Saturday, June 27, 2020

إنقاذ أمريكا من أمريكا طوق نجاةٍ للعالم وتأجيلٌ للحرب العالمية الثالثة - م.ميشيل كلاغاصي


في الوقت الذي اعتقد فيه الكثيرون بحتمية وقوع الحرب العالمية الثالثة، وجدت البشرية نفسها فجأة تقاتل عدوا ًغير مرئي, واّخر يختلف بلون بشرته عمن يسمون أنفسهم "البيض".
إن استمرار تصاعد أعداد المصابين بالفيروس بما يتجاوز العشرة ملايين إنسان حول العالم, يضع إشارة الإستفهام حول عدم إيجاد اللقاح "المنقذ" حتى الاّن, في الوقت الذي تتكرر في جرائم القتل العنصرية بعد مقتل جورج فلويد على يد رجال الشرطة.. الأمر الذي يطرح السؤال عن العدد النهائي المطلوب لوقف إنتشار الفيروس والبدء بمحاصرته والقضاء عليه, وعن مدى التسخين والفوضى الذي لم يحققه مقتل فلويد, مما استدعى استمرار الجرائم المماثلة للوصول إلى معدل الفوضى والإحتقان المطلوب.
لا يمكن التكهن حول ماهية "جنود" الفيروس غير المرئي, رغم الإتهامات السياسية المتبادلة بين عديد الدول, ولا يمكن الإعتماد فقط على النسب الأعلى للإصابة في بعض الدول لإعتبارها دولا ً مستهدفة من أعدائها المعروفين, فالأمر مرتبط بعشرات الإحتمالات, وبترهل أو فساد أو ضعف النظام الصحي للدول, ومدى جدية وسرعة ونجاعة أساليب المواجهة الطبية التي اتبعت فيها.
وفي جميع الأحوال, يمكن إعتبار أن ما يمر به العالم حاليا ً من صراعات جدية ومباشرة , بأنه فصل من الفصول التمهيدية للحرب العالمية الثالثة، فيما تستمر المنافسة للسيطرة على العالم بين عدة دول, وهذا ليس إتهاما ً, ويمكن الإعتماد على من جاهر وأعلن هذا الهدف.
فقد أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش بعد أحداث 11/9 إنطلاق حروب بلاده للسيطرة على العالم, مستفيدا ً من إنهيار الإتحاد السوفيتي السابق, وخضوع غالبية دول القارة العجوز للهيمنة الأمريكية, فكانت الحرب على العراق وتدميره بوابة هبوب رياح الربيع العربي, الذي منح المشروع الصهيو – أمريكي إمكانية مهاجمة روسيا وإيران والصين إنطلاقا ً من مركز العالم والمجال الحيوي لكل منهم, ومنحه إمكانية الإقتراب أكثر فأكثر من دول الشرق الأقصى والهندي, ومحاصرة بعض الدول المتمردة في القارة اللاتينية.
لكن تعثر المشروع كشف نقاط الضعف للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي, وساهم في ظهور قوى عظمى جديدة كالصين وروسيا، وبات على الجميع الإعتراف بالمشهد الدولي الجديد وبعالمٍ متعدد الأقطاب, لن تكون فيه الولايات المتحدة السيد الأوحد وشرطي العالم, الأمر الذي دفعها لإستخدام سلاح العقوبات الأحادية والحصار واستبدال حروبها العسكرية بالحروب التجارية والإقتصادية, على وقع فوضى الفيروس التاجي, وفوضى العنصرية, وعشرات الصراعات الثنائية من سوريا إلى ليبيا وتركيا واليونان ولبنان ومصر ودول الخليج العربي وإثيوبيا والسودان والهند وباكستان وإيران وأمريكا والكوريتين ...إلخ, على وقع فوضى إنسحابها من عديد الإتفاقات الدولية مع روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا , ناهيك عن إحداث شرخ في بنية حلف الناتو, وبعلاقاتها مع ألمانيا وبتقاربها من بولندا بوجه روسيا....إلخ.
