Wednesday, January 20, 2021

فوز وهزيمة "الرئيس" ...الشرخ الأمريكي الكبير - م. ميشيل كلاغاصي

 

غدت الإنتخابات الأمريكية الحالية الأشهر والأكثر جدلاً وصخباً وخطورةً في تاريخ الولايات المتحدة , ويطرح السؤال نفسه, هل فاز بايدن وهُزم ترمب, هل كانت انتخابات مزورة, أم هو مجرد إدعاء وإكذوبة من أكاذيب الرئيس ترمب... مالذي دفعه لإستنهاض همم مناصريه وتحريضهم على إقتحام مبنى الكونغرس, وعن أي حقٍ تحدثوا وتظاهروا واستخدموا العنف لأجله ؟

هل حقاً اعتقد الديمقراطيون أن جو بايدن هو الرجل الأقوى ورأس حربتهم وممثلهم نحو الفوز بالرئاسة, وكيف لترمب أن يُهزم أمام من كان يصفه بـ " Sleepy Joe / جو سليبي", من الذي ايقظه ونفخ عضلاته ليصبح الـ "سوبر- بايدن".!

ويتساءل البعض هل هي المنافسة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري, هل للدولة العميقة والمتحكمين دورٌ ما, ماذا عن النخب, والمهاجرين, ماذا عن العنصرية المتفشية والسياسة الداخلية, ماذا عن الكورونا والإقتصاد والبطالة والصحة, ماذا عن اليمينيين المتطرفين وعن البيض القوميين, وعن الشرطة الأمريكية, والإعلام الأمريكي, ماذا عن الحروب والسياسة الخارجية ومن يديرها أهو البيت الأبيض أم البنتاغون.؟

الإعلام الأمريكي وتغطية اقتحام مبنى الكونغرس ... تابعنا عبر الشاشات كيف وصف الإعلام الأمريكي المقتحمين  بـ "المتظاهرين" ,"الفوضويين" ,"العصابة" و "المؤيدين لترمب" ...إلخ , فيما وصفهم بعض الساسة بـ الرعاع والإرهابيين ... هؤلاء الذين اقتحموا المبنى وعطلوا جلسة دستورية , وسرقوا حواسيب وأوراق هامة , واعتدوا على الشرطة , ورغم ذلك لم يصفهم الإعلام الأمريكي بالوصف الحقيقي الذي يجاهرون به بأنفسهم , ووضعوا شعاراتهم علناً على قمصانهم وستراتهم , فمنهم من كتب عبارة " المحرقة اليهودية " و "الحرب الأهلية" , ومنهم من حمل رموز وشعارات العنصرية البيضاء , ومنهم من حمل لافتات كُتب عليها " قتلوا ستة ملايين يهودي وسنقتل ستة ملايين أسود" , وظهرت الأعلام الإسرائيلية , وأعلام بعض التنظيمات المتطرفة الإرهابية كـ "أنتيفا".

والسؤال لماذا لم يصفهم الإعلام الأمريكي بـ "النازيين" و " العنصريين" و "الفاشيين" و"القوميين البيض" و"المتطرفين اليمينيين" .. ولماذا عبّر المراسلين الصحفيين لأهم القنوات الأمريكية عن دهشتهم لهول مشهد الإقتحام, فمنهم من قال: "يبدو وكأننا في كابول أو في العراق" ومنهم قال: "وكأننا في إحدى دول العالم الثالث أو في جمهوريات الموز" , ألا يعرفون أنهم في أمريكا وفي واشنطن تحديداً ؟

إلى أي دركٍ وصل النفاق الإعلامي الأمريكي عندما وصف حدثاً بغير أوصافه ونسبه إلى غير مكانه , هل أرادوا جعل المشهد مفاجئاً وأنه لا يمكن للهمجية والعنف أن يحدثا سوى في دول العالم الثالث وأفريقيا ودول أمريكا اللاتينية ..!

