Wednesday, February 22, 2023

قاتلوا روسيا بالوكالة , هل ينوون قتالها بالأصالة ؟ - م. ميشال كلاغاصي

 

بات من المعروف أن الحروب طويلة الأمد تحتاج إلى النفس الطويل , وإلى الإمداد الدائم بالمال والمقاتلين والسلاح , الأمر الذي يُكسب تلك الموارد وبشكلٍ تدريجي أهمية خاصة ، ويجعلها تحتل مكانة متقدمة على جدول أولويات الدول , خصوصاً تلك القادرة على تعويض الخسائر في الجنود والمعدات , لترفع إحتمالية إنتصارها العسكري .

وفي خضم المواجهة الحالية في أوكرانيا , ومع استمرار تسليح القوات الأوكرانية بأسلحة الناتو ودول الإتحاد الأوروبي , تجد الولايات المتحدة وحلفائها الوقت للحديث إمكانية التوصل إلى تسوية سلام مع روسيا , الأمر الذي لا تمانع به موسكو , من بوابة التوافق على الحلول المقنعة لها , والتي تضمن أمنها القومي وأمن مواطنيها في المناطق التي ضمتها مؤخراً وأصبحت تابعة لها رسمياً , بالإضافة إلى حلولٍ تضمن توقف الناتو عن زحفه وتوسعه شرقاً , لكن الغرب يحاول التفاوض على السلام بمعنى الإستسلام الروسي ، أو استمرار المواجهة بخطها التصاعدي الخطير , وحتى الاّن لم يتم التوصل إلى حل وسط يرضي الطرفين , ولا يزال الغرب يأمل في زعزعة الإستقرار الداخلي لروسيا , وإضعافها مالياً وإقتصادياً وعسكرياً , واستنزاف كافة مقدراتها.

في الوقت الذي لا تزال فيه وسائل الإعلام الغربية مهتمةً بالترويج لقدرة الغرب على تزويد أوكرانيا بالأسلحة إلى أمدٍ غير محدود , وسط التقارير الإعلامية المعاكسة , التي تتحدث عن إنكشاف حقيقة المخزون الغربي بالأسلحة , وضعف إمكانيات المجمع الصناعي العسكري لغالبية دول التحالف الغربي , لتعويض الخسائر في العتاد والجنود والمرتزقة الأوكران , وتتم الإستعاضة عن ذلك بتقديم الأسلحة الأكثر نوعيةً وتطوراً , كدبابات ليوبارد 2 الألمانية , الأمر الذي يفتح الباب رويداً رويداً لإنضمام الجيوش الغربية بشكلٍ علني في المعارك والمواجهات , بما يعكس حقيقة إنتقال هذه الدول من القتال بالوكالة إلى القتال بالأصالة , بعدما فضحت عديد اللقاءات والتصاريح الأوروبية الرسمية كماً هائلاً من الإحتقان والغضب والإصرار على هزيمة روسيا , الأمر الذي سيؤدي إلى تدمير ظروف وفرص السلام على المدى المنظور.

ويبقى السؤال , إلى أي مدى تبدو الولايات المتحدة على استعداد لإرسال قوات الناتو علناً إلى أوكرانيا لمواجهة روسيا , وهناك من رأى في اجتماع وزراء الدفاع في قاعدة رامشتاين الأمريكية في 20 كانون الثاني/يناير في ألمانيا , بعض المؤشرات , على إحتمالية قرارٍ غربي لإتخاذ خطوة "جريئة" , في حال تلقت القوات المسلحة الأوكرانية خسائر فادحة جنودها.

في وقت واجه اجتماع قاعدة رامشتاين رفضاً شعبياً , وتظاهرة حاشدة نظمتها مجموعة "أوقفوا رامشتاين" , ردد من خلالها المتظاهرون هتافات "دبلوماسيون لا جنود" و"لا للدبابات في أوكرانيا" , داعين إلى محادثات دبلوماسية وسلام مع روسيا بدلاً من إرسال الدبابات والأسلحة الثقيلة إلى أوكرانيا , ناهيك عن دعوة نائب الأمين العام لحلف الناتو ميرسيا جيوانا , "بالإستعداد لنزاع طويل الأمد في أوكرانيا" , وبأن "عام 2023 سيكون صعباً للغاية". 

