Monday, December 19, 2022

ألمانيا وفرنسا تتصدران مشهد إنشاء محكمة دولية لمحاسبة ومقاضاة روسيا- م. ميشيل كلاغاصي


مع نهاية شهر تشرين الثاني المنصرم , تحدثت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ، عن نية الإتحاد الأوروبي "إنشاء محكمة دولية خاصة مدعومة من الأمم المتحدة" ، بهدف التحقيق في "جرائم الحرب المحتملة التي ارتكبتها روسيا في أوكرانيا ومقاضاة مرتكبيها", وأكدت: بأننا "على استعداد لبدء العمل مع المجتمع الدولي للحصول على أوسع دعم دولي ممكن لهذه المحكمة", ولم تلبث أن تبعها الرئيس الفرنسي وخارجيته ونظام كييف , بترديد وتكرار تصريحاتها.

ومما يثير الإستغراب اندفاع رئيسة المفوضية وهي السياسية الألمانية , للإعلان عن الحزمة التاسعة من العقوبات على روسيا , بالتوازي مع إطلاق الحديث عن إنشاء هذه المحكمة لمقاضاة ومحاسبة روسيا , في وقتٍ لم تطرح فيه فكرة إنشاء محكمة خاصة لمحاسبة بلادها أولاً , وهي التي شاركت بجريمة إغتصاب لواء الإسكندرون السوري , وبتسهيل تسليمه لقوات الاحتلال التركي , ومشاركتها بالحرب على لبنان والعراق وأفغانستان وعشرات الحروب الأخرى , ناهيك عن مشاركتها العسكرية في الحرب على سورية , وبزياراتٍ متبادلة لوفود برلمانية وسياسية حزبية ألمانية وممثلي ما يسمى "مجلس الإدارة الذاتية الإنفصالي" , بالإضافة إلى مشاركتها القوية بتسليح وتمويل وتقديم كافة أشكال الدعم السياسي والإقتصادي والعسكري لحكومة النازيين الأوكران ... مالذي يدفع السيدة فون لاين لإظهار حماسها لإنشاء محكمة دولية خاصة ضد روسيا , وتتجاهل الجرائم التي ارتكبتها ألمانيا ضد الإنسانية , وأقله على مدى القرن الماضي , ولا زالت ترتكبها منذ عام 2014 ، كتفاً إلى كتف ودعماً للنازيين في أوكرانيا.

تبدو حماسة فون لاين , أشبه بحماسة كومبارس مبتدئ يصعد على المسرح للمرة الأولى , في عمل مسرحي خيالي وسخيف , من شأنه فقط الإستخفاف بعقول "المشاهدين" الأوروبيين تحديداً , وتعويلها على عدم إدراكهم حقيقة أن مجلس الأمن وحده المسؤول عن دعم الموافقة على إنشاء هكذا محكمة , وبأنه لا يملك فرصة تمرير هكذا قرار بوجود روسيا والصين على منصة الدول الخمسة دائمة العضوية , وسيكون حق الفيتو الروسي حاضراً , وربما الفيتو الروسي - الصيني المزدوج.

وفي حال إعتماد السيدة فون لاين على تصويت ودعم الجمعية العامة للأمم المتحدة ، فستفشل محاولتها قبل أن تبدا , لأن ميثاق الأمم المتحدة لم يمنح تصويت الجمعية العمومية القوة القانونية , ويعتبر بمثابة حبر على ورق , وإن حاولت حصد تأييد ما يسمى "المجتمع الدولي" عبر تأييد عددٍ كبير من الدول فعليها كالعادة اللجوء إلى استخدام الهيمنة والرشوة والتهديد , لإجبار الدول التي يسيطرون على قرارها , وإنتزاع تأييدهم.

من جهةٍ أخرى , لا يمكن لمجلس الأمن أن يقدم سوى "خدماته" العسكرية والإقتصادية , وبموجب فصله السابع ضد الدول التي تنتهك القانون الدولي , ولا يستطيع تقديم خدمات قضائية , إلاّ بتجاوز ميثاق ونظام وصلاحيات الأمم المتحدة , كما فعل عشية إنشاء المحكمتين الخاصتين بيوغوسلافيا ورواندا.

منذ أوائل التسعينيات وحتى اليوم , لم تتغير ذهنية وأهداف الأمريكيين , وهم أصحاب فكرة إنشاء المحاكم الدولية الخاصة ، معتمدين على الروايات والعناوين التي ابتدعوها لمحاسبة وملاحقة والتخلص من خصومهم وأعدائهم كـ "الكرامة" و"حقوق الإنسان" و "الإبادة الجماعية" و "الديمقراطية" , وتقوم بإستخدامها كسلاح دعائي إعلامي , لتشويه سمعة المستهدفين وشيطنتهم , هذا من جهة , ولحتمية قبلها من قبل الناس على أنها محاكم عادلة ومنصفة للدول والشعوب , في الوقت الذي لا ينظرون ويرون "النخر" في داخلها , وبأنها ما خُلقت إلاّ لتكون أداةً لتحقيق الأهداف السياسية للولايات المتحدة الأمريكية..