ومع ظهور وتفشي جائحة الفيروس التاجي, تضاعفت سرعة تغيير المشهد السياسي العالمي, وبدأت عديد دول الإتحاد الأوروبي تتجه شرقا ً للبحث عن تحالفاتٍ جديدة, فقد منحتهم فوضى السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية الفرصة للتخلص من سطوتها وهيمنتها, ومنحت الروس والصينين الفرصة لتقديم أنفسهم كبديل موثوق.
يمكن رفض هذا المنطق, لكن على أحدهم أن يقدم التفسير للظهور المفاجئ للكورونا, ولإرتكاب جريمة خنق فلويد أمام عدسات الكاميرات, خلال ما يزيد عن ثمانية دقائق, ارتكبها صديقه الشرطي الأبيض .. ومالذي يعنيه تفجير الشارع الأمريكي اليوم بين البيض والملونين حصريا ً, من يستطيع تفسير العنف الذي يمارسه البيض والتكسير والتخريب وحمل السلاح والترويج للحرب الأهلية هناك.
من هم البيض, ومن يقودهم, وماذا يريدون ..؟ يجدر بنا أن نحيل هذه الأسئلة للرئيس دونالد ترامب الذي أعلنها صراحة "أنا رجل أبيض", وهلل له سفاح نيوزلندا "برينتون تارانت" قبل عام, ووصفه بأنه "رمزٌ للهوية البيضاء المتجددة والهدف المشترك", وارتكب جريمة المسجدين في كرايست تشيرتش, وترك كُتيبا ًهاما ً, أجاب من خلاله على كافة الأسئلة التي طرحناها وتلك التي تجول في أذهانكم.
فقد وجه رسائله إلى الولايات المتحدة الأمريكية كممثل للجنس الأبيض الذي أسس أمريكا, ولتركيا الدولة الحالية كممثل لدولة الخلافة العثمانية, ورسائل خاصة لمن دعاهم بالأوروبيين البيض... وأسهب الشرح حول "القومية البيضاء"، "الإستبدال العظيم"، و"الإبادة الجماعية الكبرى"، رافضا ً لنظرية "الإنصهار"، والتعددية والديمقراطية الأمريكية، وقارب هذه الملفات، من خلال مسارين الأول عرقي عنصري إنتقامي، والثاني ديني متطرف بحت...وكان واضحا ً بتعريف البيض وبأنهم الشعب الأوروبي الحقيقي في أوروبا وحيث وطأت أقدامهم ( على سبيل المثال , في البرازيل والأرجنتين واستراليا ونيوزيلندا ).
وعبّر عن خشيتهم من"الاستبدال العظيم" للغالبية البيضاء بغيرهم من السود والمهاجرين والأقليات ... هذه النظرية التي يتجمع حولها اليمين المتطرف في عموم أوروبا, ويجد أصحابها أن الهجرات الجماعية ستؤدي إلى صدامٍ مباشر, وأنها شكلٌ من أشكال "استعمار أوروبا"... هل يستطيع أحدكم تحديد عدد "البيض", وتقييم توجهاتهم الإيديولوجية القومية المصبوغة بالعنصرية والكراهية وميلهم للعنف والإجرام ؟.
 ماذا عن تركيا ممثل دولة الخلافة ... فقد توعد "تارانت الأبيض" إسطنبول وماّذنها ومساجدها, وطالب الدولة والشعب التركي بالعودة إلى الأراضي التي أتوا منها, وألاّ يتخطوا أراضي شرق البوسفور والإستيطان فيه وإلاّ "فسيُقتلون" ... وأراد إخراجها من الناتو و"إعادتها إلى مكانتها الطبيعية كقوة غريبة ومعادية", واستحضر الحروب التي خاضتها الدولة العثمانية تحت عنوان ديني دفعتها لتخطي حدودها واحتلال أراضي الأوروبيين البيض, واستجلبت بشر غرباء بالعرق والدين, وارتكبت الجرائم وسفكت دماء الأوروبيين البيض , ولم ينس أن يطالب بقتل أردوغان الذي قدم نفسه كقائد إسلامي وكزعيمٍ إرهابي لكافة التنظيمات المتوحشة كداعش والنصرة والإخوان المسلمين... ناهيك عما يقوم به من دفعٍ للموجات البشرية وللغرباء نحو أوروبا "بلاد البيض", الأمر الذي يعزز تحقيق غايات وأهداف نظرية "الإستبدال العظيم".
