Saturday, October 22, 2022

تركيا تقحم ليبيا في الصراع الدولي على الغاز والنفط - م. ميشيل كلاغاصي


مؤخراً وفي 3 أكتوبر/ تشرين الأول , وقع وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو ، ونظيرته نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية في شمال ليبيا ، مذكرتي تعاون بين البلدين في قطاع النفط والغاز ، بما في ذلك التنقيب المشترك , كما وقع وزيرا الإقتصاد والتجارة في شمال إفريقيا محمد الحويج ونظيره التركي فاتح دونماز , عدد من الإتفاقيات الثنائية.  

وخلال المؤتمر الصحفي في طرابلس , والذي تلا توقيع المذكرات , صرح وزير الخارجية التركي ، أن تركيا أرادت توقيع اتفاقية للغاز مع الدولة الليبية , والتي وبموجبها ستمنح الشركات التركية تراخيص للتنقيب عن النفط والغاز" , بناءاً على اتفاقية الحدود البحرية الموقعة بينهما في عام 2019 ، والتي رفضتها اليونان وقبرص وانتقدتها مصر , بإعتبارها تشمل المناطق المتنازع عليها" شرق البحر المتوسط , كذلك قوبل الإتفاق برفض البرلمان الليبي في شرقي البلاد التابع لحكومة فتحي باشاغا.

ومن خلال إجاباتٍ استفزازية , أكد الوزير التركي , أن مذكرات وإتفاقيات التعاون التي تم توقيعها من شأنها "تحقيق الفائدة لكلا البلدين" , بعيداً عما يفكر به الاّخرون , مضيفاً "أنه لا يحق للدول الأخرى التدخل" , في ردٍ مباشر على مواقف مصر واليونان اللتان اعتبرتا أن حكومة الوحدة الوطنية المنتهية في طرابلس منتهية الشرعية , ولا تملك سلطة إبرام أية اتفاقات دولية أو مذكرات تفاهم.

في حين أكد عبد الحميد دبيبة رئيس الوزراء الليبي لحكومة الوحدة الوطنية ، خلال اجتماع حكومي في 6 أكتوبر، إن تركيا وليبيا ستعملان بشكل مشترك  وبحسب المذكرة على التعاون في مجال الهيدروكربونات ( استكشاف وإنتاج ونقل وتكرير وتوزيع وتجارة الهيدروكربونات ، وإنتاج وتجارة النفط والغاز والبتروكيماويات والمنتجات البترولية المتنوعة ) وفقاً للقوانين واللوائح الوطنية ، وتبادل المعلومات والخبرات وتدريب الموارد البشرية ، وتقوية الشراكة بين القطاعين العام والخاص في كلتا الدولتين.

في وقت سابق ، قال وزير النفط والغاز الليبي في حكومة الوحدة الوطنية ، وفقاً لدراسة أجرتها وزارة الخارجية , إن اتفاقية عام 2019 لترسيم الحدود البحرية مع تركيا منحت ليبيا منطقة مائية ضخمة حيث اكتشفت ليبيا 29 حقلاً نفطياً و 12 حقلاً غازياً ، في وقتٍ  قال فيه رئيس الأركان التركي السابق للقوات البحرية الأدميرال جهاد يايجي ، إن قيمة الإحتياطيات شمال الولاية البحرية الليبية تعادل نحو 30 تريليون دولار.

لم تسلم الإتفاقيات الموقعة بين الوزيرين أوغلو – النقاش من الإنتقاد , وأثارت ردود فعل متناقضة محلياً وإقليمياً ودولياً , وبحسب وسائل الإعلام , شككت كل من اليونان ومصر في شرعية ما حصل , واتفقتا على تنسيق إجراءاتهما المشتركة بشأن المذكرات الموقعة , وبأن اليونان لن تتسامح مع أي انتهاكات لإتفاقية عام 2020 التي وقعتها مع مصر , وبأنها ستدافع عن حقوقها السيادية على أساس القانون الدولي ، ولا سيما اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

كذلك أعرب رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح عن معارضته الشديدة للإتفاق ، وطالب الأمين العام للأمم المتحدة بعدم الإعتراف بالإتفاقيات الموقعة بين حكومة الوحدة الوطنية الليبية وتركيا , وكان صالح قد شدد في وقت سابق على أن توقيع الإتفاقيات الدولية هو من اختصاص حكومة فتحي باشاغا المنتخبة من قبل البرلمان , والتي أدى وزرائها اليمين الدستوري أمام البرلمان في مدينة طبرق في شهر اّذار الماضي , كذلك أعلن أعضاء المجلس الأعلى للدولة الليبية رفضهم التوقيع على الإتفاقية ، معتبرين أنها "غامضة".

