتشعباتها السياسية الدولية، وذلك لإرتباطها المباشر بعدة دول، كتركيا والسعودية، وبأجهزة إستخبارات عدد كبير من الدول والتي قد يتحنب الإعلام ذكرها أو الحديث عنها، إما لحساسية القضية، أو لتداعيات وخطورة نتائجها ...
ويبقى السؤال، هل ستؤثر عملية إبتزاز مالك ال "واشنطن بوست" على مجمل قضية مقتل الخاشقجي وتحقيقاتها، وربط نتائجها من جهةٍ بمواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي حاول الدفاع عن ولي العهد السعودي وتعطيل مشاريع إتهامه المباشر بها، وإحجامه وتلكؤه عن فرض العقوبات على المملكة بحجة صفقات الأسلحة التي أبرمها معها بتلريونات الدولارات، وربطها من جهةٍ أخرى بقضية الرئيس ترامب في الإنتخابات السابقة وعلاقته مع الروس؟
من الواضح أن الغموض يلف القضية، على الرغم من قيام السيد بيزوس بنشر تفاصيل الرسالة، الأمر الذي قد يرى فيه البعض أنه عملٌ شجاع، على الرغم من إحتمالية أن يكون أن يكون تصرفه خطرا ً على مصالحه وربما على حياته....
لكن، يبقى من الثابت، أن تشدق الولايات المتحدة حيال حرية الصحافة والإعلام أمرٌ مشكوكٌ في نزاهته وحياديته، ويبقى تسييس وسائل الإعلام الأمريكية، من أهم الأساليب التسويقية لسياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة وإدعاءاتها وأكاذيبها، لأجل خدمة مشاريع سطوتها وهيمنتها وعدوانها على الدول وعلى بعض الشخصيات الفاعلة أو المؤثرة، بما فيها تلك التي تتحول إلى ضحايا للسياسات الأمريكية، والذين تعتبرهم وقودا ً شديد التوهج عند أزوف لحظة إضرام النيران فيها.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
10 / 2 / 2019

Friday, February 8, 2019

ترامب يحلم بتتويجه بطلا ً ... ومدينة الرقة تشهد على إجرامه وعملائه - م. ميشيل كلاغاصي


