Friday, August 17, 2018

هل حقا ًأنقذ أمير قطر صديقه "السلطان"؟ - م . ميشيل كلاغاصي


أخيرا ً وقبل حدوث الإنهيار الكبير وصل الأمير, حاملا ً بيديه طوق النجاة وشريان الحياة وقليلُ المليارات, يا له من أمير تكبد عناء المغامرة وغضب الشرير لينقذ صديقه وشريكه  سلطان الوهم الكبير .. نعم كان على قطر أن تأتي لإنقاذ تركيا وليس لإعطائها جرعة مسكن تكسبها بعض الوقت فقط , ما أغضب السلطان فأقلع عن النيافة وابتعد عن كرم الضيافة ولم يخرج إلى المطار لإستقبال الأمير.. وعينه على مساعدة أصدقائه الروس و ربما الصينيون , في وقتٍ يأمل فيه خيرا ً بعد حديثه مع المستشارة الألمانية يوم الأربعاء ومع الرئيس الفرنسي يوم الخميس.. على وقع كلام الإقتصادي الكبير هولغر شميدنغ : "لا يمكن لألمانيا فعل الكثير", فيما أكدت ميركل أن :"قوة الإقتصاد التركي هو قوة لألمانيا وللإتحاد الأوروبي".
أزمة ٌ فاجئت العالم , فالخلافات والتوافقات بين تركيا والإدارة الأمريكية الحالية تبدو حالات طبيعية تعبر عن مدى إرتباط أجنداتهما وتعقيداتها في مشاريع المنطقة , وتُظهر ترامب وأردوغان كصديقين أكثر منهما كحليفين , ولم يتوقع أحدٌ أن تسوء الأمور بينهما وتصل حد الخلافات والتهديد والعقوبات وسياسة الرد بالمثل... ومما ساعد على تفاقم الأزمة عناد وصلابة رأس الصديقين، وليس مستغربا ً أن تندلع الشرارة  بينهما خصوصا ً مع التوتر الحاصل نتيجة هزائمهما في المشروع الإرهابي الديني المتطرف لتقسيم سورية ومحاصرة إيران وروسيا , وما نتج عنها من خلافاتٍ ذات طابع سياسي وبعضها عسكري, ونتيجة تقارب تركيا مع دول محيطها القومي والحيوي كروسيا و إيران.
فالقصة بدأت - إعلاميا ً– عندما طالب الرئيس ترامب نظيره التركي بالإفراج عن القس الإنجيلي الأمريكي "أندرو برونسون" المحتجز في تركيا , فطالب أردوغان بالمقابل تسليمه المعارض فتح الله غولن الموجود في أمريكا .. وتطورت إلى المطالبة بغير معتقلين , وبعقوباتٍ أمريكية على وزيرين تركيين قوبلت بعقوباتٍ تركية مماثلة , وإنتهى الجزء الأول بتغريدة ترامب على تويتر أكد فيها توقيعه على قرار رفع التعريفات والرسوم الجمركية على الفولاذ والألمنيوم التركي المستورد , وعلى الفور بدأت العملة التركية بالهبوط السريع , ووصلت خلال أيام قليلة إلى مستويات قياسية غير مسبوقة , ويبقى السؤال, هل بدأت الأزمة بسبب احتجاز القس الأمريكي في تركيا , وهل ستنتهي بالإفراج عنه ؟.
حقيقة أزمة الليرة التركية .. هل الأزمة وليدة اللحظة , أم كانت تركيا ناضجة للوقوع فيها ؟ إن قرار ترامب بمضاعفة التعريفات والرسوم الجمركية على الفولاذ والألمنيوم التركي المستورد, لم يكن ليشكل إعصارا ً مزلزلا ً لإقتصاد دولة تدعي القوة مثل تركيا , وأن الخسائر التركية المحتملة من جراء تطبيقه لم تكن لتتجاوز  0.04% .. ولا يمكن لها وبأحسن الأحوال أن تتسبب بإنخفاض  الليرة التركية إلى مستوياتٍ قياسية تجاوزت ال 7 ليرات تركية مقابل الدولار الواحد... ولا يرتقي وصف أردوغان لما يحصل ب "الحرب الاقتصادية" ؟ من المؤكد أن مجمل والأوضاع الإقتصادية - المالية والسياسية  التركية كانت ناضجة  بإتجاه  حصول الأزمة.... إذ يقول خبراء الإقتصاد في "Bloomberg Economic" أن تركيا كانت تقف على شفا الحفرة قبل أن تبدأ ليرتها بالإنخفاض , نتيجة توافر وإجتماع عوامل الضعف والتدهور الأساسية وذلك وفق أربعة معايير رئيسية هي : 1- رصيد الحساب الجاري 2- الدين الخارجي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي 3-  فعالية الحكومة 4- التضخم.
أردوغان المستبد وسياسته المالية – الإقتصادية الخاطئة ... لقد شكلت أزمة هبوط العملة ضربة ً قوية ً لأردوغان ، بعد فوزه وإعادة انتخابه في حزيران المنصرم, وتعيين صهره وزيرا ً للمال , وممارسة الضغوط على البنك المركزي ليرفع سعر الفائدة , لقد أظهر أردوغان فشلا ً كبيرا ً في إدارة اقتصاد بلاده , خصوصا ً بعدما اعتمد سياسة رفع سعر الفائدة , الأمر الذي عقّد مهمة سداد ديونه إلى البنك الدولي والتي تتجاوز ال 200 مليار دولار, وسرّع  من زيادة معدلات التضخم , في وقتٍ لم يتوقف فيه عن الصراخ الفارغ لإظهار استقلالية ونجاح نظامه المالي... لكنه بعناده واستبداده أوصل بلاده حد إجبارها على طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي أو من الصين أو من أي جهة أخرى .. ولحسن حظه وصل أمير قطر وحمل له بارقة أمل إذ وعد باستثمارٍ مباشر ب 15 مليار دولار في تركيا... يا له من مشهد , قلب الموازين وأظهر الأمير كجنتلمان ومنقذٍ كبير, أمام اّخر و أضعف "السلاطين" .