وعلى المقلب التركي , اعتبرت أنقرة أن مواقف كل من مصر واليونان منحازة , وقد تبدأ السفن التركية  بعمليات المسح والإستكشاف في غضون بضعة أشهر – بحسب الأدميرال التركي السابق جهاد يايجي – وأشار إلى حقيقة معارضة اليونان للإتفاق , متهماً أثينا بالتخطيط "لإبتلاع مساحة بحجم أربع جزر قبرصية في البحر الأبيض المتوسط".

يبدو أن الصراع حول التنقيب عن الغاز في شرقي البحر الأبيض المتوسط  يشتد ويتفاقم بشكلٍ خطير , في ظل حرب الولايات المتحدة والدول الأوروبية على روسيا , وسط الإعلان عن محاصرة روسيا ووقف إمدادات أنابيبها للطاقة والغاز , الأمر الذي يفترض البحث عن المصادر البديلة , بهدف دعم وتعزيز أمن الطاقة للدول الأوروبية بالدرجة الأولى , فضلاً عن عديد الدول الأخرى , ولا يمكن استبعاد أية نتائج لإنخراط  تركيا وليبيا ومصر واليونان وفرنسا وغيرها , في التصعيد الجديد في شرقي البحر الأبيض المتوسط.

وعلى الرغم من حرص الولايات المتحدة على عدم ظهورها في المشهد الليبي , لكنها حاضرة وبقوة من خلال أدواتها المحلية داخل ليبيا , وتحت أقنعة الدول التي تدور في فلكها وتأتمر بأوامرها , وباتت أهدافها مكشوفة وواضحة ، بعدما ساهمت بشكل كبير في تدمير ليبيا وتأجيج الصراع فيها ومحاولة تقسيمها، واستغلال ملفها وثرواتها لتأجيج الصراع الدولي حول خصومها وأعدائها وحتى من يعتقدون أنفسهم أصدقائها.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

13/10/2022

 

الحرب على روسيا في ظل شولتز والإئتلاف الألماني الحاكم - م. ميشيل كلاغاصي


على الرغم من هزيمتها في الحرب العالمية الثانية إلى جانب حلفائها الغربيين , إلاّ أن الكثيرين يعتقدون أن ألمانيا مُنحت دوراً خفياً داخل الشراكة المتوحشة التي إبرمتها الولايات المتحدة مع دول غرب أوروبا بعد انتهاء الحرب , نظراً لتجذر الجينات والنزعات العنصرية في إيديولوجيتها النازية , والتي لا تزال تجد لها أرضية خصبة لدى بعض الأحزاب وأجزاء من الشارع الألماني , بالإضافة إلى قدرتها على إدارة وتحريك الإقتصاد الألماني , الذي أثبت قوة كافية لإعتباره نواةً ومركزاً للإتحاد الأوروبي , لكنها اصدمت على  مر العقود بالإصرار الفرنسي على منافستها في قيادة أوروبا والإتحاد الأوروبي , في وقتٍ لم تستطع فيه برلين إثبات قدراتها السياسية والعسكرية لقيادة الغرب الأوروبي , في حين استطاعت فرنسا كسب بعض جولات المنافسة بالنقاط , وأظهرت تفوقاً عسكرياً , لطالما أثار حفيظة القيادات الألمانية , ودفعها لتكثيف جهودها على إعادة بناء قدراتها العسكرية , ليس بهدف قيادة أوروبا فحسب , بل لأجل المشروع الألماني القديم – الجديد , الذي دفعت ألمانيا ثمنه هزيمةً عسكرية قاسية وتقسيماً وجداراً اسمنتياً فصلها في وقتٍ من الأوقات إلى شطرين.

