Sunday, January 31, 2021

العلاقات الصينية الأمريكية .. إدارة بايدن على خطى الأسلاف - م. ميشيل كلاغاصي

"دع التنين الصيني ينام ، لأنه عندما يستيقظ سيهتز العالم" عبارة نُسبت إلى نابليون عندما كان في منفاه الأخير ، وبعيداً عن حقيقة من قالها , إلا أنها تحمل الكثير من التوقع بإنتصار النظام والمثابرة والقيم على الفوضى والرياء والشرور.

لطالما كانت الصين لغزاً كبيراً مغرياً للمغامرين والغزاة ، ومحيراً لأشهر الرحالة والمستكشفين ، وما زالت تفاجئ العالم "بألغازها"... ففي غضون سنوات قليلة , ومنذ انطلاقة الثورة الثقافية التي قادها ماو تسي تونغ ، نجحت الصين في تنصيب نفسها كقوةً عالمية , انتقلت من دولة زراعية فقيرة ، إلى دولة تحتل المقعد الخامس في مجلس الأمن... وقفز اقتصادها ومنحها القدرة لتصبح قوة اقتصادية عالمية تطلع إلى قيادة العالم .

فكما امتلكت علوم الأرض سعت لإمتلاك علوم الفضاء وحققت إنجازات علمية نوعية , أخافت الغرب الأمريكي المتغطرس , وكانت وراء لجوئه إلى منع مؤسساته الفضائية من التعاون مع نظيراتها الصينية , في الوقت الذي أبدى فيه الصينيون استعدادهم لأي تعاون مفيد وعلى أساس ودي , وهناك من يعتقد تطور العلوم الفضائية الصينية كانت وراء حماسة الرئيس دونالد ترامب لتشكيل قوة فضائية أمريكية.

إن السلوك والممارسات الأمريكية تكشف وتجسد حقيقة مواقف الولايات المتحدة وإداراتها المتعاقبة حيال الصين ونهجها العدائي الذي بدا واضحاً في السنوات الأخيرة , ووصل ذروته في خطاب الوزير السابق مايك بومبيو في تموز العام الماضي , عندما ألقى خطاباً بعنوان " الصين الشيوعية ومستقبل العالم الحر" , أعلن فيه وعلى غرار مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية أن:"حقبة التعامل مع الحزب الشيوعي الصيني انتهت" , ودعا المواطنين الصينيين والديمقراطيات في جميع أنحاء العالم للضغط على بكين لتغيير سلوكها واحترام قواعد النظام الدولي.

كذلك لم يتوان الإعلام الأمريكي عن التمهيد للسياسات الأمريكية ضد الصين , إذ نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقالاً - لمدير المخابرات الأمريكية في عهد ترامب - بعنوان "الصين هي الأولى في تهديد الأمن القومي" , جاء فيه " تشكل الصين الشعبية اليوم أكبر تهديد لأمريكا ، وأكبر تهديد للديمقراطية والحرية في جميع أنحاء العالم منذ الحرب العالمية الثانية".

على الرغم من وجود من ينتقد الديمقراطية الصينية , على أساس إدارتها من الحزب الشيوعي لعقود , لكن هذا لا يبرر الإدعاء الأمريكي وبأنها تشكل تهديداً لأمريكا أو سواها , إذ لم يسبق لدولة في العالم أن اتهمتها بمثل هذا الإتهام , فالقادة الصينيون منكبون على الحفاظ على تماسك البلاد وتحسين مستويات معيشة 1.3 مليار نسمة , ويقيمون أفضل علاقات الشراكة مع رابطة دول جنوب شرق اّسيا , وبروناي وكمبوديا وإندونيسيا ولاوس وماليزيا وميانمار والفلبين وسنغافورة وتايلاند وفيتنام , بالإضافة إلى توقيعها على إتفاقية الشراكة الإقليمية الشاملة مع دول الاّسيان واستراليا واليابان وكوريا ونيوزيلندا , في سعي لتحقيق شراكة اقتصادية متبادلة من شأنها تسهيل وتوسيع التجارة والاستثمار الإقليميين والمساهمة في النمو الاقتصادي العالمي والتنمية , ناهيك عن شراكتها مع غير دول كروسيا وتركيا وبعض الدول الأوروبية... وعليه يبدو الأمريكيون وحيدون في النظر إلى الصين على أنها تشكل تهديداً .!

وفي الوقت الذي تبتعد فيه واشنطن عن الشراكة الاقتصادية الإقليمية والدولية ، يبدو أن إدارة بايدن الجديدة لا تفكر بالحوار الصيني – الأمريكي المباشر, ويخشى أنها تبحث عن المواجهة بطرقها الملتوية والتي قد يكون العبث في الداخل الصيني أحد استراتيجياتها , كدعم الثورات الملونة وإشعال الفتن بين العرقيات والإثنيات والقوميات التي يعج بها المجتمع الصيني وما حوله .. إذ لا يمكن تجاهل تأييد وزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن للرئيس ترمب وبقوله أنه:" كان على حق في اتخاذ نهج أكثر صرامة تجاه الصين التي ترتكب إبادة جماعية ضد الإيغور المسلمين في الصين"...

من الواضح أن المتحكمين بالسياسة الأمريكية هم أناس أشرار وعدوانيين بطبعهم , ولا يمكنهم تقبل نجاح الاّخرين , ولا الشراكة أو الحوار معهم , ويعتقدون أنها من علامات الضعف , ووحدها القوة والهيمنة ترضي غرورهم , ويعانون لأجل إقناع شعوبهم بشرور الدول والشعوب الأخرى , ويتحدثون عن التنين قبل استيقاظه , فما بالكم إن استيقظ حقاً.


المهندس : ميشيل كلاغاصي

30/1/2021 

No comments:

Post a Comment