Wednesday, October 27, 2021

إردوغان .. طرد السفراء بعضُ الصراخ والكثير من الندم - م. ميشيل كلاغاصي


من دون مقدمات وجدت تركيا نفسها على حافة صراع حاد مع الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وعدة دول غربية أخرى , بعدما تجاهل الرئيس التركي نصيحة وزارة خارجيته , وطالب بطرد سفراء هذه الدول من البلاد ... ويبقى السؤال , هل ستحول أنقرة أقوالها إلى الأفعال ، أم هي مهزلة جديدة للزعيم التركي , وأرجحةً إضافية ما بين غزل تلك الدول واستفزازها ؟

إن قرار الرئيس التركي بطرد سفراء عشر دول غربية من البلاد (ألمانيا والسويد والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وفنلندا والدنمارك والنرويج وهولندا وكندا ونيوزيلندا) , أتى على خلفية مطالبة البعثات الدبلوماسية لهذه الدول في 18 أكتوبر/ تشرين الأول السلطات التركية الإفراج الفوري عن الناشط السياسي عثمان كافالا المتهم بالمشاركة في محاولة انقلاب عام 2016 ,  فبعد مرور أربع سنوات على اعتقاله , وبعد أن تمت تبرئته , عادت المحكمة المعنية في تركيا بإصدار مذكرة توقيف جديدة بحقه.

ومما عرف عن عثمان كافالا دعمه للأقليات الدينية والعرقية ، ودعواته إلى إيجاد حل سلمي للقضية الكردية وللمصالحة مع أرمينيا أيضاً ... وقد وصفت البعثات الدبلوماسية للدول الغربية المحاكمة الجديدة بأنها "وصمة عار على الديمقراطية وسيادة القانون وشفافية النظام القضائي التركي".

لقد أثارت تلك المطالبة غضب الرئيس التركي , ودفعته – كعادته - لإستعراض عضلات حباله الصوتية وعنجهيته , وكلماته العشوائية القاسية أمام جمهور حاشد السبت الماضي في مدينة أسكيشهير التركية :" عشر سفراء يأتون من أجله إلى وزارة الخارجية، يا لها من وقاحة! ماذا تعتقدون هذا المكان ؟ هذه تركيا المجيدة" , "لا يمكنم المجيء إلى هنا وإعطاء تعليمات لوزارة الخارجية، لقد أعطيت تعليماتي لوزير خارجيتي وسيتعامل معكم كشخصيات غير مرغوب فيها , وفي اليوم الذي لا تفهمون فيه ذلك، ستغادرون"... وعلى الرغم من أوامره بطردهم إلا أن الخارجية التركية استدعت السفراء المعنيين وذكّرتهم بضرورة مراعاة اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية , دون أن تدلي بتعليقاتٍ أخرى. 

في الوقت الذي أكدت وزارة الخارجية الألمانية إنها تجري مشاوراتها بهذا الشأن مع تسع دول أخرى , تحدثت الخارجية الأمريكية بإنها تتوقع توضيحاً من وزارة الخارجية التركية , وحتى اللحظة لم تُصدر الدول العشر موقفاً أو بياناً حول الموضوع .. في الوقت الذي تتحدث فيه أوساط إعلامية عن الجهود التي بذلتها الخارجية التركية لثني الرئيس التركي عن إعلان السفراء أشخاصاً غير مرغوب بهم , وحتى اليوم - بعد مضي أربعة أيام - لم يتلق السفراء إخطارات ترحيل من السلطات التركية.

من المؤكد أنه في حال طردت الخارجية التركية هؤلاء الدبلوماسيين بما فيهم سفراء الولايات المتحدة وألمانيا ، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين أنقرة وتلك العواصم  التي لن يكون بمقدورها تقبلها بدون ردود أفعال قد تحمل في حدها الأدنى إجراءاتٍ انتقامية مماثلة تفضي إلى طرد الدبلوماسيين الأتراك من تلك الدول , وإن لم يتم إحتواء الأمر فقد يأخذ شكل الصراع  ويصل إلى القطيعة السياسية بين تركيا والعالم الغربي وعلى الأرجح ستنتقل إلى المستوى الاقتصادي , وتلجأ الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي إلى العقوبات لإعادة أردوغان إلى رشده وحجمه .. ويُخشى أن يكون إردوغان قد دق مسماراً جديداً في نعش رحيله كمطلبٍ داخلي وخارجي . 