على مرّ الزمن , لم تؤمن ألمانيا يوماً بتراجع مكانتها التي لطالما حلمت بها , واستمر اعتقادها خلال السنوات الأخيرة ، حيث حاولت المستشارة انجيلا ميركل استغلال المخطط  الأمريكي في أوكرانيا منذ عام 2014 , واندفعت نحو قيادة الأوروبيين سياسياً في مواجهة روسيا , وضحت لأجل ذلك بالعلاقات الألمانية – الروسية , على أمل تنصيبها زعيمةً العالم الليبرالي على يد "المعلم" دونالد ترامب , وأتى من بعدها المستشار أولاف شولتز , ليستغل العملية العسكرية الروسية الخاصة , للإعلان عن برنامج تعزيز قدرات الجيش الألماني , ولنشر القوات الألمانية في أوروبا الشرقية.

لقد أدت محاولات ألمانيا لإعادة نفخ أكتافها ، إلى إثارة المخاوف والقلق المزمنين في عدد من الدول الأوروبية , رغم محاولاتها لإخفاؤهما حتى فيما بعد الحرب العالمية الثانية , وشكلا معاً أسباباً كافية لسعيهم بضم ألمانيا إلى حلف الناتو , في محاولة لكبح وضبط قدراتها الدفاعية من خلال الناتو ولاحقاً في ظل الإتحاد الأوروبي .

حاولت ألمانيا مع الأشهر الأولى للعملية الروسية الخاصة في أوكرانيا , أن تتصدر المشهد الدولي على أكتاف الموقف الألماني الداخلي , من خلال مواقف تبرز مصالحها الوطنية أولاً والأوروبية في الدرجة الثانية , على عكس الرئيس الفرنسي الذي واجه غضب شعبه حتى أثناء الإنتخابات الفرنسية , وتمسك بأعلام ومواقف الإتحاد الأوروبي ، وسجلت ألمانيا – على نهج ميركل – مواقف ورغبة أقرب إلى الإعتدال والإقتراب النسبي من المواقف الروسية , والرغبة بإنهاء الصراع والخصومة مع موسكو , عبر توحيد وتطوير نظام الأمن الجماعي في أوروبا , لكن شولتز ما لبث أن ابتعد عن هذا المنحى , وانخرط بشكلٍ كبير في دعم سياسة التعامل الحازم وبالعقوبات على روسيا , وتتالت المواقف الألمانية وسط  تأكيدها يوماً بعد يوم دعمها السياسي والعسكري والمالي لنظام كييف , وسارت بعكس مصالح شعبها , الذي ترفض غالبية أحزابه ومتظاهريه استمرار الحرب على روسيا , واستقبال النازيين الأوكران على الأراضي الألمانية .

لقد فضح ضعف إئتلاف شولتز نفسه  بنفسه , بعد أن مارس الألاعيب والخداع بحق الفرنسيين , الذين عادوا اليوم لإعادة إطلاق محطاتهم النووية , بعدما أوهمهم الألمان بإتجاههم نحو الطاقة البديلة والخضراء , كذلك خضوعهم لدفع التعويضات التي تطالب بها بولندا , ومثلها اليونان أيضاً , في وقتٍ أصبحت فيه أوكرانيا تملي على برلين ما يجب عليها فعله , ونوعية السلاح الذي ترغب به , ومقدار الأموال التي تحتاجها , لإستمرار حرب شولتز وإئتلافه على روسيا

لقد قصم تفجير أنابيب نورد ستريم 1 و2 ظهر ألمانيا , سياسياً ونال من هيبتها وسمعتها , ومن مستقبلها الاقتصادي , ومع ذلك لم تجرؤ على إدانة عملية التفجير, على الرغم من كونها أكبر المتضررين , وذهبت لتتعلق أكثر فأكثر بعربات قطار الفوضى الأمريكي , الذي يبحث عن سبب أو تبرير لعدم إلتزام أوكرانيا بإتفاقية مينسك , وقد يكون إتهام روسيا بتفجير تلك الخطوط , والتحقيق بعيداً عن وجود محققين أو خبراء روس مدخلاً أمريكياً خبيثاً , قادراً على جر الموقف الألماني ورائه , لإلقاء اللوم والمسؤولية الكاملة على روسيا. 

