Monday, July 20, 2020

الشعارات الأمريكية رفعها المنافقون لتدمير وخراب وتقسيم سوريا – م. ميشيل كلاغاصي


بشكل أو باّخر وعبر وكلائها وأدواتها ، حرّضت الولايات المتحدة الأمريكية على فتح كافة النوافذ الداخلية في سوريا , وأحتفظت بحقها بإلإقتحام  اللاشرعي للأسوار والأبواب ... واستخدمت شعارات "الحرمان , الظلم ، التهميش ، الكرامة ، الديمقراطية ، المساواة ، حقوق الإنسان ، حقوق الأقليات،....إلخ " كمَدافعَ لدكِ حصونِ وأسس الدولة السورية العريقة في التاريخ والحضارة الإنسانية ، الفريدة بلوحتها الفسيفسائية الديموغرافية ، بكل ما تحمله من إرثٍ ديني ، طائفي ، عرقي ، قومي ... أسس لنموذج رائع قدمه السوريون للعالم أجمع على مستوى الهوية والإنتماء والعيش المشترك ، وتحرير البلاد من المستعمرين والإرهاب المحلي والدولي المنظم ، ورَسمِ ملامحها مع نهاية كل مفصلٍ تاريخي مرّ بها ، وتابعت مسيرتها لتكون سوريا الإمتداد الطبيعي لجهود وأحلام كافة أبنائها وتضحياتهم وعرق جباههم لبناء وطنهم الذي يحبون ويعشقون.
ومع ذلك ، استطاعت السموم الخارجية وهمسات "الوسواس الخناس" ، من إيهام بعض السوريين بـ "حقيقة" تلك الشعارات ، واستمالت من استمالت بالمال والوعود الأرضية و"الإلهية" والأحلام "الوردية" ، واستطاعت تشكيل نواة تمردٍ مسلح - إرهابي تحت عناوين مختلفة.
لو جربنا لوهلة أن نصدق بأن سوريا لم تعد تحب أبنائها ، وباتت تكره نفسها ، ونرى من غرر بالناس و"أحب" الإرهابيين منهم والخارجين عن القانون واحتضنهم ..
فتركيا- أردوغان ، شردتهم في مخيمات وأدخلتهم بمواجهات عسكرية وحروب تصفيات مع بعضهم البعض بعدما عاثوا فسادا ً وإرهابا ً بدعمها وإشرافها المباشر ، وضد جيش بلادهم على أمل الفوز بمناطق تمرد وإدارات توحشٍ بائسة سقطت من تلقائها مع إنكشاف حقيقتها ، ووضعتهم في قوارب الموت لحساباتٍ دنيئة وأرسلتهم إلى أوروبا ، وجديدها جندتهم للقتال في ليبيا وأذربيجان ، ولا نستبعد وصولهم إلى أقاليم الصين .
أما فرنسا وألمانيا وغير أوروبيين ، فقد حولوهم إلى "خوذاتٍ" إرهابية ، واستخدموهم لإفراغ أوروبا من أقرانهم بعدما امتلئت شوارعها بالمتطرفين والغرباء ، ومزجتهم بخلطة سحرية باّخرين ودعتهم بالـ "شعبويين" ،  ووضعتهم بمواجهة القوميين والمد اليميني ، فكانوا وقود الإشتعال في مراجل المصالح الأوروبية في سوريا والمنطقة.
أما دول الخليج ، فأحبت فيهم إقدامهم على إبتلاع الطعم لتنفث عبرهم سموم حقدها الإيديولوجي والسياسي ، ودفعتهم بأموالها نحو الجحيم  "العربي" على أنه الربيع العربي.
أما أمريكا , التي لا تحب أحدا ًحتى أبنائها الذين لم تتوان عن خنقهم بركب رجال الشرطة ورصاصهم ، فإستغلتهم أبشع إستغلال للضغط على الحكومة السورية ومحاصرتها ، وصنّعت منهم اّلات لخدمة مصالحها و أدوات لتقسيم سوريا .. وأظهرت لهم خلطة مشاعر تأرجحت بين الكراهية والمحبة المسيسة , إذ يقول الرئيس دونالد ترامب - بحسب كتاب جون بولتون - : "أنا لا أحب الأكراد ...." ثم عاد ليقول : "أنا أحبهم فهم شعب عظيم وسندعمهم لأنهم شركائنا وهزمنا معا ً تنظيم داعش".
