Saturday, January 21, 2023

وقف المواجهة في أوكرانيا .. من يجب عليه أن يُهزم ؟ المهندس - م. ميشيل كلاغاصي


مع اقتراب الذكرى الأولى لإنطلاقة العملية العسكرية الروسية الخاصة – المحدودة بأهدافها المعلنة , لحماية الأمن القومي الروسي , وحماية المواطنين الروس الذين يتعرضون للمجازر والقصف المدفعي والتعذيب منذ عام 2014 على الأراضي الأوكرانية , والتي حولتها الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع روسيا , وعاشت بفضلها عشرات الدول حول العالم وتحديداً في أوروبا , عاماً قاسياً , حمل من التداعيات والنتائج الأولية , كمّاً هائلاً من الخطورة والإنقسام , ظهرت فيه نوايا دول الخندق الأول كفرنسا وبريطانيا وبولندا وألمانيا , والأحلاف السياسية والعسكرية على حقيقتها , بما لم يسبق لها أن مرت بأزمنة ولحظات مشابهة منذ عقود , وأظهرت بشكلٍ فاضح , ما أعلنته صراحةً الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والإتحاد الأوروبي وكذلك حلف الناتو, وكشفت حقيقة مخططها واستخدامها أوكرانيا كميدان وساحة للمواجهة مع روسيا , والتفرد بها بعد عزلها أو إبعادها عن حلفائها الإستراتيجيين , بهدف "تدمير إقتصادها" و"تقسيمها" والإطاحة بزعامة الرئيس فلاديمير بوتين , لكن قساوة وضراوة المواجهة والمعارك , العسكرية والإعلامية والإقتصادية والإستخبارية و....إلخ , والنتائج العسكرية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية , الكارثية خصوصاً في صفوف الفريق الغربي والأوكراني , خلال أشهر المواجهة الـ /11/ الماضية , جعلها تبدو وكأنها عشر سنوات , وبات الكثيرين حول العالم يفكرون في كيفية وإمكانية وقف الحرب , والإتجاه نحو التفاوض المباشر , والمراهنة على تقاربٍ ما , وإيجابيةٍ ما , في العلاقات الروسية الأمريكية , على أمل حصول التفاهم والإتفاق على حلولٍ منصفة ومناسبة.

على الرغم من استمرار المواجهة حتى نهاية العام وبداية العام الجديد , إلاّ أنه ومن خلال طبيعة البشر التفاؤلية دائماً , خصوصاً في فترة أعياد الميلاد ورأس السنة , راهن البعض على بعض التفاؤل بشأن العلاقات الروسية الأمريكية , في وقتٍ يُعتقد فيه أن بعض التحولات قد بدأت بالحدوث فعلياً بين موسكو وواشنطن.

حيث التقى مؤخراً , رئيس جهاز المخابرات الخارجية الروسي ، سيرغي ناريشكين ، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) وليام بيرنز، في العاصمة التركية , وناقشا خطر استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا وعدد من القضايا الهامة , وعلى إثر هذا اللقاء ، تمت عملية تبادل للأسرى , شملت لاعبة كرة السلة الأمريكية بريتني غرينر, ورجل الأعمال الروسي فيكتور بوت ، الذي سبق ووصفته الولايات المتحدة بأنه من أكبر تجار الأسلحة في العالم , ورفضت إطلاق سراحه طيلة 14عاماً , وسط أجواء تفاؤلية بعملية تبادلٍ أخرى , يطلق فيها سراح الجاسوس الأمريكي بول ويلان , مقابل إطلاق أحد المواطنين الروس الموجودين في السجون الأمريكية أو الألمانية.

تبدو الأجواء مشجعة على قراءةِ مشهدٍ مختلف للقادم من الأيام , بالتوازي مع تصريحاتٍ أمريكية تؤكد عدم حاجتها للصدام مع روسيا في أوكرانيا , وبأنها "غير مستعدة لبدء الحرب العالمية الثالثة لتحقيق رغبات حكومة كييف".

يمكن قراءة بعض الإيجابية والرغبة المشتركة بين الروس والأمريكيين , للحفاظ على الحد الأدنى من الاتصالات والعلاقات , وبأنهما لا يسعيان إلى تصعيد المواجهة العسكرية إلى مستوياتٍ الخطورة التدميرية القصوى , ومع ذلك ، يبدو أن عملية تسوية التناقضات والخلافات الثنائية ، وإيجاد حلٍ للصراع , لا تزال بعيدة المنال.

