Wednesday, February 24, 2021

إدارة بايدن والعلاقات مع تركيا في الميزان الإقليمي والدولي - م. ميشيل كلاغاصي

على الرغم من لجهته العثمانية ونبرته الهائجة فلا تزال تركيا – أردوغان تعتمد اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً على الولايات المتحدة وعلى حلف شمال الأطلسي ، ولا بد أن الفرح والسعادة قد طرقا قلب "السلطان" – الأطلسي , وهو الباحث دائماً عن ترجمة حقيقية وفعلية لما صرّح به الرئيس جو بايدن بالأمس في قمة ميونخ للأمن , حيث أكد بأن: "اميركا عائدة والتحالف عبر الأطلسي سيعود" وبأن :" أي هجوم على دولةٍ عضو في حلف شمال الأطلسي هو هجوم على كافة دول الحلف" ... فالأيام مع الرئيس ترامب وعدت وربما أثبتت غير ذلك وأقله بالنسبة أردوغان , إذ تصادمت خططهما الإستراتيجية عبر السنوات الأخيرة , وظهر بينهما نوع من الصراع , دفع أنقرة للتحول من حليف إلى منافس في بعض الأحيان , وبدأ الطرفان بتبادل الإتهام حيال ما أطلقا عليه بـ "السلوك الاستفزازي".

بالتأكيد لم ينشأ صراعهما اليوم , لكنه بدأ بالتفاقم منذ عام 2003 , نتيجة الأضرار التي لحقت بتركيا جراء الحرب الأمريكية على العراق , والتي اعتبرتها أنقرة تهديداً وزعزعةً للإستقرار في جنوب شرق تركيا , حيث التواجد السكاني الكثيف لأكراد تركيا , وخشيتها من دعواتهم للإنفصال أو الإستقلال .

إذ لا تزال القضية الكردية تقف حتى اليوم كحجر عثرة بين إيران وتركيا والعراق وسوريا , ولا تزال واشنطن تقدم دعمها لما تسمى ميليشيات "قسد" في سوريا , في الوقت التي تصنف فيه حكومة أردوغان بعض الأحزاب الكردية كتنظيماتٍ إرهابية.

كذلك , تصاعدت الخلافات الأمريكية - التركية من بوابة الإتفاق النووي الدولي – الإيراني , وتجد أنقرة نفسها أقرب إلى التضامن مع روسيا والدول الأوروبية , وتعارض العقوبات الأمريكية على إيران , وتعاظمت مخاوفها مع إنسحاب إدارة ترامب من الإتفاق والعقوبات والحصار والتوتر الكبير والتصعيد العسكري بين واشنطن وطهران , الأمر الذي يقلق تركيا دائماً وهي على حدود إيران.

ولا يمكن تجاوز أحداث عام 2016 والإنقلاب على حكم الرئيس أردوغان في تركيا , والتي لاتزال تصرّ تركيا على إتهام الولايات المتحدة بالوقوف ورائها , وبدعم فتح الله غولن الموجود في الولايات المتحدة منذ عام 1999 , لكن واشنطن تتجاهل المطلب التركي بتسليمه كزعيم لمنظمة إرهابية.

ناهيك عن عشرات الملفات التي تتسبب بتأزيم علاقة أنقرة بواشنطن , فقد ارتفعت وتيرة الخلافات بينهما وبشكل كبير مع التقارب التركي – الروسي , وخصوصاً بعد إبرام صفقة أنظمة صواريخ أرض- جو S-400.

وقد حاولت تركيا استغلال صفتها كدولة أطلسية ، ومن خلال العلاقة الودية بين الرئيسين ترمب وأردوغان , إلى تهدئة التوترات بين الحكومتين , لكن ذلك لم ينجح , وبقيت المطالبة بتسليم "غولن" تلقى الرفض الأمريكي.

ولم تكن البداية مشجعة مع الرئيس بايدن , واحتاج الطرف الأمريكي وقتاً وإلى ما بعد الإتصال بين وزيري الخارجية بلينكن – ج.أوغلو , لتحديد مسار العلاقة مع تركيا , فيما استعجل أردوغان بإختبار الإدارة الجديدة , وأطلق قذائفه عدوانه على مناطق شمال العراق ... ورغم الإعلان عن إتفاق الطرفين على دعم "الحل السياسي" في سوريا , إلاّ أن العنوان الرئيسي لم يتغير, فالولايات المتحدة ماضية في دعم التشكيلات المسلحة في سوريا , ولم ترفع عقوباتها على تركيا, ولم تعلن أنقرة تراجعها عن صفقة الـ S-400 .

كذلك تصاعدت التوترات مجدداً بين تركيا والولايات المتحدة في 11 شباط ، بعد دعوة وزارة الخارجية للإفراج الفوري عن زعيم المجتمع المدني التركي "عثمان كافالا" من السجن , وساعدت تظاهرات طلاب جامعة البوسفور على تفاقم الوضع , مع ظهور علم قوس قزح ( المثليين ) على بعض صور الرموز الدينية الإسلامية , إرضاءاً لبايدن وإنتقاداته للحريات والديمقراطية في تركيا ...

لا تبدو الحكومة التركية بوارد رفع مستوى التوترات والخلافات مع إدارة بايدن , ومن خلال قدرتها على المناورة , حيث لجأت لإرسال الإشارات إلى واشنطن حول إمكانية المصالحة بشأن عدد من قضايا الصراع , وأكد ابراهيم كالين المتحدث باسم الرئاسة التركية قول أردوغان : بأن " أنقرة ستسعى لحل المشاكل مع الولايات المتحدة من خلال الحوار , وستوقف استخدام الـ S-400  إذا توقفت واشنطن عن دعم القوات الكردية" , فيما أكد وزير الدفاع التركي : بأن "استخدام صواريخ الـ  S-400 يعتمد على ظهور التهديدات", فيما أعلنت الولايات المتحدة بأنها لن تتفاوض بشأن هذه المسألة في الوقت الحالي ".

ستبقى طبيعة العلاقات القادمة بين البلدين قيد الإنتظار والإفصاح عن نتائج إجتماع وزراء دفاع الناتو الذي عقد في العاصمة البلجيكية الإسبوع الماضي , لكن ستبقى مكانة تركيا في الناتو وكشريك استراتيجي للولايات المتحدة سارية المفعول .

المهندس: ميشيل كلاغاصي

21/2/2021

No comments:

Post a Comment