مالذي يدفع الرئيس ترامب لتأجيل الإعلان عن إتمام القضاء على تنظيم داعش الإرهابي في سوريا لمدة أسبوع ..؟
من الواضح، أنه يحتاج إلى تمهيدٍ إعلامي كبير، يُظهر "البطولة" و "نبالة" التحالف الأمريكي وتدخله في سورية، ولإظهار نجاح الإدارة الأمريكية في الإعتماد على قوى محلية، صرفت عليها وسلحتها بملايين الدولارات، كي تتمكن بإشرافهم من القضاء على الإرهاب في مدينة الرقة السورية.
في الوقت الذي يدرك فيه السوريون ومعهم كافة العقلاء حقيقة الدور الذي لعبته القوات الأمريكية في تدمير مدينة الرقة وما حولها وحوّلتها إلى ركام ٍ حقيقي، وقتلت بغاراتها الجوية أكثر من 1290 مدني سورية رغم صغر مساحة المدينة.
ولم تقتصر الإكذوبة الأمريكية، على بطولات قواتها وتحالفها الستيني الغازي – القاتل، بل تعداه إلى التمسك بأكذوبة تضحيات وبطولات عملائها من القوى المحلية، خصوصا ً هؤلاء اللذين يبحثون عبر الوعد "الترامبي" عن خدمةٍ إضافية يقدمونها للمشروع الصهيو – أمريكي في سورية، وأرادوها تقسيما ً للغنائم وأقله فدرلة ً تعتبر بوابة السطو الكبير على الوطن ... فالعقلاء يعرفون أن داعش الغرب لا يختلف عن داعش الشرق – المحلي، والكل رأى بأم عينه مسرحيات سلّم واستلم، وسخرية قتال تنظيمين تابعين ومدعومين لواشنطن ...
لك الله سورية، لك الله مدينة الرقة الحبيبة.... فقد دمروها وقتلوا أبنائها، وهجروا من أهلها من استطاع النجاة بحياته تحت وابل القصف الجنوني ... ويأتون اليوم كي يعلنوا أنفسهم وعملائهم "أبطال" تحرير الرقة ...؟
وهذا الفيديو عرضته مؤخرا ً شاشة ال CNN ورفعته على موقعها على اليوتيوب ... حيث تم تصويره في مدينة الرقة السورية، وقد ورد في العبارات التي كُتبت على الفيديو، بأن " المدينة على وشك أن تتحرر نهائيا ً من تنظيم داعش، حيث يستعد مقاتلونا من العرب والكرد (قسد) لإستعادة كافة معاقل التنظيم"... ويرّكز المقطع على إظهار سيارات ال "همفي" الأمريكية وهي تجوب في دوار الفردوس وسط المدينة، "ذاك الدوار الذي كان مكانا ً لقطع الرؤوس ولصلب البشر" -بحسب صانعي الفيديو -....
ويذكر الفيديو، "أن داعش استولى على المدينة في العام 2014، وحوّلها إلى كتلة من الدمار، إذ تعتبر هذه المدينة اّخر معاقله في سورية، في وقتٍ اعتقد فيه الأجانب في التنظيم بأنهم باقون فيها إلى الأبد" ... كما يهتم بإظهار لقطات للمشفى الوطني في الرقة والتي استخدم فيها الإرهابيون "السكان المدنيون كدروع بشرية" ... وينتهي التقرير بإعلان "قسد" عن إنهاء عملياتها العسكرية في المدينة ضد التنظيم الإرهابي، لكن القتال لا يزال مستمرا ً....
بما يمنح الرئيس ترامب الفرصة للإعلان خلال إسبوع عن إتمام القضاء على التنظيم وبإستعراض عضلاته أمام شاشات وإعلام وصحافة العالم بأنهم محرروا الرقة وهم من قضوا على التنظيم الإرهابي، وبذلك تنتهي المهمة وسينسحب الجنود الأمريكان من سورية كالأبطال.
لن نمنحكم فرصة تلميع وجوهكم , وفرصة غسل أياديكم من دماء السوريين , وليعلم العالم أن إنسحابكم من سورية لن يكون بفضل القضاء على تنظيم داعش في مدينة الرقة , بل بفضل خوفكم من إنفضاح أمركم , ووصول أنباء مقاومتكم وصور جنودكم يتهاوون صرعى أمام ضربات الشعب المقاوم , وأمام قوة و شدة بأس الجيش العربي السوري , الذي قضى على إرهاب تنظيماتكم جميعا ً , وليس داعش فقط , وليعلم الجميع أن تقاريرا ً دولية بدأت تتحدث عن حقيقة أعداد جيوشكم الإرهابية والتي تجاوزت عدد جنود الجيش العربي السوري بخمسة أضعاف , ومع ذلك فقد سطر السوريون إنتصارا ً عظيما ً عزيزا ً شهدت له كافة الأمم , أما أنتم فحسبكم مجرمون وقتلة وحان أوان فراركم من أرض المعركة أذلاء.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
8 / 2 / 2019
لمشاهدة الفيديو .. اضغط على الرابط التالي :



