Wednesday, April 28, 2021

استراتيجية العلاقات الأمريكية والتنظيمات الإرهابية - م. ميشيل كلاغاصي

 


رغم إنكشاف حقيقة الولايات المتحدة , وحقيقة استراتيجياتها وسياساتها الخارجية التي إعتمدت على التنظيمات الإرهابية كنوع مختلف من مرتزقتها التقليديين , لتعزيز مصالحها في جميع أنحاء العالم , يبقى السؤال عن طبيعة الذهتية الأمريكية التي ترسم قوتها وهيبتها ومكانتها وحتى ترفها , على أكتاف المتطرفين والمتعطشين لسفك الدماء تحت عناوين راديكالية وإيديولوجية متطرفة , ثبت زيف ادعاءاتها , ومدى اغماسها في ترهيب الدول والشعوب , والتعدي على القيم والثوابت الإنسانية المشتركة بين كافة البشر.

ولم يعد خافياً على أحد , اعتمادها على عقليةٍ استخباراتية استطاعت استقطاب وتجنيد مقاتلي تنظيم القاعدة لمواجهة الإتحاد السوفيتي في أفغانستان ، وزعزعة استقرار المنطقة ، وحروبها للإطاحة بالحكومات الشرعية , وانتقلت مع إنكشاف وفشل التنظيم في تحقيق كامل لمخططاتها , إلى قطع رأس الأخطبوط , والتعامل مع أذرعه المختلفة , فكان إعتمادها على تنظيم "داعش" الإرهابي , كذريعة للتدخل العسكري المباشر في دول الشرق الأوسط.

واستغلت حربها المزعومة على "الإرهاب" للإستيلاء على الموارد الطبيعية وثروات العديد من الدول , فكانت ليبيا والعراق وسوريا من بين تلك الدول , ناهيك عما فعلته في أفغانستان ومنطقة الشرق الأوسط  بأكملها.

لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية دحض التهمة , بالتوازي مع إعتراف وزيرة الخارجية الأميركية السابقة  هيلاري كلينتون في كتابها “خيارات صعبة” , بأن الإدارة الأميركية قامت بتأسيس تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” لتقسيم منطقة الشرق الأوسط" , بالإضافة إلى إعترافات بعض الإرهابيين أنفسهم ممن ألقي القبض عليهم في سوريا , وبحسب وكالة أنباء "سانا", فقد تضمنت الإعترافات إقرارهم ا بالإقدام على ارتكاب عمليات إرهابية مختلفة تراوحت بين القتل والإعدام والخطف إلى عمليات التخريب، والتدمير للممتلكات العامة "بالتنسيق مع أمريكا", وإقدامهم على استهداف عناصر الجيش العربي السوري في منطقة التنف وتدمر ومطار "تي 4" وبعض حقول النفط , بدعمٍ مباشر من جيش الإحتلال الأمريكي , بما يشمل من دعم مالي وتسليح نوعي , وبرصدٍ لطائرات الإستطلاع الأمريكي , وبتزويد عناصر التنظيم الإرهابي ببرامج إلكترونية لمراقبة تحركات الجيش العربي السوري , الأمر الذي يؤكد تماماً وجود صلاتٍ مباشرة للتنظيم مع الجيش الأمريكي واستخباراته.  

واليوم تقدم , صحيفة الـ "واشنطن بوست" أدلة جديدة على ارتباط واشنطن المباشر بالإرهاب الدولي , بتأكيدها أن "الأمير" محمد سيد عبد الرحمن المول , المعروف باسم أبو إبراهيم الهاشمي القرشي ، والذي أصبح زعيماً للتنظيم ، بعد مقتل أبو بكر البغدادي , أنه كان يعمل "مخبراً للجيش الأمريكي" , واليوم تعلن بحثها عنه وعن تخصيص عشرة ملايين دولار مقابل حصولها على معلومات عنه , وبحسب الصحيفة , فقد قدم "المول" خدمات استخبارية ومعلومات دقيقة وفي غاية الأهمية عن رفاقه في تنظيمي "داعش" و"القاعدة" , ساعدت الولايات المتحدة في محاربة التنظيم الذي يرأسه الاّن ..

 يبدو أنه حان أوان التخلص من "الأمير" الثاني للتنظيم , بالمقارنة مع تحويل أبو محمد الجولاني زعيم تنظيم جبهة النصرة الإرهابي إلى رجل سياسة , من الواضح أن واشنطن تحسم خياراتها , بما يتوافق مع مخططاتها القادمة.

