Tuesday, August 30, 2022

الأوروبيون يلهثون لأجل غرفةٍ في بيت الطاعة الأمريكي - م. ميشيل كلاغاصي


لم يعد في إمكان الاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية تجاهل السخط والاستياء الشعبيَّين، اللذين ترصدهما وسائل الإعلام، بصورة يومية.

يبدو أن الفأس وقعت في الرأس، وما زالت أزمة الطاقة الحالية في أوروبا تُلقي ظلالها المخيفة على دول الاتحاد الأوروبي، وسط توقعات تفيد بازدياد حجم المشاكل التي تواجه أوروبا والأوروبيين، الذين باتوا يخشون البرد والصقيع والتجمد في الشتاء الأوروبي، الذي يكاد يحلّ مسرعاً ومكلفاً للغاية هذا العام، بالتوازي مع التغيرات المناخية، وتسجيل نِسَب الجفاف المرعبة، الأمر الذي يبشّر بغموض، حاليّاً ومستقبلاً، ما دامت الرؤوس الحامية مستمرة في حربها على موسكو من دون رؤى وبلا أفق، مع استمرار تدفق أموال الأوروبيين وأسلحتهم نحو أوكرانيا.

تأخر الأوروبيون في إعلان الغضب والتمرد على حكوماتهم، التي أقحمت نفسها في حل لغز "الغزو والإرهاب الروسيَّين" بهمسٍ أميركي صريح، فأهملت شعوبها ومصالحها، وزجّت بها في أتون الأزمات المالية والاقتصادية والغذائية والصحية.

لم يعد في إمكان الاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية تجاهل السخط والاستياء الشعبيَّين، اللذين ترصدهما وسائل الإعلام، بصورة يومية، ووصفهما الإعلام الألماني بأنهما "رعبٌ حقيقي"، بعد أن أثبتت خطط المستشار شولتز فشلها. وبحسب الاستطلاع، الذي أجراه معهد "إنسا" في 19 آب/أغسطس، تبيّن أن نحو 60٪ من المواطنين الألمان أبدوا استياءهم من سياسة شولتز والائتلاف الحاكم، وعبّروا عن رغبتهم واستعدادهم لتغيير الحكومة، على نحو يؤكد تراجع شعبية شولتز بسبب سياسته تجاه أوكرانيا، وعدم التزامه المصالحَ الألمانية الوطنية، في قضايا الغاز والعلاقات بروسيا، كما يعتقدون أن سياساته أدت إلى خراب ألمانيا، وسط تعرّضه لعشرات الانتقادات، وبصورة مباشرة في أثناء خطابه في براندنبورغ، ولصيحات الاستهجان والهتافات المخزية، مثل: "خائن الشعب"، "كاذب"، "هيا ارحلْ".

في هذا السياق، أشارت عدة وسائل إعلام ألمانية إلى أن شولتز قد يُجْبَر على الاستقالة، على الرّغم من تمسكه بالسلطة، بدليل تأكيده للصحافيين، في 22 آب/أغسطس، أنه "لا يرى حاجة إلى تغيير إلزامي للمستشار في ألمانيا، ولا يوجد سبب لتقييد خلال فترة عمله"، الأمر الذي يؤكد قلقه الواضح بشأن المحافظة على وضعه الحالي.

في هذا الوقت، يواصل القادة الأوروبيون، في ظل تفاقم أزمة الطاقة، تنفيذ تعليمات واشنطن ورغباتها بشأن استمرار سياسة العداء لروسيا، والضغط وتقييد دخول الغاز الروسي للأسواق الأوروبية، في حين يحاولون عبثاً إيجاد البدائل من غير دول، الأمر الذي فرض منافساتٍ غير مسبوقة في أسواق الغاز العالمية، وارتفاعاً في اسعار الطاقة، أثّر في جميع الدول حول العالم، وحرم الدول النامية والفقيرة من الحصول على احتياجاتها من الطاقة.  

إن التحركات والزيارات التي قام بها القادة الأوروبيون في اتجاه عدد من الدول المنتجة للطاقة والغاز، بهدف تأمين المصادر البديلة عن الغاز الروسي، لم تأتِ بنتائج مهمة حتى الآن، بينما أطلق بعضهم العنان لأفكارٍ خيالية، أو من دون جدوىً وفائدة، فاتَّجهت الأفكار نحو حثّ بعض الدول، كالنرويج، على بيع الغاز بأقل من أسعار السوق، بينما فشلت محاولات زيادة الإنتاج في عدد من الدول المنتجة. كذلك أعاد بعض الأوروبيين طرح الأفكار بشأن استئناف بناء خط أنابيب "ميديكا"، الذي يربط أوروبا الوسطى بشبه الجزيرة الأيبيرية، وسط تشكيك فرنسي في إمكان نجاح هذه الفكرة.