تبدو المشاعر متبادلة ، فقد أكد الأكراد تعرضهم للطعنات الأمريكية في الظهر مرتين ... وتبقى مصالح وأهواء وشهوات وأحلام كل من بَحثَ عن "عشيقٍ" خارجي موضوع سخرية , سقطت معه الشعارات الواهية المزيفة .. فقد حولت تركيا "أحبائها" إلى إرهابيين وقتلة مأجورين لخدمة مشروعها العثماني – التقسيمي ، فيما جعلت أوروبا منهم سلعا ً للمقايضة الرخيصة أمام مصالحها ، أما الأمريكيين فقد حولوا أدواتهم "الكردية" إلى ميليشياتٍ وعصابةٍ تحت رعاية حلف شمال الأطلسي ، وفي ظل حماية نظام الرئيس دونالد ترامب غير القانونية في سوريا.
ماذا عن تطبيق الشعارات في مناطق سيطرتهم , والتي رفعوها وفعلوا ما فعلوا تحت رايتها ...!
فقد غابت الديمقراطية تماما ً، وحلَّ محلها القمع والقتل والسجون ، ناهيك عن الإذلال والتهجير الديموغرافي ، وصبغِ تلك المناطق بألوان أحادية ، فكان التتريك والتكريد عنوانا ً رئيسيا ً، طال أسماء المدن والبلدات والقرى ، ناهيك عن العبث بتاريخ المنطقة وبمعتقدات أهلها ودور عبادتهم ، وتم تزوير الكتب المدرسية وخرائط البلاد ، وطفت المصطلحات الغريبة على السطح ، وأعيد تقسيم المنطقة وفق أجندة خارجية تحت عنوان "الإدارة الذاتية" في الشرق و"المنطقة الاّمنة" في الشمال ، فتبعثرت حقوق الإنسان وغابت الأقليات عن السلطة والقرار والقيادة ، وتحول ساكني هذه المناطق إلى أسرى وعبيد لخدمة المشاريع الصهيو – أمريكية بالنكهة التقسيمية – الكردية  والأردوغانية.
وما أكثر الأدلة ... وتكفي مشاهد الغضب والإحتجاج والمظاهرات اليومية التي ترصدها وسائل الإعلام ، والتي يخرج فيها سكان تلك المناطق ليطالبوا بخروج قوات الإحتلالين الأمريكي والتركي وعصاباتهم ومرتزقتهم من أراضيهم ومن حياتهم .. سخطٌ ٌ وغضبٌ وصل حد إعتراض المواكب العسكرية ، وبتنفيذ بعض العمليات الجرئية ضد مقار وأفراد المرتزقة ، بما يُبشر بولادة مقاومةٍ شعبية ، سيكون لها الكلمة العليا في نهاية المطاف.
ويبقى من اللافت استمرار إنغماس "محبي" تركيا وأمريكا ولهاثهم وراء الدعم السياسي والعسكري ، ليحافظوا على "مكتسباتهم" ، ظنا ًمنهم أنها كافية للبناء عليها ولفرض واقعٍ جديد يحمل طابع الديمومة والإستمرارية ، بوجود قوات الدعم والإحتلال الخارجي بجانبهم على الأرض ، ويغيب عن أذهانهم أنهم راحلون عاجلا ً أم اّجلا ً، متناسين الصبر الرهيب الذي تمارسه القيادة السورية ، والتي لم تتوان عن منحهم فرصا ً لا متناهية للحوار ، والصحوة ، والعودة إلى حضن الوطن ، وأن هذا لن يستمر إلى لأبد.
وبسهولة ، يمكن تتبع ما يقوم به العملاء والمأجورين ، من عمليات السطو والسيطرة على المباني الحكومية حتى الخدمية منها ، بالإضافة إلى حرق للمحاصيل الزراعية وسرقة ثروات الشعب السوري والإستحواذ عليه ، كما يمكن متابعة ما يتردد على ألسنة قادة العصابات في وسائل الإعلام كدليل إضافي ، إذ يتحدث المدعو "مظلوم عبدي" قائد ما تسمى قوات سوريا الديمقراطية ، من خلال مشاركته الكاتب "بولات جان" الناطق السابق بإسم "وحدات الحماية" ، بتأليف كتاب " المشاريع العملية لبناء الإدارة الذاتية" ، ويقول :" مشروع بناء الإدارة الذاتية الديمقراطية ، سيكون أمرا ً واقعا ً تتقبله السلطة والمعارضة شاءت ذلك أم أبت".
