Saturday, January 21, 2023

التحولات الجذرية وكسر هيمنة الدولار كسلاحٍ أمريكي - م. ميشيل كلاغاصي


لطالما اعتبر الكثيرون حول العالم بأن "الدولار" الأمريكي , شكّلَ على مدى العقود الطويلة سلاحاً مالياً واقتصادياً , لم يقل أهمية عن كافة الأسلحة العسكرية التقليدية التي استخدمتها الولايات المتحدة في حروبها ومعاركها الباردة والساخنة على حدٍ سواء , واستطاعت بفضله حكم العالم بأسره , على الرغم من صغر حجم تكاليف إنتاجه , والتي لا تساوي ثمن الورق أو الحبر الذي يُطبع به.

ورغم كافة المعارك التي خاضها الدولار مقابل منافسيه وخصومه وأعدائه من العملات , بالإضافة إلى عديد النسكات والإضطرابات التي أصابته , وأحدثت في جدران قوته خدوشاً وندوباً عميقة , إلاّ أنه ظل محافظاً على وجوده ومكانته الدولية التي تفوق قيمته الحقيقية , أمام تصاعد مكانة وقوة غير عملات , مع فارق أنه لم يستطع محو فكرة "إنهياره" من عقول الإقتصاديين والماليين وحتى الناس العاديين.

ففي السنوات الأخيرة ، ضاعف المراقبون توقعاتهم وتحذيراتهم من الانهيار الحتمي للدولار , وعادت وسائل الإعلام للحديث عن فترات الركود التي شهدتها الولايات المتحدة منذ بداية السبعينيات ، خصوصاً تلك التي سجل فيها الدولار إنخفاضاً في قيمته الحقيقية , بالتوازي مع تواتر الحديث عن ترجيج إحتمالية مواجهة الولايات المتحدة خلال عام 2023 , حالة ركودٍ جديدة ومعدلات تضخمٍ عالية للغاية , وهذا بدوره أخذ ينعكس بشكلٍ سلبي على حالة الثقة بالدولار في العديد من الدول , وسط استمرار الولايات المتحدة بإستخدام عملتها كسلاح ضد أعدائها وأصدقائها بدون تمييز.

تبدو إحتمالية الركود الجديدة , قد تترافق وبتوقعات عديد الإقتصاديين , بحدوث إنخفاضٍ في قيمة الدولار ، وقد يتسبب ذلك في حدوث اضطرابات مالية في جميع أنحاء العالم , وهذا بدوره سيشجع على الإستثمار في العملات المنافسة و"المعادية" للدولار ، وسيؤدي إلى زيادة قيمتها , الأمر الذي لم ولن ترحب به الولايات المتحدة , ومع ذلك يبدو أن الإضرابات والحروب التي يشهدها العالم اليوم , وخصوصاً تلك المتعلقة بالنفط والغاز , كشفت تراجع هيمنة الدولار على أسواق الطاقة الدولية.

ومع تنامي المكانة الإقتصادية للصين , والتي تعد حالياً ثاني أكبر اقتصاد في العالم ، وإعتمادها على شراء النفط والغاز من روسيا وإيران وفنزويلا وعدد من البلدان الأفريقية ، ودفع ثمنها باليوان , ومع إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ مؤخراً عن استعداده لدفع ثمن النفط والغاز المستورد من الدول العربية الخليجية باليوان الصيني , بات من الصعب على واشنطن التفرد في الملعب الخليجي , وفرض عليها تقبّل فكرة التعايش مع بكين و"البترو – يوان" , وداخل منظمة أوبك بفضل امتلاك حلفائها القدامى روسيا وإيران وفنزويلا حوالي 40٪ من احتياطيات النفط فيها ، وامتلاك حلفائها الجدد في دول مجلس التعاون الخليجي 40٪ أخرى من احتياطيات أوبك ، بينما تمثل دول مناطق النفوذ الصيني الروسي المشترك الـ 20٪ المتبقية.

وعليه ، يبدو إقدام الصين على دفع أثمان مشترياتها النفطية باليوان قد تسبب بصداعٍ كبير للولايات المتحدة ، وبدأت تتحسس ضعف وتراجع هيمنة الدولار والولايات المتحدة عموماً على المستوى العالمي ، وبحدوث تغييراتٍ جذرية في سوق الطاقة الدولي , وفي أماكن تفردها بالسيطرة منذ عقود طويلة.

وبهدف تعزيز الثقة ومكانة اليوان الصيني , دفعت بكين بإمكانية التحويل ما بين اليوان والذهب في بورصاتها التجارية , الأمر الذي سيوفر فوائد اقتصادية ومالية للسياسيين والمستثمرين على حد سواء , بالتوازي مع تراجع إهتمام المستثمرين حول العالم بسندات الخزانة الأمريكية ، الأمر الذي يسرع عملية "إزالة الدولرة" في جميع أنحاء العالم , وسط تزايد عدد من المصارف المركزية لبعض الدول , بتقليص إعتمادها على الدولار , ناهيك عن الاتفاق المبدئي الروسي – الهندي على الدفع بعملاتها الوطنية في عمليات التبادل التجاري البيني وقف استخدام الدولار في التسويات التجارية المتبادلة ، والدفع بعملاتهما الوطنية.

بالإضافة إلى استياء عدد من الدول كروسيا والعراق وإيران وفنزويلا وأفغانستان , من السلوك الأمريكي , واستغلاله الحرب في أوكرانيا , وفرض العقوبات اللا قانونية وتشديد سياسة الدفع بالدولار ، الأمر الذي هدد مستقبل النظام المالي العالمي , وفرض نظامٍ أمريكي اقتصادي جديد , بالإضافة إلى ما أثبته الواقع الدولي , نتيجة سياسة واشنطن وحلفائها في أوكرانيا , المعادية للإقتصاد الروسي وقطاع النفط والغاز , وبأنها أضرت بالدولار , واستفاد منها الروبل الروسي , وأصبح أحد أقوى العملات في العالم.

من الواضح أن التغيرات الجذرية التي بدأت تواجه النظام العالمي الحالي , ومع تكرار ضرباتها واستهدافاتها لنظام الهيمنة الأحادي , والتي أخذت تتضح شيئاً فشيئاً , لتشكل إنطلاقة اللحظة الأولى التي تشعر فيها الولايات المتحدة بوجود الصين كمنافس حقيقي , وربما متفوق أيضاً , ويحظى بدعمٍ كاملٍ من روسيا وعديد الدول حول العالم , وكل من يجتمعون على إعادة تصحيح التاريخ والنظام الدولي والمنظمة الأممية , وعلى عودة الدولار إلى حدوده الحقيقية , بما يؤكد نهاية مرحلة – الذروة -  للقوة الأمريكية , وبات عليها التخلي عن استمرار تحويل الدولار إلى سلاح.

م. ميشيل كلاغاصي

21/1/2023 

No comments:

Post a Comment