ومن باب الإنصاف لا بد من توجيه الإتهام بدعم فكرة إنشاء المحاكم الدولية , للدولة الألمانية أيضاً , وهي التي تشارك الولايات المتحدة بهذه الذهنية والسلوكية , وبإستخدامها طريقةً لتسريع تفكيك دول الأعداء , ناهيك عن تشويه سمعة قادتها , ولدعم تفكيكها السياسي والإقتصادي , على غرار ما فعلته ألمانيا ضد يوغوسلافيا , وتشكيل المحكمة الخاصة بها , بالإضافة إلى إنخراطها بكامل العدائية تجاه الدولة السورية , وبدعم الإنفصاليين وبتأييدهم سياسياً لإقامة "إدارةٍ ذاتية" في شرق البلاد , ناهيك عما تفعله اليوم ضد روسيا والإنخراط في مشروع تدمير إقتصادها وتفكيكها وتقسيمها. 

من الواضح أن السيدة فون لاين القابعة على رأس المفوضية الأوروبية , تسعى إلى جرّ دول الإتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا , على حساب دولهم ومصالحهم شعوبهم , للسير وراء مصالح وأهداف الولايات المتحدة السياسية , وبإستهداف الرئيس فلاديمير بوتين شخصياً , وتبدو من خلال إقتراحها وترويجها لإنشاء محكمةٍ دولية خاصة بروسيا , بدون دعمٍ قانوني - وأقله حتى اليوم - , كمن ينوب عن الإتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة , لإرساء قواعد الهيمنة العالمية والعالم الفاشي الجديد , من خلال محاكم تستخدم تلفيق لوائح الاتهام ، وإجراء محاكمات صورية ، والحرب الدعاية على روسيا وقيادتها وشعبها ، وبالمقابل التستر على جرائم دولتها الأم ألمانيا , وتبرير عدوانها وشركائها في القطيع الأوروبي , لخدمة المشروع الأمريكي ضد روسيا حالياً , ولاحقاً ضد الصين وسورية وإيران وفنزويلا واليمن وغير دول.

يالها من ذهنية واستراتيجية خبيثة لا أخلاقية مكشوفة , تستخدمها واشنطن وبروكسل والناتو , تحاول تشويه سمعة الرئيس بوتين وتصنيفه كمجرم حرب ، ومنعه من أية إمكانية للتفاوض وحل النزاع العسكري ، سواء مع الولايات المتحدة أو الإتحاد الأوروبي ، وجعل مفاوضات السلام مع أوكرانيا والغرب الأوروبي والأمريكي مستحيلةً تماماً , من خلال تبني مزيف لموقف نظام كييف "لا مفاوضات مع مجرم حرب" , والتي هي بالأساس إملاءات وشعارات خرجت من أدراج التاّمر الغربي على روسيا.

كم من السعادة والفرح غمرا قلب الرئيس بايدن مؤخراً , عندما استضاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون , وهو يدلي للصحفيين بعزم فرنسا على دعم فكرة إنشاء محكمةٍ دولية لمحاسبة ومقاضاة روسيا , لقد أسعد ماكرون قلب العجوز النائم "جو سليبي بايدن" , وبادله الاّخر بالمكافئة , وبحشد بعض الأمريكيين من المصفقين والمصافحين والهاتفين بحياة ماكرون , وبالصداقة العميقة , في مشهدٍ لم يحدث في فرنسا أصلاً , ولم ينل ماكرون من شعبه سوى صيحات الإستهجان ومطالبته بالرحيل , وصفعة قوية من أحد الشبان الفرنسيين.

أزعجت تصريحات الرئيس ماكرون وخارجيته الجانب الروسي , وهو الرئيس المنافق الذي حاول استمالتهم كاذباً , بالحديث عن "ضرورة مراعاة أوضاع الأمن القومي الروسي" , وأتاه الرد الروسي سريعاً , صبيحة 1 ديسمبر/كانون الأول , عبر رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الدوما الروسي ليونيد سلوتسكي بأن : "تصريحات وزارة الخارجية الفرنسية حول بدء العمل مع الأوروبيين والأوكرانيين لإنشاء محكمة خاصة للتحقيق في تصرفات روسيا في أوكرانيا ليس لها أساس قانوني , وتضمنت بعداً سياسياً" , وأشار إلى أنه وفي حال إنشاء هكذا محكمة : لا بد من "وقوف مجرمي الحرب الأوكرانيين ورعاتهم الأمريكيون في قفص الإتهام".

بات واضحاً أن روسيا وسورية وإيران والصين وعشرات الدول حول العالم , يواجهون الفاشية الأمريكية – الغربية الجديدة ووحشيتها وقبحها ، وبكونها لا تخجل من تاريخها وحاضرها , الذي استباحت ولا تزال تستبيح فيه سيادة عديد الدول والشعوب حول العالم بالعدوان والحصار وبسرقة الثروات الوطنية , وإن كان لا بد من إنشاء محاكم دولية خاصة , فلتكن لهؤلاء الأشرار , بدءأ من السيدة فون لاين وليس إنتهاءاً بقائد حلف الناتو وماكرون وشولتز والرئيس بايدن.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

10/12/2022

 

No comments:

Post a Comment