Saturday, August 20, 2022

إردوغان يختبر مكره .. وواشنطن لا تزال تعرقل الحل السياسي في سوريا - م. ميشيل كلاغاصي


بدا من اللافت مؤخراً , تزايد تسليط بعض وسائل الإعلام الغربية الضوء على حقيقة الأفعال التي يقوم بها جيش الإحتلال الأمريكي في سوريا , من سرقة لثروات الشعب السوري , وإخراج منتظم لأرتال صهاريج النفط المسروق بشكلٍ شبه يومي , وحرمان الشعب السوري من حقه في ثرواته , وسط أزمة الطاقة العالمية , والأزمات التي تفرعت عنها , كالأزمات الغذائية , وتداعيات ونتائج الحصار والعقوبات أحادية الجانب , المفروضة بشكل لا قانوني ولا أخلاقي على الشعب السوري.

وعلى خلفية نقص الطاقة المتزايد في الغرب ، تستمر قوات الإحتلال الأمريكي والميليشيات الإنفصالية التي تعمل بإمرتها بسرقة ما يصل إلى 66 ألف برميل نفط يومياً من حقول إنتاجها , التي استولت وسيطرت عليها شرق البلاد , بما يعادل 83% من الإنتاج اليومي في سوريا , وسط توثيقٍ دائم لوكالة الأنباء السورية "سانا" , التي استطاعت المساهمة بفعالية كبيرة بفضح الممارسات الأمريكية على الأراضي السورية.

لم تكتف واشنطن بأفعالها الشنيعة , بل قدمت كل ما تستطيعه من معلومات استخبارية – استطلاعية , ومن خطط عسكرية شجعت من خلالها استمرار الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية , الأمر الذي تفاقم وأصبح بحد ذاته سبباً إضافياً لإندلاع مواجهة جديدة بين سوريا والعدو الإسرائيلي، وإلى زيادة التوترات في المنطقة ، وقد طالبت القيادة السورية عبر وزارة خارجيتها مراراً وتكراراً مجلس الأمن الدولي بالضغط على إسرائيل وأكدت حق سوريا بإستخدام "جميع الوسائل المشروعة" للرد على الإنتهاكات والإعتداءات الإسرائيلية على أراضيها.

من جهةٍ أخرى , لا يزال احتمال أن تقوم قوات الإحتلال التركي بعملية عسكرية جديدة مطروحاً على الطاولة وفقًا لوسائل الإعلام التركية ، لإنشاء منطقة عازلة – اّمنة , على طول الحدود مع سوريا ، حيث تسعى تركيا إلى تكثيف إدعائاتها وإجرائاتها الأمنية لإستهداف وحدات الحماية الكردية (YPG) ، وفصائل حزب العمال الكردستاني (PKK) ، التي تصنفها أنقرة بالإرهابية .

في وقتٍ تسعى فيه أنقرة لإدارة الصراع والخلافات , التي بدأت تخرج عن سيطرتها , نتيجة حالة الفوضى والفلتان التي ساهمت تركيا بخلقها , نتيجة دعمها لكافة أشكال التنظيمات والجماعات الإرهابية , ومن تدعوها أنقرة بفصائل المعارضة المسلحة , التي انقسمت بدورها بفعل الدعم والولاء الخارجي , ما بين الموالين للنظام التركي , والموالين للتنظيمات الجهادية التكفيرية بزعامة أبو محمد الجولاني.

وفي ظل هذه الظروف , تبقى مشكلة اللاجئين السوريين داخل تركيا , ومن يقعون تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية داخل سوريا , في محافظة إدلب , وفي عشرات القرى والمناطق الممتدة من شمال سوريا الغربي في عفرين , وصولاً إلى أقصى الشمال الشرقي للبلاد , بالإضافة إلى أولئك الذين تسيطر "قسد" على مناطقهم.

