بشكل
أو باّخر وعبر وكلائها وأدواتها ، حرّضت الولايات المتحدة الأمريكية على فتح كافة النوافذ
الداخلية في سوريا , وأحتفظت بحقها بإلإقتحام
اللاشرعي للأسوار والأبواب ... واستخدمت شعارات "الحرمان , الظلم ، التهميش
، الكرامة ، الديمقراطية ، المساواة ، حقوق الإنسان ، حقوق الأقليات،....إلخ
" كمَدافعَ لدكِ حصونِ وأسس الدولة السورية العريقة في التاريخ والحضارة الإنسانية
، الفريدة بلوحتها الفسيفسائية الديموغرافية ، بكل ما تحمله من إرثٍ ديني ، طائفي ،
عرقي ، قومي ... أسس لنموذج رائع قدمه السوريون للعالم أجمع على مستوى الهوية والإنتماء
والعيش المشترك ، وتحرير البلاد من المستعمرين والإرهاب المحلي والدولي المنظم ، ورَسمِ
ملامحها مع نهاية كل مفصلٍ تاريخي مرّ بها ، وتابعت مسيرتها لتكون سوريا الإمتداد الطبيعي
لجهود وأحلام كافة أبنائها وتضحياتهم وعرق جباههم لبناء وطنهم الذي يحبون ويعشقون.
ومع
ذلك ، استطاعت السموم الخارجية وهمسات "الوسواس الخناس" ، من إيهام بعض السوريين
بـ "حقيقة" تلك الشعارات ، واستمالت من استمالت بالمال والوعود الأرضية و"الإلهية"
والأحلام "الوردية" ، واستطاعت تشكيل نواة تمردٍ مسلح - إرهابي تحت عناوين
مختلفة.
لو
جربنا لوهلة أن نصدق بأن سوريا لم تعد تحب أبنائها ، وباتت تكره نفسها ، ونرى من غرر
بالناس و"أحب" الإرهابيين منهم والخارجين عن القانون واحتضنهم ..
فتركيا-
أردوغان ، شردتهم في مخيمات وأدخلتهم بمواجهات عسكرية وحروب تصفيات مع بعضهم البعض
بعدما عاثوا فسادا ً وإرهابا ً بدعمها وإشرافها المباشر ، وضد جيش بلادهم على أمل الفوز
بمناطق تمرد وإدارات توحشٍ بائسة سقطت من تلقائها مع إنكشاف حقيقتها ، ووضعتهم في قوارب
الموت لحساباتٍ دنيئة وأرسلتهم إلى أوروبا ، وجديدها جندتهم للقتال في ليبيا وأذربيجان
، ولا نستبعد وصولهم إلى أقاليم الصين .
أما
فرنسا وألمانيا وغير أوروبيين ، فقد حولوهم إلى "خوذاتٍ" إرهابية ، واستخدموهم
لإفراغ أوروبا من أقرانهم بعدما امتلئت شوارعها بالمتطرفين والغرباء ، ومزجتهم
بخلطة سحرية باّخرين ودعتهم بالـ "شعبويين" ، ووضعتهم بمواجهة القوميين والمد اليميني ، فكانوا
وقود الإشتعال في مراجل المصالح الأوروبية في سوريا والمنطقة.
أما
دول الخليج ، فأحبت فيهم إقدامهم على إبتلاع الطعم لتنفث عبرهم سموم حقدها الإيديولوجي
والسياسي ، ودفعتهم بأموالها نحو الجحيم
"العربي" على أنه الربيع العربي.
أما
أمريكا , التي لا تحب أحدا ًحتى أبنائها الذين لم تتوان عن خنقهم بركب رجال الشرطة
ورصاصهم ، فإستغلتهم أبشع إستغلال للضغط على الحكومة السورية ومحاصرتها ، وصنّعت منهم
اّلات لخدمة مصالحها و أدوات لتقسيم سوريا .. وأظهرت لهم خلطة مشاعر تأرجحت بين الكراهية
والمحبة المسيسة , إذ يقول الرئيس دونالد ترامب - بحسب كتاب جون بولتون - : "أنا
لا أحب الأكراد ...." ثم عاد ليقول : "أنا أحبهم فهم شعب عظيم وسندعمهم لأنهم
شركائنا وهزمنا معا ً تنظيم داعش".
تبدو
المشاعر متبادلة ، فقد أكد الأكراد تعرضهم للطعنات الأمريكية في الظهر مرتين ... وتبقى
مصالح وأهواء وشهوات وأحلام كل من بَحثَ عن "عشيقٍ" خارجي موضوع سخرية ,
سقطت معه الشعارات الواهية المزيفة .. فقد حولت تركيا "أحبائها" إلى إرهابيين
وقتلة مأجورين لخدمة مشروعها العثماني – التقسيمي ، فيما جعلت أوروبا منهم سلعا ً للمقايضة
الرخيصة أمام مصالحها ، أما الأمريكيين فقد حولوا أدواتهم "الكردية" إلى
ميليشياتٍ وعصابةٍ تحت رعاية حلف شمال الأطلسي ، وفي ظل حماية نظام الرئيس دونالد ترامب
غير القانونية في سوريا.