من الواضح أن ترامب كرئيس أبيض، لا يتحدث عن عشرات المجازر العنصرية التي قام بها أجدادهم, في أوروبا وأفريقيا وأمريكا, وبأنهم طبقوا "الإستبدال العظيم" على عشرات الشعوب والأمم, وجلبوا البشر عنوة ً ليعبروا "حدود البيض", وأسسوا على أكتافهم مملكة الشرّ الساعية للسيطرة على العالم.
لا يمكن التمييز بين كلام تارانت وترامب فكلاهما من البيض, ويتحدثان عن "الإبادة الجماعية الكبرى"، ولطاما وقف ترامب إلى جانب الكيان الصهيوني الغاصب, واتخذ عشرات القرارات التي تعزز بقائهم وتوسعهم وإستخدامهم لمئات اّلاف الأفارقة والأقليات، للوصول إلى "الإستبدال العظيم" في فلسطين المحتلة.
وعلى الرغم من إطلاق ترامب لبعض التصريحات "المهدئة" للسود والأقليات , إلا أنه ممن يعارضون فكرة "الإنصهار" ويبحث في مكنوناته العنصرية عن "الديمقراطية والحرية - البيضاء", فقد وصف المتظاهرين بأبشع الألفاظ والنعوت وتوعدهم بدفع الثمن.  
خاتمة....لا يمكن تفادي الحرب العالمية الثالثة التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على العالم, ولا بد للثور الأبيض أن يهدأ من تلقائه, فبذور الفتن التي زرعتها الويات المتحدة, وتعويلها على النزعات العنصرية والدينية والعرقية والقومية على كامل مساحة العالم, وقيادتها لمئات اّلاف المتطرفين والإرهابيين, يجعل العالم قلقا ًوخائفا ً, وربما يقدم لها العقلاء - الكبار بعضا ًمن أهدافها ليكون طوق نجاةٍ للعالم قبل أن يكون طوقا ً لنجاتها, ليحصل العالم على فرصة تأجيل الحرب العالمية الثالثة, وإخماد حرائق الـ"كورونا" والعنصرية البغيضة, وبعض الحروب الساخنة في العالم.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
27 / 6 / 2020

Friday, June 19, 2020

أمريكا تُهزم في سوريا وتلعب اّخر أوراقها لتدمير الدولة السورية - م.ميشيل كلاغاصي



لطالما كانت أفعال الولايات المتحدة في سوريا تدل على أهدافها, بعيدا ًعن أجنداتها الإعلامية, وتصريحات مسؤولييها التي تحمل الكثير من العنجهية والنفاق والقليل من الصدق, ولا يمكن البناء على أفعالها المرئية والمعلنة فقط, ولا بد من دراستها وتحليلها واستشراف ما أمكن من أهدافها المباشرة أو غير المباشرة , وربطها بتاريخها وبسياساتها الثابتة تجاه الدولة السورية بحسب موقعها الجيوسياسي في الفضاء الدولي والإقليمي والمحلي, وبالتالي يمكن للأشخاص العاديين الوصول وببساطة إلى الأهداف الحقيقية التي تسعى إلى تحقيقها دولة كبرى وعظمى كالولايات المتحدة الأمريكية في سوريا , فلا يقعون في فخ تكرار ما يردده الساسة الأمريكيون وماكيناتهم الإعلامية الضخمة, التي استطاعت أن تقدم لشعبها وللعالم عشرات الأهداف المعلنة لسياستها تجاه الدولة والشعب السوري بالطريقة والإسلوب الذي يضمن كل التعمية عن أهدافها الحقيقية.