إن توقف وصول الغاز الروسي الرخيص إلى ألمانيا , فعل فعلته ورفع أسعار الطاقة , ومواد التدفئة مع اقتراب البرد والثلوج الألمانية , ناهيك عن تضاعف تكاليف إنتاج كافة السلع في ألمانيا , وسط إغلاق العديد من المنشاّت الصناعية والإنتاجية.. كان من الأجدى للحكومة الألمانية أن تعترف بضعفها السياسي , وعدم قدرتها على قيادة الإتحاد الأوروبي , في ظل "الزعيم" والمحارب أولاف شولتز , الذي وصف العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا بأنها " جزءٌ من "حملةٍ صليبية واسعة ضد الديمقراطية الليبرالية" , وانضم إلى ماكرون لجهة رفض الحرب العالمية واستمرار الحرب على روسيا , وانتقلا معاً إلى مرحلة تزويد نظام كييف بأنظمة دفاعٍ جوي مضادة للطائرات والصواريخ الروسية , متجاهلين ما صدر عن الكرملين بأن :" توريد أنظمة الدفاع الجوي إلى كييف سيطيل أمد الصراع , لكنه لن يؤثر على أهداف موسكو". 

يبدو أن أولاف شولتز قد ورط  نفسه , وبات مجبراً على تعريف "الديمقراطية الليبرالية الغربية" التي ابتكرها الكاثوليك الأوروبي , وبتوضيحها للنازيين الأوكران ولصديقه فولوديمير زيلينسكي وصديقته الجديدة ليز تروس , ليكون أهم من أدولف هتلر بالنسبة لألمانيا وأوكرانيا وأوروبا والعالم.

ميشيل كلاغاصي

17/10/2022

 

الأمم المتحدة لن تنقل البشر إلى الجنة.. لكن عليها إنقاذهم من الجحيم - م. ميشيل كلاغاصي


في عام 1954 أكد الأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد، أن تأسيس الأمم المتحدة "لم يتم لقيادة البشرية الى الجنة، بل لإنقاذها من الجحيم"... 

لم تكن قرارات الأمم المتحدة منذ تأسيسها، مصدر سعادة وعدل وإنصاف دائم لجميع الدول الأعضاء فيها، وغالباً ما تسبب استخدام الفيتو أو حق النقض، الذي تتمتع به الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بالإحباط  والأمل، والإنحياز والتسييس، والإنصاف أوعدمه، والقسوة والهيمنة، هذه المشاعر والمواقف دائمة الحضور داخل القاعات الأممية، ولا يمكن تصور حجم المعارك التي تدور رحاها بشكلٍ يومي تحت القباب الأممية، ويبقى حق النقض من أهم أسلحة الدول الخمسة عموماً ، مع فارق استخدامها من بعض الدول كالولايات المتحدة , وفقاً لمصالحها وليس لمصلحة ما نصت عليه نصوص وتشريعات وميثاق الأمم المتحدة، ولحماية الدول الصغيرة والضعيفة، وحقوق الإنسان، على عكس استخدامه من قبل روسيا والصين , بما ينسجم إضافةً للنصوص والتشريعات والميثاق , مع المعايير الأخلاقية والسياسة التاريخية لكلتا الدولتين , لإنصاف العديد من الدول ونصرة قضاياها العادلة , كما حدث في الحالة السورية , وما شابه من القضايا الدولية.

ويضرب الإنقسام وحدة الدول الأعضاء، بحسب أحلافها وسياساتها ومصالحها، وقوتها ونفوذها , ويذهب بها نحو مديح فريق من الدول الخمسة على حساب لوم الفريق الاّخر , ويبقى من السهولة بمكان ومن بديهيات العصر الحالي , إلقاء اللوم على الولايات المتحدة بإعتبارها المحرض الأول وربما الوحيد , على الصراعات العالمية , وبإساءة استخدام حق الفيتو , من خلال استراتيجيتها وأهدافها في الهيمنة والسيطرة على العالم , في وقتٍ تتداعى عديد الدول للمطالبة بإصلاح المؤسسة الأممية , ودفعها نحو الإلتزام بميثاقها و"شهادة ميلادها" التي خلقت لأجلها , فيما يطالب فريقٌ اّخر بإلغاء حق النقض , ويسعى اّخرون لزيادة عدد الدول التي تتمتع بحق النقض , تتعدد الدوافع والحجج والذرائع والمطالب المحقة والمضللة , ويبقى العالم حتى اللحظة خاضع لذات المعايير التي ادعت نظاماً دولياً يقوم على "القواعد" , التي لا زالت مفاعيلها سارية منذ خمسة وسبعون عاماً , وتحديداً ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