في هذا السياق، انفردت الحكومة الألمانية، منذ شهر آذار/مارس المنصرم، بتعليق آمالها وتفاؤلها على إبرامها صفقةٍ طويلة الأمد مع قطر لتوريد الغاز المسال، لكن زيارة وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، لقطر في آب/أغسطس الحالي، بدّدت أحلامه، بعد أن قررت قطر إمداد إيطاليا بالغاز بدلاً من ألمانيا، الأمر الذي دفع شولتز إلى طَرق أبواب كندا. لكنّ ما أعلنه رئيس وزرائها، جاستن ترودو، ومفاده أنه "لا توجد طريقة لمساعدة أوروبا بشأن إمدادات الطاقة"، كان صادماً للمستشار الألماني، على الرغم من إدراكه صعوبة تصدير الغاز المسال من كندا عبر ساحلها الشرقي بسبب وعورته، وبسبب عدم امتلاك كندا بنى تحتية لتصديره، ويتطلب إنشاؤها بين 3 و4 أعوام. والأمر ذاته ينسحب على الجانب الألماني، ويجعلها في حاجة إلى الاعتماد على بلجيكا وفرنسا وهولندا.

هذه الصعوبات تطرح السؤال: لماذا ذهب شولتز إلى كندا، إذن، وهو الذي ترك خلفه قيوداً حكومية تفرض على المواطنين الألمان التقشف، والتوصيات بتدفئة غرفة واحدة في المنزل، وكل ما من شأنه توفير الطاقة، بما في ذلك الاستغناء عن الاستحمام، والاكتفاء بالمناشف، بحسب اقتراحات صديقه وينفرد كريتشمان، رئيس وزراء ولاية بادن فورتمبرغ الألمانية!

من الواضح أن التعنت والعناد والتبعية لإملاءات الولايات المتحدة الأميركية تدفع قادة الاتحاد الأوروبي إلى تكثيف البحث عن الطاقة، وتعزيز الحوار مع بلدان الجوار فيما يتعلق بأمن الطاقة وإصلاح سوقها والنهوض بالطاقة المستدامة ومصادر الطاقة المتجدّدة، عبر التخطيط الجيد للتخلي النهائي عن النفط والغاز والفحم الروسي بحلول عام 2027. وبحسب المفوضية الأوروبية، فإنّ كمّيات الغاز، التي تحصل عليها أوروبا من روسيا، سيتم استبدالها، من خلال انخفاض الكربون والطاقة المتجددة وتوفير الطاقة، وإن الاتحاد الأوروبي سيلجأ إلى الاعتماد على خططٍ طارئة لتقليص الصناعات غير الأساسية في أوروبا، ناهيك بوضع الخطط لتمويل البنى التحتية لاستيراد النفط بعيداً عن المصادر الروسية.

وبحسب وكالتي "أسوشييتد برس" و"رويترز"، فلقد ملأت فرنسا 90 في المئة من مخزونها من الغاز لمواجهة الشتاء، وهي في طريقها نحو تخزينٍ كامل بحلول تشرين الثاني/نوفمبر، الأمر الذي يعني ضمان 25٪ من استهلاكها السنوي، بينما ملأت ألمانيا 81.07 ٪ من مخزونها الاستراتيجي، والبرتغال 100 ٪، وبولندا 99.56 ٪، والسويد 90.8 ٪، والدنمارك 93.76 ٪، في حين بقي أكثر من 21 دولة أوروبية عند نسبة ملء لا تتجاوز الـ 50 ٪ حتى اليوم. 

إن إعلان نِسَب التخزين الحالية للدول الأوروبية لا يعني تحقيقها النسب المكافئة لحاجاتها السنوية، وهذا بدوره يؤكد وقوعها في الفخ الأميركي تحت عنوان معاقبة الاقتصاد الروسي وقتاله وحصاره وتدميره، ليس من أجل حكومة كييف المتطرفة، وكرمى لعينَي زيلنسنكي، بل من أجل الاحتفاظ بغرفةٍ أوروبية في بيت الطاعة الأميركي، من دون استحمام، والاكتفاء بمنشفة.

م. ميشيل كلاغاصي

30/8/2022

 

No comments:

Post a Comment