فمنذ بداية الحرب على سوريا, مارست القيادة بتسخين الأرض من وراء الستار, وأطلقت أيادي وسكاكين تنظيمتها الإرهابية واعتبرتهم "ثوار", ثم حلقت في الأجواء السورية وتحالفها الستيني, وهبطت لاحقا ً على الأرض وأقامت عشرات القواعد العسكرية لمنع تطور الإنتصارات العسكرية للقوات السورية والإيرانية ومحور المقاومة مجتمعا ًوللحليف الروسي, وقتلت اّلاف السوريين وأطلقت قنابل الفوسفور الأبيض واحتلت ودمرت مدينة الرقة بالكامل, وأطلقت عناوين تغيير النظام, ورسمت لدمشق "الخطوط الحمراء" عبر إدعاءاتها المزيفة لإستخدام السلاح الكيماوي, وأطلقت عشرات صواريخ الكروز والتوماهوك على المواقع السورية العسكرية والمدنية.
واحتلت شرق البلاد من أقصى نقطة في شماله إلى أقصاها في جنوبه, وعملت على منع إلتقاء الجيشين السوري والعراقي والمقاومة العراقية في الحشد الشعبي , كما سيطرت على المثلث السوري – الأردني – العراقي, ودعمت قواعدها في التنف وأحاطت قواتها بحزام إرهابي, أرادت السيطرة على الطريق الصحراوي وصولا ً إلى الحدود اللبنانية لمحاصرة العاصمة دمشق وإسقاطها.
ومع هزائمها العسكرية, استمالت بعض المكونات السورية في الشرق وعلى رأسهم بعض الكرد, وأنشئت ما دعته "قوات سوريا الديمقراطية" وعززت ولائهم بتأييد أحلامهم الإنفصالية, وأقحمت القوات التركية شمالا ً وعززت أحلام أردوغان العثمانية – الإخوانية في المنطقة العازلة وبقضم المزيد من الأراضي السورية, وتأرجحت ما بين المشروعين تحت عنوان القضاء على تنظيم "داعش".
شعورها بالهزيمة والإرتباك  دفعها إلى استهلاك الوقت وابتزاز حلفائها, فأعلنت على لسان الرئيس ترامب موعد إنسحاب قواتها من سوريا, فتدفقت عليها الأموال السعودية والخليجية, واستجلبت الغضب الإسرائيلي, لكن سرعان ما حصل ترامب على ما يريده إسرائيليا ً, في الحد من تطور العلاقات الروسية – الإسرائيلية والتي تعتبر المدخل لإنهاء الحرب على سوريا والعودة إلى مباحثات السلام, وحصل خليجيا ً على الإنبطاح الكامل للدول الخليجية والعربية التي تدور في فلكها, ليطلق صفقة القرن وحفلة التطبيع المذلة للدول العربية مع العدو الإسرائيلي, وبإعلان إعتراف بلاده بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل, وبتأييدٍ أمريكي حذر لضم أراضٍ إضافية من الضفة الغربية إلى سلطات الكيان الغاصب.
وبالعودة إلى الأرض السورية, عادت لإطلاق هدفٍ جديدة بإبعاد الإيرانيين وحزب الله عن الحدود الجنوبية لسوريا عشرات الكيلومترات, ثم تحول إلى أن يتبلور في هدف أكثر وضوحا ً وهو إخراج القوات الإيرانية والمقاومة اللبنانية نهائيا ًمن سوريا.
كما أطلقت أهدافا ًجديدة تحت عنوان مواجهة القوات الروسية في سوريا , وتطور إعلانها مؤخرا ًعلى لسان جيمس جيفري بأن هدف بلاده "جعل سوريا مستنقعا ً للروس".
