Wednesday, September 22, 2021

فرنسا تكون أو لا تكون .. اختبارُ الحكمةِ والقوة - م. ميشيل كلاغاصي

"طعنة في الظهر" .. يالها من صرخة أطلقتها الدولة الفرنسية في عصر إيمانويل ماكرون , هل تاهت فرنسا وفقدت أنيابها وأصبح من السهولة بمكان القفز على "سياجها" , أم هو ضعف الرئيس ماكرون داخل وخارج الحدود , أين أصدقائها وجيرانها , هل تحول حلفائها إلى أعدائها , ماذا عن سيد الأطلسي ولماذا أراد لها أن "تغوص" وتكون أول ضحايا التحالف الأمريكي الجديد.

فبشكل مفاجئ قررت استراليا إنهاء العقد الفرنسي للغواصات والمبرم منذ عام 2016 ,  والتحقت وبريطانيا والولايات المتحدة بما سمي "التحالف الأمني بين الهند والمحيط الهادئ - أوكوس" , الذي أعلن إنشائه الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد محادثات ثلاثية الأطراف... كذلك تبعتها سويسرا بقرار شراء طائرات F35 الأمريكية بدلاً عن طائرات الرفال الفرنسية.

ومن المفترض أن يسمح هذا التحالف العسكري للدول المشاركة بتوسيع إمكاناتها العسكرية المشتركة ، وبتبنّي ظهور ما لا يقل عن ثماني غواصات نووية في المياه الاسترالية...وسط اّمال أمريكية بربط الهند واليابان بالتحالف الجديد إلى جانب كوريا الجنوبية , من خلال هدفٍ معلن هو "الدفاع عن المصالح المشتركة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ"... لكنه أخفى هدف التحالف في منع الصين من تحقيق مصالحها خصوصاً التجارية في المنطقة , وإمتلاك قدرة قطع الطرق البحرية التي تربط الصين ببقية العالم , بعد رفض الصين تقييد نموها والخضوع للهيمنة الأمريكية , فكانت فرنسا أولى ضحايا التحالف الجديد.

بات من الواضح أن احتدام العلاقات بين بكين وواشنطن وصل إلى مستوى جديد , شكلت لأجله الولايات المتحدة تحالفاً عسكرياً لمحاربة وخنق المنافس الصيني , بمساعدة حلفائها الأنجلو ساكسونيين لدرجة أنهم اضطروا إلى الخلاف مع فرنسا من أجل ذلك , ولتوجيه رسالة تحذير وتهديد إلى موسكو أيضاً وهي الحليف الإستراتيجي الأكبر للصين.

وكالعادة أعلن الأمريكيون رواية حربهم الجديدة على لسان بايدن , وتحت عنوان "ضمان السلام والاستقرار على المدى الطويل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ" وتحويلها إلى منطقة حرة ومفتوحة , في إشارة واضحة إلى القواعد الصينية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ، وخصوصاً في تلك الجزر "المتنازع عليها" في بحر الصين الجنوبي ، في ميانمار وباكستان وبعض الدول الأخرى ...

وعليه , أطلق بايدن البروباغاندا الأمريكية الجديدة , لتبرير نشوء التحالف وشراء استراليا لغواصاتٍ مزودة بمفاعلات نووية ومجهزة بأسلحة تقليدية لا نووية , "إلتزاماً بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية" – بحسب بايدن-.  

في حين اعترف رئيس الوزراء البريطاني بأن المشروع الرئيسي لإنشاء أسطول الغواصات النووية الأسترالي في إطار تحالف أوكوس "سيصبح واحداً من أكثر التقنيات تعقيداً في العالم وسيتطلب استخدام أحدث التقنيات... الأمر الذي يؤكد تطلعات بريطانيا لتقديم "خدماتها" التكنولوجية للتحالف وبرامجها المتطورة للغواصات النووية.

أما رئيس الوزراء الأسترالي , فلم يخفِ أن هذه الإجراءات تستهدف الصين , لكنها ستنعكس إيجاباً على أمن منطقة المحيطين الهندي والهادئ , وستجعلها بفضل التحالف "أكثر أمانًا واستقرارًا" .. وكشف أن  بناء الغواصات الثمانية في أحواض استراليا سيمنحها قدرات عسكرية غير مسبوقة , وحصولها على صواريخ أمريكية الصنع ، بما في ذلك صواريخ توماهوك كروز ، لتجهيز المدمرات الأسترالية... وأن هذا سيساعد في الحديث المستقبلي مع الصين من موقع القوة. 