في الوقت الذي تملك فيه قيادة الحشد الشعبي في العراق كماً هائلاً من المعلومات حول علاقة واشنطن بتنظيم داعش , من خلال وضعها الميداني المتقدم بمواجهة التنظيم الإرهابي وجهادها في سبيل القضاء عليه واستعادة أمن وأمان البلاد , وفي تصريحات للقيادي كمال الحسناوي العراقي , لصحيفة العربي الجديد العام الماضي , أكد أن "الهدف من استمرار تواجد القوات الأمريكية في منطقة التنف داخل المثلث الحدودي السوري - العراقي - الأردني هو دعم الخلايا المتبقية من إرهابيي داعش"... وبأن قوات التحالف الأمريكي قامت بتدريب وتجهيز ونشر إرهابيي "داعش" في مختلف المدن العراقية وفتحت الأبواب أمام عناصره للدخول والمغادرة , وبأنه تم توثيق وتسليم الصور وتسجيلات الفيديو التي تؤكد القضية إلى الحكومة العراقية.

لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تنجو للأبد بجرائمها وبدعمها للإرهاب الدولي وبإعتماده استراتيجيةً قادرة على القفز وتخطي القانون الدولي , ولا بد من تكاتف العالم وراء المطالبة بمحاسبة أفراداً في الجيش الأمريكي وقادتهم العسكريين والسياسيين , وأعضاء الكونغرس المتورطين بدعم برامج الإرهاب وبالتصويت على دعم وزارة الدفاع الأمريكي بميزانيات الأموال التي تمكنها من إشاعة الفوضى , وإحتلال الدول والإعتداء على الشعوب والمدنيين لتحقيق أهدافها في الإستحواذ على مقدرات الشعوب وحرمانها منها.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

28/4/2021

Sunday, April 25, 2021

الإستحقاق الرئاسي بعيونٍ سورية والموقف الأمريكي - م. ميشيل كلاغاصي

 

أيامٌ قليلة تفصلنا عن موعد الإستحقاق الدستوري الرئاسي في سوريا , والذي يأتي طبيعياً في سياق الحياة الدستورية للبلاد , والذي يعتبر حقٌ سيادي للشعب السوري المسؤول والمعني الوحيد بتحديد مستقبل بلاده بنفسه , ولا يحق لأحد سواه التدخل فيه.


إن إقامة الاستحقاق الرئاسي وفي موعده , هو بحد ذاته يشكل انتصاراً سورياً جديداً يضاف إلى سجل الإنتصارات التي حققتها الدولة السورية شعباً وجيشاً وقيادةً في مواجهة قوى الشر التي تكالبت عليها من خلال الحرب الكونية , كما يأتي الإستحقاق ليؤكد فشل وهزيمة المشروع الصهيو- أمريكي وكافة دول العدوان على سوريا ومجاميعها الإرهابية وتنظيماتها القاعدية , التي حاولت على مدى السنوات العشر الماضية تمرير مخططاتها الجهنمية وفرض إرادتها على الشعب السوري والتحكم بحاضره ومستقبله ومصيره.

- الإستحقاق الرئاسي في سوريا بعيون سورية ...

وينظر السوريون للإستحقاق الرئاسي بكامل البهجة والعنفوان والكبرياء , يترقبون موعده على أنه عرسٌ وطني بإمتياز , يتوج إنتصاراتهم كدليل على بقائهم وقيادتهم وجيشهم , ويكلل صمودهم الإسطوري , ويضع بصمتهم في رسائل إلى العالم والأمم المتحدة وإلى حكومات وشعوب الأرض قاطبةً , ولسان حالهم يؤكد , بأننا كنا ولازلنا وسنبقى راسخون على أرضنا كجبالنا , وسنتابع ما لنا وما علينا شأننا شأن كل الدول السيدة الحرة المستقلة الموحدة القادرة على تطبيق دستورها والمضي قدماً على طريق مستقبلها الباهر الذي حاولت قوى الظلام والغدر العالمي منعه وحرمانها منه , لتبدو دولةً فاشلة ممزقة غير قادرة وقابلة للحياة.

