Monday, December 19, 2022

رسائل الإنذار السوري الأخير .. أمريكا راعية الإرهاب واللصوصية حول العالم - م. ميشيل كلاغاصي


منذ عقود لا تزال الولايات المتحدة تخطط للعدوان على الدول والشعوب , وتتحرك باّلتها العسكرية , وعملائها ووكلائها الإرهابيين , وتسيطر على موارد الدول وثرواتها , وتدمر اقتصادياتها , وتقتل الناس , وتسرق ما تسرق , وكأن شيئاً لم يكن ...! لا يمكن لأي دولةٍ شريرة أن تُنافس الولايات المتحدة على صدارة لائحة الدول الإرهابية حول العالم , ومع ذلك تذهب بعيداً بمحاسبة ومقاضاة من يعترض طريقها , بأساليبها الخاصة , كالعقوبات والغزو ومضاعفة الإرهاب , وتسييس كل ما يمكن وما لا يمكن تسييسه , لأجل الإبقاء على ضغوطها وهيمنتها على الشعوب والدول ...

 لا يمكن تجنب وصفها بالدولة اللصة , وكذلك ساستها بأنهم أسوأ الشخصيات في المشاهد السياسية وأكثرهم وقاحةً , وما تبجح به الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب بقوله:" أصبح النفط السوري في قبضتنا", وهذا كافٍ لنسف إدعاءاتها وأكاذيبها لتبرير وجودها اللاشرعي على الأراضي السورية , وبأنها هنا من أجل "محاربة تنظيم داعش الإرهابي , وإذ بها تقصف المدن السورية بصواريخ التوماهوك , وتدمر مدينة الرقة بالفوسفور الأبيض , وتقصف مواقع وعناصر الجيش العربي السوري في جبل الثردة – ريف دير الزور, وفي عدة مواقع أخرى , وتقيم عشرات القواعد العسكرية على الأراضي السورية , وتُطلق أيادي قواتها العسكرية لتنفيذ جوهر مهامها على الأراضي السورية , بحرق وسرقة الأقماح السورية , وبإخراج مئات الصهاريج والأرتال المحملة بالنفط السوري المسروق , على الرغم من إدعائهم السعي لتحقيق أهدافٍ استراتيجية في سورية , ومحاربة تنظيم "داعش" , لكن ما تبين وتأكد وما تم توثيقه , بأنهم يسعون وراء استراتيجية "السرقة واللصوصية" الأمريكية.

تبدو الولايات المتحدة أخطر مما يمكن تصوره لدولةِ عدوانٍ وإحتلال حول العالم , بعدما باتت تتصرف من خلال اعتقادها بإمتلاكها حق العدوان وإراقة الدماء وسرقة الدول والشعوب , وبتهديد وحدة وسلامة أراضيهم , وبإنتهاك سيادتهم , وأمنهم القومي , وحتى بمعاقبتهم ومحاسبتهم ومقاضاتهم , وباتت مهمة إيقافها , وكف يدها عن رقاب الدول والشعوب مهمةً تبنتها بعض الدول كسورية وإيران وروسيا والصين وفنزويلا واليمن وغيرهم , وبإنهاء عصر هيمنتها الأحادية على العالم , في غياب وصمت الأمم المتحدة ومجلس الأمن , وتأييد أشرار العالم كحلف "الناتو" والإتحاد الأوروبي , وغيرهم .

وفي هذا السياق , بات واضحاً أن الإتحاد الأوروبي ينوب عند الطلب والتكليف عن سيده الأمريكي , بالتمهيد لسرقة ثروات ومقدرات الدول والشعوب , ولتكريس وفرض قواعد مشابهة لما تم فرضه على الأصول والأموال الإيرانية , وهي بطبيعة الحال قواعد للقرصنة البحتة , وعليه يسعى الإتحاد الأوروبي إلى قرصنة الأصول الروسية المجمدة , وسرقة الإحتياطيات الدولية للبنك المركزي الروسي و"إعادة استثمارها" في أوكرانيا , تحت عنوان تمويل مشروع "إعادة بناء الإقتصاد الأوكراني" ، الذي مزقته الحرب التي فرضتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على جميع الأطراف.