أنقرة والبيت الأبيض يعزفان على وتر الأمن القومي... على الرغم من سوء قيادة أردوغان للدفة الإقتصادية , فإن ما أظهرته الأزمة التركية بوضوح شديد أن سلوك الولايات المتحدة تجاهها إتخذ منحىً سيئا ً للغاية يمكن وصفه بالكارثي لمجرد أنه أتى عبر تغريدة أدت إلى إنخفاض الليرة بنسبة 18% , لكن أردوغان إعتبرها بمثابة هدية ووجد فيها مادة ً لحرف الأنظار الداخلية عن أخطاء سياسته المالية – الإقتصادية , واستعملها لحشد قوى الداخل وراء إدعائه بأن تركيا تتعرض لحربٍ خارجية معادية وعزف على اّلة الأمن القومي مجددا ً كما يفعل في كل محنة أو مأزق... في الوقت الذي أكدت فيه "سارة ساندرز" الناطقة بإسم البيت الأبيض :" أن الولايات المتحدة لن تلغي التعريفات الجمركية حتى لو أطلق سراح القس , لأنها أتت بداعي الأمن القومي الأمريكي".
مالذي يدفع ترامب للضغط على تركيا– أردوغان؟ ... لقد أثارت قرارات ترامب وتصعيد مواقفه وإدارته تجاه تركيا حفيظة دول وأسواق العالم ، خصوصا ً أنه لم يقدم تبريرا ً لرفع رسومه وتعريفاته الجمركية معها , واُعتبر تصرفه غامضا ً, على الرغم من تكرار التصريحات الأمريكية التي تتعلق بالإفراج عن القس "أندرو" بدليل فرض عقوبات على وزيري العدل والداخلية في الحكومة التركية, وتكهن اّخرون بأن رفع التعريفات كان بهدف تعويض أموال ميزة التسعير التي تحصل عليها تركيا لكون عملتها أرخص من الدولار، في حين أوضح البيت بأن السبب الحقيقي للتعريفات هو: "تعزيز الأمن القومي من خلال حماية منتجي الصلب والألمنيوم في الولايات المتحدة"... ويرى البعض أن السبب الحقيقي هو تنفيذ ترامب لرغبة وحسابات رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة لمنع ارتفاع درجة حرارة التضخم في الولايات المتحدة , الأمر الذي سيدفع أسعار الفائدة إلى الارتفاع في جميع أنحاء العالم ، حيث ستتنافس الشركات والحكومات على أموال محدودة.. وقد يؤدي ذلك إلى الحد من معدلات النمو في الولايات المتحدة.
هل حقا ً أنقذ الأمير "السلطان"؟... من الواضح أن تأخر التحرك القطري ومن ثم زيارة الأمير تميم وتقديم ملياراته ال 15  والتي لم تكن لتحصل  دون الضوء الأخضر الأمريكي, ومن المرجح أن تبقى تركيا عالقة ً ولبعض الوقت في مخلب الإقتصاد العالمي , فلن تستطيع بضعة مليارات قطرية أن تحمل الإقتصاد التركي نحو بر الأمان و منع الليرة من متابعة إنخفاضها , لكنها منحت أردوغان وقتا ً يحتاجه لإعتماد إدارة إقتصادية صحيحة تُجنب العالم عدوى أزمة إقتصادية جديدة .. ووقتا ً يحتاجه ترامب كي يستفيد من تجاربه الخاصة  ليتجه أكثر فأكثر نحو الحكمة في قيادة الولايات المتحدة الأمريكية... فلوقتٍ قريب كان الرجلان أصدقاء وحلفاء , ومن المثير للسخرية أن يتحول ترامب ليقول :" لقد أثبت أردوغان أنه صديق غير جيد", فلن يجد ترامب كرجل غريب الأطوار غضاضة ً أكثر لإصطناع  إبتسامة ٍ في وجه مستبدٍ يُعجبه ويثير غضبه في اّنٍ واحد .
هل ستنتهي الأزمة في تركيا أم ستنتقل العدوى إلى خارجها ؟ ...تعتبر تركيا من الدول الناشئة أو الصاعدة , وتثير محنتها مخاوف نظرائها من الدول, ويبقى خطر عدوى انتقال المشاكل المالية من دولة إلى أخرى قائما ً، وعليه تأتي تحركات ومساعي ألمانيا وفرنسا وقد يلتحق بهم اّخرون لمنع العدوى .. كذلك تبقى خشية الدول وبعض البنوك من عدم قدرة تركيا على سداد إلتزاماتها النقدية للبنك الدولي, فمن شأن ذلك التسبب بأضرار جسيمة لدولٍ وبنوكٍ عديدة , بالإضافة لخشية البعض من تطور تدهور علاقات أنقرة بواشنطن الأمر الذي سيدخل تركيا في أزمة كبرى تُجبرها على محاصرة رؤوس الأموال داخل حدودها... الأمر الذي سيؤدي إلى ظهور صيادون جدد ينافسون ترامب في تركيا , إذ يعرف الإقتصاديون أن أفضل أوقات الاستثمار هي أيام التوترات والحروب والدماء .. خصوصا ً أن أردوغان راهن على ليرات ومدخرات جمهوره من الفقراء وربما على دمائهم.