وما بين هذا الهدف وذاك , يمكننا الحديث عن الإستغلال الأمريكي لهدفٍ كان قد اعلنه ترامب وهو محاربة "داعش"و القضاء عليه, وأكد تحقيق هذا الهدف, وحدد موعد الإحتفال بالنصر , لكنه تراجع كما تحدثنا سابقا ً, وأطلق هدفا ً جديدا ًومهمة ًجديدة لقواته في سوريا, وهي حمابة اّبار النفط وحقوله من إرهاب "داعش", تلاه إعلانه عن السيطرة على تلك الحقول والاّبار والتخلي عن عائدات النفط السوري المسروق لصالح قوات سوريا الديمقراطية, وسرعان ما تراجع وأعلن استعداد بلاده لخوض المعارك من أجل الإستحواذ عليه, وخرج  مزهوا ًبعدها ليعلن سيطرته على النفط السوري وأنه أصبح في قبضته, وبدأ الحديث عن استجلاب شركات أمريكية وإسرائيلية لإستخراجه ونقله حيثما يشاء.
ولكن يبقى السؤال, ماذا عن سرقة محاصيل القمح والشعير للمزارعين السوريين, وماذا عن حرقها بواسطة البالونات الحرارية التي أطلقتها الحوامات الأمريكية, وماذا عن سرقة الاّثار السورية, وماذا عن منع الدولة السورية من الحصول على الأدوية وأجهزة التصدي لجائحة فيروس كورونا المستجد, وماذا عن الضغط على قوات سوريا الديمقراطية لمنع المزارعين السوريين من تسليم محاصيلهم للدولة السورية, وماذا عن الضغط على دولة الإمارات وغيرها لمنعها من مد يد العون إلى السوري, وماذا عن إجبار الأحزاب الكردية على الوحدة والإنتظام في صفٍ واحد مقابل إقحامهم في العملية السياسية لإستغلال اللحظة التاريخية لتقسيم سوريا وأقله للحصول على صك ولادة رسمي للإدارة الذاتية في خطوة على طريق الإنفصال والتقسيم... وايُّ أهدافٍ غير معنونة تلك, والتي يجوز عنونتها بالأهداف الأمريكية واستراتيجية الثروات المنهوبة والأرض المحروقة والتاريخ المسلوب.
وفي زحمة إطلاق الأهداف الأمريكية, ومع قدوم السابع عشر من حزيران الحالي, موعد البدء بتطبيق قانون قيصر لحصار ومعاقبة سوريا ومن يساعدها تحت عنوان "حماية المدنيين السوريين", يأتي المبعوث الأمريكي الخاص بسوريا ليعلن حزمة مطالب أمريكية سبق لـ كولن باول أن حملها إلى القيادة السورية, تعكس جملة أهداف قديمة - جديدة جلها مرتبط بالمصالح الإسرائيلية أكثر من إرتباطها بالمصالح الأمريكية.
يبدو أن مجرد استعراض الأفعال الأمريكية في سوريا, يؤكد أن هدفها الرئيسي هو تدمير الدولة السورية, وإقتلاعها من جذورها الممتدة لاّلاف السنين في التاريخ, وانتزاع هويتها وبصمتها, ودورها الحضاري والتاريخي كأعرق دول العالم ومركز الكون والعمود الذي يربط الأرض بالسماء .
ولا بد لجميع السوريين مهما اختلف وتنوعت اّرائهم ومواقفهم , أن يروا بانهم وأرضهم العزيزة الغالية – المقدسة هم الهدف الحقيقي للوحشية الأمريكية ومن يقف ورائها, حيث باتت مشاهد التتريك والتكريد والتهويد مقدمة لمشاهد أخرى تُستباح في الأرض والسيادة والهوية, وباتت الصحوة أمرا ًحتميا ً لكل من تاه وأخطأ بوصلة الزمان والمكان, ولا بد من استعادة الوحدة الوطنية الشاملة, ووضع اليد باليد وطرد المحتل ومعاقبة كل من تجرأ على سوريا العظيمة, التي تستحق كل تضحية, ويليق بها أن تعود حاضرة الشرق والغرب وسيدة الكون.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
19/6/2020

Saturday, June 13, 2020

إسقاط "قانون قيصر" استراتيجية سورية .. وضربة في عنق الهيمنة الأمريكية -م. ميشيل كلاغاصي



أيم قليلة تفصلنا عن بدء الولايات المتحدة تطبيق برنامج عقوباتها ضد الدولة السورية وشعبها, من خلال ما دعته "قانون قيصر" , الذي تم تصميمه لحصار القيادة والقرار السياسي وخنق الإقتصاد السوري , بهدف الحصول على مكاسب وأهداف سياسية عجزت الإدارات الأمريكية المتعاقبة خلال العقود الماضية عن تحقيقها عبر كافة الوسائل والأساليب , بما فيها الحرب الإرهابية – الدولية العسكرية المباشرة التي شنتها وحلفائها على سوريا منذ العام 2011 حتى اليوم.