وبالتالي ، يرى الروس أن الحل الدبلوماسي الوحيد الممكن الذي يضمن عدم حدوث حرب نووية , لا بد وأن يكون بمثابة حل وسط يضمن حصول موسكو على قائمة المقترحات والضمانات الأمنية التي قدمها الرئيس بوتين إلى الولايات المتحدة العام الماضي , ورفضتها واشنطن , تحت ذرائع عدة منها , أن المقترحات تتعلق بمعايير نظام الأمن الأوروبي , وبأنها لا تستطيع بمفردها وبشكلٍ أحادي تحديد صلاحية تلك المقترحات , من الواضح أن واشنطن تتمسك بحرية تقدم وتوسع الناتو شرقاً , ورمي "شباكها" حتى في الفضاء الروسي.

كانت ولا زالت مهمة موسكو صعبة ومعقدة , لتغيير "القواعد" ما بعد نهاية الحرب الباردة وحتى اليوم ، بفضل تعنت نظام الأمن الأوروبي , واستمرار إعتماده على توسيع هيمنة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي , في وقتٍ كانت المقترحات الروسية محقة وضرورية بالنسبة لروسيا , ومفيدة للغرب , طالما أنها ستضمن تحويل أوروبا إلى فضاء للأمن والتعاون المشترك في إطار النظام الأمني الجديد ، والتي ستستفيد حتماً من خفض مستوى الهواجس والمخاوف من الصدام مع دول منظمة الأمن الجماعي , من خلال الإبتعاد السلمي والهادئ عن فضاء ما بعد الإتحاد السوفيتي , بضمانة روسيا الإتحادية , الأمر الذي سيخفف من عدائية الناتو لروسيا .

ومع ذلك ، رفضت الولايات المتحدة المقترحات الروسية , بما يؤكد أن تصويبها أهدافها ليس على منظمة الأمن الجماعي , بل على روسيا تحديداً , لإزاحتها والتفرد بالسيطرة على الفضاء الأوروبي , وتحديداً فضاء الإتحاد الأوروبي , الذي يخلو تماماً من منافسين حقيقيين للولايات المتحدة , وعليه لم تجد واشنطن بداً من تضخيم صورة موسكو وإظهارها كتهديد جدي وحقيقي لأوروبا بأسرها.

تبدو المقترحات الروسية , بما فيها الضمانات الأمنية المقدمة للأمريكيين , تشكل الفرصة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق , كي يكون الحوار والتفاوض بعيداً عن احتمالية استخدام الأسلحة النووية , وبقائه مقيداً ببنود وشروط الإستراتيجية الدفاعية لروسيا. 

تبدو واشنطن وحلفائها في بروكسل والناتو , عاجزين عن تحديد استراتيجيتهم , لإستمرار المواجهة بلا أفق , أو لإتخاذ القرار حول قبول التفاوض , وتحديد "من يجب عليه أن يُهزم" , هل هي أوكرانيا , وهذا سيتيح لهم تقديم التنازلات على حسابها , أم الإبقاء عليها في وضعٍ محايد ورفض انضمامها إلى الناتو , أم الإصرار على "سحق موسكو وإقتصادها", وإلحاق بها "الهزيمة الإستراتيجية".

يبدو من السخيف , تعليق الأمل الأمريكي – الغربي , على أي تقدمٍ أو إخفاقٍ أو إنسحابٍ عسكري روسي , من بعض المناطق في أوكرانيا , وهذا بدوره يدفعهم نحو استمرار التمويل ونقل السلاح إلى حكومة كييف , والإهتمام بزيادة كفائته النوعية , وبتفجير أنابيب نورد ستريم 1 و2 , وتحديد سقف الأسعار, وغيرها من الخطوات التائهة.

وحتى اللحظة , لم تتوصل حكومة كييف , ودول الإتحاد الأوروبي , إلى إكتشاف حقيقة "السعادة" الأمريكية , بالأوضاع الحالية , وبإستمرار إنتقال المال الأوروبي إلى الخزائن الأمريكية , وأن الحل الوحيد يكمن في إجبار سيدهم الأمريكي الجلوس على طاولة الحوار والتفاوض مع روسيا , ومنحها ما تريد , ورمي الصبي والمهرج الأوكراني وحكومته النازية , وعزلهم وإعلان هزيمتهم ووقف دعمهم , وإلاّ فالمواجهة و الحرب العالمية بالوكالة بين روسيا والغرب ستستمر , وأن الرهان على تحسن العلاقات الروسية الأمريكية , لن يجبر واشنطن على منح الأوروبيين جزءاً من "الكعكة".

م. ميشيل كلاغاصي

7/1/2023 

No comments:

Post a Comment