أخيرا ً...على أردوغان أن يعي أنه الإقتصاد التركي لازال ناشئا ً, وأن إعتماده على اقتصادٍ مفتوح للتجارة والاستثمار الخارجي ، لا بد أن يترافق بحذر شديد حيال الإقتراض والإنجرار وراء لمعان العملات الأجنبية بين يديه واندفاعه نحو رفع سعر الفائدة ... فالرجل العاقل في عالم الإقتصاد لا ينتظر لطف الغرباء ورجولة مشيخة قطر وأميرها, فلولا الضوء الأخضر الأمريكي لما شهدت قصة اليوم أيّ بطولة ولكان على السلطان مغادرة المكان.. وتبقى العبرة بأن تركيا اقترضت وزادت إنفاقها بما يتجاوز حدود إمكانياتها فوقعت فريسة من يتربص بها.
م . ميشيل كلاغاصي

17/8/2018

Wednesday, August 15, 2018

تائهون في الشرق الحنون ..اّل سعود وتدمير الأمة - م . ميشيل كلاغاصي


تائهون في الشرق الحنون ..اّل سعود وتدمير الأمة
م . ميشيل كلاغاصي
14\8\2018
لأننا في الشرق الحنون حيث تكثر العاطفة وتقل الحنكة، وتكثر الدروس وتقل العبر، لأننا نعشق الماضي، ونلفظ حاضرنا وربما نكره مستقبلنا، ونرى أولادنا يسقطون في النهر واحدًا تلو الاّخر، ونسبح ونغوص ونتعب لإنقاذهم، ونلوم سباحينا ومنقذينا، ولا نكلف أنفسنا عناء صعود التلة لنرى من يقذف بهم في النهر، فيما يضحك ويطرب ذاك المجنون بصراخ أولادنا وهو يدفعهم نحو الحافة ويستمتع بسقوطهم المريع، وعسانا نعرفه ونجالسه ونمازحه ونطيعه ونتقاسم معه رزقنا ولقمة عيشنا، فهو مجنون ومسكين ويستحق حناننا.. لا تستغربوا فنحن نختلف عنكم يا معشر الأمم كما نختلف فيما بيننا تمامًا، ولم نعد نُجمع أو نَجتمع على شيء، فلو تكلمنا بالتاريخ، لعلت أصواتنا، وتشبث كل منا بصفحته، ولو تكلمنا بالجغرافيا فستكون خرائطٌ وقصصٌ تبدأ ولا تنتهي، ولو تكلمنا في الدين، لشمت فينا الملحدون، ولو تكلمنا عن أصحابنا وأعدائنا لاختلط الحابل بالنابل، ولتساوى الأصدقاء بالأعداء، ولو تكلمنا بالعلوم لتساوى العقل والصخر، ولو تكلمنا في السياسة لانقسمنا بين مناضلين وخونة، ولو تكلمنا في الشعر لأصابت سهام الهجاء والرثاء والمديح والذم كلها مجتمعةً صميم قلوبنا، واحتجنا لسيارات الإسعاف،.. لا تستغربوا جيراننا وأعداءنا وأصدقاءنا، فنحن راسخون في الشرق الحنون إلى ما لا نهاية.
ولأننا نحبكم، نفتح أسواقنا لكم، ولأننا نقدر جهودكم وعلومكم لا ننافسكم، ولأننا نهتم بمستقبلكم فنفضلكم على أنفسنا، ولأنكم مساكين وبلا ثروات سنورثكم مالنا... ولأنكم تكرهون أخانا، سنعينكم عليه، لأنكم تريدون احتلال بلادنا سنريحكم ونعطيكم إياها بالمجان، ولأنكم أقوياء لن نختبركم، لأنكم أصحاء سنفرح لكم, لأنكم ولأنكم فنحن لكم ومعكم وتحتكم ووراءكم وفي خدمتكم.. لا تستغربوا فنحن الشرق الحنون...
ما الذي حدث وحوّل شعوب الأمة الواحدة إلى خصوم وأعداء، ودفع بالوهن والضعف لينخر عظام الأمة، ويشرّع أبوابها أمام الطامعين والغزاة الكُثر؟!.. ولماذا خرج من رحمها من أراد دمارها وزوالها؟ ومنح المستعمرين والصهاينة والغزاة إجازةً، وتولى عنهم مهمة ضياع الأمة وتشرذمها وتفككها!
كيف لمواطننا العربي أن يفهم أن العداء والإقتتال العربي– العربي هو الحلم والغاية والمبتغى، وأن الدماء وقطع الرؤوس والإرهاب ليس سوى أسلوبنا وطريقتنا لتحقيق أهدافنا وأحلامنا بغدٍ أفضل، وحياةٍ رغيدة، ومستقبلٍ مشرق تسوده الحرية والديمقراطية والكرامة؟!
وكيف لبعض المتطرفين الحاقدين والمتخلفين الفاسدين، من عرب الممالك والمشيخات الخليجية أن تقود حروب تدمير الأمة العربية, ما الذي يدفع آل سعود وآل ثاني وغير آلات لفعل هذا؟ أهو الحب والود القاتل للشعب السوري والعراقي واليمني واللبناني..إلخ؟ أم هو عدم قدرتهم على مواكبة العصر الحديث، فكان الهروب نحو الماضي وعصور التخلف والهمجية؟ أم هي أصولهم المجهولة–الغريبة، ونتاج زراعة الإستعمار البريطاني والصهيونية العالمية في جسد أمتنا.
يعرف العرب والسوريون خصوصًا، ومنذ أمدٍ بعيد، أن فكرًا تكفيريًا حاقدًا يقود تلك العائلات الحاقدة، وأن بدعًا دينيةً مشوهة تحركهم وترسم تحركاتهم وسياستهم، وليس ما يحدث الآن في فضحهم هو طفرةٌ أو إكتشافٌ جديد.. فقد بلغ السيل الزبى، ووصل الغيّ والحقد مبلغًا لم يعد مقبولًا معه استمرار السكوت، لقد وضع آل سعود خناجرهم على رقاب السوريين واليمنيين وأمعنوا في قتلهم، وفي التدخل في شؤونهم، والتحكم بمصيرهم ومستقبلهم.