فقد صُمم قانون "قيصر" على أساس منع الشركات والدول من فتح قنوات دبلوماسية مع سوريا ، ومنعهم من المساهمة في إعادة البناء والإعمار والإستثمار ، وحصار قطاعي الطاقة والطيران ومنعهما من تأمين مسلتزماتهما من قطع الغيار, وحصار القطاع المصرفي وشلّ حركة المصرف المركزي السوري , وكل من يتعامل معه, بالإضافة إلى تجميد الأصول السورية في الخارج وأموال وأصول الأفراد الذين يتعاملون مع سوريا , وبات من الواضح أن "قانون قيصر" يرسم دائرة حصارٍ تتجاوز الحدود السورية , وتصل مفاعيله إلى لبنان والدول المحيطة بسوريا وكافة الدول التي تقف إلى جانب سوريا.
إن التبرير الأمريكي لإعتماد قانون قيصر وحصار الدولة والشعب السوري جاء تحت عناوين "حقوق الإنسان" و"جرائم الحرب" , لكنه بات سخيفا ًوسقط سقوطا ً ذريعا ً, وأقله بعد ما رصد العالم مشاهد القتل العلنية في الشوارع الأمريكي على خلفية خنق جورج فلويد بعد عملية تعذيب استمرت أكثر من ثماني دقائق أمام عدسات الكاميرات, ناهيك عن مشاهد العنف وحوادث القتل المشابهة التي نفذها رجال الشرطة الأمريكية بحق الشعب الأمريكي الذي وجدها فرصة للتظاهر وإطلاق صرخات الغضب وربما الإستغاثة  في دولة تسعى لمحاسبة وحصار ومعاقبة سوريا وغيرها , فالإدارة الأمريكية ارتكبت الفظائع بحق البشر الأمريكيين وغاب عن ذهنها "حقوق الإنسان" و"جرائم الحرب" , أيٌّ إزدواجية وأيٌّ نفاق !, ويبقى السؤال عما حدث ويحدث في أمريكا منذ تأسيسها بعيدا ًعن عدسات الكاميرات؟ داخل الولايات المتحدة وخارجها وبشكل غير قانوني , ولكم في صور التعذيب في السجون الأمريكية السرية في أوروبا وغير دول وفي سجون أبو غريب مثال.
لا يمكن لعاقل أن يصدق إهتمام الإدارات الأمريكية المتعاقبة بحقوق الإنسان وهي التي تعتبر نفسها فوق القانون الدولي, وشواهد جرائمها تمتد لتملئ صفحات تاريخ معظم شعوب الأرض, في وقت يرى فيه العالم عدم إلتزامها بدستورها وشعاراتها – المزيفة - وبالقانون الدولي.