من الجدير بالذكر أن الدول الخمسة دائمة العضوية حتى اليوم، اعتمدت على إرثها التاريخي، ونتائج الحرب العالمية الثانية، مع مراعاة خروج البعض منهم منتصرين، فيما انتهى المهزومين إلى التحالف مع أحد أطراف الإنتصار، ألا وهو الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى سرعة امتلاكها القوة النووية , وبناء قوتها ومكانتها العسكرية الجديدة على أساس الهيمنة العسكرية للولايات المتحدة , وتم عقد الشراكة المتوحشة مع الأوروبيين , وتحولت إلى شرطي العالم , بعد منحها الثقة والتفويض بالقيادة المبنية على القوة , للتأثير والحفاظ على شكل النظام العالمي (العصر الأمريكي)، بهدف الحفاظ على مكاسبهم وإنجازاتهم، وهذا بدوره منحها القدرة على لعب دورها في لجم النزاعات أو تأجيجها، وفي توفير كافة عناصر تقلبات القوة الصلبة والناعمة.

في وقتٍ كان العالم يأمل أن يشكل حق الفيتو حاجزاً ومانعاً استباقياً ووقائياً، أمام استشعار المخاطر، في وجه نوايا الدول المارقة والمعتدية , لمنعها من العدوان , ولوأد الصراع في مهده , لكن واقع العلاقات الدولية والمشاركة لا يزال متجذراً في الحقيقة التي لا يمكن إنكارها , المتمثلة بحاجة القوى الصغرى إلى ضمانات أمنية من القوى الكبرى ، كشكل من أشكال الثقة والإلتزام المعياري.

لقد سعت واشنطن وحلفائها في باريس وبرلين، لإخضاع العالم وفق رغباتهم ومصالحهم عبر الأمم المتحدة واستخدام الهيمنة على قرار عديد من الدول الصغيرة والضعيفة، واستخدام حق الفيتو، إلى تحييد المنظمة الأممية عن مسارها ودورها الأساس، ودفعها نحو تسييس القضايا والملفات بعيداً عن الحقوق والقانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك سياسة الكيل بمكيالين والنفاق المكشوف، وساهمت بذلك بتأجيج الصراعات، وبإستغلال القوة غير المتوازنة في مجلس الأمن، دون مراعاة وجود دولٍ وقوى أخرى قادرة وفاعلة ومؤثرة داخل مجموعة الدول الخمسة الدائمة العضوية كروسيا والصين، الذين حاولوا على الرغم من مخاطر كبح "الشرّ الدولي" , ولجم النظام العالمي الأحادي المتوحش الذي تفردت من خلاله الولايات المتحدة بحكم العالم لأكثر من ربع قرن، وتحديداً منذ إنهيار وتفكك الإتحاد السوفيتي، في محاولة لمنع إنزلاق العالم نحو الفوضى أكثر فأكثر.

تدل الإحصائيات على أن الولايات المتحدة، والإتحاد الروسي والصين، هي أكثر الدول استخداماً  لحق النقض، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، بهدف ضمان المصالح الجوهرية خصوصاً لموسكو وبكين، وإرتباط استخدامها بخطورة الملفات والقضايا والصراعات التي فرضتها عليهم الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، خصوصاً ما يتعلق بأوكرانيا وتايوان، ناهيك عن عدة قضايا وصراعات تمتلك من الأهمية ما يكفي لتغيير التوازن الدولي وإنجراره نحو الحروب الشاملة والجرثومية والنووية , وسط قراءة واقعية وحقيقة وجود مسرحها الرئيسي على غالبية أراضي القارة الأوروبية، في وقتٍ لا تُستبعد أن تكون مسارحها الموازية في الشرق الأوسط واّسيا الوسطى ومياه المحيطين الهادئ والهندي.