Wednesday, February 6, 2019

ترامب يعتلي الشجرة الفنزويلية - م. ميشيل كلاغاصي

ترامب يلعبها SOLDES ويعتلي الشجرة الفنزويلية

هي دائما ً الثائيات المزيفة, بين البطولة الأمريكية الخارقة والهزيمة النكراء لأعدائها, بين الشعارات الكاذبة وتكريس السطوة والهيمنة, بين إنقاذ الشعوب واستغلالها ونهب ثرواتها, بين تحرير البلاد من "ديكتاتورييها" وصناعة "المحرِريين" في أقبية ال CIA, وما بين الكذب والحقيقة خرابٌ ودماء وبطلٌ ومنقذ أو سفاح ... فالسطوة الأمريكية جارفة وجاذبة لأناسٍ تقاسموا المقاعد بين حمائم وصقور, وجمهوريين وديمقراطيين ... فبعض المسارح مشتعلة, وأخرى تكاد تخمد نيرانها, والهزائم الأمريكية ونكساتها مشاهدٌ لم يعد إخفائها أمرا ً سهلا ً,وبات المسرح الأمريكي بحاجةٍ إلى ستائر إضافية, ولجمهورٍ يرى ما يريده الأمريكي فقط, فيصفق له ويدفع ثمن التذكرة راضيا ً أو مكرها ً, فيما لسان حال الأمريكيين يقول انظروا إلى إيران ولا تنظروا إلى سوريا, انظروا إلى أفغانستان ولا تنظروا إلى الدوحة, انظروا إلى بحر الصين ولفضاءات روسيا ولمنصات الصواريخ المتوسطة والقصيرة, ولا تنظروا إلى فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا , هيا استمتعوا بوقتكم وأنتم تتابعون فيلم الاّكشن الأمريكي.
مالذي يحدث في فنزويلا، ولماذا تتكرر الإنقلابات ومحاولات إغتيال "الزعيم" منذ انتخاب الرئيس هوغو شافيز عام 1998وحتى اليوم، مالذي ميّز حكم الراحل شافيز، ويُميز حكم مادورو اليوم، من هي أطراف النزاع الداخلي ومن ورائها، ومن يريدها حربا ً أهلية، ومن هو المستفيد...؟ وماذا عن الثروات والإحتياطي النفطي الفنزويلي الهائل.
كيف لبعض الفنزويليين أن يضعوا ثقتهم بشخصٍ بالكاد سمعوا به قبيل إطلاقه أمريكيا ً، وأهم ما عُرف عنه مشاركته بأعمال الشغب والفوضى والتخريب التي شهدتها البلاد منذ 1998 على طريق تقويض الثورة البوليفارية، وبطريقة وصوله إلى رئاسة البرلمان، ولماذا اعترفت به بعض الجوار اللاتيني وبعض دول "الديمقراطية" والعالم "المتحضر" في القارة العجوز وفي غير مكان، أيسحبون أنفسهم يتوجون ملكا ً أو يطوبون قديسا ً بوضع الأيدي، أم هي المؤامرة والتبعية وسياسة القطيع! , لا بد من البحث عن صاحب القنبلة والصاعق والحشوة والضحية المحتمل؟.
يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تنقل شهواتها ومطامعها وحروبها إلى دول أمريكا اللاتينية من بوابة فنزويلا البوليفارية، بعد سنوات حصارها الإقتصادي والتضييق السياسي عليها، وبعد الإنتهاء من رسم خارطة الحرب عبر التدخل السافر والمباشر، وبعد نجاحها بتغيير بعض الأنظمة المجاورة وجلبها نحو اليمين المتطرف، وإخضاع البعض الاّخر لرغباتها وإملاءاتها، وضمها إلى أتباعها...
تحضير المسرح، داخليا ً، وخارجيا ً، إقليميا ً، ودوليا ً ... إذ حانت لحظة الإنطلاق بصافرة الرئيس الأمريكي وبقوله: "بدأ الكفاح من أجل الحرية في فنزويلا"، وأعلن أنه : "وضع كافة الخيارات على الطاولة"، وبلحظةٍ أمريكية تحول الرئيس مادورو إلى رئيسٍ مغتصبٍ للسلطة، وعليه تسليمها دون استمهال... في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس مادورو جهوزيته وشعبه وجيشه للدفاع عن البلاد, وتحدث أمام خمسون ألفا ً من طلائع المتطوعين في "جيش الدفاع الوطني", اللذين سيتحولون إلى مليوني مقاتل في نيسان المقبل, وخاطبهم قائلا ً:" سندافع عن الميراث المقدس لمحررينا, ولهم وحدهم سيكون ولائنا, وليس للخونة"... لكنه في الوقت ذاته أكد انفتاحه على الحوار , واستعداده للقبول بإنتخاباتٍ برلمانية مبكرة, وليس انتخاباتٍ رئاسية.
فيما نال خوان غوايدو بعض التأييد الداخلي، وتتالت إعترافات بعض الدول اللاتينية، الأوروبية، وإعتراف حكومة الكيان الإسرائيلي، فيما عارضت روسيا الإتحادية، والصين وبوليفيا وعدة دول حليفة وصديقة لفنزويلا، وأعلنت روسيا صراحة ً وقوفها إلى جانب الرئيس مادورو.