ومما يثير الإستغراب صمت العالم على جرائمهم بحق سورية والسوريين والعديد من الدول والشعوب العربية، والتي تعدتها إلى التدمير الممنهج لمفهوم الأمة العربية والإسلامية، وما عجز عنه الغرب المتصهين وقوى الإستكبار العالمي، تتجرأ مملكة الشرّ على فعله.
فها هي اليوم، تتآمر على عوامل نشوء وتكوين الأمة بهدف إنهائها وزوالها، إذ تسعى لإنهاء القضية الفلسطينية وتقديمها أرضًا وشعبًا هديةً لشعبٍ غاصبٍ يدّعي أنه "المختار"، وتندفع نحو خراب سوريا وتقسيمها وتشظي الأرض العربية في استهدافٍ واضحٍ لعامل الأرض، ولتشويه وضرب الدين الإسلامي الحنيف كعامل ثانٍ، وبتشجيع اللغات المحلية والمحكية في العالم العربي الغني بالإيدولوجيات والإثنيات والأصول العديدة، فلم تعد لغة الضاد مسموعةً ولا مفهومة، وبالكاد تستطيع التحاور مع العربي بلغته الأم، وما يخص الأحلام والآمال العربية الواحدة المشتركة، لم تعد واحدة، إذ يتباهى البعض بأصوله الفرعونية، وآخر بالآشورية والسريانية والفينيقية والصحراوية والمغاربية...إلخ، و تحولت الأمال والطموحات نحو التفرقة والشرذمة.
كما أصبح للعرب مفاهيمٌ ونظرة خاصة بأعداء الأمة، فالبعض يرى أن الصهاينة والإسرائيليين ليسوا أعداء، في حين غَنِمَت الخيانة وجهات نظر مختلفة، فأصبح الجيش المصري يحتل مصر، والسوري يحتل سوريا، ومقاومة العدو الصهيوني جريمةٌ يُعاقَب عليها المقاومون، وتحوّل الحديث عن هلالٍ سني وآخر شيعي، وتحولت إيران إلى دولة معادية تعقد لأجل قتالها الأحلاف والتكتلات العربية وتُحشد جيوش الإرهابيين والبلاك ووتر لقتال "الفرس"، وتحولت حروب وصراعات العالم ودول المنطقة إلى حروبٍ دينيةٍ، قد لا تُبقي على الأخضر واليابس.
إنّ سعي آل سعود لتفجير الحروب الدينية ما كان ليحصل لو قال العالم الحر كلمته، وطبّقت دول العالم ما توافقت عليه في سلسلة القرارات الأممية بمنع تمويل ودعم الإرهاب، وتوجيه تهمة القتل إلى القاتل مباشرةً، فصمت العالم على إرهابها المباشر في تدمير سوريا شجعها على تدمير اليمن، والعودة إلى تدمير لبنان, والإصرار على تدمير العراق, والإستمرار بأضعاف مصر, وتشظي وإنهاء القضية الفلسطينية.
أخيرا ً ... لا بد للشعوب العربية أن تخوض حروبها بمعزلٍ عن حروب الجيوش ، و بأسلحة  الواعين والمثقفين والمفكرين ممن لن يتوانوا عن امتلاك الشجاعة في تنقية التاريخ العربي من شوائبه ونزع ملايين الصفحات المزورة، ومواجهة الحقيقة، علّهم بذلك يضعون أقدام الأمة على الطريق الصحيح.. فتاريخ ودماء من ضحوا بدمائهم لبقاء الأمة تستحق ما يليق.

Sunday, August 5, 2018

إرهاب واشنطن بصمة ٌ صهيونية وسلامها ختم ٌ مزور - ميشيل كلاغاصي


( هو صراع الخير والشرّ والطامعين والمستعمرين ..أدواتُ الموت جاهزةً والبشرُ مشاريعُ قتل ٍ وتهجيرٍ مستمرة ..فكان تقسيم الدول ولا زال بصمة ًوصنعة ً أمريكية- صهيونية لا أخلاقية ..وبرئاسةِ كيسنجر كان قتالٌ لحين إنتهاء الإنتخابات الرئاسية الأمريكية, وبدعوى عدم إمكانيةِ العيش بين الطائفتين  ُأعتبر التقسيم هو الحل "المثالي" .. و ُأعطيت الأرض ممن لا يملكها إلى من لا يستحقها , جرائم ٌ من فظاعتها استخلص "اّرثر ميلر" نظرية "الخلاص , ويبقى السؤال والعبرة ..أيُّ وحشيةٍ قدمتها الحرب الإرهابية على سورية , ويالها من ملاحمِ بطولةٍ وشرفٍ سطّرها السوريون والمقاومون وشرفاء العالم الحرّ. )
يبدو أن الصراع الدولي قد وصل إلى مراحل خطيرة جعلت العالم يقف على أعتاب نهاية وبداية مرحلةٍ جديدة , استطاعت فيها دولٌ وأحلاف - خلال المائة عام الأخيرة -- أن تحصد " الفوز" أو"الخسارة" في عديد الملفات , فيما تأكد إنتقال بعضها إلى ملفات العصر الجديد.
دائما ً هو صراع الخير والشرّ, وصراع الطامعين والإنتهازيين والمستعمرين .. إذ بات نجاح المشروع أم فشله يستدعي بالضرورة أن تبقى العلاقة بين الإنسان والأرض قائمة ً دون إحترام أي قدسيةٍ لحدودِ دول ٍ أو لوجود و مصير شعوبٍ إنتمت لأرض ٍ وتجرّأت على إعتبارها أوطانهم.