لم يعد بالإمكان المراهنة على تبرير مواقف الدول الكبرى التي تشكل الأطراف الرئيسية في الصراعات الحالية , ولا يوجد إجماع عالمي على تأييد أو إدانة تلك المواقف , ولا بد أن يحصل التوافق مجدداً على دعم ودعوة كافة الأطراف للإلتزام بالقواعد والمعايير المتفق عليها في إطار الأمم المتحدة , لتصحيح الأخطاء والوقوف بوجه التنمر الغربي، وإتاحة الفرصة أمام الديمقراطية العادلة للعمل بشكلٍ أفضل، خصوصاً مع التشدق الدائم لواشنطن وحلفائها الغربيين بشعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

مع كافة الحقائق والدلائل التي تشير إلى بدء تشكل ملامح النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب، في ظل رفض إعتراف واشنطن وفريقها الأوروبي بذلك , ولجوئهم نحو إشعال الحروب حول العالم، والتصعيد العسكري المتزايد على الجبهة الأوكرانية، وغياب كل ما يشي بتوقف المواجهة الساخنة ما بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة و"ناتو" والإتحاد الأوروبي من جهةٍ أخرى، قبل حلول فصل الشتاء، يبقى من المهم التأكيد على صعوبة المرحلة الوسطية - الإنتقالية، التي لم تؤكد بعد موت النظام الأحادي، وولادة جديدة للنظام متعدد الأقطاب، ولحين تبلور نتائج الصراع، لا بد من وقف الحديث عن إمكانية استخدام أي طرف للسلاح النووي، أو التهديد الفعلي به، وحتى التهويل السياسي والإعلامي، فقد لا يعرف الساسة منسوب الرعب والخوف والهواجس والكوابيس التي تعصف برؤوس البشر.

ولا بد للأمم المتحدة أن تخرج من ضعفها وعجزها، وتحاول القيام بمهامها الحقيقية في حفظ الأمن والسلم الدوليين ولو بالحد الأدنى، وبما يبعد شبح الحرب النووية، ويفتح باب الأمل عبر إيجاد الحلول السياسية والسلمية، بما يضمن الأمن القومي للدول التي استشعرت تهديداً وتجاوزاً لخطوطها الحمراء، وتحديداً روسيا والصين، ووقف المخططات الخبيثة، التي فرضت الحرب والجوع والفقر والبرد والبطالة والهجرة ... إلخ , ناهيك عن الضحايا الذين فقدوا أرواحهم كمدنيين أو حتى كجنود وعسكريين .. ومن حيث النتيجة، يأمل العالم في حال لم يكن بإمكان الأمم المتحدة نقل البشر إلى الجنة، فأقله يتوجب عليها إنقاذهم من الجحيم .

المهندس: ميشيل كلاغاصي

8/10/2022

 

ضياع "العائلة الأوروبية" وتخبّطها .. زيلينسكي ليس المهرج الأوروبي الوحيد - م. ميشيل كلاغاصي


بعد انتهاء الاستفتاءات بموافقةٍ شعبية عريضة , وفق قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة , وبحضور عددٍ كبير من المراقبين ومن جنسياتٍ مختلفة , وبعد الإنتهاء من الإجراءات الرسمية الروسية , تم الإعلان عن إنضمام دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوروجيا ، إلى روسيا الإتحادية , وأصبحت جزءاً منها , وسط الأفراح الشعبية , والرسمية في قاعة جورجيفسكي بقصر الكرملين , والكلمة المهيبة للرئيس فلاديمير بوتين , التي أكد من خلالها على "الوحدة التاريخية للأرض والشعب الروسيين" ، وعلى "استعادة العدالة التاريخية " , وبأن روسيا "لن تخون خيار الشعب".  

وسارع وزراء خارجية دول مجموعة السبع (الولايات المتحدة الأمريكية , ألمانيا , فرنسا , المملكة المتحدة , إيطاليا , كندا , اليابان) ، بالإضافة الأمين العام للأمم المتحدة , وتركيا "صديقة" روسيا , وعدد من الدول الأخرى المتحالفة مع واشنطن ، للإعلان عن رفضهم وعدم قبولهم بنتائج الإستفتاءات , وبعدم شرعيتها.. في وقتٍ لم تستغرب فيه موسكو تصرفات وسياسات أعدائها وخصومها , التي اعتادت عليها منذ ثلاثين عاماً , وإنسياقهم وراء السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية , التي لطالما سعت إلى التعدي والنيل من مصالح روسيا , والحد من نشاطها وقدرتها ونفوذها حول العالم ...