ماذا عن تطبيق الشعارات في مناطق سيطرتهم , والتي رفعوها وفعلوا ما فعلوا
تحت رايتها ...!
فقد
غابت الديمقراطية تماما ً، وحلَّ محلها القمع والقتل والسجون ، ناهيك عن الإذلال والتهجير
الديموغرافي ، وصبغِ تلك المناطق بألوان أحادية ، فكان التتريك والتكريد عنوانا ً رئيسيا
ً، طال أسماء المدن والبلدات والقرى ، ناهيك عن العبث بتاريخ المنطقة وبمعتقدات أهلها
ودور عبادتهم ، وتم تزوير الكتب المدرسية وخرائط البلاد ، وطفت المصطلحات الغريبة على
السطح ، وأعيد تقسيم المنطقة وفق أجندة خارجية تحت عنوان "الإدارة الذاتية"
في الشرق و"المنطقة الاّمنة" في الشمال ، فتبعثرت حقوق الإنسان وغابت الأقليات
عن السلطة والقرار والقيادة ، وتحول ساكني هذه المناطق إلى أسرى وعبيد لخدمة المشاريع
الصهيو – أمريكية بالنكهة التقسيمية – الكردية والأردوغانية.
وما أكثر الأدلة ... وتكفي مشاهد الغضب والإحتجاج والمظاهرات اليومية التي ترصدها وسائل
الإعلام ، والتي يخرج فيها سكان تلك المناطق ليطالبوا بخروج قوات الإحتلالين الأمريكي
والتركي وعصاباتهم ومرتزقتهم من أراضيهم ومن حياتهم .. سخطٌ ٌ وغضبٌ وصل حد إعتراض
المواكب العسكرية ، وبتنفيذ بعض العمليات الجرئية ضد مقار وأفراد المرتزقة ، بما يُبشر
بولادة مقاومةٍ شعبية ، سيكون لها الكلمة العليا في نهاية المطاف.
ويبقى
من اللافت استمرار إنغماس "محبي" تركيا وأمريكا ولهاثهم وراء الدعم السياسي
والعسكري ، ليحافظوا على "مكتسباتهم" ، ظنا ًمنهم أنها كافية للبناء عليها
ولفرض واقعٍ جديد يحمل طابع الديمومة والإستمرارية ، بوجود قوات الدعم والإحتلال الخارجي
بجانبهم على الأرض ، ويغيب عن أذهانهم أنهم راحلون عاجلا ً أم اّجلا ً، متناسين الصبر
الرهيب الذي تمارسه القيادة السورية ، والتي لم تتوان عن منحهم فرصا ً لا متناهية للحوار
، والصحوة ، والعودة إلى حضن الوطن ، وأن هذا لن يستمر إلى لأبد.
وبسهولة
، يمكن تتبع ما يقوم به العملاء والمأجورين ، من عمليات السطو والسيطرة على المباني
الحكومية حتى الخدمية منها ، بالإضافة إلى حرق للمحاصيل الزراعية وسرقة ثروات الشعب
السوري والإستحواذ عليه ، كما يمكن متابعة ما يتردد على ألسنة قادة العصابات في وسائل
الإعلام كدليل إضافي ، إذ يتحدث المدعو "مظلوم عبدي" قائد ما تسمى قوات
سوريا الديمقراطية ، من خلال مشاركته الكاتب "بولات جان" الناطق السابق بإسم
"وحدات الحماية" ، بتأليف كتاب " المشاريع العملية لبناء الإدارة
الذاتية" ، ويقول :" مشروع بناء الإدارة الذاتية الديمقراطية ، سيكون
أمرا ً واقعا ً تتقبله السلطة والمعارضة شاءت ذلك أم أبت".
وتبقى
الشعارات الأمريكية و"حقوق الإنسان" تعابير مسيسة ، استخدمتها وحلفائها وأدواتها
، لتنفيذ أجنداتها الخاصة في سوريا والدول المستهدفة ، وجعلت منها مدخلا ً وذريعة
ً لتسويق مخططاتها العدوانية وعملياتها العسكرية ضدها ، ولفرض عقوباتها اللا شرعية
الأحادية ، بهدف حصار وإركاع الدول والشعوب الرافضة لهيمنتها ، في استغلالٍ لا أخلاقي
رخيص يستهدف حقوق الإنسان وكرامته وسبل عيشه وسيادته الوطنية.
المهندس:
ميشيل كلاغاصي
20/7/2020