وتجدر الإشارة إلى إن الأصول الروسية المجمدة جراء العقوبات الأمريكية والإتحاد الأوروبي , وهي أصولٌ خاصة تقدر قيمتها بنحو 19 مليار يورو , وأصول حكومية مملوكة لكيانات حكومية تبلغ قيمتها حوالي 300 مليار يورو , من الإحتياطيات الدولية التي يحتفظ بها البنك المركزي الروسي.

ومن خلال "عبقرية" اللصوص وببغائية "القطيع الأوروبي" الوكيل , رأت المفوضة الأوروبية أورسولا فون دير لاين ، أنه :"يجب على روسيا أن تدفع مقابل الدمار الذي تسببت فيه" , ويتعين على موسكو "تعويض أوكرانيا عن الأضرار وتغطية تكاليف إعادة بناء البلاد" , في وقتٍ لا يمكن "للزعيمة" الأوروبية قول الحقيقة , وبأنهم كإتحاد لـ 27 دولة أوروبية , يعانون في خضم أزماتهم الداخلية التي نشأت بفضل اندفاعهم وراء "سحق الاقتصاد الروسي" , من ارتفاع التضخم ، وينظرون إلى تجميد وبيع الأصول الروسية كفرصة لملء جيوبهم بالأصول الروسية , بغياب ما يُثبت بأن وجهة تدفق الأموال ستكون نحو أوكرانيا ، خصوصاً وأنهم جميعاً "ينعمون" برصيد وتاريخ لصوصي معروف تماماً , كدول استعمارية , إعتادت السرقة والنهب .

السؤال يطرح نفسه ، هل يتوجب على موسكو دفع فاتورة إعادة إعمار أوكرانيا , الناجمة عن حربٍ شنتها واشنطن والناتو والإتحاد الأوروبي , وقاموا بتهديد أمن روسيا القومي , وبمجمل المجازر والإعتدءات والإستفزازات , التي أجبرت روسيا على القيام بعملية عسكرية خاصة للدفاع عن نفسها وشعبها , تلك الحرب لم يحاول الغرب منعها , والحوار من أجلها , بل على العكس قام الإتحاد الأوروبي بتمويلها وبنقل أسلحته ومعداته العسكرية وقواته نحو الحدود الروسية قبل اندلاع الحرب ,  ولعب دور المحرض الرئيسي لنشوبها , ويتوجب عليه أن يدفع هو والناتو والولايات المتحدة مقابل الأضرار التي لحقت بأوكرانيا وبروسيا.

ولا بد من توجيه السؤال للسيدة أورسولا فون دير لاين , لماذا لم يتم تطبيق مثل هذه الجهود على الحروب والغزوات المباشرة وغير المباشرة , التي شنتها وقادتها الولايات المتحدة على العديد من دول العالم , والتي أدت إلى تدمير وخراب لا يمكن تخيله حتى ؟ ..وعلى سبيل المثال , فقد أدى الغزو الأمريكي لأفغانستان واحتلاله لمدة 20 عامًا , للإنتهاء به بلداً مدمراً يعج بالإرهاب والإرهابيين , لا يتوقف فيه العنف والمذابح وغيرها من الفظائع , كذلك ألحق الغزو الأمريكي للعراق دماراً وتخريباً وعدداً قياسياً للضحايا والمصابين والجرحى , دون أن ننسى ما فعلته في فيتنام , الصومال , باكستان , والقارة الأفريقية , ناهيك عن فظاعة أفعالها في سورية وليبيا واليمن.  

فهل توافق السيدة فون دير لاين على تجميد الأصول الأمريكية واستخدامها لتمويل إعادة إعمار تلك الدول وتعويض أسر المدنيين الذين قضوا فيها جراء الغزو الأمريكي؟

ومن المثير للإهتمام ، رؤية العلاقة والإرتباط وتزامن وجود الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو , والجماعات الإرهابية في المكان والزمان !, لقد فعلتها هيلاري كلينتون وفضحت بلادها وبأنها صنّعت تنظيم "داعش" وأطلقته , ليقود بإجرامه سياساتها تجاه الدول والشعوب , كما سبق لها وخلقت عصاباتها من داخل مستوطنيها , الذين أبادوا السكان الأصليين واحتلوا أرضهم , تبدو صناعة الإرهاب صنعة وبصمة أمريكية بحتة , ولم تقدم للعالم سوى القتل والعنف والخراب والتدمير والسرقة واللصوصية المحترفة.