لقد كشفت المواجهة بين روسيا والغرب عن بعض المشاكل تقنية والفنية , وعقم بعض التكتيكات العسكرية , وعن هشاشة وضعف ما كان يُعتقد فيها بأنها مكامن القوة على طرفي المواجهة , لكن ما تأكد من الحقائق , هي تلك المشاكل الجوهرية في حلف الناتو , والتي تعتبر غير قابلة للحل وفق الظروف والتركيبة الحالية للحلف.

إن إعلان الولايات المتحدة عن أهدافها بإلحاق الهزيمة العسكرية بروسيا ، وتفتيت الدولة الروسية إلى عدد من الدول الصغيرة ، والسيطرة عليها سياسياً واقتصادياً , تطلب منها توفير المنصة أو ساحة المعركة , وقد وجدتها فعلاً في أوكرانيا , كما تطلب منها توفير المال , الذي قدمته بالمليارات , بالإضافة إلى تأمين العدد الكافي من الجنود والمقاتلين على الجبهات الأوكرانية , وضمان التسليح المناسب , وتعويض الخسائر , من أجل استمرار المواجهة إلى حين تحقيق الأهداف الأمريكية المعلنة

من حيث المبدأ ، نجحت الولايات المتحدة , بتأمين الدعم والغطاء السياسي لأوكرانيا , كذلك الدعم المالي والإقتصادي , لكنها لم تستطع تأمين السلاح الحاسم كماً ونوعاً , بما يتناسب وحجم أهداف المخطط الغربي , فالدولة الروسية قوية وقادرة , وتحتاج هزيمتها إلى أعجوبة عسكرية , في زمن اللاعجائب , كذلك يمكن تقييم حزم العقوبات المالية والإقتصادية , وإرسال المرتزقة إلى أوكرانيا , وتفجير جسر القرم , وأنابيب نوردستريم 1 و2 , بأنها مؤثرة لكنها غير حاسمة , ولا تشكل مبررات أو دوافع لتوريط الدولة الروسية بحربٍ نووية.

الأمر الذي قد يحصر المواجهة بما دون الحرب النووية – حالياً - , ويحدد شكل المواجهة وسقف الأسلحة , بما يعطي الدبابات والمدفعية بعيدة المدى وأنظمة الدفاع الجوي وطائرات الهليوكوبتر والطائرات الحربية , أهميةً كبرى , ويثير شغف وأطماع المهرج الأوكراني , ومطالباته اليومية بتأمين تلك الأسلحة لقواته ومرتزقته , وتُحفّز توقعاته وثقته بالإنتصار. 

ومع الوعود الأمريكية والبريطانية والفرنسية والألمانية والكندية والبولندية , باتت كييف تأمل في الحصول على حوالي 150 دبابة إضافية لما وصلها وتبقى لديها بعد عام من المعارك ، والتي استطاعت القوات الروسية تدميرها وسحقها , بأن هذه الدبابات , وخصوصاً ليوبارد 2 الألمانية , ستكون عماد الهجوم البري الذي تنوي شنه أوكرانيا بدعمٍ واشنطن وحلفائها الأوروبيين , في الصيف القادم , والذي يُرَوج له إعلامياً .

إن جدية الحديث عن حرب الصيف القادمة , تتطلب استهلاك الوقت لحين إنقضاء أشهر الشتاء , وإنتاج الدبابات في المصانع الأمريكية والأوروبية , ونقلها , وتدريب مقاتلي جيش كييف , وتحتاج فيه واشنطن فرض سيطرتها على إيقاع المعارك , وتحويلها إلى حرب استنزاف , تكون أقرب إلى حرب ابتزاز , عسكري - نووي , وابتزازٍ سياسي تسووي , تحاول من خلاله إستعادة ما خسرته في ساحة المعركة , يكون مبنياً على الإستسلام الروسي – الذي لن يحدث بإعتقادي وإعتقاد الكثيرين -.

م. ميشال كلاغاصي

26/1/2023

No comments:

Post a Comment