من خلال تاريخ واسلوب الرئيس التركي في الأزمات , أنه لا يملك حرجاً في التراجع والإنصياع أمام الدول الكبرى , وسبق له أن تراجع أمام الأمريكيين والروس مراراً , خصوصاً أنه يتكئ على إقتصاد هش , وليرة تركية تنهار في لحظات , كما انهارت أمام تغريدة للرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب .. كذلك لا يملك حرجاً في تقبل إهانات بايدن الذي رفض استقباله لأشهر بعد فوزه ودخوله البيت الأبيض , كذلك في إهانته وانتظاره على باب الرئيس بوتين , ولا يستغرب المراقبون فيما لو خرج بتصريح ينسف فيه نفسه وأوامره بطرد السفراء , فقد اعتاد العالم على تصريحاته القاسية والتي تبقى في خانة الأقوال دون أن تتحول إلى أفعال.  

كم سيبدو إردوغان غبياً فيما لو أطاح بعلاقات تركيا الوثيقة مع الغرب , وبكونها الدولة الهامة في حلف شمال الأطلسي , والجزء الرئيسي من اّلته الحربية , ناهيك عن إرتباطها السياسي والاقتصادي والتجاري والعسكري مع الغرب... بالتأكيد لن يضحي بكل هذا مقابل تصاريح دبلوماسية لا تقدم ولا تؤخر , وأقصى ما يمكنه تسجيله في هذا الملف بعضٌ من الصراخ وقليلٌ من المغازلة وكثيراً من الندم لاحقاً .

لا يمكن أن تكون أسباب الصراع الدبلوماسي بين أردوغان والغرب سياسة خارجية فحسب ، بل اقتصادية أيضاً , يعكسها حال التضخم وارتفاع الأسعار والمزيد من إنهيار قيمة الليرة التركية أمام الدولار بشكل غير مسبوق وانخفاض الناتج المحلي , وهي أمورٌ بمجملها ستؤدي إلى عزلة الإقتصاد التركي , الذي لطالما اعتبر الرئيس إردوغان  أن النمو الإقتصادي من أهم إنجازاته .. وعليه تبدو أزمة طرد السفراء فصل جديد من فصول تحويل انتباه الناخب التركي عبر شد العصبية القومية والدينية , نحو المشاكل الخارجية.

لا يمكن تصوير أزمة طرد السفراء سوى على أنها مسرحية هزلية , بطلها ومخرجها والمهزوم فيها هو الرئيس التركي , الذي أبى وأن تنتهي المسرحية بشكلٍ دراماتيكي , وأرادها نهاية سعيدة , وأعلن تراجعه عن قرار طرد السفراء , بحسب صحيفة  نيويورك تايمز الأمريكية ، بعد تأكيدهم عدم التدخل في شؤون تركيا مجدداً.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

25/20/2021


 

Sunday, October 24, 2021

المزيج الإيديولوجي العثماني في خدمة تحالفات ومشاريع تركيا الجديدة - م. ميشيل كلاغاصي


كشفت السنوات الطويلة لوجود رجب طيب إردوغان في مواقع السلطة المختلفة , أنه الرجل النموذج للسلطان التائه وربما الطائش والمغامر الذي لطالما اعتمد على سياسة متهورة لم تستطع زرع بذور الثقة مع جميع الدول التي تعامل معها سواء على جبهات الخصام والعداء أو على مستوى الصداقة والتعاون طويل الأمد وصولاً إلى العلاقات الإستراتيجية , كما راهن على تعقل الخصوم وربما على دقة حسابات الاّخرين أكثر مما راهن على سياسة تركية متزنة مستقرة تجلب الإزدهار والإستقرار لبلاده وما حولها , وتستحق إحترام الاّخرين وتحوز على ثقتهم , فكانت سياسة الأرجحة والغدر والتراجع عن الإلتزامات لعبته المفضلة والتي دعاها سياسةً خارجية , وقد مارس من خلالها أسوأ الأدوار التي أوكلته بها تحالفاته الأطلسية والإسرائيلية والمافيوية الإرهابية.

ولطالما كانت أعمدة سياساته الخشنة تعتمد على روايتين أساسيتين , الأولى تنطلق من رحم التاريخ البائد لأسلافه السلاطين , وفي صلبها الإعتماد على مزيج إيدولوجي جمع الرواية الدينية والعرقية والإثنية والثقافية واللغوية , وما إعتبره العنصر التركي عموماً على أنها حقوق وصكوك ملكية تتجاوز الحدود الحالية وتتحرك وفق حدود الإمبراطورية العثمانية , أما الثانية فتتمثل بروايات الأمن القومي التركي المضخمة والتي يستغلها لإرسال جنوده إلى أميال وأميال بحثاً عن تحالفات قديمة – جديدة , تؤمن له النفوذ اللازم لتحقيق الأهداف الخيالية بالنسبة لحجم تركيا ودورها في المنطقة والعالم .