وفي الحديث عن الإرهاب الأمريكي في سورية , يدرك ويراقب ويرى العالم ومنظماته الأممية والإنسانية , بأن الجيش الأمريكي لا يزال يحتل مناطق واسعة في شرق وشمال شرق سوريا ، ويستمر بنهب النفط السوري ، ويمنع دمشق من إعادة بناء اقتصادها وبناها التحتية التي دمرتها الحرب الأمريكية – الدولية - الإرهابية على سورية.  

فبعد سنوات لمحاربة الإرهاب الأمريكي وأدواته الدولية والإرهابية , تحولت سورية إلى أيقونة الصمود والنموذج الأول في العالم , الرافض للاحتلال والتعدي على السيادة , ووحدة الأرض والشعب , والمقدرات والثروات السورية , وفي دليلٍ قاطع على ما اقترفته أيدي الإرهاب الأمريكي , قدمت وزارة الخارجية السورية بعض المعلومات والإحصاءات عبر بيانها في 13/12/2022 , وبينت فيه حجم الخسائر المباشرة لإعتداءات قوات الإحتلال الأمريكي والميليشيات والكيانات الإرهابية التابعة له قد بلغت 25.9 مليار دولار" , في حين تجاوزت الخسائر غير المباشرة 86 مليار دولار" , وبإجمالي 111.9 مليار دولار , خسائر في قطاع النفط السوري.

لقد أحرجت الخارجية السورية كلاً من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن , من خلال رسالتها لهما , والتي تضمنت شرحاً مسهباً للممارسات الأمريكية العدوانية المتواصلة ، من خلال استمرار وجود قواتها بشكل غير شرعي على أجزاء من الأراضي السورية في الشمال الشرقي وفي منطقة التنف ، مشيرة إلى أفعال قوات الإحتلال الأمريكي والميليشيات المرتبطة به , وتواصل عمليات النهب المنظم للنفط والقمح وغيرهما من الثروات الوطنية للشعب السوري , وطالبت الأمم المتحدة "بوقف انتهاكات الولايات المتحدة وحلفائها للقانون الدولي وأحكام الميثاق وضمان التعويض عنها، وإنهاء الوجود غير الشرعي للقوات الأمريكية وإعادة حقول النفط والغاز التي تحتلها إلى الدولة السورية".

تبدو رسائل وزارة الخارجية بمثابة إنذارٍ أخير , تشي بأن صبر دمشق الإستراتيجي قد نفذ , ولن تستطيع واشنطن تحمّل تبعات الإنطلاقة الكبرى للمقاومة الشعبية المدعومة من الجيش العربي السوري , وعليه أظهرت الرسائل الحزم والغضب في إشاراتها الصريحة إلى "صمت مجلس الأمن والأمانة العامة" عن إدانة ممارسات قوات الاحتلال الأمريكي ونهبها النفط السوري وتخريبها البنى التحتية ، ولتجاهلهما معاناة الشعب السوري جراء الحصار والإجراءات الإقتصادية القسرية التي تفرضها واشنطن وبروكسل , تلك الممارسات والإجراءات التي تصل حد إعتبارها "جرائم الحرب" ، تزيد معاناة الشعب السوري، وتمنع جهود التعافي المبكر وإعادة الإعمار، , كما طالبت رسائل الخارجية "بوجوب رفعه العقوبات بشكلٍ , وبالتحرك العاجل للإرتقاء بالوضع الإنساني وتوفير الظروف المناسبة للعودة الطوعية الآمنة والكريمة للمهجرين واللاجئين إلى وطنهم".

وتبقى دمشق التي يعترف العالم بجمالها وسلامها , وبدورها ومكانتها الحضارية والإنسانية والثقافية , وبأبجديتها الأولى التي صدرتها إلى كافة أنحاء العالم , تستحق تضامن كافة دول وعواصم وشعوب العالم الحر , والتظاهر بالملايين , لرفع الصوت والهتاف :" كفوا يدكم عن سورية , ودعوها تفوح بعطرها وتنثر ياسمينها حول العالم مجدداً".