هي تلك المطامع التي غلّفوها بقصائدهم أوعقائد أعدائهم لا فرق, فالقصة البديلة للحقيقة لا بد أن تكون حاضرة و أدوات الموت دائما ًجاهزة و البشر مشاريع قتل ٍ وتهجير مستمرة.. و يجدر بنا أن نعيد سرد الحكاية من أقرب بداية...
فالحرب الإرهابية الحالية على سوريا تأتي في سياق المخطط الصهيو– أمريكي, بالإعتماد على كافة أشرار العالم , دولا ًوتنظيمات إرهابية تحت ستارٍ عقائدي وإرهابي صرف , وبات من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تقود العالم الشرير نحو تحقيق غاياتها وأهدافها فقط, دون الإكتراث بدماء وحياة ومصير الشعوب, وبات اعتمادها على الإرهاب بكافة أشكاله إستراتيجية ً وحيدة لتفتيت الدول وتقسيمها, بحثا ً منها عن إزالة معالم النفوذ العالمي السابق الذي رسمته دول الإستعمار القديم تكريسا ً للشراكة المتوحشة , واستبداله بمعالم عصر الفوضى والتبعية والحروب لأجل الحروب وفرض الهيمنة. 
فتقسيم الدول كان ولا زال بصمة ً أوروبية - صهيونية, وبات صنعة ً أمريكية-صهيونية لا أخلاقية بإمتياز, فيما يبقى تفتيت وتقسيم العالم العربي غاية ً وهدفا ً إسرائيليا ً مباشرا ً...
لا شك .. هي حقائق السياسة الدولية, تلك التي لا قلب لها ولا تعرف الرحمة, ولكنها تعرف جيدا ً كيف تمزق صفوف البلاد من داخلها طالما كان هذا في مصلحتها.. ويَصدق فيها قول ألبرت إينشتاين : " ليس هناك من حربٍ أخلاقية ".
إن طرح بعض الأمثلة لتأكيد وحشية الطغاة والمستعمرين ممن يعتبرون أنفسهم العالم المتحضّر, يُسهّل إسقاطها على حاضرنا في تبديد ضبابية المشهد وتعقيداته التي قد تحرف الأبصار عن حقيقة أعدائنا القدامى- الجدد:
* حرب أنغولا وفرصة التفكير: فبالعودة إلى وثائق الكولونيل الأمريكي "ستوكويل" : حين انسحبت البرتغال بقيت البلاد تحت صراع ثلاث قوى أنغولية واختلف الأمريكيون حول أسلوب التصرف , فتوصل مجلس الأمن القومي الأمريكي برئاسة كيسنجر إلى قرار غريب يقضي بمساعدة القوى الثلاثة المتحاربة في قتال لا يَحسم الموقف..حتى تنتهي إنتخابات الرئاسة الأمريكية – بين فورد و كارتر – وحتى تسترد الحكومة حريتها في العمل!.. دون الإهتمام بالقتل والدمار وإلى متى سيستمر , طالما هذا يعطي الإدارة الأمريكية فرصتها للتفكير!
* تقسيم أريتريا - طائفيا ً : إذ دخلت أريتريا منطقة النفوذ والصراع  بعد حرب الأسطولين البرتغالي والعثماني عام 1557م, للحصول على موطئ قدم لمحاصرة باب المندب وتأمين تجارتهم عن طريق رأس الرجاء الصالح, وبعد فشل محاصرة مصر– الخديوية-  للعاصمة أسمرة , بفضل الدعم الإنكليزي بالرجال والسلاح .. وتحوّلت لدائرة الصراع بين إيطاليا وفرنسا وبريطانيا , فعمدت هذه الأخيرة لإستعادة سيطرتها عليها بعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية, ووضعت خطة ً لتقسيمها بين السودان وأثيوبيا بدعوى عدم إمكانية العيش بين الطائفتين الأكبر المسيحية والإسلامية معا ً, و ُأعتبر التقسيم هو الحل"المثالي".
* إغتصاب فلسطين : إذ لا يخفى على أحد ما حصل في فلسطين المحتلة حينما أعطت بريطانيا أرضا ً لا تملكها إلى من لا يستحقها و أخضعت الفلسطينيين لأبشع المجازر وأكبر عمليات التهجير الممنهج .. ولا زال الدم الفلسطيني يُهراق على ترابها المقدس منذ مئة عام وحتى الاّن.. دون أن ننسى الوثيقة الصهيونية "كيفو نييم" الخاصة بتقسيم وتفتيت الأمة العربية.
* تقسيم السودان - تفتيت الأرض العربية : فقد عملت "إسرائيل"على استغلال كافة عوامل التفرقة بين الشمال والجنوب السوداني , ووقفت وراء نشوء الحركة الإنفصالية هناك , في خطوة ٍ على طريق تقسيم الأرض العربية وتحوّل "الكيان الغاصب" إلى دولة إقليمية عظمى، تحيط بها دويلات عربية متنافرة ومتصارعة، الأمر الذي يضمن لها الهيمنة المأمولة ، ويتيح لها ولحلفائها السيطرة على مصير الأمة العربية والتحكم في مقدراتها.