ويرون فيه نقطة الإنعطاف التي ستجبر العالم على الرضوخ لإرادة الشعب السوري وخيارته الديمقراطية , وستجبرهم على وضع الحد لحربهم الكونية الظالمة اللا أخلاقية غير المبررة .. وأنه بات عليهم إحترام قرار الشعب السوري وخيارته التي ستكون دليلهم على دروب البناء والنهوض وإعادة الإعمار, وتزيل كافة العراقيل والتي وضعها أعداء سوريا ذرائع أمام الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية السورية.

كما يرون فيه مناسبة للتعبير عن حبهم وولائهم لقيادة الرئيس بشار الأسد الذي لطالما جسد تطلعاتهم وطموحاتهم وهو الذي قادهم بثباتٍ وإصرار في مواجهة الإرهاب الدولي .. وسيؤكدون من خلال الإستحقاق إيمانهم به كبطلٍ للحرب على الإرهاب والغطرسة , وبطلاً للسلام الذي به يرغبون ويتطلعون إليه من خلال رؤيتهم وبوصلتهم وثوابتهم مبادئهم السورية البحتة التي قاتلوا لأجلها وانتصروا لها.

ويعتبر السوريون أن الإستحقاق هو واجب وطني وقومي , ويرون فيه مناسبةً لتحدي الضغوط الأجنبية المعادية التي حاولت على الدوام ثنيهم عن أداء حقوقهم وواجباتهم الوطنية والدستورية تحت مبررات وعناوين زائفة , ودفعهم من خلال الترهيب الإقتصادي والحصار والتجويع للقبول بالإستسلام للمخططات الخارجية وزيف وعودها وأوهامها.

كما يضع السوريون ثقتهم بأن الإستحقاق سيشكل الضربة القاضية للبروباغندا الغربية التي تذرعوا بها لغزو العقول قبل الجغرافيا , وادعوا من خلالها حمايتهم للشعب السوري وبجلب الحرية والديمقراطية إليهم ..

- الموقف الأمريكي من الإستحقاق الرئاسي السوري ...

إذ يلخص ويختزل الموقف الأمريكي كافة مواقف الدول التابعة والتي تدور في فلكه وتحت أمرته , وهو موقفٌ سياسي عدائي , يتماشى مع فلسفة العدوان على سوريا , والذي تحاول من خلاله تبرير حربها القذرة وتواجدها اللا شرعي على الأراضي السورية ومخططاتها الدنيئة .

ففي منتصف شهر اّذار الماضي , دعت سفيرة الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي إلى عدم الانخداع بالانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا، وبأنها "لن تكون لا حرة ولا نزيهة"، وأنها "لن تُكسب نظام الرئيس بشار الأسد أي شرعية" .. وأصدروا بياناً مشتركاً دعا فيه وزراء خارجية أمريكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا أن دولهم "لن تتخلى عن الشعب السوري" وتدعو إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية.

كم يبدو من السخيف أن يتحدث الأمريكيون وغيرهم عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان , والعالم يرى ركبة الشرطي الأمريكي تخنق جورج فلويد , وبندقية اّخر تردي الناس قتلى في الشوارع بداعي إختلاف لونهم أو عرقهم , فيما انتهت الإنتخابات الأمريكية الأخيرة على وقع التزوير والتلاعب بصناديق الإقتراع , وبعدم القبول بنتائج الإنتخابات , وبالكاد تمت السيطرة على الفوضى قبل أن تتحول إلى حرب أهلية وبإمتياز.

في حين أن العروش الخليجية تعد السوريين بديمقراطيةٍ لم يسمع بها الخليجيون من ذي قبل! , في حين أن الإنتخابات الأوروبية خاضعة بالمطلق لإرادة الصهيونية العالمية , ناهيك عن تزوير الإنتخابات التركية , والتي تجري أصلاً تحت سطوة سلاح الديكتاتور أردوغان واستخباراته...

في وقتٍ يتناسى فيه العالم أن سوريا هي مهد الحضارات , وأعرق بلاد المعمورة , ومنها إنطلق الحرف والفكر والثقافة والحضارة لتصل إلى كافة أرجاء العالم .

