Tuesday, February 2, 2021

من يعود إلى الإتفاق أولاً .. إدارة بايدن على طاولة الإختبار الإيراني - م.ميشيل كلاغاصي


كان من المفاجئ إعلان الرئيس الأمريكي الجديد خلال اسبوعه الأول في البيت الأبيض إمكانية العودة إلى الإتفاق النووي لعام 2015 مع إيران , وما يعرف بـ خطة العمل الشاملة المشتركة , بعدما وصلت إلى طريق مسدود مع إدارة الرئيس الأسبق دونالد ترمب.

وفي الوقت الذي أعلن فيه كلا الطرفين الأمريكي والإيران عن إمكانية عودتهما إلى الإتفاق , برز خلافٌ جديد من خلال إصرارهما على ضرورة أن يعود الطرف الاّخر أولاً , وسط  تبادل التصريحات الساخنة بينهما .. ويطرح السؤال نفسه , من يعود أولاً ؟.

في الشكل , تبدو موافقة كل من واشنطن وطهران على آلية العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة , أمراً سهلاً وبسيطاً وعلى قاعدة : الإمتثال للإمتثال ودون شروط مسبقة , بحيث يتخلى الإيرانيون عن مطالبهم بالتعويض الأمريكي لخرق الإتفاق والإنسحاب منه , فيما ترفع العقوبات الإضافية التي فرضها ترمب , كي لا تستخدم لإنتزاع التنازلات من إيران قبل العودة إلى الصفقة , وقتئذٍ يمكن أن تبدأ المفاوضات حول الخلافات والتغييرات على الصفقة – إن وجدت , وبموافقة الطرفين -... وهنا يطرح السؤال من يجب عليه القيام بالخطوة الأولى ؟.

وفي المضمون ... تحتاج إيران لتوضيحات أمريكية حيال تصريح وزير الخارجية بلينكن بأن :" الولايات المتحدة ستلتزم بالإمتثال الكامل بمجرد أن يفعل الإيرانيون الشيء نفسه " , بمعنى أنه على طهران  إتخاذ الخطوة الأولى... في الوقت الذي يرى فيه الإيرانيون أن واشنطن هي التي خرقت الإتفاق , وعليها العودة أولاً...  

من المؤكد أن حاجة الولايات المتحدة الأمريكية للعودة إلى الإتفاق تبدو ملحة وضرورة استراتيجية , وستمنحها الوقت الذي تحتاجه لإعادة تمركزها السياسي والعسكري والإقتصادي , للبناء على المكاسب والإخفاقات التي حصدتها إدارة ترمب , وسط إدراكها لصعوبة البدائل والخيارات ... ومن اللافت أن يبدأ بلينكن طريقه السياسي كوزير للخارجية عبر دبلوماسية عالقة حتى قبل أن تبدأ , أم لعل وراء الأكمة ما ورائها ؟.

قد يرى البعض أن سرعة الإعلان عن الموقف الأمريكي حول إمكانية العودة , جاء من باب التسرع , وأن فريق الإدارة الجديدة لم يكتمل بعد , ولن يكون في وضع يسمح له بالعودة أولاً , أم يرى أن في دخول الرئيس بايدن إلى "الحلبة" متأخراً سيجعله يبدو "مقاتلاً" شرساً وأقوى مما هو عليه , وأقله أمام مشجعيه فقط... فيما يمكن للبعض الاّخر أن يتفهموا صعوبة الموقف , وعدم رغبة أي من الأطراف بالظهور كمن يستجدي التفاوض , وكم تعنيه الحاجة للعودة إلى الخطة الشاملة.

يبدو إصرار طهران على أن تذهب الولايات المتحدة أولاً , يشير بطريقة أو أخرى لإنعدام الثقة في الطرف الأمريكي ( ترمب ) الذي تراجع وخان الإتفاق , ومن غير الحكمة الوثوق بنفس الطرف حتى مع استبدال الرئيس برئيس والوزير بوزير , ومن حقها أيضاً الحصول على ضمانات تقدمها واشنطن للعالم , بأن الرئيس بايدن أو أي رئيس سيأتي بعده لن يتراجع عن الإتفاق .