لا يمكن قراءة العقوبات الأمريكية الجديدة على سوريا , وفق إدعاءاتها وما تدعيه من قيم أخلاقية وتحت مسمى "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا"، ولا بد من قراءة فشلها وربيبتها سلطات الإحتلال الإسرائيلي والعديد من الدول الغربية والعربية في إسقاط الدولة السورية وقيادتها وشعبها المقاوم لمشاريع الهيمنة التي يقودها النظام النيوليبرالي المتوحش، ولا بد لأمريكا ومن يدور في فلكها الإعتراف بالهزيمة العسكرية في سوريا , وبعشرات الهزائم السياسية داخل سوريا وفي الإقليم والعالم , ولن يكون مصير معاركها الإقتصادية وقانون قيصرها سوى الهزيمة والفشل, وأن العقوبات القاسية ضد سوريا وحلفائها لن تستطيع تحقيق ما فشلت فيه وحلفائها وأدواتها في تحقيقه ما عجزت عنه خلال عشر سنوات من الحرب والدمار, ولن تستطيع التأثير على القرار السياسي للشعب السوري الذي يقف وراء قيادته وجيشه , وهو يحمل في داخله جينات الصمود والتحدي والكبرياء , كما يحمل إبداعه وبراعته في تخطي الصعوبات وبالإعتماد على الذات, ولا بد للولايات المتحدة من قراءة نتائج حصار سوريا في ثمانينيات القرن الماضي, الأمر الذي جعل منها سوريا الحديثة القوية والقادرة على حماية شعبها وتحصين قرارها السياسي وإصراها على تحقيق الإنتصار في كافة القضايا الوطنية والقومية.
وبات على الولايات المتحدة إدراك حقيقة تنحيها عن عرش التفرد في قيادة العالم والهيمنة عليه , وتحديدا ً في الشرق الأوسط , وبات عليها مواجهة روسيا والصين وإيران وسوريا والعراق والمقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة, ولا بد لها إدراك أن سوريا ليست وحيدة في معارك العنوان الدولي وفي القضاء الفعلي على الهيمنة الأمريكية في المنطقة.
فلا يمكن للحكومة اللبنانية أن تنصاع لقانون قيصر وتحاصر نفسها, وتلتزم بإغلاقٍ تام لبوابات العبور مع سوريا , فالحدود اللبنانية البرية الوحيدة تمر عبر سوريا , ولا يمكن لأي خطة اقتصادية وطنية لتنشيط قطاع الزراعة ولعمليات التصدير إلى سوريا و العراق ودول الخليج تحقيق النجاح , ولن تخاطر الحكومة اللبنانية الحالية بالسقوط لأجل تنفيذ العقوبات الأمريكية , خصوصا ً مع إنكشاف واضح لزيف الإدعاءات الأمريكية حيال مساعدة لبنان ماليا ً أو إقتصاديا ً, وهي الساعية لحصار لبنان تحت عناوين أخرى ترتبط مباشرة بالمصالح الإسرائيلية , بالإضافة إلى الفشل الحتمي لتوجهات الإدارة الأمريكية للإعتماد على تحالف 14 اّذار الضعيف والذي يعج بالخونة والفاسدين , ولن يكون بمقدور أي حكومة قادمة إلاّ التوجه شرقا ً نحو الصين وروسيا وإيران , وإلاّ فأنها ستغرد خارج السرب والواقع الدولي الجديد.
أما إيران فقد تعرضت فعليا ً لأقصى الضغوط الأمريكية ولتصاعد العقوبات القاسية عليها منذ  انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، بعدما رفضت الهيمنة الأمريكية بالمطلق, وبالتأكيد لن تلتزم بقانون قيصر, ولن تفك عرى تحالفها الإستراتيجي والتاريخي بين الشعبين والدولتين السورية والإيرانية.
أما دول الخليج , فلم تعد خزائنها قادرة على تمويل الشر الأمريكي كالسابق , وتحلم بالإنضمام إلى السياق الطبيعي لحركة المال والإقتصاد والتجارة في المنطقة والعالم إنصياعا ً لملامح العالم الجديد الذي يتجه شرقا ً وبإمتياز, ناهيك تراجع الشركات الخليجية لتكون منافسا ًوشريكا ًحقيقيا ً للشركات الإيرانية في سوريا ومشاريع إعادة الإعمار مع استمرار عروشها بالإنصياع للأوامر الأمريكية الإسرائيلية , ولا بد وأنها ستغرد أيضا ًخارج السرب , مع سقوط صفقة القرن والغرق السعودي والإماراتي وغيرهما في ليبيا والمعركة الدولية الكبرى هناك.
