Saturday, December 17, 2022

شيءٌ ما قد تغير.. الأمم المتحدة تدعو الكيان الإسرائيلي إلى تدمير أسلحته النووية - م. ميشيل كلاغاصي


مؤخراً وفي نهاية أوكتوبر/تشرين الأول , صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يدعو سلطات الكيان الإسرائيلي الغاصب إلى تدمير ترسانتها النووية بالكامل , والسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة منشآتها النووية , وقد صوتت 152 دولة لصالح القرار ، وعارضته 4 دول هي كندا , ميكرونيزيا ، بالاو ، والولايات المتحدة , بالإضافة إلى سلطة الكيان , - وامتنعت 24 دولة أخرى عن التصويت ، بما فيها أعضاء الإتحاد الأوروبي .

وقبل الخوض في التفاصيل , نسأل عمن يعرف ميكرونيزيا أو بالاو , ومن لا يعرف أن الرئيس والحاكم الرسمي لكندا هو ملك بريطانيا "العظمى" ، وبأن معارضة هذه الدول للقرار لا تعدو أكثر من سلوك العبيد تجاه أسيادهم , ويبدو من المهم ملاحظة عدد الدول التي صوتت بمسؤولية لصالح القرار , من خلال إدراكها الخطر الكبير الذي تشكله سلطة الكيان الغاصب بأسلحتها النووية والسرية ، بالإضافة لتربع "الحمقى" على سدة قرارها - بحسب توصيف سماحة السيد حسن نصر الله.

وتنص وثيقة القرار على أن "إسرائيل" هي الوحيدة في منطقة غرب آسيا , وواحدة من القلائل في الأمم المتحدة , التي لم توقع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية , ويعكس التأييد الكبير للقرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك , حقيقة مخاوف تلك الدول من كون الكيان الإسرائيلي يشكل تهديداً نووياً خصوصاً في عموم منطقة غرب آسيا , بالإضافة إلى سلوكياتها ووحشيتها , الواضحة والمعروفة في العدوان المباشر على فلسطين المحتلة , وغالبية دول الجوار الفلسطيني , وبشكلٍ غير مباشر على عديد الدول بما فيها تلك التي تبعد عنها اّلاف الأميال , ما يجعل منها "مصدراً استثنائياً لعدم الإستقرار إنطلاقاً من الشرق الأوسط  الذي يقع في قلب العالم.

وجدد القرار التأكيد على أهمية انضمام "إسرائيل" إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية , وإخضاع جميع منشآتها النووية لضمانات شاملة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية , كإجراء مهم "لبناء الثقة وكخطوة نحو تعزيز السلام والأمن " , والإلتزام بالمعاهدة , دون المزيد من التأخير ، وعدم تطوير أو إنتاج أو اختبار أو الحصول على أسلحة نووية بطريقة أخرى ، والتخلي عن حيازة الأسلحة النووية.  

كم يبدو عليه الأمر من وقاحة ونفاق , عندما استهدف العدو الإسرائيلي في سبتمبر/أيلول عام 2007 , بعض المنشاّت في سورية تحت ذريعة أنها بنى تحتية لمواقع نووية , ومزاعم امتلاكها برنامجاً سرياً لإنتاج "قنبلةٍ نووية" بحسب الإدعاءات الكاذبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود أولمرت , وعدم وجود أي جهةٍ استطاعت تأكيد ومساندة كيان العدو بهذا الادعاء المزيف.

ناهيك عن البروباغاندا والهستيريا الغربية - الإسرائيلية الشرسة , التي تستهدف ومنذ عقود , البرنامج الإيراني النووي السلمي , والذي أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية سلميته مراراً وتكراراً في تقاريرها عبر السنوات , ولا تزال حتى اليوم تسعى إلى عرقلة العودة إلى الاتفاق "خطة العمل الشاملة المشتركة", على الرغم من حاجة الغرب والولايات المتحدة إليه , وتبني أكاذيبها على أساس إقتراب إيران من نفس الذريعة , ألا وهي "تصنيع القنبلة النووية".

لا نقدم جديداً إذ تحدثنا عن إمتلاك الكيان الإسرائيلي , أسلحة الدمار الشامل , وإنفاقه مبالغ ضخمة على الإحتياجات العسكرية التقليدية , واستمراره بتهديد السلام والأمن في المنطقة وخارجها , من خلال ترسانته الكبيرة من الأسلحة المتطورة , وبحسب التقارير الإعلامية التي تتحدث عن المساعدات الخارجية , تبدو سلطات الكيان الغاصب أكبر متلقي للمساعدات الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية حتى اليوم , وبما يفوق ما تتلقاه أوكرانيا حالياً من واشنطن وبروكسل والناتو , وبشكل مباشر من عدة دول أوروبية , وتركيا , و"إسرائيل".