م. ميشيل كلاغاصي

17/12/2022

 

ماكرون وسوناك على محك الأزمات والحراك الشعبي الداخلي - م. ميشيل كلاغاصي


إنه البرد والجوع والتظاهرات المناهضة للحكومتين الفرنسية والبريطانية , غلاء المعيشة , اختفاء الأخشاب , شح المواد الغذائية والطبية , ارتفاع فواتبر الوقود والكهرباء , تقنين الإنارة والتدفئة و"الإكتفاء بغرفة واحدة" , المطالبة بزيادة الرواتب , الظلام في باريس , إضرابات الممرضين والمسعفين وسائقي الحافلات والمدرسين وعمال البريد وعاملي السكك الحديدية والخطوط الجوية , ناهيك عن تزايد الهجرة , وتضاعف جرائم العنف .. هذا حال الشعبين والبلدين الجارين , ومشجعي منتخبيهما عشية لقائهما المونديالي بالأمس , وما كتبه ماكرون على موقعه على تويتر قبيل إنطلاق المبارة " Allez les Bleus".

تبدو خلطة هموم وصعوبات ومعاناة مشتركة يعيشها الفرنسيون والبريطانيون , زاد من وطأتها , زيارةٌ فاشلة قام بها ماكرون إلى واشنطن , أسمعه فيها بايدن أن: "واشنطن , لا تُعدّل ولا تتراجع" , وجاء ذلك بخصوص التسهيلات والقروض التي شرّعها الأمريكيون لإتاحة الفرصة أمام الصناعيين والمستثمرين الفرنسيين والأوروبيين عموماً لممارسة نشاطاتهم التجارية والصناعية على الأراضي الأمريكية , على الرغم من محاولات ماكرون لإرضاء بايدن بالحديث عن نية فرنسا دعم فكرة إنشاء محكمة دولية خاصة لمحاسبة ومقاضاة روسيا , الأمر الذي أسعد العجوز بايدن , وسارع لمكافئته بجلب وحشد بعض المصفقين والمصافحين المهللين الأمريكيين للصداقة بين البلدين والزعيمين , في الوقت الذي ندب فيه جونسون حظه , وتحدث فيه رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون عن عدم توقعه وصول بريطانيا إلى هذه الحال "الكارثية" , بالمقابل أكد وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي في إدارة سوناك ، أن : "حلف شمال الأطلسي يبذل قصارى جهده لعدم الدخول في صراع مع روسيا في أوكرانيا" , ونفى "أن يكون الناتو قد هدد روسيا أو أنه يهددها".

لقد عاد ماكرون من لقاء بايدن خالي الوفاض , ومع ذلك بدا سعيداً بالمونديال , وقد يكون من المراهنين على إنشغال الفرنسيين بمنتخبهم , بعيداً عن أوضاعهم الصعبة , وهموم البلاد الغارقة بمشاكلها الاقتصادية والإجتماعية , وخطورة ما قد تحمله أيام الغضب المتصاعد أكثر فأكثر في الأيام القادمة , فيما كللت خسارة المنتخب الإنكليزي , هزائم وإخفاقات هذا العام لحزب المحافظين , وزادت الطين بلة , فالحلم الكروي لهذه النسخة المونديالية انتهت بالنسبة للبريطانيين , وعادت الهموم مجدداً , بإنتظار إضراب عمال السكك الحديدية والخطوط الجوية للإضراب المعلن والمرتقب.

هل يفعلها البريطانيون , ويغادرون بلادهم في فترة أعياد الميلاد ورأس السنة , إلى حيث الأمان والدفء , بإنتظار الحلول الحكومية , وكيف سيكون عليه الحال مع الفرنسيين بعد أسبوع ومع نهاية المونديال , هل سيحذون حذو جيرانهم , أم سيعودون إلى الإضرابات دون إضاعة الوقت , أم سيحل الهدوء في فترة الميلاد ورأس السنة .. تبدو فترةً كافية لسوناك وماكرون كي يبتكرا الحلول لتفادي الطوفان , وقبل أن يتعلم الشعبين كيفية إسقاط الحكومات , كبديل حقيقي عن التظاهرات والهتاف بدون جدوى.

