Wednesday, October 5, 2022

دموع بيلوسي .. عرضٌ مسرحي فاشل لخداع أرمينيا - م. ميشيل كلاغاصي


منذ عقود وتحتل نانسي بيلوسي مكانة دبلوماسية رفيعة في الولايات المتحدة , ومع ذلك لم يسبق لها أن زارت أرمينيا كصديقٍ حميم , ولم ير أحدٌ دموعها الساخنة تنهمر كالمطر حزناً وألماً على شهداء وضحايا أرمينيا , كما حصل في زيارتها مؤخراً , وسط استقبال حكومي لافت وحاشد , ومن المثير لرئيسة مجلس النواب الأمريكي أن تذرف الدموع لتساعد مضيفيها الدولة والشعب , على الإختيار بين السلم والحرب.

لم تكن نانسي بيلوسي الضيف الأمريكي الوحيد الذي يطأ أرض أرمينيا , إذ سبقتها إلى يرفان سفارة أمريكية ضخمة , وأموالٌ طائلة ملئت خزائن العديد من المقرات والمنظمات غير الحكومية العاملة هناك , استطاعت جذب البعض حولها , وأصبح لأمريكا "الجميلة" الكثير من المعجبين هناك , كما ساهم اعتراف الكونغرس الأمريكي بالإبادة الجماعية للأرمن عام 2019 , بتزيين الخديعة الأمريكية , وبفتح باب الهدف الأمريكي الحقيقي عبر الإستغلال السياسي والتأثير على قرار القيادة والحكومة الأرمينية بما يخدم مخططات الإختراق الأمريكي لمنطقة الفضاء الروسي – الأوراسي مريكيأمريكيةأ , وليس من باب الإعتراف الإنساني بالحقوق وبعدالة القضية الأرمينية التي تؤيدها عديد الدول المنصفة حول العالم , ناهيك عن أن الإعتراف لن يؤثر بطبيعة الحال على تعقيد الأوضاع والعلاقات المعقدة أصلاً مع تركيا , وقد يشكل غطاءاَ للتحرك التركي على خط الهدف الأمريكي , يستغله الرئيس التركي للتمدد العثماني , ونشر أفكار القومية التركية وفق مشروع "طوران العظيم" , ومع ذلك حول قرار الإعتراف  الرئيس دونالد ترامب إلى بطل والسيدة بيلوسي إلى اسطورة ورمز للشجاعة والإقدام.

مهما يكن من أمر الصراع الأرميني مع أذربيجان , لكن لا يمكن تجاهل مصلحة واشنطن بإشتعاله بين الحين والحين دون التوصل إلى حل نهائي , خصوصاً وسط الهواجس الأرمينية لعلاقة موسكو وأنقرة من جهة , وعلاقة موسكو بإذربيجان من جهةٍ أخرى , وبثانية تركيا – أذربيجان التي تشكل مع كيان العدو الإسرائيلي حلقة عدوانية توسعية مشتركة , في الوقت الذي لا يمكن فيه للحكومة الأرمينية تجاوز دماء ضحاياها الذين تجاوزا الـ 130 ضحية في الجولة التي نتمنى أن تكون الأخيرة بينهما , بالإضافة إلى أهمية ناغورنو كاراباخ بالنسبة للدولة والشعب الأرميني .

لا يمكن لأرمينيا الوثوق بتركيا وبالرئيس إردوغان على الرغم من محاولاته مؤخراً , بهدف تعزيز تطبيع العلاقات مع أرمينيا، وتعيين مبعوثين خاصين لكلا الدولتين ، واطلاق  الرحلات الجوية المتبادلة بينهما، وأُعلان تركيا عن خطّة لتحويل مقاطعة "فان" التركية منطقةً سياحية للأرمن ، وهي التي يعتبرونها عاصمة أرارات التي تتوسط المملكة الأرمينية ، ومركزاً للثقافة الأرمنية منذ القرن الثامن قبل الميلاد، إلى أن دمّرها الأتراك إبان الإبادة الجماعية في العام 1915.