ومع استعجال واشنطن بفرض عقوباتها على شركة النفط الوطنية الفنزويلية، والحظر على الشركات الأمريكية التي تتعامل معها والحظر على أموالها, بات على واشنطن أن تجيب عن السؤال من هو المطلوب, رأس مادورو ونظامه أم رأس الدولة الفنزويلية ؟ فالعائدات الرئيسية لفنزويلا هي تلك العائدات النفطية بالدرجة الأولى، والتي تشكل العصب الرئيسي للإقتصاد الفنزويلي، وعليه تبدو الإستراتيجية الأمريكية تهدف إلى انهيار النظام الإقتصادي للدولة الفنزويلية بذريعة عدم شرعية الرئيس مادورو والدفع به خارج السلطة.
ومع تصاعد التصريحات الأمريكية، والفنزويلية وتلك التي يطلقها "غوايدو"، ووسط غياب كلي للأمم المتحدة وللقانون الدولي، تستمر واشنطن بالتحضير لعدوانها على فنزويلا... ويبقى السؤال، لماذا فنزويلا ...؟
بالتأكيد لم تكن واشنطن معجبة يوما ً بالنظام الفنزويلي، لكن التصعيد الكبير بدأ بالتوازي مع الإجراءات والقرارات السياسية والإقتصادية التي اتخذها الرئيس مادورو لكسر الحصار، وبدأت الحكومة بتطوير ورفع مستوى التعاون مع كلٍ من بوليفيا وكوبا بالإضافة إلى روسيا والصين وتركيا وايران، وبدأت بالعمل الحثيث لإصدار ال "بترو" وهي نوعٌ من العملة الرقمية المدعوم بالإحتياطات النفطية لفنزويلا والتي تعد الأكبر في العالم, الأمر الذي سيحرر أياديها المكبلة ويساعدها على كسر الحصار المالي ويجنبها هجمات وتأثيرات العقوبات الأمريكية وهيمنة النظام المالي الدولي.
لم يكن من السهل على واشنطن, غض الطرف عما توشك الدولة الفزويليلة فعله, ولم تكن لتنسى أنها الدولة التي تصطف في الخندق المعادي لسياستها في "حديقتها الخلفية", وفي دعم القضية الفلسطينية, ودعم الدولة السورية في حربها على الإرهاب والمشاريع الأمريكية في سوريا والمنطقة عموما ً, ناهيك عن الثروات النفطية وغير النفطية التي تمتلكها والتي تدعم قدراتها في التأثير على السياسة النفطية الداخلية لواشنطن عن طريق رفع سعر النفط الخام الفنزويلي, وانعكاسات ذلك على الشركات والصراعات الأمريكية الداخلية خصوصا ً ما بين الرئيس ترامب والبرلمان وقضية الإغلاق الحكومي والميزانية والتمويل المتعلق ببناء الجدار مع المكسيك.
من الواضح أن الرئيس ترامب، يعيش أياما ً عصيبة في الداخل الأمريكي، وعلى حدود البلاد، وبعيدا ً عن حدودها لاّلاف الأميال، ويبدو أنه بقرار التصعيد والتهديد بتقويض الحكومة الشرعية في فنزويلا وبإجتياحها عسكريا ً، قد اختار الهروب إلى الأمام في معاركه الداخلية أولا ً، ومن هزائمه وقرار إنسحابه المجاني من سوريا وأفغانستان ثانيا ً، مع اقتراب المواعيد والإستعدادات الإنتخابية وعينه على الفوز بولاية ثانية، وبات من الواضح أنه يحتاج إلى ستار إضافي عاتم يبعد الأنظار عن المشهد الداخلي أكثر من حاجته لإبعادها عن المسرح الدولي.
فقد يرى في رفع مستوى التصعيد والتهديد لفنزويلا فرصة إعتلاء الشجرة البوليفارية بأغصانها وأفرعها المتشابكة مع ألد أعدائه كروسيا والصين وإيران وبشكل شخصي مع الرئيس أردوغان، ويعتقد أنه سيحظى بدستةٍ من أطواق النجاة، تقدمها له تلك الدول وتقايضته بها مقابل نزوله، لذلك أسرع إلى استفزاز الروس عبر إلغاء إتفاقية الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، ولرفع سقف مطالبه التجارية أمام الصين، واستفزاز إيران بالتركيز على إخراجها من سوريا ومراقبتها من الداخل العراقي، والعودة عن قرار الإنسحاب من سوريا والتمسك بقاعدة التنف.
وفي الوقت الذي يرى المراقبون تشابها ً في الأساليب التي اتبعتها واشنطن في العدوان على دمشق وتلك التي تتبعها اليوم ضد كاراكاس، ما يشجع على الإعتقاد أن الرئيس ترامب يتصرف ب "جنون" – بحسب مادورو -, ويلعبها SOLDES، ويحلم بنزهةٍ جديدة في فنزويلا هذه المرة، تحت ذريعة جلب الحرية والديمقراطية للدول والشعوب، في وقتٍ يتجاهل فيه ما قدمته سوريا بصمودها وإنتصارها، وشكلت الرسالة المضادة والنموذج الأكيد لكسر الإرداة الأمريكية، وتكريس إنتصار الإرادة السورية عبر معادلتها الوطنية "القائد، الشعب، الجيش".
المهندس: ميشيل كلاغاصي
6 / 2 / 2019