المهندس: ميشيل كلاغاصي

25/4/2021

Sunday, April 18, 2021

الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان .. أخطبوط متعدد الرؤوس - م.ميشيل كلاغاصي


                                                                                                                                                                         لم تصدر عن الولايات المتحدة توضيحات حول قرار إدارة بايدن بفك ارتباطها العسكري وخروجها من أفغانستان دون قيد أو شرط بحلول 11 /أيلول 2021 ، ولم يكن كلام الرئيس مقنعا ًحول ضرورة "عودة الجنود إلى الوطن" مع إنتشار الاّلاف منهم حول العالم , ولا يخدم سوى الشعار المزيف "أمريكا أولا ً" , ولا يجيب عن السؤال لماذا الاّن .. أم هي إشارة لتخلي واشنطن عن سياستها التي بدأتها في 11/أيلول/2001 , أشعلت من خلالها نصف الكرة الأرضية بحروب وحشية كانت وراء الخراب والدمار والماّسي وسفك الدماء , وهل حققت واشنطن أهدافها من دخول أفغانستان وبات عليها الرحيل , في وقتٍ تتحسس فيه عديد التهديات العالمية , أم أنه قصر نظر الرئيس بايدن وضعف فهمه للمصالح الأمريكية على المدى الطويل , بالإضافة إلى عدم إهتمامه بالعواقب التي تنتظر أفغانستان , والتي من شأنها القضاء على إحتمالية نجاح مفاوضات السلام الداخلية هناك , وإلى زيادة العنف ، وتقويض الحكومة وانهيار الاقتصاد الأفغاني , بما يمهد لحرب أهلية مفتوحة مدفوعة بالوكالة والتي من المحتمل أن تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة ولإطلاق متطرفي القاعدة وداعش لتوسيع نفوذهما , وللضرب في أفغانستان وباكستان ولا تستثني الهند وإيران والصين وتركيا ... ويبقى الأهم إنكشاف حقيقة واشنطن غير الاّبهة بإنتصارالتطرف القاعدي , وبمن سيخلفها بملئ الفراغ بعد إنسحابها , ومن سيتباهى من بعدها بمكافحة الإرهاب ؟ , من المؤكد أن واشنطن تملك الأجوبة .

 ربما حان الوقت لإعتراف الولايات المتحدة بالعبث الذي فرضته في أفغانستان وأنها لم تقدم له شيئا ً سوى استغلاله كملف وورقة سياسية للضغط على كافة الدول المحيطة به , فسمحت بنمو حركة طالبان وغيرها من أفرع التنظيمات القاعدية , ومن جهةٍ أخرى , لم تعدو "منافع" وجودها سوى بجعل الجيش الأفغاني جيشا ًهزيلا ًفاسدا ًضعيفا ً تعج صفوفه بالهاربين والمتسللين , في الوقت الذي تتحدث فيه وثائق كشفتها صحيفة الواشنطن بوست عام 2019 , عن مساعداتٍ أمريكية أمنية بتكلفة تتجاوز الـ 83 مليون دولار منذ عام 2002 ,  وهذا حال جميع الجيوش التي "ترعاها" واشنطن , ولا بد من إنهيار كل ما قدمته لها بمجرد إنسحابها.

إن قرار بايدن بالإنسحاب يعزز الشكوك حول مصداقية الولايات المتحدة , ويعكس نواياها بالإنسحاب من الإشتباك العسكري المحتمل , ويكشف لمرة جديدة تخلي أمريكا عن "الشركاء" , وتركهم لمواجهة مصيرهم بمفردهم .

يبدو أن هدف الولايات المتحدة الأساسي من خطة السلام المقترحة بين الحكومة الأفغانية وطالبان قد تغير , لذلك دعت كلا الطرفين لمراجعتها قبل إطلاق "مفاوضات السلام" في تركيا , ورمت الملف وسط الدول المعنية بالسلام أو بعرقلته كلٌ بحسب مصالحه , في الوقت الذي تكسب فيه واشنطن داخلياً من عودة بضعة من جنودها , وخارجياً تستفيد من بؤرة الخلافات القادمة بين الجيران والحلفاء كروسيا والصين وباكستان وإيران والهند , تبعا ً لتباين ومخاوف وهواجس ومصالح كل منهم.    

فقرار الإنسحاب ضاعف مخاوف الهند من عواقبه على الأمن القومي الهندي , في ظل إحتمالية إندلاع الحرب الأهلية الأفغانية , وانخراط  الجماعات الإرهابية المناهضة للهند والجماعات الإرهابية الدولية فيها , ولعل نيودلهي تفضل البقاء بعيدةعن المفاوضات أحادية الجانب مع طالبان خوفا ًمن سقوط الحكومة الأفغانية , مع علمها أن الإنسحاب الأمريكي إن حصل سيكون له نفس الأثر , لذلك مارست إدارة بايدن ضغوطها من أجل إنخراط الهند وبأن يكون لها معقدها في محادثات اسطنبول . 