بعيداً عن دموع نانسي بيلوسي , تبدو واشنطن  مهتمةً بإستخدام تركيا – الأطلسية  لمواجهة روسيا , وهميةدول منظمة معاهدة الأمن الجماعي ( روسيا وبيلاروسيا وأرمينيا ، طاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان ) , والتي أكدت مراراً على التزامها بمواجهة الأزمات وتصاعد التحديات والتهديدات الأمنية , وبمحاربة الإرهاب والتطرف الدولي , وبعزمها دراسة إنشاء هيكل عسكري سياسي كامل لدول المنظمة , في الوقت الذي أكد فيه الوزير سيرغي لافروف في النسخة ما قبل الأخيرة لإجتماع دول المنظمة , على ضرورة قيامها بدور "الضامن للتوازن في المنطقة الأوروبية الأطلسية" وعدم تجزئة الأمن .

كذلك في نسختها الأخير , ومن خلال الإجتماع في 16 أيار/ مايو في موسكو، أشار خلاله الرئيس الروسي إلى أن منظمة معاهدة الأمن الجماعي "تؤدي دوراً مهماً للغاية في تحقيق الإستقرار في الإتحاد السوفياتي السابق"، الأمر الَّذي يشجع دولاً أخرى على "التفكير في الإنضمام إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تتمتع بقدرات كافية للرد على التحديات المتمثلة بتوسيع حلف شمال الأطلسي".

ومن خلال أهداف المنظمة المعلنة , يبدو واضحاً , أن واشنطن تسعى إلى إختراق منظمة الأمن الجماعي , ونسف طبيعة وجوهر نشؤوها , وانتشال بعض دولها , وسحبها من منظمة الأمن الجماعي، لإضعاف الإتحاد الأوراسي عسكرياً واقتصادياً , بما يشكله من ظهير عسكري وإقتصادي قادر على دعم روسيا في حرب الناتو والإتحاد الأوروبي عليها عبر البوابة الأوكرانية , حتى لو كان الأمر يصب في صالح أنقرة , فلن تمانع واشنطن بمنحها بعض المكافئات لتخفيف إنزياحها أرجحتها بإتجاه موسكو , والشيء ذاته تفعله حكومة الكيان الإسرائيلي وبدعم أذربيجان عسكرياً , للضغط على موسكو , وتخفيف التوتر الخطير في العلاقات الروسية – الإسرائيلية , والذي انعكس بوضوح على مصير الوكالة اليهودية في روسيا.   

يبدو أن رئيس الحكومة نيكول باشينيان مهتماً بإسكات الأصوات الداخلية التي بدأت تعلو في وجه بقائه على سدة السلطة , ولم ذكياً بلجوئه السريع نحو منظمة الأمن الجماعي , الذي بدا كمحاولة لإحراج المنظمة , وسط احتمالية انتقال الصراع إلى حرب شاملة مع أذربيجان وتركيا.. وساعد بتفاقم مشاعر الغضب في الشارع الأرميني الحريص على دماء أبنائه ومواقف يرفان من الصراع حول ناغورنو كاراباخ , وعلى الإستفادة من عضوية وتوقيع بلادهم معاهدة منظمة الأمن الجماعي , التي تصرفت بعقلانية وأرسلت لجنة خاصة , في محاولة لإيجاد تسوية دبلوماسية عاجلة , لكن نانسي بيلوسي سارعت للإعلان بأن :"روسيا فشلت في حماية أرمينيا" , لإطلاق الشرخ واتساعه ما بين أرمينيا وروسيا ودول منظمة الأمن الجماعي , الذي انعكس مباشرةً بظهور بضعة أصوات أرمينية تطالب بذلك , على الرغم من إدراكهم نفاق بيلوسي وإدارتها , وبأنها لن ترسل جيوشها وأسلحتها وأموالها للدفاع عن أرمينيا والشعب الأرميني , وبأنها تكتفي بإثارة المزيد من المشاكل والأزمات والنزاعات , من خلال استهدافها لقوة ومكانة ومصداقية الدولة الروسية , وقدرتها على حل النزاعات وبتقديم المساعدة لدول المنظمة , لإقناع الدول بمغادرة مواقعها الجيوسياسية , وتحالفها العسكري مع روسيا , والإنجرار نحو واشنطن والغرب والناتو على غرار أوكرانيا , وقبول العرض الأمريكي للحرب على حساب الغياب التام لعروضها للسلام كدولة تدعي قيادة العالم , وحفظ الأمن والسلام حول العالم.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

20/9/2022

 

No comments:

Post a Comment