وتبقى الشعارات الأمريكية و"حقوق الإنسان" تعابير مسيسة ، استخدمتها وحلفائها وأدواتها ، لتنفيذ أجنداتها الخاصة في سوريا والدول المستهدفة ، وجعلت منها مدخلا ً وذريعة ً لتسويق مخططاتها العدوانية وعملياتها العسكرية ضدها ، ولفرض عقوباتها اللا شرعية الأحادية ، بهدف حصار وإركاع الدول والشعوب الرافضة لهيمنتها ، في استغلالٍ لا أخلاقي رخيص يستهدف حقوق الإنسان وكرامته وسبل عيشه وسيادته الوطنية.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
20/7/2020

Thursday, July 16, 2020

حروب الجلسات الأممية .. أوقفوا العمل بالقرار /2165/ ضد سوريا – م.ميشيل كلاغاصي


في الحقيقة, لم تكن سوريا سببا ًفي هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية, ولم تكن , وراء إقتراف الإمبراطورية البلجيكية أبشع الجرائم أيام إحتلالها للكونغو وبوروندي وروندا, ولم تكن لتمنع النظام الكويتي من تعويض الفقراء اللذين نسي "الرب" إعطائهم حقهم في الدنيا, على طريقة نجيب محفوظ في"أولاد حارتنا"..!
مالذي يدفع ألمانيا وبلجيكا والكويت, للإنقاض على سيادة الدولة السورية, أهو شعورهم بالنقص, أم بالمسؤولية .! للأسف دول وعروش تتحرك كالدمى بالكونترول الأمريكي .. وإذا كان السوريون لا يتوقعون من الألمان والبلجيك سوى العداء, لكنهم يستغربون موقف النظام الكويتي التي تناسى مواقف الدولة والشعب السوري تجاهه وشعبه في الأوقات العصيبة التي مرّوا بها عام 1990.
وبالعودة إلى العام 2014, حيث تبنى مجلس الأمن الدولي القرار /2165 / وأجاز للقوافل الإنسانية المتوجهة إلى سوريا بعبور الحدود, لمدة عام , من دون موافقة الحكومة السورية, ودأب المجلس على تمديده سنويا ً.
معارك سياسية , ومناقشات صاخبة , وإتهامات وتعابير قاسية تجاوزت حدود الدبلوماسية واللياقة, دول تستخدم حق النقض (الفيتو), وأخرى تعيد تقديم مشروع القرار ثانية ً بإصرار غير مسبوق ..!
وفي مجلس الأمن, مناديب الدول يتراشقون التهم والمسؤولية, كرٌ و فر, وينتهي الأمر بالتصويت لصالح قرارٍ يجيز استخدام معبرٍ واحد لمدة عام , ويتساءل البعض عمن هو الرابح ومن هو الخاسر .. وما من شك أن استهداف السيادة السورية هو الهدف الرئيسي, والأهم هو ما يخفيه القرار تحت عنوانه "الإنساني" المزيف , والجهة التي تنتظر وصول المساعدات بعيدا ًعن أعين وإشراف الدولة السورية ومسؤوليتها الشرعية تجاه مواطنيها حتى في المناطق الواقعة تحت سيطرة الإرهابيين.
فقد سبق أن تقدمت ألمانيا وبلجيكا والكويت في العام 2019 بمشروع  قرار التمديد على غرار السنوات السابقة , دون مراعاة التغييرات الميدانية واستعادة الدولة السورية سيطرتها على غالبية أراضيها, ونص يومها على التمديد لمدة عام وعبر نقطتي حدود, وقد قوبل برفضٍ روسي.
ومؤخرا ً، أعادت ألمانيا وبلجيكا تقديم إقتراحهما بإعادة فتح المعبر الحدودي العراقي والأردني لمدة ستة أشهر، لكن تم استبعاد الإقتراح من مشروع القرار الذي طرح للتصويت في جلسة 8/7/2020، أيضا ً بفضل معارضة روسيا والصين.
وفي جلسة يوم الثلاثاء 8/7/2020 قامت كل من روسيا والصين بإستخدام حق النقض (الفيتو) لمنع مجلس الأمن الدولي من تمديد موافقته على القرار /2165/.
في مشهدية جلسة الثلاثاء وهوامشها ... وصفت رئيسة مكتب الأمم المتحدة لمنظمة العفو الدولية, حق النقض الروسي - الصيني بأنه "خطير وحقير", فيما أكد المتحدث بإسم الأمين العام للأمم المتحدة إن الوصول عبر الحدود "حيوي لرفاهية المدنيين في شمال غرب سوريا"... في حين انتقدت وسائل الإعلام الحكومية التركية القرار, مشيرة ً إلى أن 70% من سكان إدلب يعتمدون على المساعدات الإنسانية...