قد يكون ماكرون أسرع من سوناك الذي يفكر بفرض قانون لمنع الإحتجاجات , وتوجه ماكرون نحو الفرنسيين , ليترجم كلاماً سمعه في واشنطن , أو ربما قرأه في الصحف الأمريكية , بأن الولايات المتحدة ذاهبة نحو التفاوض مع روسيا , وسارع للحديث مع زيلينسكي عن نوايا باريس بتنظيم واستضافة مؤتمر "المساعدة الدولية لإجتياز الشتاء في أوكرانيا" ؛ ومؤتمر "الشركات الفرنسية لـ إعادة إعمار أوكرانيا" , يبدو أن ماكرون يستعجل تقاسم الكعكة الأوكرانية مع لصوص زيلينسكي ونخبه المتطرفة الحاكمة.

ولطالما كان فاقد الشيء لا يعطيه , فكيف يمكن لأوكرانيا أن تعتمد على الدعم الفرنسي لتجاوز الشتاء ولإعادة الإعمار, وحكومة الإليزيه عاجزة عن فعل ذلك داخل فرنسا ولأجل شعبها , وهل حقاً يهتم الأوكران بالدفء والإعمار, على حساب السيادة ومصير الأرض والقوات العسكرية والأسلحة المتواجدة على الأراضي الأوكرانية , ناهيك عن المرتزقة والإرهابيين الذين يملئون شوارع وقرى وجبهات أوكرانيا, , وعلى حساب إعادة وحدة الشعب الأوكراني المنقسم والمنفصل أصلاً .. بالتأكيد سيكون الأوكرانيون "سعداء" للغاية بوجود رئيسٍ فرنسي يعتني بهم وبسلامتهم على حساب مصالح بلاده وشعبه.
لقد تعرضت البنى التحتية والمشاريع الكبرى ومحطات الطاقة النووية الفرنسية إلى الإهمال الضرر منذ حكم ساركوزي وصولاً إلى ماكرون , فيما تكفل خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي بإيصالها إلى حالة من التدهور الإقتصادي , أوصلها بدوره إلى ذات النتيجة , وباتت
فرنسا وبريطانيا تبدوان وكأنهما من دول العالم الثالث , حيث العوز والفقر وغياب العدالة الاجتماعية , المتزامنة مع سياسات مجنونة لحكومات ضعيفة ارتضت أن تكون قطيعاً أمريكياً , وبات على الشعبين الجارين , دفع ضريبة وصول أشباه السياسيين والشخصيات غير الناضجة , التي لا تحمل الحد الأدنى من الرؤى السياسية إلى سدة الحكم في لندن وباريس.

م.ميشال كلاغاصي

11/12/2022  

 

ألمانيا وفرنسا تتصدران مشهد إنشاء محكمة دولية لمحاسبة ومقاضاة روسيا- م. ميشيل كلاغاصي


مع نهاية شهر تشرين الثاني المنصرم , تحدثت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ، عن نية الإتحاد الأوروبي "إنشاء محكمة دولية خاصة مدعومة من الأمم المتحدة" ، بهدف التحقيق في "جرائم الحرب المحتملة التي ارتكبتها روسيا في أوكرانيا ومقاضاة مرتكبيها", وأكدت: بأننا "على استعداد لبدء العمل مع المجتمع الدولي للحصول على أوسع دعم دولي ممكن لهذه المحكمة", ولم تلبث أن تبعها الرئيس الفرنسي وخارجيته ونظام كييف , بترديد وتكرار تصريحاتها.

ومما يثير الإستغراب اندفاع رئيسة المفوضية وهي السياسية الألمانية , للإعلان عن الحزمة التاسعة من العقوبات على روسيا , بالتوازي مع إطلاق الحديث عن إنشاء هذه المحكمة لمقاضاة ومحاسبة روسيا , في وقتٍ لم تطرح فيه فكرة إنشاء محكمة خاصة لمحاسبة بلادها أولاً , وهي التي شاركت بجريمة إغتصاب لواء الإسكندرون السوري , وبتسهيل تسليمه لقوات الاحتلال التركي , ومشاركتها بالحرب على لبنان والعراق وأفغانستان وعشرات الحروب الأخرى , ناهيك عن مشاركتها العسكرية في الحرب على سورية , وبزياراتٍ متبادلة لوفود برلمانية وسياسية حزبية ألمانية وممثلي ما يسمى "مجلس الإدارة الذاتية الإنفصالي" , بالإضافة إلى مشاركتها القوية بتسليح وتمويل وتقديم كافة أشكال الدعم السياسي والإقتصادي والعسكري لحكومة النازيين الأوكران ... مالذي يدفع السيدة فون لاين لإظهار حماسها لإنشاء محكمة دولية خاصة ضد روسيا , وتتجاهل الجرائم التي ارتكبتها ألمانيا ضد الإنسانية , وأقله على مدى القرن الماضي , ولا زالت ترتكبها منذ عام 2014 ، كتفاً إلى كتف ودعماً للنازيين في أوكرانيا.