وبغض النظر عمن سيذهب أولاً , أو بظهور اّلية جديدة تعفي الطرفين من طريقة اللقاء , ينظر البعض إلى هذه العودة بالتفائل , فالفائدة هي لجميع الأطراف الموقعة و"الشهود" والعالم ... فمن حيث المبدأ يرحب العالم بنزع أي فتيل من شأنه منع الحروب , ويعيد للبشرية جمعاء الثقة بالحلول السياسية الممزوجة بالإرادة السياسية الكافية لتراجع المخاطر من الضوء الأحمر إلى اللون الأخضر, وعلى العقلاء رؤية من يقف ضد العودة إلى الإتفاق , ومن يسعى لإقحام شروطه تحت لسان الطرف الأمريكي ؟.

ولوحظ  أنه من خارج الدول الخمسة وأطراف الإتفاق الأساسيين , ظهرت العديد من التحركات والزيارات والتصاريح والتهديدات وإعلان المواقف المتشنجة , لقادة الكيان الإسرائيلي ولبعض الأنظمة العربية المهترئة , وصل حد إطلاقهم الشروط  المسبقة على الطرف الإيراني ولسان حالهم يقول :"أنا المعني الأول , أنا أم الصبي" , الأمر الذي يضع إدارة بايدن أمام إختبار "فحص الدم" – الصهيوني , ويجعلها تنتقل وبكامل الضعف وبكامل الولاء , من خطة الإمتثال للإمتثال إلى خطة الإنصياع إلى "الوسواس الخناس" , فما أُطلق من مواقف لإخراج إيران من ملفات الصراع ومجال أمنها القومي والحيوي وجغرافياته , كاد يقترب من المطالبة بإخراجها من إيران أيضاً , في محاولة لتناسي وللتعمية على الدور الإيراني وصراعها المفتوح في مواجهة المد الصهيوني في المنطقة , والصراع المركزي وأساسه الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين , بالإضافة لدورها الرئيسي في دعم دول وأحزاب وفصائل محور المقاومة , ودورها الإنساني والأخلاقي – العقائدي في دعم كافة قوى التحرر في العالم .

بالنسبة لواشنطن , تبدو خطة العمل المشتركة الشاملة , وإزالة النزاع النووي كنقطة توتر رئيسية بين الولايات المتحدة وإيران , سيعيق وصول إيران إلى إمتلاك القنبلة النووية  والحد من تطور صواريخها البالستية , كذلك سيساعدها على تبريد الأجواء تدريجياً , ويمنحها فرصة "باردة" لتقليص تواجدها العسكري في الشرق الأوسط  وحمايته , والإنسحاب إلى قواعدها القديمة والجديدة في دول الخليج العربي , وقد يمنحها مرونةً وحيوية للتحرك السياسي على خط تهدئة الصراعات المفتوحة من سوريا إلى اليمن مروراً بلبنان – هذا إن صدقت النوايا -. 

وبالنسبة لطهران ، فإن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة سترفع العقوبات التي تسببت بالأذى الكبير للاقتصاد الإيراني , وستمهد الطريق لإعادة تأهيل العلاقات الإيرانية السياسية والإقتصادية بشكلها الطبيعي مع الكثير من الدول التي وقفت ضدها بالوكالة أو الأصالة , وستضع حداً لذرائع الحملة الأمريكية المستمرة ضدها منذ أربعين عاماً , إلى أمدٍ يطول أو يقصر بحسب إلتزامها بالمخططات الصهيونية الكبرى وما تحيكه لساكني الأرض ومنطقة الشرق الأوسط وغرب اّسيا تحديداً.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

2/2/2021 

No comments:

Post a Comment