Monday, December 19, 2022

التفاوض حول أوكرانيا لخداع روسيا أم أوروبا ؟ - م. ميشيل كلاغاصي


نجحت الولايات المتحدة الأمريكية بإجبار روسيا على مواجهة خيار الحرب العسكرية الوحيد في أوكرانيا , لكن سرعان ما فُضح ازدحام الحروب داخل أجندة المخطط الدنيء , كالحروب السياسية والإقتصادية والمالية والعقوبات .. إلخ , بالإضافة إلى الإزدحام في خندق الأعداء , بدءاً من القوات المسلحة لحكومة النازيين الأوكران ومرتزقتهم , وصولاً إلى حلف الناتو والإتحاد الأوروبي وغير أعداء , وانكبت كافة أطراف الصراع على سجلاتها اليومية لتدون كل تقدم أو تراجع , ولتقييم سير المواجهات , والإهتمام بتصويب الخطط العسكرية والجيوسياسية , والإقتصادية الإستراتيجية , فيما انهمك أباطرة الحرب في الولايات المتحدة , على احصاء المكاسب وجني الأرباح والفوائد من السياسات التي تنتهجها الإدارة الأمريكية والرئيس جو بايدن بما يخدم مصالحهم , ويبعد شعوبهم والمتربصين بهم ويلهيهم عن المعارك المالية والإقتصادية والسياسية والعرقية , داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

لم تكتف الولايات المتحدة بوضع مخططات الحرب على روسيا , بل حرضت ودفعت بكل قواها لنشوب هذا الصراع , وأجبرت أوروبا والأوروبيين على تطبيق العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا , وبالإمتناع والتوقف الفوري عن شراء الغاز الطبيعي الروسي رخيص الثمن , وفسح المجال أمام واشنطن لبيعهم كميات ضخمة من الغاز المسال بالأسعار المضاعفة لأربعة أمثال ، دون أن تحدد لها سقفاً لأسعارها , كما تحاول الاّن فرض أسعارٍ محددة على مبيعات الغاز الروسي.

من الواضح أن واشنطن استطاعت توجيه ضربةٍ قوية للغاية للإقتصاد الأوروبي بكليته , وبنقل الثروات والأموال الأوروبية الطائلة إلى الولايات المتحدة ، دون أن تتغير, خرائط هيمنتها على القارة الأوربية , أو تبعية وسياسة القطيع الأوروبي "للسيد" الأمريكي.

لا يمكن تجاهل أهمية ما حققته واشنطن لضمان سيطرتها على أوروبا , خصوصاً وأنها كانت تخشى من إنفلات قبضتها , وخروج الدول الأوروبية عن بيت الطاعة الأمريكي , فالعالم اليوم يقف على بعد أمتار من تبلور ملامح العصر الجديد , والوقت الحالي هو لزيادة النفوذ وأوراق القوة , ولن يخدم تحرر أوروبا وخروجها من القبضة الأمريكية , سوى بتأكيد وإعلان نفسها قوة قديمة – جديدة – مستمرة - مساوية للولايات المتحدة , والقوى العظمى الأخرى على الساحة الدولية , والتي قد تندفع نحو روسيا والصين والفلك الأوراسي لضمان مصالحها , وهذا سيضع بطبيعة الحال نقطة النهاية للهيمنة الأمريكية على العالم.

لا تجد الولايات المتحدة بديلاً عن سياسة فرق تسد , لمنع أوروبا من التحليق خارج الأقفاص الأمريكية , وتبحث دائماً عن إبقائها محاطة ومنشغلة بالتضخم والبطالة وبإرتفاع الأسعار والمشاركة في حروبٍ لا تعنيها, أو تلك التي تتضرر منها كالحرب على روسيا , التي تسببت فيها العقوبات المفروضة على روسيا , بإحداث شلل في قطاع الصناعة الأوروبي , وبتكبيد الشركات المنتجة مبالغ إضافية ترفع من تكاليف الإنتاج , نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة التي يحصلون عليها من الولايات المتحدة , وهكذا تنتقل الأموال الأوروبية الإضافية أيضاً إلى خزائن الولايات المتحدة.

لم تعتاد الولايات المتحدة على احترام مصالح الدول الأوروبية والإتحاد الأوروبي , ولم تنس أنه تحالفٌ لعدة دول عاشت في ظل الإحتلال العسكري والإقتصادي للولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم , وتبدو ماضية في سياسة ما يمكن وصفه بالـ "تدمير" الأمريكي لدول الإتحاد الأوروبي , عبر حرمانها من الطاقة الرخيصة , وسحقها اقتصادياً وإخضاعها سياسياً .