Monday, February 4, 2019

سورية.. همسات شجرة - م. ميشيل كلاغاصي

سورية.. همسات شجرة
ميشيل كلاغاصي
يا لحال هذا الزمان.. فلم تعد الجذور تحمي من اكترث وآمن بها ولا من تخلّى عنها، وبتنا لا نشبه بعضنا البعض، وأصبحنا فريقين أو أكثر، وتطابقت حكايتنا وحكاية شجرة الزيتون والبستاني، الذي يأتي في كل عام ليقطف ثمرها فيأكله أو يبيعه أو يعصره زيتًا.
يا له من ناكرٍ للجميل.. فقد يرحل في أية لحظة إلى غير بستان.. تروي الشجرة:
لا أدري كم سأعيش حتى يُرمى بي في النار، ومع ذلك سأقوم بواجبي، وسأكون سعيدةً إن رأيته استفاد من ناري ولبس نوري وحرارتي، وعساها تنبت في صدره وعقله جذورًا.
لا أدري من منّا خدع الآخر، أعساه لم يرَ جذوري وأنا لم أسمع صوته؟ بلى لقد سمعته يغني وهو يقطف ثمري ويلعن صلابة جذوع أخواتي وصديقاتي يوم الحطاب، وبتّ أتساءل هل خدعتني أُذني، أم لغته الجديدة، أم أصابه الجهل وقصر النظر والعمى؟! آه يا زمن.. فلو تكلم البشر بأفعالهم لسمعنا آلاف اللغات وكان للحطابين والأشرار والمنافقين والخونة والعملاء لغاتهم.
وفيما تروي الشجرة حكايتها، قفزت فجأة إلى رأسها الأفكار وشعرت بالحقل يدور، وكأنها تركض باكية، خائفة ولا تعرف لمن تلجأ..! وتقول: أفعلتها الأرض أيضًا وخدعتني، أهي الحقيقة المرّة أم هو الشك والريبة؟ يا للغرابة والفظاعة فلقد سمعتها مرارًا تتكلم العربية، لم أعد أستطيع التركيز والتفكير، ألعلّ عمري وقلة ثمري وثُخن جذعي أثقل سمعي ومنعني كضباب كثيف ولم أر الحقيقة؟؟
لا تخافوا سأهدئ من روعي وسأعيد التفكير من جديد ومن بداية الحكاية، وسأتمسك بجذوري وجذعي وأوراقي ولن أدع أفرعَ أفرعي تأخذني بعيدًا عن تاريخي وأصلي، وسأدوّن أفعال البستاني وليس أقواله، وسأعيد صقل حقائقي التي أؤمن بها أنا وجده بعيدًا عن تلك الكلمات والشعارات التي يرددها حتى يوم احتفاله بعيدي... يا لي من حمقاء!! إذ صدقته يوم قال: زرعوا فأكلنا ونزرع ليأكلوا، فليس من طبعي الغدر ولا البخل، وإلّا لحرمته من ثمري وفيئي وحضني..
لن أغير عاداتي وسأنتظر يومًا يعود بستاني أنا حاملًا بيده دلو ماء يطفئ ظمأي، لا بدموع و حسرة، فلن أتمالك نفسي ولن أدير وجهي وأخفي حبي.. فأنا شجرة زيتون سورية، فكما كنت لهم طوال عمري سأكون الآن، ولأني دائمة الخضرة وجذوري عميقة وجذعي ثخين سأبقى أظلّلهم وبثمري وبيدي أطعمهم علّهم يهتدون.