* نيوجرسي- بلدة سالم - نظرية"الخلاص" : إذ تبدو أمريكا لا تزال تعمل بعقلية الماضي على غرار أحداث بلدة سالم عام 1902, حيث تجلّت الطبيعة الشريرة للذات الأمريكية عندما انتشرت فيها ظاهرة ضرب الفتيات لطرد الشيطان دون الإهتمام إن متن قبل أو بعد طرده , ومن فظاعتها استخلص "اّرثر ميلر" نظرية "الخلاص" إذ يقول : أن "المجتمع يلجأ إلى تقديم القرابين عندما يتعرض لضغوطٍ يعجز عن تحملها".. وهاهي الدول الخانعة تفعلها!..فهل تحاول أمريكا إخضاع العالم وتحويله إلى مؤسسات إرهابية تطرد أعدائها "الشياطين" التي تسكن الدول وتتناسل من القطب إلى القطب؟.
* أما في سورية : فقد وهبت فرنسا أرض لواء الإسكندرون السوري هدية ً للدولة التركية لقاء خدماتها ودخولها الحرب العالمية الثانية, بعد سلخه عن الوطن الأم عبر إتفاقية سايكس-بيكو وإتفاقية أنقرة والتي أفضت إلى ضمه إلى تركيا بقرارٍ لعصبة الأمم دون موافقة الدولة والشعب السوري.
واليوم يستمر الحلم العثماني – الأردوغاني لقضم المزيد من الأراضي السورية , واعتبارها مناطق نفوذ ٍ تركي تمتد من جرابلس إلى البحر المتوسط , تحت مسمى منطقة آمنة أو عازلة ..الخ. دون إكتراث – أردوغان- للأثمان التي سيدفعها.. إذ يعتقد أن قضم المزيد من الأراضي السورية سيجعله أهم من كمال أتاتورك نفسه.
* ولا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تتسمك بهزّ أمن واستقرار عديد الدول حول العالم , وتحاول القبض على كافة خيوط المؤامرة بما يتيح لها حرية الحركة لتمرير مشروعها وتحقيق مصالحها..
إن الحديث عن الإتفاق القطبي الروسي– الأمريكي فقط أصبح مدعاة ً لعدم الثقة و ربما للسخرية, في عالمٍ متعدد الأقطاب , ولم يعد بالإمكان الوثوق بإدارة الرئيس الأمريكي الأحمق أخرقُ القولِ والفعل ناكثِ العهود والإتفاقات , والذي يبحث عن المال والصفقات عبر التهديد والتصعيد الإرهابي والعسكري والعقوبات والتنازلات المهينة.. ويبقى إرهاب واشنطن بصمة ٌ صهيونية وسلامها ختم ٌ مزور.
أخيرا ً.. مهما تغيرت الحال والأحوال , يبقى الصراع الدولي محكوما ً بشهوات وأطماع وشرور من إرتضوا لأنفسهم أن يستبيحوا العالم و يتسلطوا على بشره و شجره , ولا ينفكون يطلقون شعاراتهم القذرة, فالطليان قالوا لضحاياهم "كلوا واشربوا وتتكلموا".. ثم جاء الإنكليز ليقولوا "لا تأكلوا ولا تشربوا ولا تتكلموا".. فيما لسان حال الولايات المتحدة الأمريكية اليوم يقول : "لا تأكلوا ولا تتكلموا و إبتهجوا لعدم قطع رؤوسكم"..
يبدو أن التقسيم بكافة أشكاله أصبح من أهم الوسائل التي تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل" في سياستهما العدوانية الحالية تجاه سوريا و الأمة العربية جمعاء.
ويبقى السؤال والعبرة .. أيُّ وحشيةٍ  قدمتها الحرب الإرهابية على سورية ؟ .. ويالها من ملاحمِ بطولةٍ وشرفٍ سطّرها السوريون والمقاومون وشرفاء العالم الحرّ.
المهندس : ميشيل كلاغاصي
4 \ 8 \ 2018

Wednesday, August 1, 2018

الملف الإنساني .. خونة في بازار التقسيم - ميشيل كلاغاصي


لأن الإنتصار الحقيقي هو حصيلة الإنتصارين العسكري والسياسي , كان لا بد للدولة السورية أن تعتبر إنتصارها العسكري الكبير الذي تحقق -حتى اليوم– مرحلة ً أولى ولا بد لها أن تسعى لتحقيق الإنتصار السياسي ليكتمل عقد إنتصارها الحقيقي , خصوصا ً بعد هزيمة جيش الإرهاب الوكيل واستحالة شن الأصيل معارك مباشرة بفضل قوة وصلابة الدولة والجيش العربي السوري ومحور المقاومة وحلفاء سورية , كان لا بد لفريق الأعداء بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التحوّل نحو إعتماد الحل السياسي استراتيجية ً جديدة , فالحرب لم تنه ولا بد لها أن تأخذ شكلا ً اّخر.
كان من اللافت في قمة هلسنكي إعلان الرئيسين بوتين وترامب عن إهتمامهما وتعاونهما لحل الأزمة الإنسانية  السورية وعودة اللاجئين , إذ تم الإتفاق على خطة عاجلة تتضمن عودة 1.7 مليون لاجئ سوري من عدة دول إلى مناطق سيطرة الدولة , وعلى الرغم من تأكيدهما ضرورة  الحل السياسي إلاّ أن الرئيس الأمريكي أكد "عدم وجود أي إتفاقات أو ترتيبات عسكرية محددة حيال سورية في الوقت الحالي" , ما يعني أن أمريكا لا تزال تحتفظ بغموض أهدافها في سورية , ولم تعلن بعد استسلامها العسكري , ولم تقرّ بإنسحابها من قاعدة التنف ومن 22 قاعدة عسكرية على الأراضي السورية , ولم تعلن سلفا ً أسماء كافة حلفائها أو أدواتها اللذين تنوي الخلي عنهم , إلاّ في توقيتها الخاص كما حصل في درعا والجنوب , ولم تعلن صراحة ً – حتى اللحظة - تخليها عن دعم "قوات سورية الديمقراطية" و "قوات الحماية", وهي ترى التقارب والحوار مع الدولة السورية, كذلك لم تعلن عن وقف دعمها لحليفها التركي , على الرغم من مزاحمته على نصف مدينة منبج , وعديد الخلافات والمشاكل العميقة بينهما.