وفي السياق ذاته , هناك قلق حقيقي إيراني من الإنسحاب الأمريكي السريع والكامل , ومن عودة طالبان إلى السلطة من خلال العنف والحرب وليس عبر المفاوضات , ومع إشتراك أفغانستان وإيران بحدودٍ تقارب الـ 940 كم , ترتفع هواجس إيران من ظهور الجماعات الإرهابية على حدودها وإحتمالية تسللها نحو الداخل الإيراني , على غرار نتائج انسحاب القوات الأمريكية من العراق في عام 2011 الذي أدى إلى ظهور داعش ، حيث كانت قوات الأمن العراقية غير مستعدة وغير قادرة على تحمل مسؤولية أمن البلاد.

أما الصين , التي تعلق اّمالاً كبيرة على مشروع مبادرة الحزام والطريق الذي يربط الصين بآسيا الوسطى وغرب آسيا وصولاً إلى الأسواق الأوروبية , والذي تمر بعض ممراته الإقتصادية عبر شينجيانغ ، بما في ذلك الممر الإقتصادي البري الصيني - الباكستاني الذي يربط مدينة كاشغر في شينجيانغ بميناء جوادار في باكستان , الأمر الذي يبرر مخاوف الصين من إقدام واشنطن على الإنسحاب من أفغانستان لخلق المشاكل في شينجيانغ لزعزعة استقرار مبادرة الحزام والطريق.

في حين تبقى خشية تركيا .... بما يتعلق بقبول تكليفها لعقد "مفاوضات السلام في أفغانستان" على أراضيها ، الأمر الذي سيعرقل إحياء علاقاتها مع الغرب عموماً , وسيؤثر على تحديث مشاريعها العسكرية وخاصة برنامج الناتو F-35 ، على الرغم من أن ذلك سيعزز جدول أعمالها وأجندتها "العثمانية الجديدة" في اّسيا الوسطى ,خصوصاً على دعمها لأذربيجان في النزاع حول ناغورني كاراباخ... في الوقت الذي قدمت فيه نفسها كراعٍ وقائدٍ للتنظيمات الإرهابية , ما يجعل منها قاعدة للولايات المتحدة والناتو تكون قادرة على نشر جحافل الإرهابيين في القوقاز أيضاً لزعزعة استقرار روسيا أيضاً , الأمر الذي تحلم به واشنطن لفك عقدة التقارب والتعاون التركي – الروسي.

المهندس : ميشيل كلاغاصي

18/4/2021                                                                                         

Monday, April 12, 2021

أمريكا .. وخديعة العودة للإتفاق النووي - م.ميشيل كلاغاصي

بعد مضي أكثر من خمسين يوما ًلإعتلاء الرئيس جو بايدن سدة البيت الأبيض , لا بد من الوقوف على حقيقة ما أنجزه وإدارته  بما يتعلق بالإتفاق النووي الإيراني , خصوصا ً أنه بدا منذ اليوم الأول جديا ً للغاية ويقول :"لا وقت لدي لأضيعه" , "حان وقت العمل" , بعدما ملئت وعوده الإنتخابية بالعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة وسائل الإعلام  حول العالم ... أين وصلت الرسائل التمهيدية المتبادلة بين واشنطن وطهران , ماذا عن اللقاء الأول في فيينا , هل تتابع واشنطن مسيرة عودتها إلى الإتفاق ؟.

فمنذ شباط 2021 ، لم توقف عديد الصحف الأمريكية ترويجها لسياسة بايدن - المفترض أنها - معاكسة لسياسة ترامب حيال إيران , وأنه جاهز تماما ً للمحادثات بشأن "الصفقة النووية" مع إيران والدول الموقعة على الإتفاق في العام 2015 , وأنه يرفض بشدة " حملة "الضغط الأقصى" التي شنها سلفه  ترامب بهدف عزل الجمهورية الإسلامية إلى أن تعلن إستسلامها.

على الرغم من محاولات بايدن اليائسة للتمييز بين إدارته وبين إدارة ترامب ، فإن وعوده بالعودة إلى الصفقة جاءت مشروطة ، الأمر الذي يفرض على إيران إعادة الإلتزام بشروط الصفقة قبل أن ترفع الولايات المتحدة عقوباتها , وبعد مناقشة الشروط الإضافية , مع استمرار حملة الضغط  الإعلامي واّليات الضغط السياسي المطبقة على طهران...