Friday, February 1, 2019

واشنطن ما بين الإنسحاب العسكري والحرب الإقتصادية على سوريا - م.ميشيل كلاغاصي


سبق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن قال: سأنسحب من سوريا, ثم قرر الإنسحاب, وبالفعل بدأ بالإنسحاب ... لكن الأصوات علت وبدأ الصراع الأمريكي الداخلي في أروقة ودوائر ومفاصل التأثير والحكم في الإدارة الأمريكية, وبدا الرئيس الأمريكي وحيدا ً في الدفاع عن قراره, حاول استيعاب الهجوم العنيف, وأبطئ وتيرة تنفيذ الإنسحاب ومنحه مدةً إضافية, لكن ذلك لم يعفيه من دخول الحلبة, ووجد نفسه في أمام أقوى "الملاكمين", ووجها ً لوجه مع وزير الدفاع جيمس ماتيس وداعميه, ومع بعض الوجوه البرلمانية المتشابهة, فإختلط عليه الأمر ولم يعد يستطيع التمييز بين الصقور والحمائم , وما بين الديمقراطيين والجمهوريين ...

فإستخدم قبضته القوية وأطاح بالوزير المتمرد و"أقاله" من الجولة الأولى، لكن الهجوم لم يتوقف، وبدأت تلوح في وجهه مواجهةٌ جديدة مع المحقق مولر من بعد قضية "مايكل فلين" مستشار الأمن القومي الأسبق، والمحامي "كوهين" وقضية الممثلة الإباحية "ستورمي دانيلز"، فقد ألقت الأجهزة الأمنية القبض على مستشاره المقرب "روجر ستون" بتهمة محاولة التأثير على الإنتخابات، وإعتماده على إتصالات ومعلومات من دولة اجنبية عبر "ستيف بانون" وويكيليكس، يمكنها أن تدين هيلاري كلينتون, إبان الانتخابات الرئاسية الأخيرة... الأمر الذي أعاد "الألق" لإتهامه بالعلاقة مع روسيا.

لم تنته مشاكل الرئيس ترامب عند هذا الحد، خصوصا ً مع وصول السيدة نانسي بيلوسي إلى رئاسة الكونغرس، وبدأ معها إصدار التشريعات التي تضيّق الخناق على قرارات الرئيس وتفرض عليه الإلتزام بتطبيقها، كالتشريع الجديد الذي يعارض إنسحاب القوات الأمريكية من سوريا وأفغانستان، وبدأ عدد النواب اللذين يتحدثون عن كارثية تجديد ولاية ترامب يتزايد، حتى أن بعض داعميه -كاليمينية المتطرفة " اّن كالتر" -أخذوا يتحدثون عن فشله حتى الاّن بإقامة الجدار مع المكسيك.

كعادته هرع الرئيس ترامب نحو إطلاق التغريدات، ووصف ستون "بالشجاع"، والذي كان قد أكد أنه لن يشهد ضد الرئيس ترامب ... لكن الأمور السيئة – لترامب –، تابعت طريقها، ووصلت حدّ تلقيه إنتقاداتٍ شديدة من أعضاء جهاز الإستخبارات المركزية الأمريكية، حيال سياسته في سوريا وإيران وفي الشرق الأوسط عموما ً، الأمر الذي دفعه إلى دعوتهم لتوخي الحقيقة.

لقد أصبح الشرخ واضحا ً بين الرئيس ومفاصل عديدة في الإدارة وما تسمى بالدولة الأمريكية العميقة، خصوصا ً بعدما بدأ الجيش الأمريكي بالإنسحاب من سوريا، والأزمات التي بدأت تتوضح حول عدم جدوى الإنسحاب حاليا ً، ومن دون تحديد من سيملئ الفراغ من بعدهم، ومن دون إيجاد صيغةٍ تمنع إصطدام الأكراد والأتراك، ومن دون جني محاصيل قتال "داعش"، والتي على ما يبدو تذهب دائما ً لصالح موسكو وإيران وسوريا – كما يقول خصوم ترامب -, ناهيك عن إمتعاض سلطة كيان الإحتلال الإسرائيلي, وبعض الأنظمة الخليجية, والتي فقدت كل أفق لتحركها الميداني بعد القضاء على أذرعها الإرهابية, ولم يبق لها سوى المراهنة على دعم بعض الميليشيات الإنفصالية في الشمالي الشرقي لسوريا...حتى أن قرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أتى باهتا ً وسريعا ً, ويعكس رغبة واشنطن بالانسحاب لمجرد الإنسحاب, دون أي حصاد مهم في الوقت الحالي أو في المستقبل.