مالذي يجعل ملف عودة النازحين ملفا ً رئيسيا ً وحاضرا ً بقوة في قمة هلسنكي , والسعي لترجمته فعلا ً في وقتٍ قياسي !, كما سبق له أن كان سببا ً رئيسيا ً لزيارة الترهيب والترغيب التي قامت بها أنجيلا ميركل إلى لبنان والأردن لدعم العودة أو لعرقلتها!, كذلك اتخذت فرنسا حياله ومنذ فترة موقفا ًصلبا ً وفرضته على رئيس حكومة لبنان وفريقه المعادي لسورية .. مالذي يجعل أعداء سورية يُظهرون "محبتهم" بشكل مفاجئ ويُبدون حرصهم على رفض العودة الطوعية وإصرارهم على العودة "الاّمنة" بضمانات وقراراتٍ دولية بما يضمن للعائدين عدم مساءلتهم أو محاسبتهم أو توقيفهم من قبل الدولة , مالذي حدث وغيّر المزاج الإنساني لبعض الأطراف وجعلهم يتحولون من مطالبين بالعودة إلى معرقلين لها؟.
ومالذي يجعل الأمين العام للأمم المتحدة والسيد ستيفان ديمستورا وأطراف دولية عديدة , أن تبدي قلقها ومخاوفها من وقوع "كارثة إنسانية" في مدينة إدلب , على الرغم من مشاهد المصالحات الهادئة ودخول الجيش العربي السوري وسط تحية وهتاف أهالي القرى والبلدات في مدينة درعا وأريافها مؤخرا ً وانسحاب الأمر ذاته على الجنوب السوري بكافة مدنه وبلداته وقراه ؟, أم هي مخاوفهم من إنهيار ما تبقى من المجاميع الإرهابية  أمام ضربات الجيش الواثقة – القوية ؟, فعمدوا إلى تحريك  فوبيا وبروباغندا الملف الإنساني , أليس من الغريب أن يتحوّل وحوش المجتمع الدولي فجأةً  إلى حملان صامتة على حشود أردوغان وتوحيده  للفصائل الإرهابية تحت لواء واحد وحديثهم عن أعداد مبالغ بها لجيش الإرهاب في إدلب!, هل يفكرون بالصمود أمام الجيش في معركة يائسة , مالذي يحاولون فعله؟. أهكذا يهدؤون روعهم وقلقهم , أم أنها خشيتهم على هزيمة مشروع تقسيم سورية وإلى الأبد ؟.
طرحنا العديد من الأسئلة ويجدر بنا الرجوع قليلا ً إلى الماضي القريب والبعيد للإجابة عنها وإماطة اللثام عن أهداف العدو الأمريكي والتركي والثلاثي الأوربي الفرنسي – الالماني – البريطاني.
فمنذ بداية اجتياح الإرهاب للشمال السوري , تحمّس المشغلون والداعمون الأتراك والفرنسيون والقطريون ومن اصطف معهم في خندق المشروع الإخواني , وسارعوا لدعم إنشاء المنطقة العازلة أو الاّمنة , وقوبلت وقتها الرفض الأمريكي تارةً  وبالقبول المشروط المتأرجح الممزوج بإخفاء النوايا تارة ً أخرى , وسارعت دول فرنسا وألمانيا وبريطانيا لحجز بطاقات جلوسها على مقاعد التسوية من خلال حجوزات مسبقة لقواتهم العسكرية على بضعة أمتارٍ مربعة من الأرض السورية .. وبدأ وضع حجر الأساس لمشروع تقسيم شمال سورية على أساسٍ طائفي , لكن الولايات المتحدة الأمريكية وبهدف القيادة والتحكم والتفرد , وضعت العراقيل أمامهم ودفعت بمشروع  التقسيم الموازي على أساسٍ عرقي , عبر دعمها للأكراد وأنشأت ما دعتهم ب "قوات سورية الديمقراطية", ورغم من التنافس بين المشروعين لكنهما تقدما كل ٌ على حدة وعلى ضفتي نهر الفرات ... وبدأ الطرفان بترتيب أرضية التغييرات الجغرافية والديموغرافية لكلا المشروعين عبر عمليات التجهير القسري بإستخدام الإرهاب والعنف والمجازر والتنكيل , وسعت واشنطن لإقامة مجالس إدارات ذاتية في مناطق مشروعها التقسيمي لضمان التلاعب بصكوك الملكية الأمر الذي يفسر العبث الحاصل في بيع الأراضي وتسجيلها بأسماء مجهولة , أو بتركها دون تسجيل , وتهجير من يحتفظ بصكوك ملكية السجل العقاري السوري بالقوة , خصوصا ً بعد إدعاء أردوغان إمتلاكه صكوك ملكية أراضٍ وعقارات في سورية منذ عام 1923, الأمر الذي يؤكد نسفه للصكوك الحالية ونواياه في التغيير الديموغرافي وبتأكيد قوله: "سنعيد الأرض لسكانها الأصليين", بعد إنزياحه عن دوره الضامن , وقيامه برفع العلم التركي واستخدام كافة وسائل إعلان نفسه صاحب حق وسيادة وليس كمحتل وغاصب !.