فيما ألقى السفير الصيني لدى الأمم المتحدة، اللوم على الإجراءات والعقوبات الأحادية الجانب التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد سوريا ، واعتبرها مسؤولة عن "تفاقم الأزمة الإقتصادية والإنسانية وعن تدمير سبل العيش في البلاد"، وطالب مكتب التنسيق الإنساني – الأممي بتققيم هذه الإجراءات, ورفعها بشكلٍ فوري, وضرورة "إحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها".
في الوقت أكد فيه مندوب روسيا الدائم في مجلس الأمن, أن القرار يستغل الأوضاع الإنسانية في سوريا, وينتهك سيادتها, وأنه بالأساس قرار مؤقت وحان الوقت لإنهائه, كما أكدت الخارجية الروسية أن انتقادات واشنطن على لسان بومبيو وتحريضه لفرض عقوبات ضد روسيا والصين بعد استخدامهما الـ “فيتو” هي : "محاولة لتشويه الحقائق لخدمة مصالحها الضيقة"... وأوضحت أن روسيا “لا تعترض على تمديد آلية نقل المساعدات الإنسانية عبر الحدود, لكنها "كانت ولا تزال تدعو إلى زيادة المساعدات لكن بالتنسيق مع الحكومة السورية".
أما سفير سوريا الدائم في الأمم المتحدة حسام الدين آلا, الذي استغل - جلسة الحوار التي عقدها مجلس حقوق الإنسان حول الأوضاع في محافظة إدلب وجوارها , ليؤكد أن حقيقة إصرار الدول الغربية على إيصال المساعدات الإنسانية عبر معابر حدودية غير شرعية هو بهدف "وصولها إلى مناطق وجود المجموعات الإرهابية", مجددا ً التزام الحكومة السورية وقدرتها على إيصال المساعدات من داخل سورية من خلال المعابر الحدودية الشرعية... مؤكدا ً أن "المعاناة الإنسانية الوحشية المفروضة على الشعب السوري ناجمة عن الإرهاب الإقتصادي والحصار الأمريكي عبر “قانون قيصر” وسرقة النفط والمحاصيل الزراعية السورية".
لكن , ماذا عن العقوبات أحادية الجانب تفرضها الولايات المتحدة "قانون قيصر" ...
لا بد للعالم أن يدقق النظر في مشهدية واّلية المساعدات الإنسانية التي فرضها القرار /2165/, والدول التي وقفت ورائه, وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية, التي لم تتوان عن قتل السوريين بالفوسفور الأبيض وتدمير مدينة الرقة بالكامل, وبإطلاق صواريخ الكروز والتوماهوك على عشرات المواقع العسكرية والمدنية في سوريا, وهي التي تتذرع عبر "قانون قيصر" بحماية المدنيين السوريين.
لقد أجازت الولايات المتحدة لنفسها عبر "قانون قيصر" وسمحت لرئيسها الأهوج دونالد ترامب فرض العقوبات على كل الشركات الأجنبية والأفراد والكيانات القانونية التي تسعى لتقديم الأسلحة والتمويل للحكومة السورية أو المساعدة في إعادة بناء منشآتها في قطاع الصناعة والطاقة والبنى التحتية , وعلى البنك المركزي السوري والعملة السورية... وبإختصار , يبدو أن واشنطن تعول على قدرة "قانون قيصر" في جعل عملية إعادة الإعمار في سوريا صعبة للغاية ، إن لم تكن مستحيلة.
إن استثناء واشنطن مناطق سيطرة أدواتها وإرهابييها وإنفصالييها في شمال وشرق البلاد من عقوباتها وحصارها , يؤكد زيف إدعاءاتها بحماية المدنيين السوريين , وبأنها ماضية  بإستهداف الشعب السوري المتسك بقيادته وبجيشه وبوحدة واستقلال وسيادة وطنه.
أخيرا ً ... لا بد لكافة دول العالم والسياسيين ومنظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام , إعلان مواقفها العلنية من "قانون قيصر" – الأمريكي والعقوبات والإجراءات أحادية الجانب , التي تعصف بحياة الشعب السوري وتدمر سبل عيشه وإقتصاد بلاده , خصوصا ً في زمن تفشي وإنتشار فيروس كورونا , فالساكت عن الحق شيطان أخرس, هذا إن أرادوا الإستمرار تحت راية الشعارات الإنسانية وسط إحترام كافة شعوب الأرض. 