 بات من المؤكد أن سياسة بايدن الخاطئة هي ذاتها التي انتهجتها إدارة ترامب , ولا تعدو رغبة بايدن المعلنة في العودة إلى طاولة المفاوضات أكثر من اعترافٍ بخطأ إنسحاب إدارة ترامب من الإتفاق , وكان من الأجدى للإدارة الجديدة أن تُظهر شيئا ًمن تحمل مسؤولية أخطاء سابقتها , وأن تعود للإتفاق دون أي قيد أو شرط  , وترفع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب دون أي وجه حق .

وعلى الرغم من الإنسحاب أحادي الجانب للولايات المتحدة من الإتفاق , وخرق كافة الشروط , وتعريض مستقبل الصفقة للخطر , تبدو إيران وعلى المقلب الاّخر مستعدة وبنية حسنة للعودة إلى المفاوضات وللإمتثال الكامل للنص الأصلي للإتفاق في حال رفع العقوبات , والعودة إلى ما قبل الإنسحاب الأمريكي , وهذا بالطبع يؤكد تمسكها بالإتفاق وبحقوقها فيه ومصالحها التي تمنحها القوة للمضي قدما ًفي تنفيذ كامل بنوده , في حين تبدو الولايات المتحدة تبحث عن إنخراط طهران في المفاوضات بعد تجريدها من أوراق قوتها , وهذا ما لم ولن تقبل به طهران. 

ومن خلال التباين بين الأقوال والأفعال الأمريكية , يجدر الإهتمام بمن يقف وراء صياغة السياسة الخارجية الأمريكية , من خارج أسوار البيت الأبيض ومجلس الشيوخ , وما يتجاوز خديعة الانتخابات الأمريكية .

فكما هو معلوم للجميع بأن إيران تحولت منذ الثورة إلى دولة معادية للسياسات الأمريكية والمد الصهيوني في العالم , وباتت كل الطرق المؤدية إلى إنتصار قوى الهيمنة والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط والإقليم , تمرّ عبر استراتيجية تدمير إيران , واستهداف صمودها وصعودها العلمي والتكنولوجي , وثبات واستقلال قرارها السياسي , وبات البحث عن أي ذريعة تؤدي إلى غزوها العسكري وتدمير منجزات ثورتها وشعبها مطلبا ً لمن يخططون في الخفاء والعلن .. وقد يكون الملف النووي أحد بوابات الجحيم الذي أرادوا من خلاله شيطنتها وإدانتها وتدميرها بالقوة العسكرية , لذلك لا يتوقفون عند مصالحها وبرنامجها النووي السلمي , ويسلطون الأضواء على كونهم دعاة وصنّاع السلام في العالم على عكس إيران !.

يبدو أن إدارة بايدن لجأت لخديعة إظهار رغبتها بالعودة للإتفاق  وبشروط إضافية , إعتقادا ً منها بأن إيران سترفض ذلك , ومع سلسلة من الإستفزازات والإغتيالات والعقوبات والإعتداءات العسكرية على أهداف إيرانية في مياه الخليج العربي وعلى حلفائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن ..إلخ , وبالتالي سيكون من السهل إقحام "إسرائيل" لتشارك الولايات المتحدة في حربٍ شاملة على إيران بتأييدٍ بعضه "عربي" وغربي ودولي , عبر إستغلال الرد الإيراني الإنتقامي على مجمل الإستفزازات الإسرائيلية المختلفة.

وفي هذا السياق , وفي خضم الحديث عن نتائج مباحثات فيينا , وإعلان إيران عن البدء بتشغيل أجهزة الطرد في أحد منشاّتها النووية , فوجئ العالم بنبأ وقوع حادثة خللٍ داخل منشأة نطنز , حيث تضاربت الأخبار الأولية حوله , وتداولت الصحف أنه ناتجٌ عن عطلٍ فني أو هجومٍ سيبراني خارجي , فيما اهتمت الصحف الإسرائيلية ( موقع والاه , جيروزاليم بوست , هآرتس , قناة "كان" الإسرائيلية الرسمية ) بنشر رواية واحدة , تؤكد من خلالها على أنه هجومٌ إلكتروني تقف إسرائيل وراءه , وهذا بالتأكيد يعتبر تبني لافت للإنتباه.