أما الدول الأوروبية , والتي أظهرت دعما ً كبيرا ً للخطط الأمريكية ضد سوريا والمنطقة, فقد بات قلقها واضحا ًوصوت أنينها بات مسموعا ً, وهي تسير بعكس مصالح شعوبها, فالفوضى الأمريكية وصلت إلى أوروبا, ومواجهة العنصرية والتطرف اليميني والشعبوية أصبحت مشاريع معارك قادمة لا محالة وطلائع عواجلها ترصدها وسائل الإعلام بشكل يومي, وتفقد معها أحلامها بالعودة إلى سوريا والمشاركة في إعادة إعمارها واستعادة شيئا ً من نفوذها في شرق المتوسط.
أما روسيا ، فقد أعلنت مرارا ًوتكرارا ً دعمها للدولة والشعب السوري, وقدمت الدماء دفاعا ًعن السيادة ووحدة الأراضي السورية والقضاء على الإرهاب, ولطالما أكدت دعمها السياسي والإقتصادي بأفعال حقيقية بعيدا ًعن البروباغاندا الإعلامية المعادية الخبيثة, وقامت بتوقيع عديد الإتفاقات الإقتصادية والعسكرية مع الحكومة السورية , وهي مستمرة بتزويد الجيش العربي السوري بالمعدات العسكرية الحديثة والمتطورة الكفيلة بعودته إلى سابق عهده من القوة , وقد قامت قبل أيام بتزويده بسرب مقاتلات الـ "MiG-29" المحدثة في رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة وإلى عقوبات "قانون قيصر".
أما الصين ، فهي تخوض الآن معارك "الحرب الباردة" بمواجهة الولايات المتحدة, على خلفية الإتهامات الأمريكية بمسؤولية بكين عن تفشي فيروس كورونا المستجد, في وقتٍ تسعى فيه الولايات المتحدة إلى منعها من ترسيخ علاقاتها التجارية مع دول الإتحاد والسوق الأوروبية، ومنع أوروبا من احتضان شبكات وتكنولوجيا الجيل الخامس الصينية, بالإضافة إلى محاولات واشنطن إلى تقليص ومحاربة طلبات الشراكة والتجارة لبعض الدول مع الصين, دون أن ننسى المحاولات الأمريكية لعرقلة الصفقة الصينية – العراقية لإعادة إعمار العراق ... وهي أمورٌ بمجملها تؤكد عدم إلتزام الصين بقانون قيصر
أما سوريا الدولة والقائد والشعب, فلن تقبل الخضوع لسيف قانون قيصر – الأمريكي, ولن يتراجع الرئيس بشار الأسد عن وعده " بـ"تحرير كل شبر" وعن "الإتجاه شرقا ً", وسيعيد بناء سوريا وبناها التحية, فقد قبل التحدي منذ العام 2003 وزيارة كولن باول , ولن يقبل عرض جيمس جيفري في الربع الساعة الأخير للمعركة.  
وسيعمل الرئيس الأسد مع إيران وروسيا والصين لتأمين احتياجات الدولة والشعب السوري, تلك الدول التي أثبتت صدقها وعمق علاقاتها مع سوريا, إذ سبق لإيران أن تحدت العقوبات الأمريكية - الأوروبية وأرسلت ناقلات نفطها إلى سوريا عبر مضيق جبل طارق, ناهيك قيامها ببناء مصانع جديدة وإضافية للأدوية في سوريا ، وتعمل أيضا ًعلى مشاركة روسيا والصين في تنفيذ مشاريع إقتصادية وصناعية عديدة.
إن توجه سوريا نحو الشرق هو خيار استراتيجي, وسيمنحها القدرة على هزيمة "قانون قيصر", وسيقدم النموذج لدول المنطقة والعالم للحذو حذوها وإسقاط الهيمنة الغربية وعقوباتها ضد الدول والشعوب .. ولا شك بأن إسقاط قانون قيصر سيكون مقدمة خروج الولايات المتحدة من سوريا والعراق والمنطقة, وسيكون عنوان النصر الإقتصادي كما كانت الشجاعة والبطولة وتضحيات الجيش العربي السوري عنوانا ً للنصر العسكري.
المهندس : ميشيل كلاغاصي
13/6/2020