Saturday, February 27, 2021

من دافوس إلى ميونخ .. بوتين وبايدن وجهاً لوجه - م. ميشيل كلاغاصي

 


مالذي يحدث بين الولايات المتحدة ودولة روسيا الإتحادية , البعض يسميها بـ"الحرب الباردة" , على الرغم من المواجهات الميدانية التي لا تزال مستمرة , بعضها بشكل محدود لكنه مباشر ووجهاً لوجه كما حدث في سوريا , أو بشكل غير مباشر عبر الدعم الذي يقدمه كل منهما لحلفائه وشركائه ... حتى المواجهة السياسية لم تعد كالسابق , وأخذت تنحى منحىً تصاعدياً , تخطى العقوبات الأمريكية على روسيا , والحصار الإقتصادي , الصراع في الشرق الأوسط , وملفات خطوط الطاقة , والعلاقات مع أوروبا , والإقتراب المستمر لحلف الناتو من الحدود الحيوية والجغرافية للدولة الروسية , بالإضافة إلى المحاولات المستمرة لزعزعة الداخل الروسي , وحملات الشيطنة الإعلامية للدور الروسي حول العالم .

فمن استمع لخطاب الرئيس جو بايدن الأول , وخطابه في مؤتمر ميونخ للأمن , وما بينهما إلى خطاب الرئيس بوتين في دافوس , وما تحدث عنه خلال اجتماعه بهيئات الأمن الروسية , يتأكد بأنه يستمع إلى خطابات الرد والرد المقابل , فاللغة والنبرة والمفردات تغيرت , وأصبحت أكثر قسوة خصوصاً من الجانب الأمريكي , وبدا خروج الرئيس بايدن عن دبلوماسية الخطاب واضحاً و واعداً ومبشراً بمرحلة جديدة تختلف عن تاريخ العلاقات بينهما.

وإذا كان لا بد وأن يُبنى على الشيء مقتضاه , فقد نرى مقاربات مختلفة في معالجة الملفات الشائكة والمعقدة , بعيداً عن المألوف والمتوقع... ولمن يعشق الوقوف على الأطلال , فقد كانتا حليفتين وانتصرتا معاً في الحرب العالمية , وتقاسمتا النفوذ العالمي , وعبر المسيرة الطويلة تحولتا من التحالف إلى المنافسة فهل وصلتا إلى العداء المطلق ؟.

فقد كان خطاب بوتين في دافوس حاداً , انتقد فيه دول الغرب والنماذج الاقتصادية الغربية , واتهم دول الغرب بـ "شنّ حرب اقتصادية على العالم" , وأشار إلى "خطورة انهيار النموذج الاقتصادي الغربي" , الأمر الذي سيدفع للخروج عن السيطرة إذا لم يتم منعه وإيقافه... وأكد  أن "أزمة النماذج الاقتصادية الغربية" أدت إلى بروز التطرف الراديكالي اليميني واليساري ، بشكل أثرّ على طبيعة العلاقات الدولية، وعلى استقرار وإضعاف المؤسسات الدوليّة ، وجعلت الصراعات الإقليمية تظهر الواحدة  تلو الأخرى، وإلى تدهور نظام الأمن العالمي , والذي بدوره سيشكل انهياراً كبيراً في التنمية العالمية، بما سيضاعف التناقضات وتصنيف من هم الأعداء الداخليين والخارجيين , ومن هو كبش الفداء في هذه الحرب , ورأى بأنها وبمجملها أمورٌ ستتسبب "بنتائج ديموغرافية سلبية بالتأكيد , وبأزماتٍ إقتصادية واجتماعية , وأزمة قيم".