في الوقت الذي كشف فيه رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية "علي أكبر صالحي" ، أن ما جرى هو "عمل إرهابي نووي"، وأن التعرض للمفاعل يهدف إلى "منع تطوير البرنامج النووي الإيراني" , وأن "إيران تحتفظ بحق الرد على منفذي وآمري" هذا الفعل , فيما حمّل وزير الخارجية الإيراني العدو الإسرائيلي المسؤولية وتوعد بالرد.

ماذا عن لقاءات فيينا, هل للهجوم على "نطنز" علاقة بما انتهت عليه المحادثات قبل يوم واحد..؟

فبعد أربعة أيام للقاء إنتهت محادثات فيينا وسط أجواء تبدو في ظاهرها إيجابية , إذ أكدت فيها واشنطن وجود مؤشرات على جدية إيران ، فيما خلصت طهران إلى إنها لن تجمد خطوات خفض الإلتزام بناءا ًعلى مؤشرات إيجابية غير مضمونة .. ومع ذلك أبدت كلا ً من روسيا والصين إرتياحهما لعمل اللجان التي تحدثت عن خطة لعودة واشنطن للإتفاق , ونقل عن المندوب الروسي قوله : " تحوّلنا من الحديث عن استعادة الاتفاق إلى بدء اتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه" , وأكد المتحدث بإسم الخارجية الأميركية استعداد بلاده "لإتخاذ الخطوات اللازمة للعودة للإتفاق النووي ورفع العقوبات", من جانبها قالت المتحدثة بإسم الخارجية الفرنسية أن "المحادثات كانت بناءة".

أما طهران ... فصدرت عنها جملة مواقف وتصريحات بدأت بتأكيد مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأن :"إيران لن تتخذ أي خطوة بإطار العودة للاتفاق ما لم تتأكد من رفع العقوبات الأمريكية عنها" , وبأن "سياسة “الخطوة بخطوة” غير مجدية مع طهران ولا بد من رفعها جميعا ً دفعة واحدة" .

 بالتأكيد تتحدث طهران عن رفع 1500 عقوبة فرضها الرئيس الأمريكي السابق , والسماح بحرية بيع النفط وبدون أي حظر قبل العودة للإلتزام ببنود الإتفاق , وتصرّ على الإستمرار بتخصيب اليورانيوم إلى 20% , و إستخدام أجهزة طرد متطورة , وأنها اقترحت مسارا ً منطقيا ً للإمتثال لخطة العمل المشتركة، يشمل عودة واشنطن إلى الامتثال الكامل للخطة – بحسب الوزير محمد جواد ظريف-.

يبدو أن العالم يقف على أعتاب نقطة انعطاف خطيرة , تفقد فيها واشنطن كل أعذار تأخر عودتها إلى الصفقة , وبعدم قدرتها على توجيه اللوم إلى طهران , الأمر الذي سيقضي تدريجيا ًعلى إتهاماتها السياسية , وقد يدفعها نحو إبتكار استفزازاتٍ جديدة , للمحافظة على ذرائعها للعدوان على إيران , وعلى التعاطف والدعم الدولي الذي تحتاجه لذلك.

دائما ً كان الرهان الإيراني على حكمة قيادتها , والتي سعت – قدر الإمكان – لتجنب الإستفزازات على ضخامة الألم بفقدان بعض القادة العسكريين والعلماء النوويين الشهداء , وحافظت على إلتزامها بالسلام والإستقرار في المنطقة , وعلى الرغم من الحصار الإقتصادي الرهيب والعقوبات الأمريكية الظالمة المفروضة دون وجه حق , وعلى الرغم من قدرتها على إيلام قوات الغزو الأمريكي في المنطقة , وتلقين الكيان الإسرائيلي دروسا ًوجودية , لكنها وبكامل الحكمة تسعى سحق الحملة الإعلامية الأمريكية والأوروبية وبعض "العربية" ضدها , وتعرية الرغبة الأمريكية المزيفة للعودة إلى الصفقة , ولوضع الحد أمام التذبذب والخداع والخنوع الأوروبي , الذي ابتعد عن حياده ومصالحه لإرضاء "السيد" الأمريكي , بالإضافة إلى تعويل طهران على الدور الروسي والصيني , لمنع واشنطن وأدواتها من جر العالم إلى حروبٍ كارثية يبدو العالم بغنى عنها.

المهندس : ميشيل كلاغاصي

12/4/2021