إن سعي تركيا منذ بداية الحرب لإستجلاب وتجميع أكثر من ثلاثة مليون سوري في أراضيها سواء كانوا نازحين أو لاجئين لم يكن بدواعي إنسانية , إنما كان من خلال مخطط التقسيم الطائفي الذي سار عليه أردوغان , بعدما استمال بعضا ً من أحد المكونات الطائفية في سورية واللذين عُمل على تحضيرهم لسنوات ليقوموا بدور رئيسي في عملية التقسيم بمجرد عودتهم إلى "منطقة أردوغان الاّمنة في شمال سورية" –غربي الفرات– , والتعبير عن رفضهم لإمكانية العيش تحت سيطرة سلطة الدولة السورية , وإدعائهم زورا ً مخاوف قتلهم وقصفهم جوا ً وإجتياح بيوتهم أرضا ً, في محاولةٍ لإقناع العالم بمطالبتهم بالحماية التركية , وبذلك يكون سايكس- بيكو الأول قد أتم سلخ وإغتصاب لواء الإسكندرون عام 1939 بأيدي الفرنسيين والبريطانيين والألمان , في الوقت الذي سيكون سايكس – بيكو الثاني بأيدي السوريين أنفسهم , وهذا يبدو جليا ً في المظاهرات "السلمية" التي بدأت بالظهور أمس الأول وبالزي المدني لعناصر الجيش الحر وجبهة النصرة , في بعض قرى سهل الغاب بالريف الغربي لحماة ، اللذين رفعوا العلم التركي وهتفوا لرفض المصالحات وطالبوا بالحماية التركية.
أما على المقلب الاّخر في شرقي الفرات, فقد سار المشروع الأمريكي التقسيمي على أساسٍ عرقي بقيادة بعض الأكراد الإنفصاليين اللذين جعلوا أنفسهم مطية ً للعدو الأمريكي , على حساب وحدة سورية  الوطن وعلى حساب أقرانهم من الأكراد السوريين في شرقي وغربي الفرات وخصوصا ً في منطقة عفرين .. لكن الإحتلال الأمريكي وجد نفسه أمام إمتحان صعب , إذ باغته الجيش السوري بسرعة تقدمه وإنهائه ملف الإرهاب في الجنوب والجنوب الغربي , وبدأت أنظاره تتجه نحو الشمال .. خشي الأمريكيون إحراجهم وإخراجهم من سورية تفاهما ً أو بالمواجهة العسكرية المباشرة بإعتبارهم قوة إحتلال لا شرعية على الأرض السورية , فأعطوا قوات سورية الديمقراطية الضوء الأخضر للإختيار من كلام الرئيس بشار الأسد ما بين الحوار أو القوة لإستهلاك  أطول وقت ممكن , تكون فيه القوات السورية قد اتجهت نحو معالجة الوضع الشائك  للضامن والمحتل التركي والذي سيضطر للخروج هو وصحبه الإرهابيون والقوات الفرنسية والبريطانية والألمانية أذلاء بالتفاهم أو بالقوة , وبذلك تبقى الولايات المتحدة الأمريكية وحدها على الأرض السورية وتتولى التفاوض مع السوريين والروس بدون منغصات من تدعوهم شركائها و حلفائها.
سيناريو محتمل تكون فيه أمريكا قد تخلت وباعت حلفائها جميعا ً , وألقت بالطامعين وإصحاب المشروعين الطائفي والعرقي في السراب .. لكنها وعلى ما يبدو قد أخطأت الحساب ولم تعرف أن الدولة السورية  استطاعت إمساك العصا من المنتصف , فويلٌ ل "قسد" ومن ورائها , إن فشل الحوار والبديل هو القوة , وويلٌ لأردوغان إن نجح الحوار, فسيكون عليه البحث عن ذريعةٍ مختلفة عن محاربة الإرهاب لتبرير وجوده وإحتلاله للأراضي السورية , قبل أن يفجّر الجيش السوري جام غضبه في وجه عصابات وقوات "السلطان" النظامية.. كما أعلن بالأمس الدكتور بشار الجعفري من سوتشي أنه : "إن لم تحرر إدلب بالمصالحات فللجيش السوري كل الحق بتحريرها بالقوة".
لهذا أعلن أردوغان عن عقد لقاء رباعي في اسطنبول بتاريخ 7 أيلول / سبتمبر يضم دول روسيا وفرنسا وألمانيا , بالإضافة لتركيا .. إذ يجد نفسه مجبرا ً وأصدقاؤه الأوروبيون على تقديم مفاتيح السلام وإنهاء الحرب على سورية ووضعها بيد الرئيس بوتين كي يقود وساطة ً وضمانة ً روسية لتسوية الصراع مع الرئيس الأسد والحكومة والشعب السوري , ولحث سورية على قبول عروضهم الإقتصادية والنفطية وقبولها بخط السيل التركي وعودة العلاقات الرسمية والمضي بإعادة الإعمار بصدق وسخاء .. , إذ سبق لميركل وماكرون أن وعدا بأن تبحث أوروبا عن مصيرها و مصالحها بعيدا ً عن الولايات المتحدة الأمريكية.
أخيرا ً .. للأسف أن يسير وراء مخططات التقسيم الدنيئة "سوريون" يدّعون أنهم معارضون كي يبرروا خيانتهم في بازار التقسيم , بعدما عاينوا فظاعة ما تعرض له السوريون في مخيمات اللاجئين من عنفٍ وإغتصابٍ وتجارة أعضاء وكيف تحوّل البعض منهم إلى سلعٍ رخيصة في مكاتب الدعارة التركية , الأمر الذي دفع بهم نحو البحر ليغرقوا فيه , كذلك بعدما خَبروا طريقة استغلال تركيا ملف اللاجئين ضد الدولة السورية ، لكنهم صمتوا وحصلوا على حصصهم من المال التركي القذر الكافي لمليء جيوبهم تحت عنوان " الثورة" , وكانوا شركاء حقيقيين للإجرام والإرهاب الأردوغاني- العصملي بحق الوطن والمواطنين.
المهندس : ميشيل كلاغاصي
1 \ 8 \ 2018