فكانت الخلافات والتوتر والتصعيد والتحركات العسكرية عناوين دائمة للسياسة التركية – الإردوغانية , والتي قادته يوماً إلى إعلان تصفير المشاكل , لكن سرعان ما عاد ليضع نفسه شريكاً للفوضى والإرهاب , وأداةً مناسبة في خدمة سوق النخاسة الأمريكي ,وشوكةً في خاصرة دول المحيط الجغرافي والحيوي للدولة التركية .

لم يتوقف بحثه عن التحالفات الجديدة , في ظل إنكشاف حقيقة الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تؤمن بالحلفاء أو الشركاء وتبحث عن الأدوات والعبيد فقط , بالتوازي مع فشل السياسة الأمريكية وانهيار مصداقيتها وتراجع دور الإتحاد الأوروبي وضعفه وتبعيته المطلقة للولايات المتحدة ، سارع الرئيس التركي إردوغان إلى البحث عن بناء تحالف عريض من القوات الموالية لتركيا في آسيا الوسطى والبحر الأبيض المتوسط وأفريقيا وغيرها.

لقد تطلب منه البحث عن تعزيز النفوذ التركي في آسيا الوسطى ، إحياءاً وترويجاً للمزيج الإيديولوجي العثماني – الإردوغاني , في إطار الحضارة التركية , مستهدفاً الأيديولوجية التي سادت دول اّسيا الوسطى لعقود وقرون , ولعبت فيها المواجهة بين الأديان وكافة الرموز والقيم الثقافية دوراً كبيراً في الصراعات والتحولات التي شهدتها تلك الدول , وفي هذا الإطار لم يوفر إردوغان تصريحاً وموقفاً إعلامياً يعزز ترويجه الإعلامي للمزيج الإيديولوجي , واقتبس بتاريخ 22/10/2021 في رسالته إلى الندوة التي ينظمها مركز الأبحاث الإجتماعية والإقتصادية في جامعة حجي بيرم ولي في إسطنبول , عن رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان مقولته الشهيرة : "مسلمون لا يهتمون بالسياسة ، سيُحكمون من قبل سياسيين لا يهتمون بالمسلمين".

وعليه .. بدا واضحاً تركيز السياسة التركية ونشاطها لإخضاع دول العالم التركي والإمبراطورية العثمانية السابقة لسيطرتها من خلال "القوة الناعمة" ونوعية التعليم في الجامعات التركية في تركيا وخارجها , وإظهاره إهتماماً كبيراً بالذكرى الثلاثين لإستقلال ما سمي بـ دول العالم التركي والمجلس التركي : أوزبكستان وقيرغيزستان وكازاخستان وأذربيجان وحتى تركمانستان ، كذلك في رومانيا وهنغاريا , حيث تمت مناقشة الوضع في أفغانستان في إطار محاولات تركيا للعب دورٍ حاسم هناك , وقال وزير الخارجية التركي : "هناك ملايين من الأتراك يعيشون في أفغانستان التي تهمنا بشكل مباشر". كما أكد أن الإجتماع يشهد على تنامي سلطة المجلس التركي على الساحة الدولية , كذلك ومن خلال الإستراتيجية ذاتها , أكد قبل أيام وزير الدفاع التركي لـ موقع RT: "أن محافظة إدلب مهمة لنا". 

لا شك أن الوضع في أفغانستان يشكل عامل إهتمام عديد الدول وليس تركيا فقط , لكن الغموض يحيط بنوايا تركيا وعلاقتها بـ "المجلس التركي" , ومدى إهتمامها بالحصول من خلاله على احتياطيات المعادن النادرة في أفغانستان , كذلك الذهب والنحاس وخام الحديد وحتى النفط , ناهيك عن طموحات الرئيس التركي بتمديد نفوذه في البلقان , وأفريقيا ، والشرق الأوسط ، وما وراء القوقاز ، وآسيا الوسطى .. لذلك يعول على استغلال المجلس التركي ، لإعادة نموذج التوزان الذي كان سائداً أيام الإمبراطورية , عبر ترويج عمل المجلس التركي كمشروع ثقافي وتاريخي , وتحويله إلى "منظمة دولية" – بحسب الرئيس التركي , على غرار الإتحاد الأوروبي.

المهندس : ميشيل كلاغاصي

24/10/2021