حالة من التعقيد الشديد فرضتها الولايات المتحدة وتركيا , انعكست على فرص الحل السياسي , الأمر الذي استغلته تركيا والرئيس إردوغان , ليعلن تقارباً غامض المعالم مع دمشق , أكد من خلاله رغبة أنقرة بالتعاون مع الدولة السورية بمكافحة الإرهاب , دون تحديد وتسمية واضحة للتنظيمات والفصائل الإرهابية المقصودة تركياً , وذهابه إلى أبعد من ذلك بقوله :"لا نريد الفوز على الرئيس الأسد , بل مكافحة الإرهاب , علينا اتخاذ مزيد من الخطوات المتقدمة مع سوريا , يمكننا من خلالها إفساد العديد من المخططات في هذه المنطقة".

لا يمكن الحكم مسبقاً على جدية الطروحات والمواقف التركية الجديدة , مع غيابٍ كلي لثقة القيادة والشعب السوري بالرئيس التركي , المحاط بمعارضةٍ تركية داخلية قوية وهو على أعتاب الإنتخابات الرئاسية , وبالنتائج السلبية لسياسته الخارجية , وسياساته الإقتصادية والمالية , وسط تردي الأوضاع المعيشية للشعب التركي , والتضخم , والفساد , وغياب الحريات , وإمتلاء السجون التركية بالصحفيين والمعارضين وضباط وجنود في الجيش التركي تحت مزاعم ولائهم ومشاركتهم في إنقلاب 2016.

يبدو أن لقاء القمة الثلاثي في طهران , والثنائي في سوتشي , أحرجا إردوغان , وباتت الإشاعات والأخبار غير المؤكدة , تصدر بشكل مكثف عبر وسائل الإعلام التركي , عن لقاءات رفيعة المستوى , ومحادثات هاتفية محتملة , بين الجانبين التركي والسوري , وإشاراتٍ لوساطة موسكو وبعض الدول العربية ودول الخليج.

ويذكر أن الدول الغربية ، أعربت عن قلقها بشأن التقارب بين روسيا وتركيا , وتحدثت صحيفتي الفايننشال تايمز ونيويورك تايمز عن تزايد "الغضب الغربي" جراء التعاون التركي الناجح مع روسيا , والسعي الأمريكي لمنع هذا التقارب , ولعرقلة المساعي الروسية بين تركيا وسوريا ، عبر حملة تضليل إعلامية تتهم روسيا بنقل إمداداتها العسكرية إلى أوكرانيا على متن السفن التجارية ، عبر مضيقي البوسفور والدردنيل بإشرافٍ تركي , ناهيك عن موافقة مجلس النواب الأمريكي تعديل مشروع الميزانية العسكرية للسنة المالية 2023, وحظر بيع طائرات الـ F- 16 إلى تركيا , بما يشكل صفعةً انتقامية من تركيا.

أخيراً .. لا يمكن التعويل على مواقف إردوغان الجديدة , ولا يمكن تجاهلها , في حين تبدو أقرب إلى الهرطقة السياسية , فالرئيس إردوغان لا يملك قرار بلاده الداخلي 100% , فهل يعقل أن يملكه خارجها , ويتخذ مواقف تطيح بإمكانية إستمرار وجود القوات الأمريكية على الأراضي السورية , أم أنه يسعى لدفع دمشق بإتجاه حسم ملف شرق سوريا بالقوة العسكرية , على حساب الحوار مع "قسد" ونسف أي نتائج إيجابية محتملة بينهما , والإصطدام مع القوات الأمريكية...

يبدو أن إردوغان يحاول إختبار مكره وذكائه في البحث عن تبرير العملية العسكرية المزعومة على الأراضي السورية , ويحاول إقناع واشنطن وموسكو وإيران بها , من خلال الصخب الجديد الذي ابتدعه وما يسمى بـ "الإنعطافة التركية", في وقتٍ لا تبدو الأجواء العالمية والإقليمية مهيأة لفتح أقنية السلام بشكلٍ حقيقي , ولا تزال رحى الحروب والتوترات السياسية والعسكرية تدور هنا وهناك , وقد تشهد الأيام القادمة مزيداً من المواقف الأمريكية والإسرائيلية والتركية , الساعية لمنع الحل السياسي في سوريا وإنهاء الحرب , وسط غياب أية مؤشرات لإنعطافةٍ أمريكية مشابهة لإنعطافة إردوغان.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

19/8/2022

 

No comments:

Post a Comment