على المقلب الصيني ... أثار ظهور الكتلة المناهضة للصين رد فعل عنيف من السلطات الصينية , ودعت كانبيرا ولندن وواشنطن إلى الابتعاد عن "التفكير في زمن الحرب والتحيز الأيديولوجي" وإنشاء "تكتلات استثنائية تستهدف مصالح أطراف ثالثة أو إلحاق الضرر بها".

في الوقت نفسه ، شنت الصين حملة قوية لإدانة السلوك الأمريكي في العالم , على لسان المتحدث باسم الخارجية الصينية , الذي أكد استخدام الولايات المتحدة لمعلومات استخبارية مزيفة  بهدف إثارة الحروب ، وإبادة المدنيين بلا حسيب ولا رقيب بإسم محاربة الإرهاب ، وباستخدام الفوضى والعقوبات الأحادية وبالجرائم التي تنتهك حقوق الإنسان , وأكد أن الأمريكيين يقومون بالعدوان العسكري ويلوحون بهراوة العقوبات , تحت راية "الدفاع عن حقوق الإنسان" ، وتسائل عن ماهية حقوق الإنسان التي يدافعون عنها ؟

أما فرنسا , وبالرغم من تحالفها ومسيرتها الطويلة خلف السياسات الخارجية للولايات المتحدة , إلاّ أنها لا تزال تعتقد بأنها "دولة عظمى" , وتحاول الخروج عن دورها وحجمها وطاعتها للسيد الأمريكي , ومن المثير للشفقة أن تعتقد أنها الرقم الصعب الذي يحتاجه الأمريكيون , في الوقت الذي يشعر فيه الأمريكيون بالإمتعاض وبعدم الثقة بالسياسة الفرنسية وبتعزيز شكوكها حيال حرص فرنسا على خوض المعركة إلى جانبها ضد الصين , الأمر الذي يفسر إقصاء فرنسا عن التحالف الجديد وإبعاد غواصاتها عن المعركة.

بالتأكيد شكل القرار الاسترالي صدمة عنيفة لفرنسا , وتحدث وزير خارجيتها عن نية فرنسا اللجوء إلى "الحزم الكبير", والذي تُرجم بإستدعاء السفراء , وبإلغاء مشاركتها في إحتفالية عسكرية , وببعض العبارات الفارغة سياسياً على قناة فرنسا الثانية تجاه أمريكا واستراليا , وبوصف بريطانيا بأنها "العجلة الخامسة في العربة" ... هل يمكن لماكرون أن يثأر لنفسه وبلاده , وينجح في اختبار الحكمة والقوة , ويتجه نحو الإنسحاب من الناتو , بعدما أثبت أنه أشد منتقديه , وبأن مهمته الرئيسية هي الدفاع عن أوروبا وليس بحل مشاكل الولايات المتحدة , وبالتحالف معها ضد الصين وروسيا.

أخيراً.... إن السعي الأمريكي لتكثيف منافستها الحادة لبعض القوى الكبرى ، سيؤدي إلى المزيد من التوترات الإقليمية والدولية , وسيفتح باب امتلاك الغواصات النووية على مصراعيه , ولن تكون فرنسا الضحية الوحيدة لولادة هذا التحالف الجديد , وسيلتحق بمصيرها اّخرون ممن ستجبرهم واشنطن على الإنضمام إلى التحالف المناهض للصين التي يقف على حدود مجالها القومي والحيوي والإقتصادي البركان الأفغاني , الذي لم يبح بكل "حممه" حتى الاّن ... وبإعتقاد الكثيرين أنه كان على الحكومة الاسترالية التي لا تنافس الصين ولا تصدم معها جيو سياسياً , أن تفكر في عواقب تحولها إلى غواصة نووية لخدمة المصالح الأمريكية , كذلك بعواقب استهدافها للصين ومواجهتها مباشرة , فقد تجد نفسها في ليلةٍ وضحاها تتحدث عن الطعنة الأمريكية في الظهر على غرار فرنسا وتركيا والسعودية واّخرون , إن التحايل الأمريكي على "معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية" يشكل تهديداً للبشرية جمعاء , خصوصاً إذا ما استعملت واشنطن سلاح "الغواصات النووية" في عصرٍ جديد للهجمات الإرهابية النووية.

المهندس: ميشيل كلاغاصي

22/9/2021

 

No comments:

Post a Comment