Monday, April 12, 2021

أمريكا .. وخديعة العودة للإتفاق النووي - م.ميشيل كلاغاصي

بعد مضي أكثر من خمسين يوما ًلإعتلاء الرئيس جو بايدن سدة البيت الأبيض , لا بد من الوقوف على حقيقة ما أنجزه وإدارته  بما يتعلق بالإتفاق النووي الإيراني , خصوصا ً أنه بدا منذ اليوم الأول جديا ً للغاية ويقول :"لا وقت لدي لأضيعه" , "حان وقت العمل" , بعدما ملئت وعوده الإنتخابية بالعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة وسائل الإعلام  حول العالم ... أين وصلت الرسائل التمهيدية المتبادلة بين واشنطن وطهران , ماذا عن اللقاء الأول في فيينا , هل تتابع واشنطن مسيرة عودتها إلى الإتفاق ؟.

فمنذ شباط 2021 ، لم توقف عديد الصحف الأمريكية ترويجها لسياسة بايدن - المفترض أنها - معاكسة لسياسة ترامب حيال إيران , وأنه جاهز تماما ً للمحادثات بشأن "الصفقة النووية" مع إيران والدول الموقعة على الإتفاق في العام 2015 , وأنه يرفض بشدة " حملة "الضغط الأقصى" التي شنها سلفه  ترامب بهدف عزل الجمهورية الإسلامية إلى أن تعلن إستسلامها.

على الرغم من محاولات بايدن اليائسة للتمييز بين إدارته وبين إدارة ترامب ، فإن وعوده بالعودة إلى الصفقة جاءت مشروطة ، الأمر الذي يفرض على إيران إعادة الإلتزام بشروط الصفقة قبل أن ترفع الولايات المتحدة عقوباتها , وبعد مناقشة الشروط الإضافية , مع استمرار حملة الضغط  الإعلامي واّليات الضغط السياسي المطبقة على طهران...

 بات من المؤكد أن سياسة بايدن الخاطئة هي ذاتها التي انتهجتها إدارة ترامب , ولا تعدو رغبة بايدن المعلنة في العودة إلى طاولة المفاوضات أكثر من اعترافٍ بخطأ إنسحاب إدارة ترامب من الإتفاق , وكان من الأجدى للإدارة الجديدة أن تُظهر شيئا ًمن تحمل مسؤولية أخطاء سابقتها , وأن تعود للإتفاق دون أي قيد أو شرط  , وترفع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب دون أي وجه حق .

وعلى الرغم من الإنسحاب أحادي الجانب للولايات المتحدة من الإتفاق , وخرق كافة الشروط , وتعريض مستقبل الصفقة للخطر , تبدو إيران وعلى المقلب الاّخر مستعدة وبنية حسنة للعودة إلى المفاوضات وللإمتثال الكامل للنص الأصلي للإتفاق في حال رفع العقوبات , والعودة إلى ما قبل الإنسحاب الأمريكي , وهذا بالطبع يؤكد تمسكها بالإتفاق وبحقوقها فيه ومصالحها التي تمنحها القوة للمضي قدما ًفي تنفيذ كامل بنوده , في حين تبدو الولايات المتحدة تبحث عن إنخراط طهران في المفاوضات بعد تجريدها من أوراق قوتها , وهذا ما لم ولن تقبل به طهران. 

ومن خلال التباين بين الأقوال والأفعال الأمريكية , يجدر الإهتمام بمن يقف وراء صياغة السياسة الخارجية الأمريكية , من خارج أسوار البيت الأبيض ومجلس الشيوخ , وما يتجاوز خديعة الانتخابات الأمريكية .

فكما هو معلوم للجميع بأن إيران تحولت منذ الثورة إلى دولة معادية للسياسات الأمريكية والمد الصهيوني في العالم , وباتت كل الطرق المؤدية إلى إنتصار قوى الهيمنة والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط والإقليم , تمرّ عبر استراتيجية تدمير إيران , واستهداف صمودها وصعودها العلمي والتكنولوجي , وثبات واستقلال قرارها السياسي , وبات البحث عن أي ذريعة تؤدي إلى غزوها العسكري وتدمير منجزات ثورتها وشعبها مطلبا ً لمن يخططون في الخفاء والعلن .. وقد يكون الملف النووي أحد بوابات الجحيم الذي أرادوا من خلاله شيطنتها وإدانتها وتدميرها بالقوة العسكرية , لذلك لا يتوقفون عند مصالحها وبرنامجها النووي السلمي , ويسلطون الأضواء على كونهم دعاة وصنّاع السلام في العالم على عكس إيران !.

يبدو أن إدارة بايدن لجأت لخديعة إظهار رغبتها بالعودة للإتفاق  وبشروط إضافية , إعتقادا ً منها بأن إيران سترفض ذلك , ومع سلسلة من الإستفزازات والإغتيالات والعقوبات والإعتداءات العسكرية على أهداف إيرانية في مياه الخليج العربي وعلى حلفائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن ..إلخ , وبالتالي سيكون من السهل إقحام "إسرائيل" لتشارك الولايات المتحدة في حربٍ شاملة على إيران بتأييدٍ بعضه "عربي" وغربي ودولي , عبر إستغلال الرد الإيراني الإنتقامي على مجمل الإستفزازات الإسرائيلية المختلفة.