لا يقتصر الحديث على التهديد الإسرائيلي نتيجة إمتلاكه الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى فقط ، بل يتعداه إلى الكيفية التي يتخلص عبرها من نفاياته النووية والمشعة في أراضي الضفة الغربية المحتلة , وعلى مدى السنوات الأخيرة , نشرت الصحف الفلسطينية والعربية العديد من التقارير, التي تتحدث عن القلق البالغ والمتزايد , نتيجة ارتفاع معدلات إصابة فلسطينيّ الضفة الغربية , بمختلف أنواع الأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية , بعدما حولت السلطات الإسرائيلية البلدات والقرى الفلسطينية إلى مكباتٍ لنفاياتها النووية والمشعة , وقيام رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية عام 2021 بإتهام العدو الإسرائيلي بإلقاء نفايات نووية خطرة ، كالنفط المحروق ، والنفايات الكيماوية والإلكترونية ، وغيرها في الأراضي الفلسطينية , وأكد بالإضافة إلى تضرر عناصر البيئة الفلسطينية , إصابة 6251 مريضاً بالسرطان , مؤكداً حقيقة استخدام سلطات العدو الأراضي المحتلة كمكب للنفايات النووية.

وتجدر الإشارة إلى ما تتحدث به وسائل الإعلام , وبحسب الخبراء , أن "إسرائيل" تمتلك عدداً لا يستهان به من الرؤوس النووية , وقد رفضت مراراً تفتيش منشاّتها النووية العسكرية , ناهيك عن رفضها التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي , ومع ذلك تحظى برعايةٍ وحمايةٍ أمريكية , تضمن من خلالها استمرار عربدتها وقفزها على القوانين الدولية .  

من الواضح أن شيئاً ما قد تغير في السياسات الدولية لغالبية دول العالم , بعدما خاضت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة , وصولاً إلى إنهيار الإتحاد السوفيتي السابق , ومرحلة التفرد الأمريكي بالهيمنة على العالم , الأمر الذي دفع غالبية الدول للسير في الفلك الأمريكي , وأقله وراء السياسة الخارجية للولايات المتحدة .

 ومع ما يحصل اليوم في أوكرانيا , وانكشاف حقيقة الوجه الأمريكي - الصهيوني , والهزائم المتتالية لمشروعه الخبيث في روسيا وسورية وإيران وكوريا الشمالية والصين وفنزويلا وغالبية دول "حديقتها الخلفية" كالبرازيل وعديد الدول اللاتينية , يفسر عدد الكبير الدول التي صوتت لصالح قرار الجمعية العمومية ضد سلطات الكيان الغاصب , والذي يشكل في حقيقته تصويتاً ضد الولايات المتحدة.

وبات واضحاً ميل تلك الدول العمل وفق مصالحها الوطنية , والإبتعاد أكثر فأكثر عن إملاءات الولايات المتحدة وهيمنتها وتهديداتها , فالمشروع الدولي المتعدد الأقطاب بدأ يهز ركائز النظام الأحادي , وقد أعلن عن أهدافه صراحةً , بكسر الهيمنة الأمريكية , وبتصحيح مسار الأمم المتحدة , لتعود بحسب ما أنيط بها من مهام وواجبات وأدوار استدعت نشوؤها وتأسيسها , وبشكلٍ رئيسي الحفاظ على السلم والأمن والإستقرار الدوليين , وضرورة إمتثال الدول الأعضاء بكافة مواثيق وقواعد وقوانين الأمم المتحدة.

على الرغم من صعوبة الرهان في الوقت الحالي , على نقل نتائج التصويت غير الملزمة , من الجمعية العمومية إلى مجلس الأمن , إلاّ أنه يمكن الرهان على الشرخ الكبير داخل المجتمع الأمريكي , وكذلك داخل مجتمع الإستيطان الإسرائيلي المؤقت , بالإضافة إلى سقوط الروايتين الأمريكية والإسرائيلية حول العالم , واللتان تعتبران من أهم الأساسات التي قامت عليها الإمبراطورية الأمريكية والدولة المزعومة للكيان الإسرائيلي الغاصب , ولم تعد الولايات المتحدة قادرة على إقناع أحداً بـ "الديمقراطية والقيم الأمريكية" المزيفتان , كذلك لم يعد الكيان الغاصب قادراً على تجييش العالم ضد "الرهاب الفلسطيني" , وبات واضحاً أن العلم الفلسطيني يُرفع على كامل مساحة العالم , وفي كل المحافل والمناسبات الدولية , ناهيك عن مشاركة الملايين حول العالم , ومن كافة الدول والجنسيات , في التظاهرات المنددة بالإحتلال والممارسات الإسرائيلية الوحشية بحق الفلسطينين والأراضي العربية المحتلة , وبالقفز الإسرائيلي على القوانين الدولية , ومحاولات الإفلات الدائم من العقاب.

وبات الإصرار على إنهاء عصر الهيمنة الصهيو - أمريكية , والقطبية الأحادية , مطلباً جدياً لغالبية دول العالم , وتُخاض لأجله الصراعات والحروب في عدة ساحات , وعلى رأسها الصراع الدائر في أوكرانيا , والذي تقوده روسيا الإتحادية , بدعمٍ كلي من الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وإيران وسورية وفنزويلا وعشرات الدول حول العالم.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

19/11/2022

 

No comments:

Post a Comment