تبدو حماسة فون لاين , أشبه بحماسة كومبارس مبتدئ يصعد على المسرح للمرة الأولى , في عمل مسرحي خيالي وسخيف , من شأنه فقط الإستخفاف بعقول "المشاهدين" الأوروبيين تحديداً , وتعويلها على عدم إدراكهم حقيقة أن مجلس الأمن وحده المسؤول عن دعم الموافقة على إنشاء هكذا محكمة , وبأنه لا يملك فرصة تمرير هكذا قرار بوجود روسيا والصين على منصة الدول الخمسة دائمة العضوية , وسيكون حق الفيتو الروسي حاضراً , وربما الفيتو الروسي - الصيني المزدوج.

وفي حال إعتماد السيدة فون لاين على تصويت ودعم الجمعية العامة للأمم المتحدة ، فستفشل محاولتها قبل أن تبدا , لأن ميثاق الأمم المتحدة لم يمنح تصويت الجمعية العمومية القوة القانونية , ويعتبر بمثابة حبر على ورق , وإن حاولت حصد تأييد ما يسمى "المجتمع الدولي" عبر تأييد عددٍ كبير من الدول فعليها كالعادة اللجوء إلى استخدام الهيمنة والرشوة والتهديد , لإجبار الدول التي يسيطرون على قرارها , وإنتزاع تأييدهم.

من جهةٍ أخرى , لا يمكن لمجلس الأمن أن يقدم سوى "خدماته" العسكرية والإقتصادية , وبموجب فصله السابع ضد الدول التي تنتهك القانون الدولي , ولا يستطيع تقديم خدمات قضائية , إلاّ بتجاوز ميثاق ونظام وصلاحيات الأمم المتحدة , كما فعل عشية إنشاء المحكمتين الخاصتين بيوغوسلافيا ورواندا.

منذ أوائل التسعينيات وحتى اليوم , لم تتغير ذهنية وأهداف الأمريكيين , وهم أصحاب فكرة إنشاء المحاكم الدولية الخاصة ، معتمدين على الروايات والعناوين التي ابتدعوها لمحاسبة وملاحقة والتخلص من خصومهم وأعدائهم كـ "الكرامة" و"حقوق الإنسان" و "الإبادة الجماعية" و "الديمقراطية" , وتقوم بإستخدامها كسلاح دعائي إعلامي , لتشويه سمعة المستهدفين وشيطنتهم , هذا من جهة , ولحتمية قبلها من قبل الناس على أنها محاكم عادلة ومنصفة للدول والشعوب , في الوقت الذي لا ينظرون ويرون "النخر" في داخلها , وبأنها ما خُلقت إلاّ لتكون أداةً لتحقيق الأهداف السياسية للولايات المتحدة الأمريكية..

ومن باب الإنصاف لا بد من توجيه الإتهام بدعم فكرة إنشاء المحاكم الدولية , للدولة الألمانية أيضاً , وهي التي تشارك الولايات المتحدة بهذه الذهنية والسلوكية , وبإستخدامها طريقةً لتسريع تفكيك دول الأعداء , ناهيك عن تشويه سمعة قادتها , ولدعم تفكيكها السياسي والإقتصادي , على غرار ما فعلته ألمانيا ضد يوغوسلافيا , وتشكيل المحكمة الخاصة بها , بالإضافة إلى إنخراطها بكامل العدائية تجاه الدولة السورية , وبدعم الإنفصاليين وبتأييدهم سياسياً لإقامة "إدارةٍ ذاتية" في شرق البلاد , ناهيك عما تفعله اليوم ضد روسيا والإنخراط في مشروع تدمير إقتصادها وتفكيكها وتقسيمها. 