فيما أتى رد بايدن في مؤتمر ميونخ للأمن , أكثر حدة من خطاب بوتين , وكاد حديثه ينحصر بالرد على روسيا , وبدا كمن يكشر عن أنيابه ويكشف نوايا إدارته حول إعادة التموضع الأمريكي الجديد – القديم , على الرغم من فظاظة كلامه وخطورة إتهاماته بقوله:" علينا مواجهة تهديدات روسيا لنظامنا , النظام الروسي هو نظام فاسد وبوتين يسعى إلى مواجهة النظام الأوروبي , روسيا تقوم بمهاجمة "الديمقراطية الأميركية" وتشكّل تهديداً لنا ولأوروبا ونحن لا نريد المواجهة".

قابله بوتين بالرد المناسب خلال اجتماعه بهيئات الأمن الروسية , وأكد في إشارة مباشرة للولايات المتحدة بأن “الإرهاب والجريمة العابرة للحدود , تمثل التهديد الأكبر والأكثر خطورة" و أن " بعض الدول لا تخفي مواقفها اللا ودية تجاه روسيا وتقوم بشن حملات إعلامية ضدها" , وبأنهم يذهبون إلى أبعد من ذلك من خلال خطابهم العدواني وإتهاماتهم التي لا أساس لها" , والتي تجعل من روسيا "ضحية التضليل الجماعي" لوسائل الإعلام الغربية... ولم يخفِ قلقه من "اللعبة الأمريكية – بلا قواعد" , بأن تؤدي إلى "تضاعف خطر العمل العسكري الأحادي" , وأن يتم استغلال "التنافس بين الدول وأن يتحول التحدي لمجرد ضمان عدم تدهوره إلى حرب".

يبدو أن إدارة بايدن عازمة على معالجة الجروح الأمريكية , لكنها لم تعثر بعد على الطريق الصحيح , بعدما أضاعت فرصة تفردها بالعالم , وقادتها سياساتها المتغطرسة وشهواتها نحو تحطيمٍ كلي لإدعاءاتها الإعلامية وشعاراتها الزائفة , وظهرت حقيقة مخططاتها العدوانية الخبيثة , التي أشاعت الفوضى والحروب حول العالم , والتي بفضلها لم يعد الكوكب مكاناً اّمناً لحياة البشر .

يبدو أنها أعتقدت أن العالم كان نائماً في سني تفردها , لكنها فوجئت بتراجع إقتصادها وبأزماتها الداخلية , وإنقسام شعبها وإنسياقه نحو التطرف والعنصرية والعرقية ... وبتعثر سياساتها الخارجية وبوصولها إلى الحائط المسدود , بما قد يبشرها بهزائم عسكرية وسياسية غير متوقعة هنا أو هناك , وأصبح من الضروري لها أن تتوقف عن ذهنية القوة العسكرية والحروب التجارية وسياسة العقوبات والحصار وتغيير الأنظمة الشرعية والتدخل في شؤونها الداخلية , والإعتماد على الإرهاب .

يبدو أن استراتيجية الإدارة الأمريكية الجديدة لن تتغير , ولا يبشر خطاب الرئيس بايدن بإستراتيجية أمريكية عاقلة , خصوصاً مع كلامه عن عودة حلف الأطلسي ودعم دوله عسكرياً , والتصعيد الكبير والمعلن في مواجهة موسكو وبكين وطهران وغيرها , ومحاولة الضغط على الدول الأوروبية للبقاء تحت الإبط الأمريكي , ومنعها من "البحث عن مستقبلها ومصيرها بعيداً عن هيمنة الولايات المتحدة" – بحسب مواقف سابقة للرئيس ماكرون  والمستشارة ميركل-.

وبات على الولايات المتحدة رؤية العالم الجديد , الذي تتكاتف فيه الدول لمواجهة التحديات , وبالبحث المشترك عن حلول المشاكل العالمية , والعودة أكثر فأكثر نحو الإلتزام بالقانون الدولي والقواعد الدولية , بدلاً من السعي وراء التفرد والسيطرة على العالم , ومنح العالم فرصة التنافس الحقيقي دون أن يتحول نحو الكراهية والعداء والمواجهة.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

26/2/20201

No comments:

Post a Comment