وقادهم إنقيادهم مؤخراً , نحو تعزيز المشاعر المعادية لروسيا وتأجيجها ، متكئين على إعادة إحياء وتعيميم الإيديولوجية النازية , عبر نظام كييف النازي , الذي أوصلوه إلى سدة الحكم منذ ثمانية أعوام , ليقوم عبر سياسة الإضطهاد والعنف والإبادة الجماعية , تجاه المواطنين الناطقين باللغة الروسية في شرق أوكرانيا ، ومن خلال قصفٍ ممنهج ومنتظم لبلدات ومدن منطقة دونباس , بدعمٍ وغطاءٍ سياسي وعسكري غربي , لوضع روسيا أمام خيارين اثنين , إما الإستسلام أمام زحف الناتو ووصوله إلى عتبة موسكو , أو الإنخراط  بعمل عسكري , يسمح للمخطط الغربي الخبيث بالتحرك العلني ضد روسيا , وهذا ما حصل فعلاً.

في هذا السياق ، يتساءل المرء ما الذي ستفعله الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا , إذا ما تعرض مواطنيهم لإعمالٍ إرهابية مشابهة , وللإبادة الجماعية ؟, ألم تقم الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بشن الحروب والعدوان على أفغانستان وسوريا والعراق وليبيا ، تحت شعار "تهديد الأمن القومي الأمريكي" , على الرغم من إدراك العالم لحجم نفاقها وأكاذيبها , ومع ذلك لم يتحد العالم وراء معاقبتها وعزلها وشن الحرب الكونية عليها , فما بال العالم الغربي اليوم , وهو يعلم مقدار المعاناة والصبر الروسي ومحاولات موسكو لحماية المواطنين الناطقين باللغة الروسية في شرقي أوكرانيا , بعدما نسفت حكومة النازين الأوكران إتفاقية مينسك لحمايتهم , ناهيك عن التهديد الحقيقي للأمن القومي الروسي بإنضمام أوكرانيا إلى الإتحاد الأوروبي , ووصول جنود وأسلحة الناتو إلى الحدود الروسية , بما يخالف أيضاً تعهدات الناتو السابقة حيال التوسع والتقدم شرقاً.

لا يجد المتابعون والمهتمون صعوبةً حقيقية في تقييم الأعمال الإستفزازية التي تعرضت لها روسيا , من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو في أوكرانيا , بأن ما يحصل هو تنفيذٌ مباشر لمخططٍ غربي محكم مسبق التحضير, محسوب الخطى والأساليب والوسائل للوصول إلى الأهداف المعلنة بتدمير روسيا اقتصادياً وعسكرياً وبتقسيمها وفرط عقد الإتحاد الأوراسي , والتحالف الروسي – الصيني.

لكن سبعة أشهر من الحرب على روسيا كانت كافية , ليجد الأوروبيين أنفسهم محاصرين بأزماتٍ اقتصادية وأزمة طاقة حادة , تضاف إلى أزمات حكوماتهم المخادعة التي تعاني أصلاً أمام شعوبها بفضل سيرها وراء مصالح الولايات المتحدة على حسابهم , كما يحصل في فرنسا وألمانيا وبلجيكا والقائمة تطول , ناهيك عن الدعم المالي الكبير الذي أجبرت تلك الحكومات على ضخه يومياً في خزائن حكومة أوكرانيا لضمان استمرار الحرب "الغبية" , فضلاً عن تكاليف شحنات الأسلحة التي تُرسل يومياً إلى ساحة المعركة , في وقتٍ بدأت معالم الفقر والجوع , والتهجير والبطالة وغيرها من تداعيات تتفاقم بسرعةٍ مخيفة , وسط إرتفاعٍ غير مسبوق للسلع الغذائية وأسعار مواد الطاقة المختلفة , وانشغال الحكومات الغربية بقطع إمدادات الطاقة الروسية , والبحث عن البدائل الأمريكية بأسعارٍ خيالية , وإطلاق الأكاذيب حول توفر ما يكفي من موارد الطاقة في مستودعاتهم , لمواجهة الشتاء القادم بسرعة , وليس اّخرها أكاذيب رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون يدر لاين في 7/10/2022 , حول انخفاض نسبة استجرارهم للغاز الروسي من 41% إلى 7% , وبأنهم في وضعٍ جيد لمواجهة الشتاء , في وقتٍ لم تتحدث فيه عن نسب ومعدلات حاجاتهم الفعلية السنوية والمتزايدة من الطاقة , وبأنهم لم يصلوا إلى تأمين نسبة لا تتجاوز الـ 50% بشكل عام , مع تفاوت هذه النسب ما بين دول الإتحاد الأوروبي.

