Sunday, April 18, 2021

الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان .. أخطبوط متعدد الرؤوس - م.ميشيل كلاغاصي


                                                                                                                                                                         لم تصدر عن الولايات المتحدة توضيحات حول قرار إدارة بايدن بفك ارتباطها العسكري وخروجها من أفغانستان دون قيد أو شرط بحلول 11 /أيلول 2021 ، ولم يكن كلام الرئيس مقنعا ًحول ضرورة "عودة الجنود إلى الوطن" مع إنتشار الاّلاف منهم حول العالم , ولا يخدم سوى الشعار المزيف "أمريكا أولا ً" , ولا يجيب عن السؤال لماذا الاّن .. أم هي إشارة لتخلي واشنطن عن سياستها التي بدأتها في 11/أيلول/2001 , أشعلت من خلالها نصف الكرة الأرضية بحروب وحشية كانت وراء الخراب والدمار والماّسي وسفك الدماء , وهل حققت واشنطن أهدافها من دخول أفغانستان وبات عليها الرحيل , في وقتٍ تتحسس فيه عديد التهديات العالمية , أم أنه قصر نظر الرئيس بايدن وضعف فهمه للمصالح الأمريكية على المدى الطويل , بالإضافة إلى عدم إهتمامه بالعواقب التي تنتظر أفغانستان , والتي من شأنها القضاء على إحتمالية نجاح مفاوضات السلام الداخلية هناك , وإلى زيادة العنف ، وتقويض الحكومة وانهيار الاقتصاد الأفغاني , بما يمهد لحرب أهلية مفتوحة مدفوعة بالوكالة والتي من المحتمل أن تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة ولإطلاق متطرفي القاعدة وداعش لتوسيع نفوذهما , وللضرب في أفغانستان وباكستان ولا تستثني الهند وإيران والصين وتركيا ... ويبقى الأهم إنكشاف حقيقة واشنطن غير الاّبهة بإنتصارالتطرف القاعدي , وبمن سيخلفها بملئ الفراغ بعد إنسحابها , ومن سيتباهى من بعدها بمكافحة الإرهاب ؟ , من المؤكد أن واشنطن تملك الأجوبة .

 ربما حان الوقت لإعتراف الولايات المتحدة بالعبث الذي فرضته في أفغانستان وأنها لم تقدم له شيئا ً سوى استغلاله كملف وورقة سياسية للضغط على كافة الدول المحيطة به , فسمحت بنمو حركة طالبان وغيرها من أفرع التنظيمات القاعدية , ومن جهةٍ أخرى , لم تعدو "منافع" وجودها سوى بجعل الجيش الأفغاني جيشا ًهزيلا ًفاسدا ًضعيفا ً تعج صفوفه بالهاربين والمتسللين , في الوقت الذي تتحدث فيه وثائق كشفتها صحيفة الواشنطن بوست عام 2019 , عن مساعداتٍ أمريكية أمنية بتكلفة تتجاوز الـ 83 مليون دولار منذ عام 2002 ,  وهذا حال جميع الجيوش التي "ترعاها" واشنطن , ولا بد من إنهيار كل ما قدمته لها بمجرد إنسحابها.

إن قرار بايدن بالإنسحاب يعزز الشكوك حول مصداقية الولايات المتحدة , ويعكس نواياها بالإنسحاب من الإشتباك العسكري المحتمل , ويكشف لمرة جديدة تخلي أمريكا عن "الشركاء" , وتركهم لمواجهة مصيرهم بمفردهم .

يبدو أن هدف الولايات المتحدة الأساسي من خطة السلام المقترحة بين الحكومة الأفغانية وطالبان قد تغير , لذلك دعت كلا الطرفين لمراجعتها قبل إطلاق "مفاوضات السلام" في تركيا , ورمت الملف وسط الدول المعنية بالسلام أو بعرقلته كلٌ بحسب مصالحه , في الوقت الذي تكسب فيه واشنطن داخلياً من عودة بضعة من جنودها , وخارجياً تستفيد من بؤرة الخلافات القادمة بين الجيران والحلفاء كروسيا والصين وباكستان وإيران والهند , تبعا ً لتباين ومخاوف وهواجس ومصالح كل منهم.    

فقرار الإنسحاب ضاعف مخاوف الهند من عواقبه على الأمن القومي الهندي , في ظل إحتمالية إندلاع الحرب الأهلية الأفغانية , وانخراط  الجماعات الإرهابية المناهضة للهند والجماعات الإرهابية الدولية فيها , ولعل نيودلهي تفضل البقاء بعيدةعن المفاوضات أحادية الجانب مع طالبان خوفا ًمن سقوط الحكومة الأفغانية , مع علمها أن الإنسحاب الأمريكي إن حصل سيكون له نفس الأثر , لذلك مارست إدارة بايدن ضغوطها من أجل إنخراط الهند وبأن يكون لها معقدها في محادثات اسطنبول . 

وفي السياق ذاته , هناك قلق حقيقي إيراني من الإنسحاب الأمريكي السريع والكامل , ومن عودة طالبان إلى السلطة من خلال العنف والحرب وليس عبر المفاوضات , ومع إشتراك أفغانستان وإيران بحدودٍ تقارب الـ 940 كم , ترتفع هواجس إيران من ظهور الجماعات الإرهابية على حدودها وإحتمالية تسللها نحو الداخل الإيراني , على غرار نتائج انسحاب القوات الأمريكية من العراق في عام 2011 الذي أدى إلى ظهور داعش ، حيث كانت قوات الأمن العراقية غير مستعدة وغير قادرة على تحمل مسؤولية أمن البلاد.

أما الصين , التي تعلق اّمالاً كبيرة على مشروع مبادرة الحزام والطريق الذي يربط الصين بآسيا الوسطى وغرب آسيا وصولاً إلى الأسواق الأوروبية , والذي تمر بعض ممراته الإقتصادية عبر شينجيانغ ، بما في ذلك الممر الإقتصادي البري الصيني - الباكستاني الذي يربط مدينة كاشغر في شينجيانغ بميناء جوادار في باكستان , الأمر الذي يبرر مخاوف الصين من إقدام واشنطن على الإنسحاب من أفغانستان لخلق المشاكل في شينجيانغ لزعزعة استقرار مبادرة الحزام والطريق.

في حين تبقى خشية تركيا .... بما يتعلق بقبول تكليفها لعقد "مفاوضات السلام في أفغانستان" على أراضيها ، الأمر الذي سيعرقل إحياء علاقاتها مع الغرب عموماً , وسيؤثر على تحديث مشاريعها العسكرية وخاصة برنامج الناتو F-35 ، على الرغم من أن ذلك سيعزز جدول أعمالها وأجندتها "العثمانية الجديدة" في اّسيا الوسطى ,خصوصاً على دعمها لأذربيجان في النزاع حول ناغورني كاراباخ... في الوقت الذي قدمت فيه نفسها كراعٍ وقائدٍ للتنظيمات الإرهابية , ما يجعل منها قاعدة للولايات المتحدة والناتو تكون قادرة على نشر جحافل الإرهابيين في القوقاز أيضاً لزعزعة استقرار روسيا أيضاً , الأمر الذي تحلم به واشنطن لفك عقدة التقارب والتعاون التركي – الروسي.

المهندس : ميشيل كلاغاصي

18/4/2021                                                                                         

No comments:

Post a Comment