المهندس: ميشيل كلاغاصي
16/7/2020

Sunday, July 12, 2020

السلام الدولي ما بين الصمود الإيراني والخديعة الأمريكية - م.ميشيل كلاغاصي




بعد جهود إيرانية ودولية مضنية على مدى أعوام, تم توقيع الإتفاق النووي الإيراني في تموز 2015 لكن سرعان ما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية إنسحابها منه في أيار 2018, وأطاحت بكافة الجهود والاّمال المعقودة على الإتفاق, وأبعدت كل تقاربٍ بين الدول الأوروبية الموقعة والدولة الإيرانية, بما إنعكس على بصورةٍ سلبية ومباشرة على السلام الدولي, وحل مكانها التصعيد السياسي والتهديد العسكري, ووجدت عديد الدول نفسها وسط الحروب الإرهابية ودوامة العقوبات الأمريكية الأحادية, والقرع على طبول تغيير الأنظمة والحروب التجارية والإقتصادية والبيولوجية, فتضاعفت حدة الخلافات والصراعات الدولية وتشعبت لدرجة أُجبرت فيها كافة دول العالم على زيادة التمسك بسياسة الأحلاف والإصطفافات الدولية, والتي قد تقود العالم إلى ما لا يحمد عقباه.  
وبعد عامين للإنسحاب الأمريكي ونقض الإتفاق, وكل جولات المواجهة المتعلقة والمرتبطة بعشرات الدول العربية والأوروبية والاّسيوية ودول الشرق الأدنى وصولا ً إلى المحيط الهندي وأمريكا اللاتينية, مع إتساع رقعة الحروب الباردة والساخنة في عديد الساحات العربية والإقليمية والدولية التي فرضتها الولايات المتحدة على الجميع .. تعززت القناعة لدى الكثيرين بأن الإتفاق لم يكن سوى خديعة لتقويض سيادة إيران وإقتحام أسوارها على غرار حصان طروادة اليوناني.
فلطالما وجدت إيران نفسها تدافع عن سيادتها وشعبها ودورها الإنساني والحضاري والتاريخي، بفضل ثرواتها وموقعها الجيو - سياسي، وعلى الرغم من أن الثورة الإسلامية استعادت سيادة إيران، لكن الغرب المتوحش بزعامة الولايات المتحدة لم يكن مستعدا ً للتخلي عن خططه للهيمنة على إيران والخليج الفارسي الذي تعتبره واشنطن العمود الفقري لسياساتها الخارجية في المنطقة والعالم... ولطالما تعاملت مع إيران على أنها رأس حربة المشروع المناهض, الذي يتجاوز مياه الخليج ويمتد من مضيق ملقا إلى جنوب المحيط الأطلسي, وسعت دائما ً لحصارها وأنشأت عديد القواعد البرية من حولها, تحسبا ًوتقديرا ً لأهمية دورها الجيو- سياسي.  
عانت الولايات المتحدة وحلفائها وعلى رأسهم سلطات الكيان الإسرائيلي الغاصب الفشل في العديد من المحاولات لزعزعة الإستقرار الداخلي للدولة الإيرانية, ولم تتوان عن اللجوء إلى الحروب والعقوبات والإرهاب وشيطنة الدولة والعنصر الإيراني, لكنها لم تحقق أيا ً من أهدافها وتكسرت محاولاتها على صخرة صمود وشجاعة الدولة والشعب الإيراني المقاوم, وباتت تدرك عدم قدرتها على شن حربٍ "رابحة" ضد إيران من دون أن يلحق بها وبحلفائها ضررٌ بالغ وأنها عاجزة على هزيمة إيران, فلجأت إلى تغيير قواعد وأساليب الحرب لضمان الفوز, لكنها خدعت نفسها بنفسها, ووقفت عاجزة عن تحقيق أي انتصار حقيقي أو مهم.
ومع ذلك واصلت محاولاتها لتقويض سيادة إيران عن طريق العقوبات والإرهاب وخلق انقسامات إيديولوجية بين الإيرانيين ما بين المؤيدين والمناهضين للغرب، وما بين الأقليات الإثنية والدينية والعلمانية, على أمل كسر العامل الذي يُجمع ويتفق عليه جميع الإيرانيين ويوحدهم أكثر فأكثر, ألا وهو دعمهم للبرنامج النووي الإيراني ودورة الوقود الكاملة, بما أفشل الخدع الغربية وطروحات – التفاوض بعيدا ً عن البرنامج النووي, ولم تأتي جولات المفاوضات الثلاث مع الإتحاد الأوروبي بأي نتائج تذكر...