ومع دخول الصراع والحرب على روسيا عبر الساحة الأوكرانية شهره التاسع , ومع بداية فصل الشتاء , تقترب ساعة الحقيقة والتحدي الذي يواجهه الاتحاد الأوروبي لتلبية احتياجاته من الطاقة , وهو ينظر إلى موسكو التي تملك ما يحتاجونه , لولا العقوبات الأمريكية التي انخرطوا في تطبيقها وتفننوا في إبتداعها ... بات على الحكومات الأوروبية الإعتراف بتأثيرأخطائها على أمن الطاقة الأوروبي والعالمي , الأمر الذي يفرض عليها بذل الجهود المضاعفة للمساعدة في كبح أجندات الولايات المتحدة , وبقبول ولادة العالم الجديد متعدد الأقطاب . 

فإستمرار الحرب , سيكون سيئاً بالنسبة للأوروبيين , ومناسباً للولايات المتحدة التي تجني الأرباح , ولن يكون بمقدورهم سوى إنتظار وصول الغاز الروسي عبر تركيا.

وكي لا تتحرك أوروبا , دفعت إدارة بايدن موضوع التفاوض مع روسيا حول أوكرانيا , وسط غابةٍ من الاّراء والمقترحات والوصفات السخيفة , فمنهم من طالب بإنسحاب روسيا من الأراضي الأوكرانية قبل بدء التفاوض , ومنهم من يفكر بتقديم التنازلات , وبالإعتراف بضم المناطق الأربعة التي اختارت الإنضمام إلى روسيا بعد الاستفتاءات التي نظمتها موسكو, وهناك من يرفض ذلك ويريد عودة شبه جزيرة القرم أيضاً , ومن يقبل مبدأ التفاوض بعيداً عن التنازلات.. في وقتٍ قال فيه الوزير لافروف : بأن " روسيا لم تطالب بإجراء محادثات مع أوكرانيا".

عموماً , يبدو أن الغرب مستعد للمفاوضات من موقع القوة فقط ، والظهور بمظهر البطل الذي دافع عن استقلال أوكرانيا عن روسيا وبتأكيد إنتمائها إلى العالم الغربي , وسط مخاوف الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ من أن يؤدي التفاوض إلى إعلان إنتصار الرئيس بوتين , وعليه أكد بالأمس "ضرورة مواصلة تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا " , بمعنى أنه يفضل التفاوض تحت النار.

يبدو إعلان انتصار روسيا فكرةً صعبة للغاية , وقد رفضها الرئيس الأمريكي مؤخراً , بحضور ضيفه الرئيس الفرنسي , وأكد أنه :"لا يمكن السماح بها" , وسط أجواء اللقاء "الحميم" ووجبة الاّيس كريم التي تناولاها معاً , التي جعلتهما يعربا عن "تصميمهما لتحميل روسيا وبوتين مسؤولية الحرب على أوكرانيا" , كما ساعدت ماكرون على إقتراح إنشاء "محكمةٍ دولية" لمحاسبة روسيا .

من الواضح أن واشنطن وباريس , هما أبعد ما تكونا عن القبول بوقف الحرب والتفاوض لإحلال السلام , ومن خلال طرح التفاوض عبرالطرف الأوروبي المهزوم الذي يمثله ماكرون , والطرف الذ يمثله بايدن كـ جاني للأرباح والمستفيد الوحيد , وسط غياب الطروحات الجدية , والنوايا الحسنة , ويبدو أن الحديث عن المفاوضات حديثٌ إعلامي , طالما أنه لا يزال يقترن بإستمرار تسليح وتمويل قوات أوكرانيا النازية , وبسخافة طرح التفاوض تحت النار , وبإنشاء محكمة دولية لمقضاة ومحاسبة روسيا , ولكم أن تتخيلوا نوع المفاوضات يتحدثون عنها , بالتوازي مع بيان دول مجموعة السبع وأستراليا , الذي حدد سعر برميل النفط الروسي يـ 60 دولار , الأمر الذي رفضه الرئيس بوتين ، وأكد بشأنه نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك ، بأن :"موسكو لن تصدر النفط إلى دولٍ تضع سقفاً سعرياً , لا بـ 60 دولار للبرميل , ولا بأي تكلفة أخرى" , وبأن  بلاده ستعمل فقط مع أولئك "المستعدين للتعاون بشروط السوق".

المهندس: ميشيل كلاغاصي

3/12/2022

 

No comments:

Post a Comment