من الواضح أن السيدة فون لاين القابعة على رأس المفوضية الأوروبية , تسعى إلى جرّ دول الإتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا , على حساب دولهم ومصالحهم شعوبهم , للسير وراء مصالح وأهداف الولايات المتحدة السياسية , وبإستهداف الرئيس فلاديمير بوتين شخصياً , وتبدو من خلال إقتراحها وترويجها لإنشاء محكمةٍ دولية خاصة بروسيا , بدون دعمٍ قانوني - وأقله حتى اليوم - , كمن ينوب عن الإتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة , لإرساء قواعد الهيمنة العالمية والعالم الفاشي الجديد , من خلال محاكم تستخدم تلفيق لوائح الاتهام ، وإجراء محاكمات صورية ، والحرب الدعاية على روسيا وقيادتها وشعبها ، وبالمقابل التستر على جرائم دولتها الأم ألمانيا , وتبرير عدوانها وشركائها في القطيع الأوروبي , لخدمة المشروع الأمريكي ضد روسيا حالياً , ولاحقاً ضد الصين وسورية وإيران وفنزويلا واليمن وغير دول.

يالها من ذهنية واستراتيجية خبيثة لا أخلاقية مكشوفة , تستخدمها واشنطن وبروكسل والناتو , تحاول تشويه سمعة الرئيس بوتين وتصنيفه كمجرم حرب ، ومنعه من أية إمكانية للتفاوض وحل النزاع العسكري ، سواء مع الولايات المتحدة أو الإتحاد الأوروبي ، وجعل مفاوضات السلام مع أوكرانيا والغرب الأوروبي والأمريكي مستحيلةً تماماً , من خلال تبني مزيف لموقف نظام كييف "لا مفاوضات مع مجرم حرب" , والتي هي بالأساس إملاءات وشعارات خرجت من أدراج التاّمر الغربي على روسيا.

كم من السعادة والفرح غمرا قلب الرئيس بايدن مؤخراً , عندما استضاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون , وهو يدلي للصحفيين بعزم فرنسا على دعم فكرة إنشاء محكمةٍ دولية لمحاسبة ومقاضاة روسيا , لقد أسعد ماكرون قلب العجوز النائم "جو سليبي بايدن" , وبادله الاّخر بالمكافئة , وبحشد بعض الأمريكيين من المصفقين والمصافحين والهاتفين بحياة ماكرون , وبالصداقة العميقة , في مشهدٍ لم يحدث في فرنسا أصلاً , ولم ينل ماكرون من شعبه سوى صيحات الإستهجان ومطالبته بالرحيل , وصفعة قوية من أحد الشبان الفرنسيين.

أزعجت تصريحات الرئيس ماكرون وخارجيته الجانب الروسي , وهو الرئيس المنافق الذي حاول استمالتهم كاذباً , بالحديث عن "ضرورة مراعاة أوضاع الأمن القومي الروسي" , وأتاه الرد الروسي سريعاً , صبيحة 1 ديسمبر/كانون الأول , عبر رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الدوما الروسي ليونيد سلوتسكي بأن : "تصريحات وزارة الخارجية الفرنسية حول بدء العمل مع الأوروبيين والأوكرانيين لإنشاء محكمة خاصة للتحقيق في تصرفات روسيا في أوكرانيا ليس لها أساس قانوني , وتضمنت بعداً سياسياً" , وأشار إلى أنه وفي حال إنشاء هكذا محكمة : لا بد من "وقوف مجرمي الحرب الأوكرانيين ورعاتهم الأمريكيون في قفص الإتهام".

بات واضحاً أن روسيا وسورية وإيران والصين وعشرات الدول حول العالم , يواجهون الفاشية الأمريكية – الغربية الجديدة ووحشيتها وقبحها ، وبكونها لا تخجل من تاريخها وحاضرها , الذي استباحت ولا تزال تستبيح فيه سيادة عديد الدول والشعوب حول العالم بالعدوان والحصار وبسرقة الثروات الوطنية , وإن كان لا بد من إنشاء محاكم دولية خاصة , فلتكن لهؤلاء الأشرار , بدءأ من السيدة فون لاين وليس إنتهاءاً بقائد حلف الناتو وماكرون وشولتز والرئيس بايدن.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

10/12/2022