ومع ذلك ، بصرف النظر عن خيبة الأمل الصريحة لفشل أعمالهم الإستفزازية في أوكرانيا ، فإن ردات الفعل السلبية للولايات المتحدة و "القطيع الغربي" , لا تزال تدفعهم للمراهنة على التصعيد العسكري , والإستمرار في دعم كييف , وعلى حملة الترويج للإستخدام الروسي للإسلحة النووية , وتسابق الساسة الأمريكيين والأوروبيين والرئيس بايدن شخصياً , والماكينات الإعلامية العالمية , لتقديم الأدلة ولتأكيد تاريخ التهديد النووي الروسي عبر الرئيس بوتين , وذهب الرئيس بايدن إلى أبعد من ذلك , وهو "جو النائم". الذي انزلق على السلالم ولم يعرف عمر زوجته وكيف يخرج من قاعة الإجتماعات وصافح الهواء وأطلق عشرات التصاريح السخيفة.. ومع ذلك ادعى بأنه يعرف بوتين "جيداً" , وبأن بوتين "لا يمزح عندما يتحدث عن إمكانية استخدام أسلحة نووية تكتيكية أو بيولوجية أو كيماوية" , لكنه ما لبث أن تراجع وخفف من حدة الإتهامات وبأنهم حتى اللحظة لا يملكون أية استشعارات حول تحركات روسية بهذا الخصوص , لمجرد أنه استشعر خوف وهلع المتبرعين الديمقراطيين الذين التقاهم بالأمس في نيويورك , نتيجة الأضاليل الإعلامية الأمريكية.

تبدو نتائج الصراع حتى الاّن تقف وراء خيبة أمل الإدارة الأمريكية والرئيس بايدن , كذلك وراء خيبات أمل "العائلة الأوروبية" , التي بدت وأنها تعيش لحظات تخبطٍ واضحة , عكستها قمة براغ ونتائجها التي لم تحمل أي جديد بغياب الإملاءات الأمريكية المباشرة عن القمة , فجاءت العناوين ضمن السياقات السابقة , لكن من خلال المصالح الخاصة لكل دولة , حيث رفضت ليز تروس رفع الأعلام الزرقاء للاتحاد الأوروبي وسط  تنافس ماكرون وشولتز على قيادة الإتحاد الأوروبي , وتعمدها الإستمرار بسياسة تجاهل وربما بسحق ما تسمى بـ "وحدة العائلة الأوروبية" , فيما ذهب ماكرون نحو إنشاء صندوقٍ أوروبي خاص لدعم المواجهة مع روسيا برصيدٍ أولي 200 مليون يورو , كذلك دفع الألماني شولتز نحو مؤتمر إعادة إعمار أوكرانيا , في حين بشر رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل بالتوافق على الحزمة الثامنة للعقوبات على روسيا , وبإستمرار الدعم السياسي والعسكري والإقتصادي لأوكرانيا , ويبقى الأهم بالنسبة لقمة براغ التأكيد على استمرار حالة العداء لموسكو , لضمان استمرار الود والرضى الأمريكي , وتاكيد أن زيلينسكي ليس المهرج الأوروبي الوحيد.

يا له من ضياعٍ أوروبي , ما بين أهداف تروس ماكرون وشولتز , وسط الهمّ الجماعي للأوروبيين حول هوية من سيملأ الصندوق الأوروبي , ومن سيدفع الديون وتكاليف الحرب والأموال التي سرقها زيلينسكي وصحبه , وإعادة الإعمار , وهل هذا يفسر القراءة والتراجع الأمريكي عن التهويل النووي الروسي لإبعاد المتبرعين الأمريكيين , وتوريط المتبرعين الأوروبيين فقط .. وهل يمكن لهذا أن يعيدنا إلى زمن "الحلابة" , ويفضح استمرار بايدن بالسير على خطى سلفه دونالد ترامب رغم إدعائه بنسف حقبته برمتها. 

المهندس: ميشيل كلاغاصي

11/10/2022