وفي هذا السياق , وفي خضم الحديث عن نتائج مباحثات فيينا , وإعلان إيران عن البدء بتشغيل أجهزة الطرد في أحد منشاّتها النووية , فوجئ العالم بنبأ وقوع حادثة خللٍ داخل منشأة نطنز , حيث تضاربت الأخبار الأولية حوله , وتداولت الصحف أنه ناتجٌ عن عطلٍ فني أو هجومٍ سيبراني خارجي , فيما اهتمت الصحف الإسرائيلية ( موقع والاه , جيروزاليم بوست , هآرتس , قناة "كان" الإسرائيلية الرسمية ) بنشر رواية واحدة , تؤكد من خلالها على أنه هجومٌ إلكتروني تقف إسرائيل وراءه , وهذا بالتأكيد يعتبر تبني لافت للإنتباه.

في الوقت الذي كشف فيه رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية "علي أكبر صالحي" ، أن ما جرى هو "عمل إرهابي نووي"، وأن التعرض للمفاعل يهدف إلى "منع تطوير البرنامج النووي الإيراني" , وأن "إيران تحتفظ بحق الرد على منفذي وآمري" هذا الفعل , فيما حمّل وزير الخارجية الإيراني العدو الإسرائيلي المسؤولية وتوعد بالرد.

ماذا عن لقاءات فيينا, هل للهجوم على "نطنز" علاقة بما انتهت عليه المحادثات قبل يوم واحد..؟

فبعد أربعة أيام للقاء إنتهت محادثات فيينا وسط أجواء تبدو في ظاهرها إيجابية , إذ أكدت فيها واشنطن وجود مؤشرات على جدية إيران ، فيما خلصت طهران إلى إنها لن تجمد خطوات خفض الإلتزام بناءا ًعلى مؤشرات إيجابية غير مضمونة .. ومع ذلك أبدت كلا ً من روسيا والصين إرتياحهما لعمل اللجان التي تحدثت عن خطة لعودة واشنطن للإتفاق , ونقل عن المندوب الروسي قوله : " تحوّلنا من الحديث عن استعادة الاتفاق إلى بدء اتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه" , وأكد المتحدث بإسم الخارجية الأميركية استعداد بلاده "لإتخاذ الخطوات اللازمة للعودة للإتفاق النووي ورفع العقوبات", من جانبها قالت المتحدثة بإسم الخارجية الفرنسية أن "المحادثات كانت بناءة".

أما طهران ... فصدرت عنها جملة مواقف وتصريحات بدأت بتأكيد مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأن :"إيران لن تتخذ أي خطوة بإطار العودة للاتفاق ما لم تتأكد من رفع العقوبات الأمريكية عنها" , وبأن "سياسة “الخطوة بخطوة” غير مجدية مع طهران ولا بد من رفعها جميعا ً دفعة واحدة" .

 بالتأكيد تتحدث طهران عن رفع 1500 عقوبة فرضها الرئيس الأمريكي السابق , والسماح بحرية بيع النفط وبدون أي حظر قبل العودة للإلتزام ببنود الإتفاق , وتصرّ على الإستمرار بتخصيب اليورانيوم إلى 20% , و إستخدام أجهزة طرد متطورة , وأنها اقترحت مسارا ً منطقيا ً للإمتثال لخطة العمل المشتركة، يشمل عودة واشنطن إلى الامتثال الكامل للخطة – بحسب الوزير محمد جواد ظريف-.

يبدو أن العالم يقف على أعتاب نقطة انعطاف خطيرة , تفقد فيها واشنطن كل أعذار تأخر عودتها إلى الصفقة , وبعدم قدرتها على توجيه اللوم إلى طهران , الأمر الذي سيقضي تدريجيا ًعلى إتهاماتها السياسية , وقد يدفعها نحو إبتكار استفزازاتٍ جديدة , للمحافظة على ذرائعها للعدوان على إيران , وعلى التعاطف والدعم الدولي الذي تحتاجه لذلك.

دائما ً كان الرهان الإيراني على حكمة قيادتها , والتي سعت – قدر الإمكان – لتجنب الإستفزازات على ضخامة الألم بفقدان بعض القادة العسكريين والعلماء النوويين الشهداء , وحافظت على إلتزامها بالسلام والإستقرار في المنطقة , وعلى الرغم من الحصار الإقتصادي الرهيب والعقوبات الأمريكية الظالمة المفروضة دون وجه حق , وعلى الرغم من قدرتها على إيلام قوات الغزو الأمريكي في المنطقة , وتلقين الكيان الإسرائيلي دروسا ًوجودية , لكنها وبكامل الحكمة تسعى سحق الحملة الإعلامية الأمريكية والأوروبية وبعض "العربية" ضدها , وتعرية الرغبة الأمريكية المزيفة للعودة إلى الصفقة , ولوضع الحد أمام التذبذب والخداع والخنوع الأوروبي , الذي ابتعد عن حياده ومصالحه لإرضاء "السيد" الأمريكي , بالإضافة إلى تعويل طهران على الدور الروسي والصيني , لمنع واشنطن وأدواتها من جر العالم إلى حروبٍ كارثية يبدو العالم بغنى عنها.

المهندس : ميشيل كلاغاصي

12/4/2021 






No comments:

Post a Comment