حتى أن فكرة الهجوم الإستباقي للولايات المتحدة و"إسرائيل" على إيران واستهداف مفاعلاتها الرئيسية, كانت مع بداية عام 2000 - 2005 تبدو صعبة وأقرب إلى أن تكون مستحيلة, لذلك قررت الولايات المتحدة اللجوء إلى إجراءات تأخير برنامج إيران النووي لفترة كافية تستطيع من خلالها إحداث تغييرات جذرية عبر مضايقة أو إغتيال بعض العلماء أو التقنيين الإيرانيين, أو إدخال عيوب التصميم القاتلة في المفاعلات وأجهزة الطرد المركزي, أو تعطيل التكنولوجيا الرئيسية, وإدخال الفيروسات المدمرة في أنظمة الإنتاج أو التشغيل الإلكترونية في الحواسب الإيرانية, ومحاولة تخريب المنشآت الهامة عبر أجهزة الإستخبارات الأمريكية أو الإسرائيلية أو بعض العملاء, أو التهديد بتدمير المنشآت الحيوية عبر القوات الخاصة الأمريكية بالقصف المباشر للمفاعلات ومنشاّت التخصيب.
في الوقت الذي كانت تنحصر فيه قدرة وقوة إيران للرد على أي هجوم, عبر إغلاق مضيق هرمز والتأثير على الإقتصاد العالمي وعلى حوالي 35 ٪ من صادرات النفط العالمية المنقولة عبره.
وعليه بدأت الولايات المتحدة بالتفكير الجدي بإعتماد النفط الأفريقي كبديل عن نفط الخليج الفارسي, في حالة تنفيذ الهجوم على إيران, وجاء التحرك الأمريكي – الإسرائيلي نحو النفط الأفريقي ونحو تأسيس تنظيم بوكو حرام الإرهابي.
وعلى الرغم من إدراك واشنطن صعوبة كافة الإحتمالات , وعدم قناعتها بإمكانية الفوز, لم تكن لتتوقف عن التفكير بطرقٍ أخرى لنزع السلاح الإيراني، ووقف برامجه الصاروخية الدفاعية، وبإيقاف مساعدة إيران لحلفائها في المنطقة, وبالإتجاه نحو العقوبات الإقتصادية والتجارية الحصار الكامل وسياسة التجويع, رغم شراسة فيروس كورونا كوفيد – 19 الذي ضرب إيران مؤخرا ً وبقسوة.
من الواضح أن إيران قد وقَعَت ضحية خداع الإدارات الأمريكية التي وقّعت الإتفاق النووي وانقضت عليه ونقضته, كما وقَعَت ضحية النفاق والضعف الأوروبي كطرفٍ موّقع وشاهد ومُستفيد من الإتفاق وخائنٍ له بنفس الوقت.
في هذا الوقت ... كان الروس والصينيون يحرصون على تبني السلام الذي سيولد نتيجة الإتفاق النووي الإيراني, على الرغم من أنه يضرّ بمصالحهم بطريقة أو أخرى... وساهمت عدائية واشنطن ومخططاتها الخبيئة بزيادة التقارب والتعاون بين موسكو وبكين وطهران, على الرغم من أن رفع العقوبات بعد "خطة العمل الشاملة المشتركة" كان من شأنه أن يسهل التجارة ويعزز الدبلوماسية بين إيران والغرب، على حساب الصين وروسيا – بشكل جزئي -، إلا أنهم دعموا الإتفاق طمعا ً بالسلام.
لكن جهودهم من أجل السلام الدولي, وجهود الغرب المتوحش لتغيير النظام الإيراني باءت بالفشل , مع استمرار الولايات المتحدة في بث الفوضى وإشعال حروب التدمير والخراب والإرهاب  .. بالتوازي مع فرضها لعقوبات أحادية الجانب ضد الشعب الإيراني وغير شعوب... وبات على الروس والصينيين التمسك بدورهم كضامنين للسلام، بالإضافة لحرصهم على سلامة بلديهما وشعبيهما في عالمٍ تعبث فيه قوة شرٍ عظمى عديمة الأخلاق والنزاهة يقبع على عرشها رئيس أهوج نرجسي يبحث عن أي إنتصار وبأي تكلفة وثمن ليبقى سيد البيت الأبيض لأربع سنواتٍ إضافية.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
12/7/2020