من السذاجة بمكان التعامل مع الملف الأفغاني على أنه إنسحاب
أمريكي وأطلسي , نتيجة حسابات ضيقة وأن الرئيس بايدن أراد إنهاء صفحة "حروب اللا
نهاية وعودة الجنود إلى البلاد" , بالتوازي مع نشاطٍ مكثف لحركة طالبان المؤلفة
من مجموعة من الإرهابيين سيئي السمعة , جهلة , متخلفين , متشددين – متطرفين ، أرادوا
اليوم أن يكونوا جزءاً من "اللعبة الأمريكية الكبرى" التي تتكشف خيوطها في
منطقة المحيطين الهندي والهادي.
إن هيمنة طالبان على الوضع في أفغانستان ، لا يتعلق فقط بوجود
أو إنسحاب القوات الأمريكية والأطلسية , بل يرتبط بشكل وثيق بكافة دول المنطقة , ويعتبر
بمثابة بشرى غير سارة للعديد منهم كالصين وباكستان والهند وطاجكستان , بالإضافة إلى
روسيا وإيران , ويرتبط بشكل رئيسي بأمنهم الوطني والإقليمي وبموقعهم العالمي على الخرائط
الجيوسياسية والعسكرية والإقتصادية الكبرى.
وتبدو طالبان بحاجة لترتيب جدول أولوياتها , وبحسب ما صدر
عن غالبية الدول وبما يتوقعونه منها خصوصاً على الصعيد الخارجي , من قمع لجميع أنواع
التجاوزات المسلحة والتي قد تتسبب بسرعة إندلاع الحرب الأهلية – المتوقعة- ، والقيام
ببسط السيطرة على المناطق الحدودية وتطبيق
النظام والقانون , وتكثيف الإتصالات مع حرس الحدود للدول المجاورة , لمحاصرة أية فوضى
, وأي تحركات ونشاطات إرهابية عبر الحدود , وقمع تجارة المخدرات ...
إذ يمكن للدول المجاورة أن تلعب دوراً في التعاون المثمر
والمفيد لجميع الأطراف , لصياغة أهدافٍ مشتركة واضحة تمنع إمكانية إنتقال الصراع من داخل أفغانستان إلى داخل دول الجوار , على خلفية
الصراعات الموجودة أصلاً بين دول المنطقة , خصوصاً ما يتعلق بالممر الإقتصادي بين الصين
وباكستان , وكافة فروع مشروع الحزام والطريق , والتعقيد الكبير في العلاقات بين الهند
والصين وباكستان وبلوشستان ...إلخ , ومكونات المجتمع الأفغاني , ( البلوش , الهزارة
, التركمان , الطاجيك ...إلخ ), بالإضافة إلى البشتون الذين يشكلون العمود الفقري لطالبان.
ويبقى التعويل على قوة وحكمة كلٍ من الصين وروسيا وإيران
, لمنع إنزلاق الأمور وخروجها عن السيطرة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بأكملها
, حيث وصف الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان بـ"الفرصة
لتحقيق الأمن و السلام الدائم في هذا البلد" ، ودعا للتوصل إلى "التوافق"
وللقيام "بمصالحة وطنية" ، و"مشاركة كل الأطراف".
لا يمكن المراهنة سلفاً عما سيحدث في أفغانستان ومحيطها وكامل
منطقة المحيطين الهندي والهادي , وسط حسابات ومعادلات قد تتغير بالتأثير الأمريكي
, وزيادة عدد المنضمين التحالف المناهض للصين , الأمر الذي سيلقي على عاتق روسيا وإيران
جهوداً إضافية لتسوية التناقضات بين الجهات الخارجية الرئيسية , وبذل المزيد من الجهود
السياسة والدبلوماسية والتجارية – الاقتصادية , بعيداً عن لغة السلاح والعنف والإرهاب
والفوضى المحببة للإدارة الأمريكية.
المهندس: ميشيل كلاغاصي
No comments:
Post a Comment