ويبرر خصوم ترامب والمتربصين به، بأن الانسحاب الأمريكي من سوريا يأتي بدون أية ترتيبات أو إتفاقيات، الأمر الذي سيدعم الأحلام والأطماع التركية في شمال سوريا، وسيكون على حساب الأكراد في عفرين ومنبج، وسيتسبب ذلك لاحقا ً بأزماتٍ كبرى مع تركيا، على غرار أزمتها مع إيران بعدما الانسحاب الأمريكي من العراق... في الوقت الذي يرى فيه بعض الخصوم أيضا ً، أن دحر "داعش" والقضاء عليه بشكلٍ نهائي سيصب في صالح الدولة السورية، التي ستتقدم نحو حقولها النفطية ومنابع ثرواتها، ولن تتمنكن القوات "الكردية" أو التركية من منعها.

… يبدو الأمريكيون مترددون ويحاولون البحث قبل إتمام انسحابهم عن اتفاقٍ ما وفائدةٍ ما، كي لا يكون حصادهم بعد سبع سنوات بلا مقابل، وبالتأكيد قد تبحث عن ذلك في جيوب الدولة الإيرانية وربما الروسية أو الصينية، وفي غير ساحات كأوكرانيا أو فنزويلا، والأكيد من جيوب الدولة السورية صاحبة المصلحة الكبرى في خروج القوات الأمريكية من أراضيها...
وعليه تبدو العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على عشرات القطاعات والشخصيات السورية, والتشريعات الخاصة بتطبيق قانون قيصر، الذي يستهدف بشكلٍ مباشر مشروع إعادة الإعمار وقطاع الطاقة والطيران, وما أشيع عن التعويضات بمبلغ 202 مليون دولار التي أقرتها محكمة أمريكية جراء تحميلها الحكومة السورية مسؤولية مقتل الصحفية الأمريكية "ماري كولفين" عام 2012 في مدينة حمص... كذلك العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية على شحنيات النفط, وما تقوم به من عمليات قرصنة واحتجاز للبواخر المتجهة إلى سوريا, والحوادث التي تتعرض لها كالحريق الذي تعرضت له – قبل أيام - ناقلتين في البحر الأسود كانتا تتجهان نحو سوريا.

بات من المؤكد أن الإدارة الأمريكية تسعى لمنع تحقيق وإعلان النصر السوري الكبير على الإرهاب الوكيل وعلى دول العدوان الأصيل، بشكلٍ باتت تتضح معه معالم الحرب الإقتصادية على الدولة السورية، والتي من أجلها جاء قرار الإنسحاب العسكري كبديل عن الهزائم التي منيت بها في سوريا، وبات الهدف الواضح من تطبيق القوانين والتشريعات والعقوبات هو التضييق على الشعب السوري والدولة السورية على أمل تركيعها عبر الحرب الاقتصادية…

لن تنال الولايات المتحدة من صمود الشعب والدولة السورية، على الرغم من خطورة وقساوة الحروب الإقتصادية، خاصةً بعد ما يقارب الثماني سنوات للحروب العسكرية والسياسية والإقتصادية، ويبقى الشعب السوري الوحيد في المنطقة العربية، الذي يأكل مما يزرع ويلبس مما يُصنّع ويُنتج، وله تجارب سابقة العقوبات والحصار، ويرى فيها تحديا ً يأبى ألاّ ينتصر بها، ومع التصميم الكبير على إنجاز وإتمام النصر, يبدو من المهم أن يلتف السوريون وراء القيادة الحكيمة والشجاعة للرئيس بشار الأسد, وبتشجيع السوريين على العودة إلى وطنهم, وأن تتضافر كافة الجهود لتحصين الوضع الداخلي بكافة مفاصله, وعلى وجه الخصوص الوضع الإقتصادي, والعمل على تطوير وسائل الإعتماد على الذات, بما يضمن الفوز مجددا ً ودائما ً.

المهندس: ميشيل كلاغاصي
2 /2 /2019