لماذا لم يعترف الإعلام الأمريكي بحقيقة الأخطاء والخلل في بنية الدولة الأمريكية والعنصرية المتفشية فيها, وبالإمتيازات والحقوق التي يشعر البيض بإمتلاكها دون سواهم من السود وغيرهم , وبإزدواجية تعامل الشرطة مع البيض والسود ... يبدو أن مواجهة الحقيقة مؤلمة وصعبة للغاية خصوصاً وأن الجسد الإعلامي الأمريكي وبغالبيته يسيطر عليه البيض, وهذا بحد ذاته يعتبر دليلاً على أن ما يجري في أمريكا ليس إنقساماً حزبياً أو حتى على مستوى النخب  بل هو انقسام اجتماعي عرقي وايدولوجي حادّ جداً بين البيض ومن يتحالف معهم من الأقليات وبين المهاجرين واليساريين البيض.

إنقسامٌ خطير يعكس الشرخ الكبير الذي أصاب جسد الدولة الأمريكية والذي يمكن إعتباره مقدمة لما هو أعظم, ولا نبالغ بالقول بأنه يمهد لخطرِ كبير وللإنهيار القادم, وقد تكون حياة ترمب على المحك وتعادل صاعق قنبلة على الرغم من عدم مسؤوليته عن العنصرية المتفشية, لكنه أحسن استغلالها للوصول إلى سدة الحكم , وحاول استغلالها حتى الرمق الأخير للبقاء في الحكم... ويخطئ من يعتبره "الشخص" الذي يمثل المتطرفين البيض، لكنه يمثل "الفكرة" القائمة على إعتبار أمريكا هي الدولة التي بناها وحوّلها البيض القادمون من أوروبا إلى امبراطورية تحكم العالم.

هؤلاء البيض-المحافظين يشعرون بالخطر والإستياء  وهم يرون حُكم البلاد يفلت من أيديهم ولن يتساهلوا بوصوله إلى المهاجرين ( أمثال كامالا هاريس وإلهان عمر ...) وإلى البيض اليساريين , وبالتالي يرون أن ترمب هو المُخلّص، والقضية بالنسبة إليهم هي حرب وليست مجرد انتخابات , وما نراه من توترٍ شديد قبيل حفل تنصيب بايدن رئيساً, مع حشد عسكري وشرطي كبير وصل حد استخدام الطائرات بدون طيار والمروحيات العسكرية وما يقارب الـ /30/ ألف جندي, واستخدام الأسوار والأسلاك الشائكة والمدرعات, وهذا قد يدعم وصفنا بأنها حرب بإمتياز.

من المؤكد أن ما يحدث اليوم ليس وليد اللحظة, ويذهب إلى أبعد من فوز بايدن وهزيمة ترمب في الإنتخابات, ولا بد من التأكيد على عشرات الأسباب والأخطاء التي ارتكبتها الدولة الأمريكية المحكومة بذهنية الغطرسة والقوة الغاشمة والعنصرية, وسياسة سحق الدول والحكومات وإشاعة الفوضى حول العالم, وفرض الهيمنة على الدول والشعوب والتحكم بحياتهم ومصائرهم , بالتوازي مع إنهيار البروباغاندا الإعلامية والشعارات الكاذبة حيال الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان , وبات الأمريكيون يرون زيف هذه الإدعاءات, وبدأت تتصاعد أصوات المؤيدين للحق الفلسطيني ليس من الفلسطينيين والعرب في أمريكا فقط بل من مواطنين من أصولِ قومياتٍ وعرقياتٍ أخرى, وبتنا نرى الكثيرين من غير السود يتظاهرون معهم ويؤيدون مطالبهم, وبدأت تتصاعد قوة حركة المقاطعة الإسرائيلية, وبدأ عديد الأمريكيون يستاؤون من تحول الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى "اّلات" هدفها الدفاع عن المصالح الإسرائيلية وخوض الحروب نيابةً عنها ...

تبدو أمريكا اليوم على مفترق طرقِ خطير يفرض عليها إما إصلاحاً فورياً وجدياً, أو مواجهة التفتت والإنقسام وصولاً إلى إنهيار هذه الإمبراطورية , إنقسامٌ يُخشى أن تطال جبهاته وتداعياته إلى حيث امتد وانتشر اليمين المتطرف حول العالم.

المهندس : ميشيل كلاغاصي


19/1/2021

No comments:

Post a Comment